أسامة غانم - النص المختلف في حفريات الموروث الديني والذاكرة المستفزة " لوسيفر الضمير السري للإنسان "

يتعمد الروائي العراقي محمد علي النصراوي في روايته " لوسيفر" الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت / عمان 2016 ، ان يثير اسئلة استفزازية ، ملغومة ، ملتبسة ، اشكالية ، هي من صميم الموروث الديني المشّكْل للذاكرة الجمعية ، الذي يشتغل من خلال : الواقع / التخييل / الاسطوري ، متلبسة برؤية مغالية " من قبل الروائي " ، ومستندة على صوفية معتدلة " من قبل محي الدين القربائيلي " ، والرواية مليئة بالشفرات والرموز والدلالات ، وهذا يستدعي القيام بقراءة تدخل " غمار التأويل لتقتحم غمار نص بلا حدود ، هو التناص ، الكتابة المضاعفة ، ما يسميه بارت (( جيولوجيا كتابات )) " 1 ، فألتناص هنا اصبح مفتاح قراءة لفك هذه الشفرات والرموز والدلالات ، وذلك من خلال العودة الى المرجع – التناصي المضفور مع المتن السردي بانسيابية ، عندئذ تتحقق القراءة المحترفة المتمكنة للنصَ ، التي تكشف لنا ان سردية لوسيفر تحيلنا الى التخييل والى التاريخ بازدواجية اشتغالهما في السرد ، وتبين لنا خلط الواقع بالخيال ، وان التأويلية " تحتاج الى الخيال المتواصل في بحثها عن فائض المعنى " 2 ، بهذا يكون المتلقي قادراً على الاجابة عن التساؤلات التي تدور حول النص ، لان الهدف من ما وراء الرواية هو لتعرية المسكوت عنه المتعلق بالمقدس الديني ومراجعة الاوضاع السوسيولوجية – السياسية اليومية التي تحدث والتي قد حدثت تحديداً ، اما الازمنة فتكون فيها متداخلة في بعضها ، بحيث لا يستطيع المتلقي ان يفرز الحاضر عن الماضي ، ولا الماضي عن الحاضر ، مما اعطى للتقنية السردية الحديثة المجال الواسع في استلهام اساطير الالهة كالاله " ديوس اوسيوس " و " سيدة النعم / باندورا " ، مع تحوير طفيف في الاصل ، هذا جعل العمل يقدم في خطاب سردي ابستمولوجي مكثف ، قلما نجد مثله بذلك العمق والتنوع ، وجعله كذلك كأن يمتلك وعياً ذاتياً بماهيته وصيرورته .

تتكون الرواية من ثلاثة اقسام ، وكل قسم يحتوي على فصول ، القسم الاول : ما جاء في منمنمات محي الدين القربائيلي / الصومعة – عقارب الليل – طلسم الكتابة – الرسيسة المقدسة – حامل الضياء – نشيد لوسيفر – ازقة المتاهة . القسم الثاني : توقيع الذات / الثغرة المظلمة – الجمرات السبع – الطاووس – المخاريق . القسم الثالث : تجليات محي الدين القربائيلي / استحضار باب القيامة – استحضار طيف – استحضار طيف شموس .

إن الرواية من بدايتها الى نهايتها تنحصر في نقطتين اثنتين هما :

