أولى عصر الإصلاح البروتستانتي عندما كانت فنلندا جزءًا من مملكة السويد، قبل ذلك وبعده، اهتمامًا كبيرًا بالكتب، بالقراءة وبنشر الأدب في أوروبا. وفي ذلك العصر تضاعفت المحاولات لنشر العلم والمعرفة حول الديانة المسيحية وتعليم الشعب القراءة. حينها كان الكتاب أمرًا خاصًّا بالحياة الأكاديمية.
معظم الكتب في القرون الوسطى كانت ذات طابع ديني. آنذاك نسخ الكتب في ما يسمى بفنلندا حاليًا الإخوةُ الفرنسيسكان والدومينيكان وراهبات بيرجيتا في دير نانتالي. وهذا الدير لعب دورًا هامًّا في انتاج الكتب لأبرشية مدينة توركو في غرب فنلندا. تعود بدايات هذه المدينة إلى أواخر القرن الثالث عشر وهي أقدم مدينة في فنلندا؛ حيث انتقل إليها من كوروينن مركز المطارنة وغدت أهم مركز تجاري في البلاد أيضا. وفي العام ١٣٠٠ تمّ تشييد كنيسة من الحجر مكان كنيسة خشبية ودُعيت باسم كاثدرائية العذراء المباركة مريم والقدّيس هنري أوّل مطران في فنلندا. يصل علوّ برج الكنيسة الحالي الذي بُني بعد الحريق الكبير عام ١٨٢٧ إلى مائة ومتر واحد فوق سطح البحر، وهو رمز للمدينة وللكاتدرائية على حدّ سواء.
صناعة الكتب حينذاك في فنلندا كانت محدودة جدّا، إذ أنّ الكثير من الكتب التي احتاجتها الكنيسة والطلاب قد ابتيعت من الخارج مثل فرنسا، ألمانيا، إستونيا والسويد. قبل اختراع الطباعة كانت كلّ الكتب مخطوطة، مدوّنة بخط اليد. عملية النسخ كانت بالطبع بطيئة والرقّ الذي دوّن عليه كان ثمينا. وكان على الناسخ تسطير الرق ووضع الهوامش تجنّبًا للأخطاء. ويشار إلى أنّ المخطوطات في أبرشية توركو كانت بسيطة وحملت القليل من الزخرفة باللونين الأحمر والأزرق. أوراق الرقّ كانت تستعمل مجدّدًا بعد كشط ما دوّن عليها من قبل والكتابة من جديد. وفي السويد في القرن الخامس عشر أصبح استعمال خرق القماش للكتابة شائعًا حالًّا محل الرقّ وذلك لرُخْصه.
وأخيرًا في أعقاب مرحلة تطوّر طويلة تمّ اختراع الطباعة من قبل الحدّاد الألماني يوهنّس چوتنبرچ (Johannes Gutenberg, 1400-1468) في منتصف القرن الخامس عشر. لقد وصلت الكتب المطبوعة إلى فنلندا في فترة مبكرة، ابتاعتها أبرشية توركو منذ ثمانينات القرن الخامس عشر من مدينة ليبيك (Lübeck) الألمانية . يشار إلى أنّ دار الطباعة الفنلندية الأولى قد أقيمت في العام ١٦٤٢ في الأكاديميا الملكية في توركو بإدارة السويدي پيتر ڤالد (Peter Wald).
