«بقي المحرض على الحب "غسان كنفانى" يردد : “الفكرة النبيلة لا تحتاج غالبا إلى الفهم ، بل تحتاج إلى الإحساس” ، حتى ظنوا من اغتالوة أنهم قد اغتالوا معة فكرتة النبيلة بطلقات غدرهم التى أصابوة بها بالقرب من بيروت في الثامن من يوليو 1972 ، يصادف اليوم الاحد الثامن من من يوليو ، الذكرى الـ 46 لاستشهاد الرائع "غسان كنفاني" عقب انفجار عبوة ناسفة تحت مقعد السائق في سيارة مركونة بحى الحازمية بالقرب بيروت ، لتودي بحياة "غسان كنفاني" عن عمر 36 عامًا وابنة أخته "لميس" ذات السبعة عشر عامًا ، ويومها اعلنت المجرمة " جولدا مائير" : "إنني كنت أتمنى أن تقطع يديه فقط ليكون عبرة لمن يعتبر، حيث كان أخطر علينا من كتيبة من الفدائيين الفلسطينيين" ، لكنه كان اغتيال لم يقوى على ان ينال من الفكرة النبيلة فقد ظل "كنفانى" كما عاش صلبا كالسنديان ، ثائرآ بفكره وقلمه ، فقد كان قلمة يقلق مضاجعهم ، ومواقفة تكشف زيفهم وخيانتهم ، فلم يكن بُد إلا مطاردة قلمه أينما ذهب ومحاولة إسكات صوتة المفعم بالحرية الى الابد ، لكن ان ينتصر الموت على الحياة ، وانة ورغم غياب جسده ، الا انه مازال يوجعهم بكل ما يحمل قلمه من ثورة وعنفوان ، لقد اختزال "كنفانى" شعباً في انسان. ولد غسان كنفاني في التاسع من أبريل عام 1936 ، بمدينة عكا ، قاهرة الغزاة والفاتحين ، في الوقت الذي بدأت فيه الثورة الفلسطينية الشعبية ضد الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية ، وحين سقطت مدينة عكا في مارس سنة 1948 في أيدي العصابات الصهيونية كان “كنفانى” ، قد بلغ الثانية عشرة من عمره فخرج من وطنة مع أسرته نازحا إلى جنوب لبنان ومنه انتقل إلى دمشق ونظرا لكون أحواله المعيشية مع والديه لم تعد كما كانت عليه من قبل ، حيث بدأت العائلة رحلتها مع العمل والدراسة والنضال ، بدأ “كنفانى” ، وأخواه يعملان لإعالة الأسرة النازحة في الوقت الذي يستمران فيه بالدراسة ليلاً، وقد حاز على شهادة الدراسة الإعدادية ، فاشتغل معلماً في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في دمشق ثم حاز على شهادة الدراسة الثانوية وانتمى بعد ذلك إلى جامعة دمشق قسم الأدب العربي لمدة ثلاث سنوات فصل بعدها لأسباب سياسية.. وفي دمشق شارك أسرته حياتها الصعبة ، أبوه المحامي عمل أعمالا بدائية بسيطة ، أخته عملت بالتدريس ، هو وأخوه صنعوا أكياس الورق، ثم عمالا، ثم قاموا بكتابة الاستدعاءات أمام أبواب المحاكم وفي الوقت نفسه كان غسان يتابع دروسه الإعدادية ، بعدها تحسنت أحوال الأسرة وافتتح أبوه مكتباً لممارسة المحاماة فأخذ هو إلى جانب دراسته يعمل في تصحيح البروفات في بعض الصحف وأحياناً التحرير واشترك في برنامج “فلسطين” ، في الإذاعة السورية وبرنامج الطلبة وكان يكتب بعض الشعر والمسرحيات والمقطوعات الوجدانية ، وكانت تشجعه على ذلك وتأخذ بيده شقيقته التي كان لها في هذه الفترة تأثير كبير علي حياته. وأثناء دراسته الثانوية برز تفوقه في الأدب العربي والرسم وعندما انهي الثانوية عمل في التدريس في مدارس