- تقديس وتمجيد الكتابة والمعرفة . ان محمد علي النصراوي يفتتح الرواية بكلمات صوفية ، تجتمع فيها الكتابة والمعرفة ، يقول مخاطبا القارىء " إذا اردتَ أن تكون تلميذ معرفة ، فما عليك إلا أنْ تدخل الكتابة عند مطلع الفجر .. فهي محرابك الذي يوصلك للخلود . " ، لقد استعاض الروائي هنا عن عشبة كلكامش بـ الكتابة ، فالكتابة = الخلود = الحياة ، ليس هذا فحسب ، بل تتصدر الفصول جمل مقتبسة او من وضع الروائي ، تشيد وتبجل الذي يكتب على الورق ، لكونه " اي الورق " يحفظ تاريخ الانسان والعالم ، ويستعرض خلجات الانسان المختلفة ، ففي التدوين يتحقق الخلود ، " ان الادب يحمل لنا ،عبر التاريخ ، حقيقته ، حقيقته الوحيدة : تلك التي تحمل اسم الكتابة " 3 ، وفي " طلسم الكتابة " ، تصبح عملية الكتابة عنده تعويذة لطرد الشر عن الذي يمارسها " وقد سمي بطلسم الكتابة مهداة الى كل من يريد دخولها عند مطلع الفجر ومن يريد طرد الشر عنه – ص 27 الراية " ، بل يصل بها الى الخلود في الذاكرة ، لانها تقوم برفع النسيان عنه ، واذا عرفنا ان كلمة طلسم : كلمة عربية صميمة ، بموروثه الثقافي يحمل كل غامض مبهم مخيف مؤذي مخالف لشرع الله ، ولكن هنا يشتغل عليها الروائي بمفهوم دلالي مختلف كليا عن مفهومها العام المتعارف عليه مرة، في احالتها الى ترياق ، فالكتابة " على وفق هذا الطلسم ستكون البلسم الشافي لمن اراد دخولها – ص 25 الروية " ، ومرة اخرى يضعها في سياقها العام ، ولكن دون كلمة كتابة ، حيث ينتشر الموت والخراب عندما يظهر بليعال " في وسط الطلسم ايذانا بسقوط قنابل عنقودية وهاونات وقاذفات فوق سوق شعبي في منطقة الشعب وحيِ الغزالية – ص 26 الرواية " ، انه عصر ما قبل المعرفة ، عليه ففي الكتابة سر البقاء .

- رواية اعتراف بانها رواية تكريس وتحقيق للذات والمكاشفة ازاء نفسها ، وهذه تكون على شكل اسئلة استفهامية ، في البداية قبل عنوان الفصل :

* صومعة الذات / هي الشكل الآخر لصحراء الروح . ص 9 الرواية .

* متى يمكن للإنسان ان يرى خريطة نفسه ..؟ ص 41 الرواية .

* متى يمكن للإنسان ان يكتشف ضميره السري ..؟ ص 53 الرواية .

* هل التدوين هو الوجه الآخر .. لعملية استدعاء الذات ازاء نفسها . ص 127 الرواية .

تبدأ الرواية ، بقطع راس انسان ، وتنتهي في مشاهدة حمامة بيضاء قد بنت عشها في الروزنة المفتوحة ما بين الغرفة وفناء الخان ، معتمدة (اي الرواية ) في السرد على تقنية المدوّنة او المخطوطة التي يعهد للراوي الكشف عنها ، بعد ان اوكلت اليه مهمة " تحقيق مخطوطات ومنمنمات المولى الجليل محي الدين القربائيلي بعد ان وجدوه مقتولاً في صومعته التي اختارها بنفسه ، والكائنة في خان الزوراء الذي يقع في وسط المدينة – ص 9 الرواية " ، ويبقى سر مقتله غامضا ، ملغزاً ، الى ما قبل نهاية الرواية ببضعة سطور حينما يعلن الراوي عن سبب مقتله " قدم نفسه قربانا لمدينته المستباحة – ص 179 الرواية " ، وهذا السبب لم يكن كافيا لقتله بل هنالك اسباب اخرى ، سوف نكتشفها كلما توغلنا في المدوّنة ، ومنذ البداية هنالك اشارة مشفرة ودلالة واضحة على ان احد اسباب قتله من قبل اصحاب الفؤوس والقامات الحادة ، وطريقة القتل تدلل على ذلك ، ونحن قد علمنا بان الراوي قد جعل الكتابة والمعرفة في منزلة التقديس ، وخاصة الكتابة التي تبشر وتعمل على نشر الحرية ومحاربة الظلام باشكاله : الامية – المرض – الفقر – الجهل – استغلال الانسان لأخيه الانسان ، لذا كان لابد ان يتبين" للجميع أ نَ الجناة قاموا بقطع رأس الضحية بسكين حاد النصل ، وقد وضعوه على منضدة الكتابة المكتظة بالكتب القديمة والمخطوطات والاوراق المتناثرة ما جعل قسماً من تلك المخطوطات ملطخة بدم الراس – ص 9 الرواية " ، وعليه منذ الان ولنهاية الرواية ، سيكون حضور محي الدين القربائيلي من خلال مخطوطاته او من خلال العودة الى اقواله ، والبطل المحوري فيها هو الراوي / السارد الذي يملا فراغات المدوّنة ، رغم انه احيانا يعمل على ايهام المتلقي ، مثل المدينة التي يروي فيها الوقائع والاحداث ، لم يسميها بالاسم ولكن هي مدينة الروائي محمد علي النصراوي ، مدينة كربلاء ، التي اختار لها اسم قُربئيل الذي هو اسم كربلاء بالآرامية ، حيث " قرب " تعني الحرم و " ايل " تعني الاله ، فتصبح حرم الاله .

