لماذا الجمع أعلاه بين الفلسفة، و السياسة، و التكرار ؟ ( كلمات ) معروفة، وتبدو بديهية، على مستوى التداول المعجمي، إلا أنها بالوضعية التركيبية التي اخترناها لها، تحتاج منا إلى تفسير أبعاد مفهومها الدلالي. فسطح ( كلمات ) عنوان هذه المقالة، يكاد لا يقول شيئا يذكر بالنسبة للقارئ المتسرع العادي، لأن " الفلسفة " كفكر نقدي، وكإجراء مفهومي، للنظر و القراءة و التحليل، تنتمي إلى حقل العلوم العقلية الخالصة، بصيغة الجمع، حسب تصنيف عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته. و السياسة علم خاص، يقصد به تدبير الشأن العام أو المحلي، وينتمي إلى العلوم الإنسانية. أما " التكرار "، فظاهرة في الطبيعة وفي المجتمع، وفي سلوك الكائنات الحية المتعددة و المتنوعة، ومنها الإنسان. و " التكرار " ظاهرة يمكننا ملاحظتها، ودراستها دراسة مخبرية، وهي المهمة التي تنهض بها خاصة العلوم الحقة، كالفيزياء و الكيمياء، وعلوم الحياة و الأرض. غير أننا لا بد من إبداء ملاحظة هامة، تخص الفرق بين ما سميناه ب" التكرار "، كسلوك طبيعي وضروري، في مسار حياة الكائنات الطبيعية، مفروض من قبل الطبيعة ذاتها، و " التكرار "، كفعل سلوكي، يفرضه على الإنسان، كائن طبيعي من نوعه ذاته. وبالتالي، ف" التكرار " الأول آلي بالضرورة، لا تحس به الحيوانات و لا الحشرات. فالنحلة تتصرف بشكل آلي ومكرور، لا تشعر بسلوكها المتكرر، وهي تعمل على إنتاج و إعادة إنتاج مادة العسل. لأنها حشرة تملك الوعي ( الإحساس ) في الذات، ولا تملكه كذات واعية بذاتها، كما فكر هيغل في حينه. وبالتالي، فهذا هو الفرق الأساس بين " التكرار " الطبيعي، إذا صح التعبير، و الذي هو إحدى المظاهر الأساسية للطبيعة، و " التكرار " الاجتماعي في المجال البشري، الناتج عن قوة مهيمنة فاعلة، تفرض ذلك " التكرار " الممنهج و المقصود، لغاية في نفس يعقوب كما يقال. إلا أن الإنسان كذات تفكر، تعي بذاتها، وهي تكرّر السلوك المفروض عليها باسم بعض القواعد القانونية و الدينية و الثقافية و الاجتماعية و العرفية..
إذن، هذا بالنسبة للقراءة البسيطة لمنطوق سطح عنوان مقالتنا: هي ( كلمات )، كما لو كانت جزرا، اتخذت لها مواقع، لا توجد بينها أية علاقات جسور، من النوع التركيبي المعتاد الذي يتوقعه القارئ ( الفلسفة، السياسة، التكرار ). و بالتالي، كيف بإمكاننا تحقيق المبتغى الفكري، الذي هو إنتاج معنى ( الكلمات )، الذي نطمح إلى استجلاء ملامحه و أسئلته ؟ كيف يمكننا الانطلاق من ما يبدو مفكّكا وبسيطا وتائها، و أحيانا تافها ورتيبا للغاية، أو مهمّشا في التداول اليومي، من أجل تأسيس رؤية فكرية عميقة، تحمل رسالة إنسانية، لها معنى متميز، وقوي، وبديع ومكتشف ؟ بل كيف يمكن مباشرة المعنى الجديد، انطلاقا من أساس الواقع البئيس للطبيعة والإنسان، في زمن راهني مكبّل بقيود الحداثة المزيّفة، يعجّ باللانهائي الملتبس، لمظاهر أصباغ الأقنعة المثيرة و الفتاكة في نفس الوقت ؟ لعلنا نطرح هنا هذه الأسئلة المحرقة، حتى نقترب أكثر من قولنا المباشر، بأن الجواب عنها ممكن عندنا بالإيجاب طبعا.. إنّ الأداة الفكرية و المنهجية الصارمة التي نراهن عليها لتحقيق وتأسيس فعل المعنى المبحوث عنه، و المرغوب فيه، ارتباطا بالأسئلة السابقة أعلاه، تكمن في نظرنا: في الاستعمال التأسيسي، وليس الوظيفي و المهني، للنظر الفلسفي النقدي، باعتبار الفلسفة هنا مفهوم إجرائي، وطريقة تفكير، ونمط حياة، وليست مضمون معرفي، أو مجرد معارف خاصة، تصلح للدرس و التلقين و التدجين.