إنّ أوّل ترجمة فنلندية كاملة لأسفار العهد القديم حملت الاسم بِبْليا (الكتاب) - Se on, Coco Pyhä Ramattu Suomexi- أي: إنّه كلّ الكتاب المقدّس، صدرت عام ١٦٤٢ وكرّست لملكة السويد كريستينا. لهذه الترجمة دلالة هامّة ومميّزة في تاريخ فنلندا. تعود بداية هذه الترجمة إلى العام ١٦٠٢ إلّا أنّ إنجازها قد تأخّر لأسباب كثيرة منها وفاة مدير لجنة الترجمة سورولاينن (Ericus Erici Sorolainen). وفي العام ١٦٣٨ قرّرت مملكة السويد تغطية تكاليف الطباعة. سبقت هذه الترجمة ترجمة فنلندية للعهد الجديد بقلم ميكائيل أچريكولا (Mikael Agricola, c. 1510-1557))، أبي اللغة الفنلندية وحملت الاسم Se Wsi Testamenti أي ”العهد الجديد“ واتّسمت بلهجتها الفنلندية الغربية، لهجة مدينة توركو، عاصمة فنلندا الأولى. وقد اعتبرت هذه الترجمة التي احتوت على أربع وتسعين صورة، أهمّ آثار أچريكولا واعتبرت أساسًا للحياة والعقيدة المسيحيتين في القرن السادس عشر. كانت فكرة الإصلاح القاضية بأنّ الجميع يجب أن يتمكّن من قراءة الكتاب المقدّس هي الدافع للترجمة. ومن المعروف أنّ مارتن لوثر (Marten Luther, 1483-1546) كان قد نقل العهد الجديد إلى اللغة الألمانية عام ١٥٢٢. ومما يجدر ذكره أن أچريكولا في ترجمته المذكورة لم يعتمد على ترجمات الكتاب المقدس اللاتينية فحسب بل وعلى روح عهد الإصلاح مستخدمًا نصوصًا باليونانية والألمانية والسويدية. وكان على أچريكولا في ترجمته هذه خلق الكثير من ألألفاظ الجديدة في الفنلندية المكتوبة.
كلمات فنلندية وردت في ترجمة أسفار العهد القديم ما زالت حيّة ترزق مثل: aivastaa, matkia, prosessi أي: يعطس، يقلّد، عملية/مجرى. بلغ وزن هذه الترجمة بعد تجليدها ستة كغم وطبعت منها ١٢٠٠ نسخة ابتيع منها في فنلندا ٧٥٠ نسخة غير مجلّدة ولكنّها غلّفت عند الشراء. كان سعر الترجمة باهظًا ولم تطّلع عليها العامّة إذ أنّ الذين عرفوا القراءة وقتئذ كانوا قلائل.
الجدير بالذكر أنّ أوّل كتاب طُبع في مدينة لوبيك الألمانية من أجل فنلندا كان ”كتاب القدّاس/الصلاة“ (Missale Aboense) لتوركو عام ١٤٨٨، وقبل ذلك اقتنيت كتب منسوخة باليد وقد استخدم كتاب الصلاة المذكور وهو باللغة اللاتينية ويضم ٥٠٠ صفحة وفيها زخارف لغاية نهاية القرن السادس عشر. اسم طابع هذا الكتاب هو غوتان (Bartholomeus Ghotan) ووصلت عدد نُسخه ما بين ١٢٠-٢٠٠ ولم تبق منها أية نسخة كاملة. حملت الصفحة الأولى صور كلّ من المطران هنري، شفيع فنلندا، كونراد بيتس (Konrad Bitz) مطران توركو والعميد ماونو ساركيلاهتي (Maunu Särkilahti).
أوّل كتاب التهجئة الفنلندية المسمّى Abckiria -كتاب الألف باء تاء، بقلم أچريكولا كان كتابه الأوّل وطبع عام ١٥٤٣ وكان أچريكولا مطران توركو وساهم في تطوير اللغة الفنلندية المكتوبة. تحدّث بالسويدية والفنلندية وعرف الألمانية إذ أنّه درس في ألمانيا وعرف اللغتين الكلاسيكيتين، اللاتينية واليونانية. كُتُب أچريكولا ذات أهمية كبيرة بالنسبة لتاريخ الأدب الفنلندي فهي باكورته. احتوى كتاب التهجئة المذكور الذي يختلف بالطبع عن كتب التهجئة الراهنة على الكثير من التعاليم المسيحية، أُسس الكَاتيخُسْمس (العقيدة المسيحية)، الوصايا العشر، قانون الإيمان الرسولي، الصلاة الربّانية إلخ. كل ذلك كان مطبوعًا بالفنلندية الشعبية المحكية تمشيًا مع روح الإصلاح. لم تبق نسخ كاملة من كتاب التهجئة هذا وما نعرفه عنه مستمدّ من ثلاث نسخ غير كاملة وصلتنا.