وللنهاية يبقى الراوي يتساءل مع نفسه مقحماً معه المتلقي في تساءله عن من هو الشيخ ؟، ففي السؤال يتجلى الاستحضار يتجلى الصوفي بالفاني " قل لي منْ أنت ايها الشيخ المدجج بالكلمات المتناسلة ، التي تأكلها الوساوس ، وأوهام الاحلام المتراكمة ، لم تكنْ انت الوحيد في هذه الدنيا الفانية ، سوف يأتي كثيرون غيرك ، وربما يحملون الاسم ذاته ، لكن اسمك هو مفتاحك الشخصي الذي تريد أنْ تبقيه سرا غامضا لدي الاخرين – ص 169 الرواية " ، فــ محي الدين الكربلائي يمثل الانسان المطرود من السماء وذلك من خلال استعارة الراوي لأسطورة ديوس أوسيوس ( المشابهة لــ اسطورة بروميثيوس / سارق النار )، وبهذا يعتبر الانسان قد خالف تعاليم الاله ، عندها يقذف به الى الارض ، ليترك وحيداً ، ملعوناً ، يواجه مصيره بمفرده ، وحالما انفصل الاله عن الانسان اصبح يعرف باسم " ديوس أوسيوس " اله مقدس ومتعال في السماء ، حسب استعارة الراوي ، لكن المفارقة هنا هي في التحويل من آدم وبروميثيوس الى الشيخ ، الذي يحاول بدوره التوحد مع الاله ، والغاء المسافات التي بين الاله والانسان ، من اجل الخلاص ، ولكن المتلقي هنا يتساءل من خلال موروثه الديني المتراكم ، اليس من قذف به الى الارض هو ادم ؟! ففي النص المقذوف به هو محي الدين القربائيلي من قبل " ديوس اوسيوس " وليس الله ؟، اذا، هل الشيخ امتدادا لــ ادم ؟ تبقى الاجابة معلقة ، ويبقى الحفر من قبل المتلقي في الذاكرة الدينية – الاسطورية - الثقافية الكونية من اجل معرفة البدائل الخيالية والواقعية .