بهذا المعنى، فالفلسفة، في رأينا على الأقل، مؤهلة أكثر من أي علم آخر، لمساعدة الإنسان و التعاون معه جدّيا، لإخراجه من محنته الحضارية التي تورط فيها، خاصة محنة بؤس أنظمته التربوية و التعليمية، و أزمة ثقافته القيمية المزمنة، و انتشار التعصّب المختار، و التخلف المراد ..، وليس معاقبته، وذلك بإبقاء قوته العقلية يقظة بتحصينها، و الوعي بخطورة فعل " التكرار " الذي يعتبر عندنا كمنتوج أساسي، لفعل التفكير السياسي المركزي، المستبد بتعصبه لتنفيذ أجندته، و التغييب الفعلي و الرمزي للتشارك و التشاور مع باقي الفرقاء الفاعلين في الحقل المجتمعي للبلد.
من هنا، جاء استخدامنا و اختيارنا، في عنوان مقالنا، كمدخل لتركيبه اللغوي و الدلالي، لفظة الفلسفة، كحاملة مشعل قيادة المعنى ( بالتعريف )، و التأسيس المفهومي لفكر ما بعد السطح، في سياق تعرية و اكتشاف تجليات العنف الذي يمارسه ما هو سياسي، وحليفه الاقتصادي، على الإنسان و الطبيعة و المجتمع، خاصة في بلدان العالم العربي و الأمازيغي و الاسلامي، بمختلف مظاهر هذه المكونات الحيّة على واقع أرضنا. ومن طبيعة الحال، يراهن السياسي، كفكر وكنسق سلطة، لتحقيق أرباحه المادية و الرمزية، بتعبير بورديو، اعتمادا على ما سميناه بفعل " التكرار "، كسلوك عملي، يتمّ به صناعة نمط الإنسان الذي يخدم وظيفة أنظمة النسق السياسي المهيمِن.
لعلّ " التكرار " هنا بمثابة آلية "جهنمية" للفرض الاعتباطي للمبتغى المراد، وتدجين الكائن، و إخضاع ظلال الممكن، تمهيدا له لإعدامه، و إعداده لفرض واقع الاحتكار، وشل حركته، و إعادة إنتاج واقع العبيد، المشمول بإرادة الأسياد. " التكرار " يعني هنا وصفة سحرية عنيفة، لتكريس سياسة التعتيم و التخدير، و الإتعاب و الإضعاف القسري، خدمة لحاجيات ورغبة سلطان قوة القوى المُهيمنة و"المُنتِجة" حسب واقع الحال. هنا لا بد أن يكون تدخل الفلسفة، حاسما وحتميا وضروريا، كفكر مُقاوِم ومدافِع عن الحق في الحياة و الوجود و اقتسام القوة. وليس الخضوع الأعمى لقهر السلطة، و التآمر الذاتي ضدّ الذات الأصلية.
هكذا تتحول الفلسفة، من دورها الأصلي و الأساسي، الذي ننظر إليه كأداة للحوار المُنتج للقيمة والمعنى، بين كل أطياف القوى المفكرة الفاعلة، في عين دائرة المجتمع المحلي أو الإنساني، إلى دورها النضالي التغييري و التنويري، كأداة للصراع التاريخي و الاجتماعي، ضدّ أنساق السلطة السياسة، و الفكرية الموجهة، و المتواطئة، و التكرارية الفجّة، من أجل مقاومة الظلم و الفساد، و الطبقية و العنصرية، و الميز الثقافي و الديني و اللغوي و العرقي ... إلخ. محاولة منها طبعا، و التزاما بخاصيتها الصراعية الجوهرية، على مدى تاريخها الفكري و الفلسفي الطويل، ردّ أمور الشأن الوجودي و الحياتي، إلى بدء أصلها، وتفسير حقائق الحياة الحرة للإنسان وكرامته، كما هي في الواقع المعيشي، وليس كما يمكن أن تبدو في السطح البسيط، من خلال ثنايا خطب الأوثان.
إذن، هذا بالنسبة للقراءة البسيطة لمنطوق سطح عنوان مقالتنا: هي ( كلمات )، كما لو كانت جزرا، اتخذت لها مواقع، لا توجد بينها أية علاقات جسور، من النوع التركيبي المعتاد الذي يتوقعه القارئ ( الفلسفة، السياسة، التكرار ). و بالتالي، كيف بإمكاننا تحقيق المبتغى الفكري، الذي هو إنتاج معنى ( الكلمات )، الذي نطمح إلى استجلاء ملامحه و أسئلته ؟ كيف يمكننا الانطلاق من ما يبدو مفكّكا وبسيطا وتائها، و أحيانا تافها ورتيبا للغاية، أو مهمّشا في التداول اليومي، من أجل تأسيس رؤية فكرية عميقة، تحمل رسالة إنسانية، لها معنى متميز، وقوي، وبديع ومكتشف ؟ بل كيف يمكن مباشرة المعنى الجديد، انطلاقا من أساس الواقع البئيس للطبيعة والإنسان، في زمن راهني مكبّل بقيود الحداثة المزيّفة، يعجّ باللانهائي الملتبس، لمظاهر أصباغ الأقنعة المثيرة و الفتاكة في نفس الوقت ؟ لعلنا نطرح هنا هذه الأسئلة المحرقة، حتى نقترب أكثر من قولنا المباشر، بأن الجواب عنها ممكن عندنا بالإيجاب طبعا.. إنّ الأداة الفكرية و المنهجية الصارمة التي نراهن عليها لتحقيق وتأسيس فعل المعنى المبحوث عنه، و المرغوب فيه، ارتباطا بالأسئلة السابقة أعلاه، تكمن في نظرنا: في الاستعمال التأسيسي، وليس الوظيفي و المهني، للنظر الفلسفي النقدي، باعتبار الفلسفة هنا مفهوم إجرائي، وطريقة تفكير، ونمط حياة، وليست مضمون معرفي، أو مجرد معارف خاصة، تصلح للدرس و التلقين و التدجين.