اللاجئين وبالذات في مدرسة “الاليانس” ، بدمشق والتحق بجامعة دمشق لدراسة الأدب العربي وأسند إليه آنذاك تنظيم جناح فلسطين في معرض دمشق الدولي وكان معظم ما عرض فيه من جهد غسان الشخصي ، وذلك بالإضافة إلى معارض الرسم الأخرى التي أشرف عليها ، فترك دمشق سنة 1955، وفي هذاالوقت كان قد انخرط في حركة القوميين العرب ، وقام بالتدريس في المعارف الكويتية عام 1955، وفي هذه المرحلة ، كان يقرأ كتابا كل يوم ، وبدأ يكتب التعليقات السياسية في الصحف الكويتية بتوقيع “أبو العز” ، ما لفت الأنظار إليه ، و كتب أيضاً أولي قصصه القصيرة “القميص المسروق” ، التي نال عنها الجائزة الأولى في مسابقة أدبية. ظهرت عليه بوادر مرض السكري في الكويت أيضا، وكانت شقيقته قد أصيبت به من قبل وفي نفس السن المبكرة، مما زاده ارتباطاً بها وبالتالي بابنتها الشهيدة لميس نجم التي ولدت في عام 1955، فأخذ غسان يحضر للميس في كل عام مجموعة من أعماله الأدبية والفنية ويهديها لها وكانت هي شغوفة بخالها محبة له تعتز بهديته السنوية تفاخر بها أمام رفيقاتها ولم يتأخر “غسان” ، عن ذلك إلا في السنوات الأخيرة بسبب ضغط عمله.خزان غسان كنفاني عام 1960 حضر غسان إلى بيروت للعمل في مجلة “الحرية” ، كما هو معروف ، لقد كانت بيروت المجال الأرحب لعمل “غسان” ، وفرصته لالتقاء التيارات الأدبية والفكرية والسياسية ،بدأ عمله في مجلة “الحرية” ، ثم أخذ بالإضافة إلى ذلك يكتب مقالا أسبوعيا لجريدة “المحرر” البيروتية والتي كانت ما تزال تصدر أسبوعية ، صباح كل اثنين ، لفت نشاطه ومقالاته الأنظار إليه كصحفي ومفكر وعامل جاد ونشيط للقضية الفلسطينية فكان مرجعاً لكثير من المهتمين ، وفى عام 1961 كان يعقد في “يوغوسلافيا” ، مؤتمر طلابي اشتركت فيه فلسطين وكذلك كان هناك وفد دانمركي ، كانت بين أعضاء الوفد الدانمركي فتاة متخصصة بتدريس الأطفال ، قابلت هذه الفتاة الوفد الفلسطيني ولأول مرة سمعت عن القضية الفلسطينية ، واهتمت الفتاة اثر ذلك بالقضية ورغبت في الاطلاع عن كثب على المشكلة فشدت رحالها إلى البلاد العربية مرورا بدمشق ثم إلى بيروت حيث أوفدها أحدهم لمقابلة غسان كنفاني كمرجع للقضية، وقام غسان بشرح الموضوع للفتاة وزار وإياها المخيمات وكانت هي شديدة التأثر بحماس غسان للقضية ، وكذلك بالظلم الواقع على هذا الشعب. ولم تمض على ذلك عشرة أيام إلا وكان غسان يطلب يدها للزواج وقام بتعريفها علي عائلته كما قامت هي بالكتابة إلى أهلها ، وقد تم زواجهما بتاريخ 19/10/1961 ورزقا بفايز في 24/8/1962 وبليلى في 12/11/1966 ، بعدأن تزوج غسان انتظمت حياته وخاصة الصحية إذ كثيراً ما كان مرضه يسبب له مضاعفات عديدة لعدم انتظام مواعيد طعامه . عندما تزوج “غسان” ، كان يسكن في “شارع الحمراء” ، ثم انتقل إلى حي المزرعة ، ثم إلى “مار تقلا”، حيث أقام أربع سنوات. وحين طلب منه المالك إخلاء شقته قام صهره بشراء شقته الحالية وقدمها له بإيجار معقول ، وفي بيروت أصيب من مضاعفات السكري بالنقرس وهو مرض بالمفاصل يسبب آلاما مبرحة