اما " لوسيفر " الذي اصبح عنوانا للنص ، و المحور الرئيس في العمل كله ، نتعرف عليه من خلال مدونات ومخطوطات محي الدين القربائيلي ، التي يستعرضها لنا الراوي/ المحقق ، وعليه هنا لا يستطيع المتلقي ان يفكك ويؤول الرواية الا بالقيام بتفكيك اسم " لوسيفر " ، عندئذ سوف تتكشف الشفرات والرموز له ، ومعرفة الاسباب التي جعلت الروائي يذهب الى الاستعارة والتحوير والتناصّ في النصوص الاصلية للميثولوجيا و للأسطورة وللمعتقدات الدينية ، ويعبر جوناثان كلر عن ذلك كالتالي : إن " التناص " يدفعنا الى تأمل النصوص السابقة بوصفها مُساهمة في شفرةٍ تجعل الآثار المتنوعة للمعاني امراً ممكناً . ان التناص بهذا يصبح أقل كاسم يطلق على علاقة عملٍ ما بالنصوص التي تسبقه منه كتعيين لمساهمته في الفضاء الخطابي لإحدى الثقافات : العلاقة بين أحد النصوص واللغات العديدة ، او الممارسات الدالة لثقافةٍ ما ،وعلاقته بتلك النصوص التي تربطه بإمكانات تلك الثقافة " 4، ومعنى هذا أن التناص / الاستعارة ،هنا ، ليس له سوى علاقة ضئيلة بــ لوسيفر ، ولكن له علاقة أكبر واعمق بالطروحات الاخلاقية والدينية والسوسيولوجية والسياسية التي اراد طرحها الروائي في العمل ، فان اسم " لوسيفر " كلمة لاتينية تعني ( حامل الضوء ) ، ومصطلح فلكي روماني يشير الى " نجم الصباح " كوكب الزهرة المضيء ، وهي ترجمة مباشرة للأصل الاغريقي الذي يعني ( حامل الفجر ) ، اما في العبرية هيليل الذي يعني (المضيء – المتألق ) ‘ ويحمل نفس المعنى الميثولوجي لسارق النار ( بروميثيوس ) ، لكنه تعرض لتبدل دلالي معرفي مع الزمن ليصبح من اسماء الشيطان ، ورمزا للشر ، ففي العقيدة المسيحية فان لوسيفر كان كبير الملائكة ولكن اخذه الغرور والكبرياء ، فطرد من الجنة ، ليتحول ويكون الشيطان . وفي سفر اشعياء 14 : 12 – 15 فان لوسيفر ملاك ، ولكنه ارتكب خطيئة " كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح . كيف قطعت الى الارض يا قاهر الامم . وانت قلت في قلبك اصعد الى السموات . ارفع كرسي فوق كوكب الله . اصير مثل العلي . لكنك انحدرت الى الهاوية اسافل الجب " ، اما في العقيدة الاسلامية فلا وجود لـــ لوسيفر ، لان الشيطان هو من الجن وليس له علاقة بالملائكة كما في اليهودية والمسيحية ، ولكنهم متفقون انه طرد من الجنة " واذا قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس كان من الجن ففسق عن امر ربه – الكهف : 50 " ، هذا كله من جهة ، واشتغال الروائي محمد علي النصراوي على اسم لوسيفر من جهة اخرى ، كما جاء في مخطوطات ومنمنمات الشيخ محي الدين القربائيلي ، حيث ما جاء به الشيخ عن لوسيفر يتوافق مع قول حزقيال النبي " انت الكروب المنبسط المظلل . انت خاتم الكمال , ملآن حكمة وكامل الجمال " ، وهذا ما يدفعنا لمعرفة كيف يصف لوسيفر ذاته في احدى منمنمات الشيخ عن طريق الراوي :

" أنا " لوسيفر " وجه الملاك ابليس المتألق في السماء ..انا الجبار المتجبر في كل شيء ، أنا الــ ( لا ) امام وجه كل النعم .. انا الخارج عن طوق الآلهة الذي يقف ضد الخنوع ، أنا الإله الذي يخلخل أسس البناء ، مخترقاً سياج الطمأنينة القابع في نفوسكم ، وعندما تفيئون ستعرفون كم أنا امتلك تلك القوة الجبارة لأقودكم الى حتفكم متى شئت .. أنا " لوسيفر في داخل كل انسان – ص 51 الرواية " ، والضمير السري المستتر .

هذا التداخل العميق ما بين لوسيفر والقربائيلي ، يضعنا امام اشكالية ميتافيزيقية – دينية ، يعبر عنه الشيخ مراد الهمايوني " فعرف نفسه وقال أنا الإنسان ، وعندما عرف الخطيئة ، قال ( لا ) عاليا امام القطيع ، لكن القطيع قتلوه وقالوا هذا هو الشيطان – ص 73 الرواية " ، وهذا يجعلنا نتساءل نحن بدورنا ، من هو الانسان هنا لوسيفر ام القربائيلي ؟ واذا كان المقتول هو القربائيلي فلماذا اطلق عليه اسم الشيطان وهو الِشيخ الجليل ؟ ولماذا الكل يريد اصطياده " ص 23 " ؟ .