بهذا المعنى، فالفلسفة، في رأينا على الأقل، مؤهلة أكثر من أي علم آخر، لمساعدة الإنسان و التعاون معه جدّيا، لإخراجه من محنته الحضارية التي تورط فيها، خاصة محنة بؤس أنظمته التربوية و التعليمية، و أزمة ثقافته القيمية المزمنة، و انتشار التعصّب المختار، و التخلف المراد ..، وليس معاقبته، وذلك بإبقاء قوته العقلية يقظة بتحصينها، و الوعي بخطورة فعل " التكرار " الذي يعتبر عندنا كمنتوج أساسي، لفعل التفكير السياسي المركزي، المستبد بتعصبه لتنفيذ أجندته، و التغييب الفعلي و الرمزي للتشارك و التشاور مع باقي الفرقاء الفاعلين في الحقل المجتمعي للبلد.
من هنا، جاء استخدامنا و اختيارنا، في عنوان مقالنا، كمدخل لتركيبه اللغوي و الدلالي، لفظة الفلسفة، كحاملة مشعل قيادة المعنى ( بالتعريف )، و التأسيس المفهومي لفكر ما بعد السطح، في سياق تعرية و اكتشاف تجليات العنف الذي يمارسه ما هو سياسي، وحليفه الاقتصادي، على الإنسان و الطبيعة و المجتمع، خاصة في بلدان العالم العربي و الأمازيغي و الاسلامي، بمختلف مظاهر هذه المكونات الحيّة على واقع أرضنا. ومن طبيعة الحال، يراهن السياسي، كفكر وكنسق سلطة، لتحقيق أرباحه المادية و الرمزية، بتعبير بورديو، اعتمادا على ما سميناه بفعل " التكرار "، كسلوك عملي، يتمّ به صناعة نمط الإنسان الذي يخدم وظيفة أنظمة النسق السياسي المهيمِن.
لعلّ " التكرار " هنا بمثابة آلية "جهنمية" للفرض الاعتباطي للمبتغى المراد، وتدجين الكائن، و إخضاع ظلال الممكن، تمهيدا له لإعدامه، و إعداده لفرض واقع الاحتكار، وشل حركته، و إعادة إنتاج واقع العبيد، المشمول بإرادة الأسياد. " التكرار " يعني هنا وصفة سحرية عنيفة، لتكريس سياسة التعتيم و التخدير، و الإتعاب و الإضعاف القسري، خدمة لحاجيات ورغبة سلطان قوة القوى المُهيمنة و"المُنتِجة" حسب واقع الحال. هنا لا بد أن يكون تدخل الفلسفة، حاسما وحتميا وضروريا، كفكر مُقاوِم ومدافِع عن الحق في الحياة و الوجود و اقتسام القوة. وليس الخضوع الأعمى لقهر السلطة، و التآمر الذاتي ضدّ الذات الأصلية.
هكذا تتحول الفلسفة، من دورها الأصلي و الأساسي، الذي ننظر إليه كأداة للحوار المُنتج للقيمة والمعنى، بين كل أطياف القوى المفكرة الفاعلة، في عين دائرة المجتمع المحلي أو الإنساني، إلى دورها النضالي التغييري و التنويري، كأداة للصراع التاريخي و الاجتماعي، ضدّ أنساق السلطة السياسة، و الفكرية الموجهة، و المتواطئة، و التكرارية الفجّة، من أجل مقاومة الظلم و الفساد، و الطبقية و العنصرية، و الميز الثقافي و الديني و اللغوي و العرقي ... إلخ. محاولة منها طبعا، و التزاما بخاصيتها الصراعية الجوهرية، على مدى تاريخها الفكري و الفلسفي الطويل، ردّ أمور الشأن الوجودي و الحياتي، إلى بدء أصلها، وتفسير حقائق الحياة الحرة للإنسان وكرامته، كما هي في الواقع المعيشي، وليس كما يمكن أن تبدو في السطح البسيط، من خلال ثنايا خطب الأوثان.