تقعد المريض أياماً، ولكن كل ذلك لم يستطع يوماً أن يتحكم في نشاطه أو قدرته على العمل فقد كان طاقة لاتوصف وكان يستغل كل لحظة من وقته دون كلل ، وبرغم كل انهماكه في عمله وخاصة في الفترة الأخيرة إلا أن حق بيته وأولاده عليه كان مقدساً. كانت ساعات وجوده بين زوجته وأولاده من أسعد لحظات عمره وكان يقضى أيام عطلته ، لقد كان أدب غسان ونتاجه الأدبي ، متفاعلا دائما مع حياته وحياة الناس وفي كل ما كتب كان يصور واقعا عاشه أو تأثر به ، وبدء “غسان كنفاني” ، حياته السياسية عام 1953م حين قابل الدكتور جورج حبش الذي يعد مؤسساً لحركة القوميين العرب، وكانت المقابلة في دمشق وخلال تلك الفترة على وجه التحديد بدأ غسان يمارس حياته السياسية بشكل واع كعضو فعال في حركة القوميين العرب وقد غادر سوريا إلى الكويت لكن سرعان ما طلبت إليه القيادة الانتقال إلى لبنان عام 1960. ليعمل في صحيفة الحركة وفي عام 1967 بدأ عمله في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فعاش لحظات نشوئها حركة سياسية ثورية ونضالية تمارس الثورة التقدمية الفعلية وتتفاعل ضمن خط إستراتيجي وهدف وطني محدد وتبلور روح التحرير المستهدفة مع باقي منظمات المقاومة الفلسطينية . وعن نضاله في حركة القوميين العرب واعتناقه للمبادئ الاشتراكية يقول غسان: “يمكنني القول بأن حركة القوميين العرب كانت تشمل بعض العناصر الشابة، وكنت من ضمنها، التي كانت تسخر من حساسية الكبار في السن تجاه الشيوعية وبالطبع لم نكن يومها شيوعيين، ولم نكن نحبذ الشيوعية. غير أن حساسيتنا ضد الشيوعية كانت أقل نسبة من حساسية المتقدمين في السن. وبالتالي، لعب الجيل الجديد دوراً بارزاً في تطوير حركة القوميين العرب إلى حركة ماركسية لينينية. وكان العامل الأساسي في ذلك كون غالبية أعضاء حركة القوميين العرب من الطبقة الفقيرة أما الأعضاء المنتمون إلى البورجوازية الصغيرة أو البورجوازية الكبيرة فقد كان عددهم محدوداً… وقد اطلعت على الماركسية في مرحلة مبكرة من خلال قراءاتي وإعجابي بالكتاب السوفيات ، وغسان الذي عاش نشوء الجبهة الشعبية وعاصر تطوراتها وناضل في صفوفها عضو من أعضاء المكتب السياسي فيها. كانت له علاقات واسعة مع المنظمات الثورية في العديد من بلدان العالم والمعروف أنه بعد قيام العملية الفدائية في مطار اللد في مايو 1972 وجهت المخابرات الصهيونية أصابع الاتهام إلى غسان كنفاني واتهمته بضلوعه في التخطيط لهذه العملية ، وكان حينذاك "كنفانى" من موقعه كرجل إعلام وسياسة يؤمن ويدعو للعمل المسلح والحرب الشعبية طريقاً لتحرير فلسطين ، ليكتب بعدها القميص المسروق أول قصصه القصيرة ، لكنه أيضا أصيب بمرض السكري ، وهو المرض الذي جعله يرتبط بأخته التي أصيبت بالمرض نفسه ، وبابنتها لميس ، وكانت هي شغوفة بخالها وبهداياه السنوية التي كانت عبارة عن أعمال أدبية ، عمل في مجلة الحرية في لبنان ، وأخذ يكتب مقالا أسبوعيا لجريدة المحرر البيروتية ، ثم تزوج من “آني” ، كنفاني في عام 1961، وانجب منها بفايز وليلى ، ترك كنفاني