ولعل المتلقي سوف يتساءل لماذا الروائي اوجد الشيخ الجليل مراد الهمايوني رغم اننا نطلع على ما يقوله القربائيلي من خلال مدونته التي يقرأها لنا الراوي ؟ هل هو الصوت الداخلي للقربائيلي ؟ هل هو الداعم لا قوال الشيخ ؟وهو القائل عن نفسه اي الشيخ مراد الهمايوني :

انا زائر الملمات الصعبة اعرف حاجتك لي ، لهذا قررت ان آتيك في هذا الوقت بالذات لأبين لك الأمر بشكل واضح ، هل انك تستطيع الوقوف أمام محراب الكتابة وتصلي صلاتك الأبدية ..؟ إنَ ( فرق الموت ) ستقف لك بالمرصاد لتقبض روحك .. سوف ترسل شياطينها أنى ذهبت ، ولكنها ستهرب منك وتخافك حينما تقف قبالة محراب الكتابة – ص43 " .

يتأسس جوهر رواية " لوسيفر " على منظومة اخلاقية وعلى رؤى مجتمعية وجودية تسعى نحو مجتمع مدني حر يمكن تصوره على صعيد المخيال الفردي ، ثم ُيتركُ المتلقي ليقرّر اذا كان ثمة امكانية وجود مجتمع مثل الذي تحكي عنه الرواية او لا ، ومدى امكانية تحقيقه مع الظروف التي يمر بها المجتمع ، " غير أن التأكيد على الجانب التأويلي من جهة القارىء تجاه الرواية ما بعد الحداثية ( على خلاف الحكاية المباشرة ذات الخاتمة والمثال الأخلاقي في الرواية الواقعية ) له معنىَ عظيم الأهمية ينبع من أنّ جعل الرواية عملاً متطلباً وعصياً بعض الشيء على الفهم المباشر إنما يعمل على رفض الخواتيم والنهايات المقفلة المبسّطة للروايات الواقعية ، الأمر الذي يتطلَب جهداً أكبر من جانب القارىء الذي غدا يلعب دوراً أساسياً في تقرير الغايات التي تبتغيها الرواية ما بعد الحداثية " 5 ، واننا لكي نكتشف المعاني الاصح والاعمق للنص ، علينا ان نطبق المقولات كأدوات للتأويل ، ومثلا على ذلك عندما قام الروائي بتوظيف رقم الثاني عشر مع لوسيفر ، فهو يضع المتلقي امام احتمالات متعددة ، مختلفة ، ولكل منها مدلول ومعنى ؟ ، فهل هو هنا اراد ان يربك المتلقي ام يعزز رؤيته ؟ ولماذا ركز على الرقم 12 ؟:

- خالقا نفسه بنفسه ، إنَهُ حامل الضياء الاول في السماء ذلك الذي يبدد الظلام والعماء بنوره الازلي ، ذلك الذي عُيِنّ له اثنا عشر وصياً . الرواية ص 49 .

- فيخرُ مجمع الآلهة الاثنى عشر بأجنحتهم العملاقة ساجدين أمامه . الرواية ص 55 .

- وهي التوراة مسطرة بنار سوداء على نار بيضاء منقوشة على اجنحة أوصيائه الاثنى عشر ، الذين يحملون عرشه الذهبي الذي لا يدانيه أحد . الرواية ص 60 .

- خرج ( لوسيفر ) من عمق اللوحة وهو جالس على اثني عشر ضلعاً ، نُقشت عليها اسماء أسباطه في تحقيق نواميسه الأرضية . الرواية ص 153 .

نحن نعلم ان في المعتقد الاسلامي ، هنالك مقولة مفادها ان لكل نبي وصي ، وبدورنا نتساءل لماذا عدد اوصياه اثنا عشر؟ وما دخل الآلهة الاثني عشر لكي يسجدوا له ؟ اذا علمنا ان وفقا للديانة الاغريقية القديمة والميثولوجيا هي ان الآلهة الاثني عشر هم من الآلهة الكبرى من مجموعة الآلهة ، بينما في التوراة والقرآن هنالك اسباط وعددهم اثنا عشر وهم اولاد يعقوب بن اسحاق الذين اتت منهم طوائف اسرائيل ، وهم ليس حّمْلة عرش ، بالإضافة الى حواري السيد المسيح الاثني عشر ، بالإضافة الى الائمة الاثني عشر في المعتقد الشيعي ...ما الذي اراده الروائي من طرحه للرقم 12 بتمثيله بــ : اوصياء " 6 " – آلهة – اسباط .