عملت الكنيسة على تعليم أبناء رعيّتها لتمكينها من فهم المسيحية، وفي مستهلّ القرن السابع عشر امتُحن أبناء الرعية حول معرفتهم للتعاليم المسيحية المركزية قبل الخدمة الإلهية. يذكر أن تلك الجهود في تعليم الشعب القراءة لم تتكلّل دومًا بالنجاح بل حفظت الناس النصوص غيبًا دون القدرة على قراءتها.
معظم الكتب والأدب في عصر الإصلاح وبعده كان متعلّقًا بالكنيسة والليتورجيا. معرفة القراءة والكتابة في أواخر القرن السادس عشر وأوائل السابع عشر كانت مقتصرة بالأساس على أبناء الطبقات العليا/النبلاء وعلى من كان منخرطًا بطبيعة مهنته بالقراءة والكتابة، مثل برجوازيي المدن الفنلندية ومسك دفاتر لتجارتهم ومراسلة تجّار آخرين وكتبة المجالس البلدية.
وبموجب قائمة ذات سبعين كتابًا وُجدت في جزيرة في شمال غرب فنلندا تعود إلى العام ١٥٧٧ نرى أنّها مكتوبة بإحدى هذه اللغات: اللاتينية، الألمانية، الفنلندية وحتى الدانمركية. وفي هذه القائمة هناك كتاب العهد القديم، كتاب قانون، كتاب العهد الجديد بالفنلندية وبالسويدية، كتب مزامير، كتب صلوات، مواعظ وكتاخسمس، كتب دينية أخرى، أدب قديم، أخبار أيام تعود للقرون الوسطى. وكان النبلاء في الجزيرة المذكورة ينظّمون عملية التعليم للأولاد فأسرة تَواست (Tawast) استأجرت كاهنًا باسم إيريك (Erik) لتعليم أبنائها. اهتمّ أرْڤِد تواست (ت. ١٥٩٩) الجندي ومدير قلعة ڤيبورغ (بالروسية Выборг؛ بالفنلندية: Viipuri؛ بالسويدية: Viborg؛ بالألمانية : Wiborg؛ وبالإنجليزية: Vyborg) بموضوعي القراءة والكتابة والتمدّن، ففي رسالة له لابنه إڤار (Ivar) عام ١٥٨٩ يحثّه على الدراسة بجدّ وعلى الكتابة يوميّا. الأب نفسه كان كاتبًا مثابرا.
أخذت الحاجة لدار طباعة في فنلندا تتنامى بمرور الوقت من خارج الكنيسة أيضا؛ مثل الأكاديميا الملكية في مدينة توركو، أوّل جامعة في فنلندا تأسّست عام ١٦٤٠ وبعد ذلك بعامين افتتحت أوّل دار للطباعة في البلاد لتلبّي متطلّبات الجامعة ولا سيّما طباعة أطروحات الدكتوراة التي كانت تُنسخ باليد قبل ذلك. وفي القرن السابع عشر كان على كاتب الأطروحة الدفاع عنها علنًا وامتازت الأطروحات آنذاك بقصرها. ويشار إلى أنّه في سنوات الأكاديميا الأولى كان أحد المؤسسين، البروفيسور ميخائيل ڤيكسيونيوس ( Michael Wexionius, 1608-1670) في السياسة والتاريخ والقانون قد ساهم كثيرًا في نشر مئة أطروحة ونيّف. وقد حملت الأطروحة الأولى التي طبعت في مدينة توركو العنوان Rota Fortunae أي ”عجلة الحظّ“ وكان ذلك عام ١٦٤٧.