إرثا ثقافيا مهما، فقد أصدر: موت سرير رقم 12، مجموعة قصصية صدرت في بيروت عام 1961، وأرض البرتقال الحزين، مجموعة قصصية صدرت في بيروت عام 1963، ورواية رجال في الشمس في بيروت عام 1963، وقد حولت إلى فيلم بعنوان ‘المخدوعون’، ورواية أم سعد 1969، ورواية عائد إلى حيفا 1970، ومجموعة قصصية بعنوان الشيء الآخر، صدرت بعد استشهاده 1980، وثلاث روايات غير مكتملة هي العاشق، والأعمى والأطرش، وبرقوق نيسان، كما أصدر القنديل الصغير وهي قصة للأطفال، وثلاث مسرحيات هي: القبعة والنبي، وجسر إلى الأبد، والباب، وكذلك مجموعة قصصية بعنوان القميص المسروق، ورواية ما تبقى لكم، وأصدر عدة دراسات هي: أدب المقاومة في فلسطين المحتلة، والأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال، وفي الأدب الصهيوني، وثورة 36-39، خلفيات وتفاصيل ، حصل كنفاني عام 1966 على جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان عن رواية ما تبقى لكم، ومنح وسام القدس عام 1990، ونال جائزة منظمة الصحفيين العالمية عام 1974، وجائزة اللوتس عام 1975. في الثامن من يوليو 1972، وضع له عملاء جهاز "الموساد" الصهيونى عبوة ناسفة في سيارته تزن خمسة كيلوجرامات ونصفا، كانت كفيلة بهدم بناية من أربعة طوابق ، فأدى انفجارها إلى استشهاده مع ابنة أخته لميس حسين نجم ، ابنة السابعة عشرة، ولم يتم التعرف على اشلاء جسد "كنفانى" إلا من خلال خاتم في إصبعه بعد أن تحولت جثته إلى أشلاء مبعثرة. وقد نعاة الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش - محاولة رثاء بركان - التى نشرت فى 8 تموز 1972 -"نعزي أهلك لا ، نعزي أنفسنا لا ، نذهب إلى جبل الكرمل ونعزيه ، نذهب إلى شاطئ عكا ونعزيه ، نذهب إلى فلسطين ونعزيها ، هي المفجوعة ، هي الثَّكلى ، نعزيها أم نهنِئها ، لا أدري ، فهي التي سترتب عظامك ، هي التي ستعيد تكوينك من جديد ، ونحن هنا ، سنموت كثيراً، كثيراً نموت ، إلى أن نصبح فلسطينيين حقيقيين ، وعرباً حقيقيين ، ولكني أستأذنك الآن في البكاء قليلاً ، فهل تأذن لي بالبكاء ، هل تغفر لي ، أما كنت تحبني يوم كنت هناك" وفى ذكرى استشهادك ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻭﻝ ﺍﻣﻨﻴﺎﺗﻲ ﺍﻥ ﺍﻟﺘﻘﻲ ﺑﻚ ، أن نشرب القهوة معا ، أن اشعل لك آخر عود ثقاب في علبتى الفارغة ، ان نتابع المسير سويا حتى نصل إلى طاولة فارغة على احدى مقاهى "الحمرا" بقلب بيروت ، لنتركل إليها ، قبل يأتي إلينا أحد ، لكى اخبرك انه بطريقة او بأخرى ، انك غيرت مسار حياتي وأثرت فيها ، وانك باق ، لن تذهب ولن تمحى وسيبقى اثرك هنا مغروس كجذر زيتونة يستعصى عن القلع ، في ذكرى استشهادك ، قد لا استطيع ان اجمع شتات تفاصيلك ولا ملامح صورتك ، ولا اتذكر طيف دفئك ، اتذكرني انت ، ايها الراحل قبل ست وأربعون عام مضت ، وكانها أربع ليالي غفى فيهم القمر ، انا الا استطيع ان أراك الا صورة دافئة تشع منها كل تعويضات الماضي ، فمازلت طفلا يحدق بنفس الصورة منذ اكثر من اربعون عام .. المجد لك ايها المحرض على الحب».