ولقد قام الروائي بالاشتغال على النص العجائبي الاسطوري الظاهر ، وكان هو الواجهة للرواية ، بينما في الحقيقة كان يشتغل على نص آخر مختفي وراء النص الظاهر ، ومتوازي معه ، نص يتميز بواقعية يومية ، يستمد التاريخ العراقي المعاصر الذي مر به البلد ، ومرت به مدينته كربلاء ، يبدأ باحتلال العراق سنة 2003 والتي يسميها الواقعة " لقد وقعتْ الواقعة ، ليس لوقعتها كاذبة – الرواية ص 42 " ونشوب الحروب الطائفية وانتشار فرق الموت التي اعدتها " أخوية السلام والعدالة " ، ثم باستخدامه للتقنية السردية المتمثلة باستعارة التقطيع السينمائي والانتقال المفاجيء من مشهد الى آخر ، يستعرض لنا فيه حرب الخليج الثانية / عاصفة الصحراء ، ثم يستعرض لنا رايه من خلال الحوارات التي تدور بين الجنود حول صدام حسين الذي يطلق عليه ويعنون الفصل به اسم " الطاووس " الكابوس اليومي كما يسميه ، وجعل قرينته سيدة النعم او باندورا وصندوقها الذي يضم كل شرور العالم 7 ، وما بين المد والجزر بين النصين ، نطلع على عشرات الاسماء القديمة والحديثة لشخصيات واماكن ( الجاحظ – مقهى حسن عجمي / الزهاوي / ام كلثوم – الالة كالي – الطائر زو – لينين – بروميثيوس – زيوس – نيتشه – جاك دريدا – ميشيل فوكو – هيجل – سقراط – افلاطون – بيكاسو – كاندنسكي – الحلاج )، بل حتى يستعير اسماء الكتب مقترنة بوضع البلد وما يمر به ، وما وصل اليه حال الثقافة والفكر ، والكتب المحروقة :

-وقع نظري على " جمرات التدوين " ، راح الهواء يتلقفها بين اكوام النفايات ، ثم رأيت " خريف البلدة " قد مزق غلافه وبقيت البلدة وحدها مهجورة ، أما " سابع ايام الخلق " رايته مهملاً وقد تلطخ بدم الضحايا ، بينما كانت " مدينة الزعفران " مركونة على رصيف المارة مهجورة هي الأخرى، ثم رأيت " جوائز السنة الكبيسة " تُعلن احتجاجها وهي غارقة في بركة من الطين 8 . الرواية ص 67 .

واخيراً اقول ان للرواية ما بعد الحداثية " تأكيد حقيقة أن الرواية نصّ إبداعي وليست شيئاً (( حقيقياً )) ‘ إعادة استخدام أشكال اخرى من الكتابة ، تأكيد دور القارىء في تأويل النص وتفسيره ، إستبعاد النهايات المقفلة والخواتيم الحاسمة ، تضمين اصوات المهمّشين الذين غالباً ما أستُبعِدوا من التيار الرئيسي للتاريخ وتمثّلاته المدوّنة " 9 .




















والهوامش

1 – تزفتيان تودوروف واخرون – في اصول الخطاب النقدي الجديد – ترجمة وتقديم احمد المديني ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد 1987 ، ص 6 التقديم .

2- بول ريكور – البلاغة والشعرية والهيرمينوطيقا ، ترجمة : مصطفى النحال ، مجلة فكر ونقد ، الرباط ، العدد16 / شباط / 1999 .

3 – في اصول الخطاب النقدي – المقتبس يعود لــ ستيفن نوردابل لاند ،ص 60 .

4 – برندا مارشال – تعليم ما بعد الحداثة : المتخيل والنظرية ، ترجمة وتقديم : السيد إمام ، المركز القومي للترجمة ، القاهرة 2015 ، ص 166 .

5 – روبرت إيغلستون – الرواية المعاصرة : مقدّمة قصيرة جداً ، ترجمة وتقديم : لطفية الدليمي ، دار المدى ، بغداد 2017 ، ص 73 .

6 - لم يخبرنا القرآن الكريم أو الروايات أو التاريخ عن اسم كل وصي من أوصياء الأنبياء عليهم السلام، كما هو الحال في عدم الإخبار عن أسماء الانبياء جميعاً والذين يبلغون من بحسب الروايات مائة وأربعة وعشرين ألف نبي، إذ لم يذكر القرآن الكريم سوى أسماء عدد محدود من الأنبياء لا يبلغ الثلاثين...إلا أن المعلوم هو أسماء بعض الأوصياء لبعض الأنبياء ورد ذكرهم في الروايات مثل: يوشع بن نون وصي نبي الله موسى(ع)، وشمعون الصفا وصي النبي عيسى(ع)، وشيت بن آدم وصي أبيه النبي آدم(ع)، وسام بن نوح وصي أبيه النبي نوح(ع)، ويوحنا بن حنان وصي النبي هود (ع)، وإسحاق بن إبراهيم وصي النبي إبراهيم (ع) وآصف بن برخيا وصي النبي سليمان (ع) ، وطبعا الامام علي عليه السلام وصي النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم .

7- قرر زيوس إعطاء البشر هبة أخرى من شأنها تغيير كل الخير الذى جلبته هبات بروميثيوس الأخرى .كانت هذه الهبة هي المرأة .أمر زيوس هيفاستوس أن يشكل مرأة جميلة من نيران مرجله ، اعطاها هيفاستوس جسدها النارى و الصوت أعتطها أثينا قوة التحمل و القدرة على الأبداع ثم أعتطها أفروديت آلهة الحب سحراً جذاباً حول رأسها و أعطاها هيرميس عقل صغير و السطحية فى التفكير . ثم سميت هذه المخلوقة الحسناء باندورا ( التي منحت كل شيء ) .أرسل زيوس باندورا الى ابيمثيوس شقيق بروميثيوس حامله صندوق مغلق مكتوب عيه ” لا تفتحه ” . كان ابيميثيوس حكيماً و لم يكن ليقبل هديه من الأوليمب و خاصه من زيوس ، ولكن ما أن رأى باندورا حتى خلبت لبه و أصبح عاجزاً أمامها ، لم يملك القدرة على مقاومة سحرها و تقبلها طائعاً راضياً و تزوجها .لكن ابيمثيوس رفض أن يفتح صندوق باندورا ، لكن زوجته الحسناء أخذت تلح عليه أن يفعل من يدرى أية كنوز تختفى داخله .لقد صارت حياة باندورا جحيماً و هى تجلس طوال الليل الى جانب الصندوق تتخيل ما فيه . كانت هناك أصوات تناديها من داخله و تعدها بالسعادة المطلقة .كان الفضول يقتلها ، و في النهاية انتهزت باندورا فرصة غياب زوجها و فتحت الصندوق . و فجأة أظلم العالم و خرجت أرواح شريرة ( الفقر ، النفاق ، المرض و الجوع ) من الصندوق ، راحت المسكينة تدور حول نفسها فى ذعر محاوله اغلاق الصندوق فلم تستطع .في النهاية أغلقته و لكن بعد فوات الأوان ، لقد ملأت الشرور العالم و تحولت جنة الأرض الى جحيم البشر ، و لم يبق من الأرواح حبيساً فى الصندوق الا الأمل . و لذلك بقى الأمل فى قلوب البشر ليخفف عنهم الشرور و الآثام التي تحيط بهم .بينما بروميثيوس معلقاً من قيوده على صخور جبل القوقاز ، تحدث الى أوقيانوس و بناته ، لقد كانوا جميعاً منزعجين من زيوس و أفعاله ، الا أن بروميثيوس حذرهم من بطش زيوس و أوصاهم بالصبر فقريباً سنخلع زيوس من عرشه و ما عليهم الا الانتظار .

8 – رواية " جمرات التدوين " مؤلفها محمد علي النصراوي ، اما المجموعة القصصية " خريف البلدة " مؤلفها احمد خلف ، ورواية " سابع ايام الخلق " مؤلفها عبد الخالق الركابي ، وسيرة مدينة " مدينة الزعفران " مؤلفها عباس خلف ، اما المجموعة الشعرية " جوائز السنة الكبيسة " فهي للشاعر رعد عبد القادر .

9 – الرواية المعاصرة : مقدمة قصيرة جداً – ص 74 .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...