بروف. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
معظم الكتب في القرون الوسطى كانت ذات طابع ديني. آنذاك نسخ الكتب في ما يسمى بفنلندا حاليًا الإخوةُ الفرنسيسكان والدومينيكان وراهبات بيرجيتا في دير نانتالي. وهذا الدير لعب دورًا هامًّا في انتاج الكتب لأبرشية مدينة توركو في غرب فنلندا. تعود بدايات هذه المدينة إلى أواخر القرن الثالث عشر وهي أقدم مدينة في فنلندا؛ حيث انتقل إليها من كوروينن مركز المطارنة وغدت أهم مركز تجاري في البلاد أيضا. وفي العام ١٣٠٠ تمّ تشييد كنيسة من الحجر مكان كنيسة خشبية ودُعيت باسم كاثدرائية العذراء المباركة مريم والقدّيس هنري أوّل مطران في فنلندا. يصل علوّ برج الكنيسة الحالي الذي بُني بعد الحريق الكبير عام ١٨٢٧ إلى مائة ومتر واحد فوق سطح البحر، وهو رمز للمدينة وللكاتدرائية على حدّ سواء.
صناعة الكتب حينذاك في فنلندا كانت محدودة جدّا، إذ أنّ الكثير من الكتب التي احتاجتها الكنيسة والطلاب قد ابتيعت من الخارج مثل فرنسا، ألمانيا، إستونيا والسويد. قبل اختراع الطباعة كانت كلّ الكتب مخطوطة، مدوّنة بخط اليد. عملية النسخ كانت بالطبع بطيئة والرقّ الذي دوّن عليه كان ثمينا. وكان على الناسخ تسطير الرق ووضع الهوامش تجنّبًا للأخطاء. ويشار إلى أنّ المخطوطات في أبرشية توركو كانت بسيطة وحملت القليل من الزخرفة باللونين الأحمر والأزرق. أوراق الرقّ كانت تستعمل مجدّدًا بعد كشط ما دوّن عليها من قبل والكتابة من جديد. وفي السويد في القرن الخامس عشر أصبح استعمال خرق القماش للكتابة شائعًا حالًّا محل الرقّ وذلك لرُخْصه.
وأخيرًا في أعقاب مرحلة تطوّر طويلة تمّ اختراع الطباعة من قبل الحدّاد الألماني يوهنّس چوتنبرچ (Johannes Gutenberg, 1400-1468) في منتصف القرن الخامس عشر. لقد وصلت الكتب المطبوعة إلى فنلندا في فترة مبكرة، ابتاعتها أبرشية توركو منذ ثمانينات القرن الخامس عشر من مدينة ليبيك (Lübeck) الألمانية . يشار إلى أنّ دار الطباعة الفنلندية الأولى قد أقيمت في العام ١٦٤٢ في الأكاديميا الملكية في توركو بإدارة السويدي پيتر ڤالد (Peter Wald).
