هذه المرأة رأيتها من قبل. صادفتها مرارا في أزقة الحي و شوارعه. قيل لي إنها مجنونة. كنت أراها من بعيد. لم يسبق أن كنا قريبتين من بعضنا إلى هذا الحد. فجأة، التقت عيناي بعينيها. ها قد وقعت في المحظور رغم أنفي. كنت أتجنب النظر في عيون المجانين بناء على نصيحة أحد الحكماء. فهم- في اعتقاده - قادرون على استكشاف أغوار النفس و إخراج ما بداخلها من جنون إلى السطح. أحسست بشيء ما يتحرك داخلي. وميض عينيها ! يا له من بريق غريب عجيب ! ضوء لامع آسر آت من فضاءات عذراء سحيقة. وميض لفني في عباءته كما يلف الوليد في قماطه الأبيض. بقيت متجمدة في مكاني لمدة لا أعرف مداها. أنظر إليها و هي تنظر إلي. العين في العين. ما الذي أرسلته عيناي أيضا لتنبهر به تلك المرأة المجنونة و تظل عيناها مشدودتين إلى عيني؟ ما نوع البريق و الألوان التي أصدرتها و أنا أحدق فيها؟ لست أدري ! كل ما أعرفه أن تيارا باردا منعشا كتيار هوائي يخترق مساء صيفيا شديد الحرارة، مر بيني و بينها. حدث ذلك في رمشة عين. لا. لا. عيني لم ترمش. بل في فتحة عين. فتحة عين اتسعت لتشمل الكون و ما بعد الكون. أحسست بدواخلي تموج كلها. و بانجذاب غريب نحوها. كأنما أعرفها و منذ زمن طويل ! بل خيل إلي أني جالستها كثيرا و تحدثنا في أمور مختلفة... و قد نكون اتفقنا و توحدنا في الكثير من الأحيان …!
ها هي تترك باب العمارة الذي تستند إليه لتتبعني. لم تكلمني. لم تحاول الاعتداء علي. بل ظلت تتبعني على بعد خطوات قليلة. خطوات محسوبة لا تحيد عنها. أينما عجت تعوج. أينما توقفت تتوقف على بعد نفس المسافة المحسوبة. ظلت تطاردني مطاردة بوليس سري - في الأفلام المصرية- إلى أن راوغتها، بعدما أعيتني اللعبة واختفيت. لكن ذاكرتها كانت قوية جدا، إذ بمجرد ما تلتقي أعيننا تتبعني من جديد. لذلك قررت تجنب التحديق في عينيها كلما صادفتها في طريقي. غير أن أسئلة مؤرقة أصبحت تلح علي. هل تعرفت هذه المجنونة علي؟ هل تذكرت زمنا عشناه سوية لم أعد قادرة على تذكره؟ أم أنها من تلك الجنود المجندة التي يتعرف بعضها على البعض؟ ما الذي تكشفت عنه نظرتي؟ هل أزاحت الستار عن أعماق مفعمة جنونا؟ و أنا، هل وجدت في عيني تلك المرأة متنفسا للحرب الشعواء التي أعيشها باستمرار؟
لكن، لماذا أتحدث الآن عن هذه الواقعة؟ لماذا أتحدث عن الجنون و المجانين؟ هل لأني، منذ ذلك الحين أشعر أن جنوني يتمرد علي؟ يدخلني في دوامة من الصراع لا تنتهي؟ هل لأن السهام التي تقذفني تكاد تصيبني بعاهة العقل المستديمة؟ هل لأن طريق الملكوت الذي حاولت دوما السير فيه يتكشف لي سرابه يوما بعد يوم؟ إذ هل يعقل أن يحتمل عالم الملكوت الجثث المتعفنة و المتحللة في التراب إلى جانب الأرواح المحلقة في الفضاءات العذراء الآسرة؟ هل يتسع ليصبح الاثنان واحدا؟ و ليلتئم الشتات و يتوحد لاختراق الزوابع الرملية و الكتل الضبابية و ينبعث شامخا متألقا كما تنبعث الوردة البنفسجية من تشققات الأرض القاحلة؟ طريق الملكوت ! يا لحلم الرجل بالمرأة الدائمة الفتنة ! و حلم المرأة بالعاشق الأبدي! و حلم الشاعر بالقصيدة الرائعة المستعصية على الدوام !
ها هي تترك باب العمارة الذي تستند إليه لتتبعني. لم تكلمني. لم تحاول الاعتداء علي. بل ظلت تتبعني على بعد خطوات قليلة. خطوات محسوبة لا تحيد عنها. أينما عجت تعوج. أينما توقفت تتوقف على بعد نفس المسافة المحسوبة. ظلت تطاردني مطاردة بوليس سري - في الأفلام المصرية- إلى أن راوغتها، بعدما أعيتني اللعبة واختفيت. لكن ذاكرتها كانت قوية جدا، إذ بمجرد ما تلتقي أعيننا تتبعني من جديد. لذلك قررت تجنب التحديق في عينيها كلما صادفتها في طريقي. غير أن أسئلة مؤرقة أصبحت تلح علي. هل تعرفت هذه المجنونة علي؟ هل تذكرت زمنا عشناه سوية لم أعد قادرة على تذكره؟ أم أنها من تلك الجنود المجندة التي يتعرف بعضها على البعض؟ ما الذي تكشفت عنه نظرتي؟ هل أزاحت الستار عن أعماق مفعمة جنونا؟ و أنا، هل وجدت في عيني تلك المرأة متنفسا للحرب الشعواء التي أعيشها باستمرار؟
لكن، لماذا أتحدث الآن عن هذه الواقعة؟ لماذا أتحدث عن الجنون و المجانين؟ هل لأني، منذ ذلك الحين أشعر أن جنوني يتمرد علي؟ يدخلني في دوامة من الصراع لا تنتهي؟ هل لأن السهام التي تقذفني تكاد تصيبني بعاهة العقل المستديمة؟ هل لأن طريق الملكوت الذي حاولت دوما السير فيه يتكشف لي سرابه يوما بعد يوم؟ إذ هل يعقل أن يحتمل عالم الملكوت الجثث المتعفنة و المتحللة في التراب إلى جانب الأرواح المحلقة في الفضاءات العذراء الآسرة؟ هل يتسع ليصبح الاثنان واحدا؟ و ليلتئم الشتات و يتوحد لاختراق الزوابع الرملية و الكتل الضبابية و ينبعث شامخا متألقا كما تنبعث الوردة البنفسجية من تشققات الأرض القاحلة؟ طريق الملكوت ! يا لحلم الرجل بالمرأة الدائمة الفتنة ! و حلم المرأة بالعاشق الأبدي! و حلم الشاعر بالقصيدة الرائعة المستعصية على الدوام !