إنّ أوّل ترجمة فنلندية كاملة لأسفار العهد القديم حملت الاسم بِبْليا (الكتاب) - Se on, Coco Pyhä Ramattu Suomexi- أي: إنّه كلّ الكتاب المقدّس، صدرت عام ١٦٤٢ وكرّست لملكة السويد كريستينا. لهذه الترجمة دلالة هامّة ومميّزة في تاريخ فنلندا. تعود بداية هذه الترجمة إلى العام ١٦٠٢ إلّا أنّ إنجازها قد تأخّر لأسباب كثيرة منها وفاة مدير لجنة الترجمة سورولاينن (Ericus Erici Sorolainen). وفي العام ١٦٣٨ قرّرت مملكة السويد تغطية تكاليف الطباعة. سبقت هذه الترجمة ترجمة فنلندية للعهد الجديد بقلم ميكائيل أچريكولا (Mikael Agricola, c. 1510-1557))، أبي اللغة الفنلندية وحملت الاسم Se Wsi Testamenti أي ”العهد الجديد“ واتّسمت بلهجتها الفنلندية الغربية، لهجة مدينة توركو، عاصمة فنلندا الأولى. وقد اعتبرت هذه الترجمة التي احتوت على أربع وتسعين صورة، أهمّ آثار أچريكولا واعتبرت أساسًا للحياة والعقيدة المسيحيتين في القرن السادس عشر. كانت فكرة الإصلاح القاضية بأنّ الجميع يجب أن يتمكّن من قراءة الكتاب المقدّس هي الدافع للترجمة. ومن المعروف أنّ مارتن لوثر (Marten Luther, 1483-1546) كان قد نقل العهد الجديد إلى اللغة الألمانية عام ١٥٢٢. ومما يجدر ذكره أن أچريكولا في ترجمته المذكورة لم يعتمد على ترجمات الكتاب المقدس اللاتينية فحسب بل وعلى روح عهد الإصلاح مستخدمًا نصوصًا باليونانية والألمانية والسويدية. وكان على أچريكولا في ترجمته هذه خلق الكثير من ألألفاظ الجديدة في الفنلندية المكتوبة.
كلمات فنلندية وردت في ترجمة أسفار العهد القديم ما زالت حيّة ترزق مثل: aivastaa, matkia, prosessi أي: يعطس، يقلّد، عملية/مجرى. بلغ وزن هذه الترجمة بعد تجليدها ستة كغم وطبعت منها ١٢٠٠ نسخة ابتيع منها في فنلندا ٧٥٠ نسخة غير مجلّدة ولكنّها غلّفت عند الشراء. كان سعر الترجمة باهظًا ولم تطّلع عليها العامّة إذ أنّ الذين عرفوا القراءة وقتئذ كانوا قلائل.
الجدير بالذكر أنّ أوّل كتاب طُبع في مدينة لوبيك الألمانية من أجل فنلندا كان ”كتاب القدّاس/الصلاة“ (Missale Aboense) لتوركو عام ١٤٨٨، وقبل ذلك اقتنيت كتب منسوخة باليد وقد استخدم كتاب الصلاة المذكور وهو باللغة اللاتينية ويضم ٥٠٠ صفحة وفيها زخارف لغاية نهاية القرن السادس عشر. اسم طابع هذا الكتاب هو غوتان (Bartholomeus Ghotan) ووصلت عدد نُسخه ما بين ١٢٠-٢٠٠ ولم تبق منها أية نسخة كاملة. حملت الصفحة الأولى صور كلّ من المطران هنري، شفيع فنلندا، كونراد بيتس (Konrad Bitz) مطران توركو والعميد ماونو ساركيلاهتي (Maunu Särkilahti).
أوّل كتاب التهجئة الفنلندية المسمّى Abckiria -كتاب الألف باء تاء، بقلم أچريكولا كان كتابه الأوّل وطبع عام ١٥٤٣ وكان أچريكولا مطران توركو وساهم في تطوير اللغة الفنلندية المكتوبة. تحدّث بالسويدية والفنلندية وعرف الألمانية إذ أنّه درس في ألمانيا وعرف اللغتين الكلاسيكيتين، اللاتينية واليونانية. كُتُب أچريكولا ذات أهمية كبيرة بالنسبة لتاريخ الأدب الفنلندي فهي باكورته. احتوى كتاب التهجئة المذكور الذي يختلف بالطبع عن كتب التهجئة الراهنة على الكثير من التعاليم المسيحية، أُسس الكَاتيخُسْمس (العقيدة المسيحية)، الوصايا العشر، قانون الإيمان الرسولي، الصلاة الربّانية إلخ. كل ذلك كان مطبوعًا بالفنلندية الشعبية المحكية تمشيًا مع روح الإصلاح. لم تبق نسخ كاملة من كتاب التهجئة هذا وما نعرفه عنه مستمدّ من ثلاث نسخ غير كاملة وصلتنا.
عملت الكنيسة على تعليم أبناء رعيّتها لتمكينها من فهم المسيحية، وفي مستهلّ القرن السابع عشر امتُحن أبناء الرعية حول معرفتهم للتعاليم المسيحية المركزية قبل الخدمة الإلهية. يذكر أن تلك الجهود في تعليم الشعب القراءة لم تتكلّل دومًا بالنجاح بل حفظت الناس النصوص غيبًا دون القدرة على قراءتها.
معظم الكتب والأدب في عصر الإصلاح وبعده كان متعلّقًا بالكنيسة والليتورجيا. معرفة القراءة والكتابة في أواخر القرن السادس عشر وأوائل السابع عشر كانت مقتصرة بالأساس على أبناء الطبقات العليا/النبلاء وعلى من كان منخرطًا بطبيعة مهنته بالقراءة والكتابة، مثل برجوازيي المدن الفنلندية ومسك دفاتر لتجارتهم ومراسلة تجّار آخرين وكتبة المجالس البلدية.
وبموجب قائمة ذات سبعين كتابًا وُجدت في جزيرة في شمال غرب فنلندا تعود إلى العام ١٥٧٧ نرى أنّها مكتوبة بإحدى هذه اللغات: اللاتينية، الألمانية، الفنلندية وحتى الدانمركية. وفي هذه القائمة هناك كتاب العهد القديم، كتاب قانون، كتاب العهد الجديد بالفنلندية وبالسويدية، كتب مزامير، كتب صلوات، مواعظ وكتاخسمس، كتب دينية أخرى، أدب قديم، أخبار أيام تعود للقرون الوسطى. وكان النبلاء في الجزيرة المذكورة ينظّمون عملية التعليم للأولاد فأسرة تَواست (Tawast) استأجرت كاهنًا باسم إيريك (Erik) لتعليم أبنائها. اهتمّ أرْڤِد تواست (ت. ١٥٩٩) الجندي ومدير قلعة ڤيبورغ (بالروسية Выборг؛ بالفنلندية: Viipuri؛ بالسويدية: Viborg؛ بالألمانية : Wiborg؛ وبالإنجليزية: Vyborg) بموضوعي القراءة والكتابة والتمدّن، ففي رسالة له لابنه إڤار (Ivar) عام ١٥٨٩ يحثّه على الدراسة بجدّ وعلى الكتابة يوميّا. الأب نفسه كان كاتبًا مثابرا.
أخذت الحاجة لدار طباعة في فنلندا تتنامى بمرور الوقت من خارج الكنيسة أيضا؛ مثل الأكاديميا الملكية في مدينة توركو، أوّل جامعة في فنلندا تأسّست عام ١٦٤٠ وبعد ذلك بعامين افتتحت أوّل دار للطباعة في البلاد لتلبّي متطلّبات الجامعة ولا سيّما طباعة أطروحات الدكتوراة التي كانت تُنسخ باليد قبل ذلك. وفي القرن السابع عشر كان على كاتب الأطروحة الدفاع عنها علنًا وامتازت الأطروحات آنذاك بقصرها. ويشار إلى أنّه في سنوات الأكاديميا الأولى كان أحد المؤسسين، البروفيسور ميخائيل ڤيكسيونيوس ( Michael Wexionius, 1608-1670) في السياسة والتاريخ والقانون قد ساهم كثيرًا في نشر مئة أطروحة ونيّف. وقد حملت الأطروحة الأولى التي طبعت في مدينة توركو العنوان Rota Fortunae أي ”عجلة الحظّ“ وكان ذلك عام ١٦٤٧.
بروف. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي