قرأت مقالين قيمين في الرسالة بعنوان (مجمع البحور) تعرض فيهما كاتباهما المفضلان إلى الشعر المرسل ومكانه في اللغة العربية. وليس بالعجيب أن ينفر بعض الكتاب من أسلوب لم يألفوه كما أنه ليس بالعجيب أن ينكر الأديب بدعة في الأدب العربي إذا ظن أن تلك البدعة قد تدخل إليه ما لا يزينه أو ما قد يتخذ سبيلاً إلى التزييف والابتذال. ولكنا مع ذلك لا نجد بدا من التسليم مع المنطق السليم بأنه إذا كان يراد إدخال بعض أنواع من التأليف في اللغة العربية فلا بد من وسيلة لفك قيود القافية. فالقافية غل متين يمنع الاسترسال في القول وإذا كان الاسترسال والإطالة لازمين كانت القافية حجر عثرة لا بد من إزالتها. فالشعر القصصي والرواية الشعرية لا بد فيهما من ترك القافية أو الاحتيال عليها لأنه من الطبيعي في الشعر القصصي أن يصور الشاعر صوراً كثيرة واضحة قد يحتاج في تصويرها إلى نظم آلاف الأبيات. وبذلك يحتاج الشعر القصصي إلى أن يكون النظم حراً لا يلتزم فيه قافية تضطر الشاعر إلى ما يجعل المعنى مبهما أو مقتضبا. وفي هذا وحده علة وجود الشعر المرسل في لغة مثل اللغة الإنجليزية.
وإنما يورد للشعر المرسل عيبان أولهما أنه يحرم الأذن من موسيقى القافية. والثاني أنه يحطم الحدود بين الأبيات فلا ترتاح الأذن إلا ما اعتادته من الوقف في آخر كل بيت والترنح مع الوزن من بدء مقدور إلى خاتمة منتظرة. وهذا قول لا شك في أن به حق كثيرا، فمن أراد الموسيقى والغناء فلا بد له من شعر موزون خفيف الروح إذا بدأت أول قطعة منه توقعت ما يليها، وإذا سمعت جرس القافية في أول بيت توقعت تمام المتعة بجرس ما بعدها. غير أنا لا نقصد أن يكون شعر الأغاني مرسلا فإنما للمرسل موضع غير الأغاني وهو كما ذكرنا ضرورة يلجأ إليها من أراد الإطالة في غرض من الأغراض.
وقد قال أدباء ممن يؤثرون الإبقاء على القافية في كل صنوف الشعر أن الشعر المرسل لا ضرورة إليه، فإذا شاء امرؤ أن يطيل وصفاً أو يؤلف قصة فما من شيء يمنعه من أن يفك نفسه من قيدي الوزن والقافية جميعاً ويجعل قوله نثراً صافيا. وليس في مقدرة أحد أن يقنع الناس برأيه في مسألة أدبية بأكثر من أن يعرض عليهم ما يستطيعون بناء حكمهم عليه، فان الحكم في مسائل الأدب مرجعه إلى الذوق وموقع الكلام من النفس. وليس من قصد أحد أن يتعصب لأسلوب خاص، فانه لا مأرب لأحد في ذلك إلا أن يكون لذلك الأسلوب في نظره ميزة على سواه. على أن مجال القول فسيح لمن شاء الانتصار للشعر المرسل، فانه فوق النثر في أنه موزون وللوزن حظ من الأثر الموسيقي الذي يمتاز به الشعر، كما أن الشعر المرسل يجعل الأديب ينحت قوله على نمط مقدر، فتخرج المعاني في ثوب مقدود على قدر ومقياس ينحيانه عن الفضول ويكسبان الأسلوب شيئا من الأناقة التي تنشأ عن اختيار الألفاظ الموافقة للوزن وتزويقها وتوثيق الاتصال بينها.
وبعد فالمثل أولى من تلك الحجج. ولهذا قد آثرنا أن نختار قطعة من تأليف ملك الشعر المرسل وهو شكسبير في روايته المشهورة (عطيل) وأنّا عارضوها على القراء مترجمة مرتين، مرة منهما من قلم الشاعر الكبير (خليل مطران) في نثر سهل حلو أدى المعنى أداءً دقيقا في أكثر المواضع ولكنه على كل حال لا يعاب عليه شيء في سلاسته ووضوحه. والترجمة الأخرى من قلم رجل آخر واتته المقدرة على أن يؤدي المعنى الإنجليزي في شعر مرسل. ورأينا ان نقرن بين الترجمتين حتى يمكن للقارئ أن يحكم بينهما ويحدث لنفسه رأياً في أفضلهما. والقطعة المختارة هي نبذة من الموقف الذي كان بين (ياجو) و (عطيل) يحاول فيه (ياجو) أن يظهر نفسه في مظهر الصديق الناصح ويدس في حديثه سم سوء الظن يبعثه إلى قلب (عطيل) ليجعله يحقد على زوجته الفاضلة راميا من وراء ذلك إلى غرض مادي شخصي ظن أنه لن يبلغه الا بالقذف في امرأة عطيل وتصويرها في صورة من تهوى رجلاً آخر اسمه (كاسيو). كان ذلك الواشي (ياجو) يريد الإيقاع به. وعطيل يحب امرأته حباً شديداً فكان على الواشي المخادع أن يحكم حيلته ومكره حتى يستطيع أن يثير الشك
في قلب ذلك الزوج المحب. فابتدأ متظاهرا بالتردد في اتهام الزوجة وجعل يلمح إلى إن الشرف أغلى متاع للمرء حتى إذا ما رأى (عطيل) ينساق مع الغيرة جعل يتظاهر بذم غيرة الأزواج على نسائهم حتى دفع الزوج المسكين إلى أن يفتح قلبه وعقله للاتهام. وهذا البدء هو الموضع الذي نقلناه.
قال مطران في ترجمة تلك القطعة:
ياجو: حسن السمعة للرجل والمرأة يا سيدي العزيز أثمن جوهرة من حلي النفس. من يسرق كيس نقودي يسرق شيئا زريا. كان لي واصبح له وكان قبلنا لألوف آخرين. أما الذي يسرق حسن سمعتي فيختلس شيئاً لا يغنيه ويجعلني فقيراً جهد الفقر.
عطيل: وأيم السماء لأعرفن أفكارك
ياجو: لن تعرفها ولو كان قلبي في يدك. فهل تصل إليها وذلك القلب في حراستي.
عطيل: آها!
ياجو: أي مولاي أحذر الغيرة. تلك الخليقة الشوهاء ذات العيون الخضراء التي تسخر مما تتغذى به من لحوم الناس. الرجل الذي يثلم عرضه فيعرف مصابه ويكره جالبه عليه سعيد. سعيد بجانب ذلك الذي يقضي الدقائق الجهنمية شغفا إلا انه مستريب. عاشقا أشد العشق ولكن تساوره الشكوك.
عطيل: يا للشقاء!
ياجو: الفقر مع القناعة غنى بلا جاه عريض. أما النعم التي لا تحصى فتكون فقراً عقيماً عقم الشتاء البارد للذي يخشى أبدا أن يصبح معسرا. اللهم يا ذا الراحم أعف من الغيرة نفوس أمثالي.
عطيل: لم كل هذا، أتظن إنني سأعيش هذه العيشة مغيِّرا ظنوني كلما تغير هلال. كلا. متى نفذ الريب ثبتت النفس على حالة معه. تبدل مني بتيس قطيع يوم أدع نفسي بين أيدي الشبه التي تحدثها كل دسيسة. أنا لا تستفز غيرتي بأن يقال لي إن امرأتي جميلة وأنها لطيفة المحاضرة وأنها تحب معاشرة الناس وأنها طليقة النفس في أحاديثها وتغني وتلعب وتحسن الرقص، كل هذه الأفعال تكون فاضلة متى كانت المرأة فاضلة. الخ
وقال المترجم الآخر في تأدية القطعة نفسها:
ياجو: شرف الإنسان أغلى (سيدي).
من سواد القلب هذا يستوي
فيه من كانوا ذكورا أو إناثا.
إن من يسرق مالي إنما
نال مني تافهاً غير خطير
إنما المال متاع هيّن
فلقد كان معي ثم مضى
ليديه بعد حين مثلما
كان قبل الآن عبداً لألوف
إنما سالب عرضي نال ما
ليس يغنيه وقد أفقرني
عطيل: قسماً لا بد من كشف ضميرك
ياجو: لا. لن تكشفه حتى ولو
كان ذاك القلب ما بين يديك
لا. ولن أفصح ما دام هنا
بين أضلاعي.
عطيل: ها!
ياجو: أيها السيد حاذر (لا تطع
هذه الغيرة) حاذر إنها
غولة ذات عيون خضرة
إنها تسخر من مقتولها
بعد أن تنهشه - كن حذرا إن من يعرف في زوجته
أنها تخدعه، لكنه
ليس يهواها فلن تزعجه
إنما البؤس لمن في شكه
يتلظى والهوى يكوي فؤاده
عطيل: وا شقاءاه
ياجو: موسر من كان في الفقر قنوعا
وأشد الفقر مال طائل
مع خوف الفقر. ربي نجني
من لظى الغيرة واحفظ منه أهلي
عطيل: لم هذا القول؟ هل تحسبني
ذلك الغيران يمضي هائما
سابحا في غير من شكه
مثلما يسبح في أبراجه
قمر الليل؟ فلا كنت إذن
إنني إن كنت أمضي هائما
مثلما تحسب لم أبلغ سوى
مبلغ التيس. ولكن عزمتي
عزمة لا شك فيها إن بدا
لي وجه الريب. إني لا أرى
سببا للريب عند امرأتي
لو يقول الناس عنها أنها
ذات حسن. تشتهي الأكل اللذيذ
أو تحب الناس. أو ثرثارة.
أو تغني. بل إذا ما زعموا أنها تلعب أو تحسن رقصا
ليس هذا الوصف عيبا. إنه
صفة محمودة عند العفاف.
ولعلي أستطيع أن آتي لقراء الرسالة ببعض أمثلة أخرى من هذا النوع من أساليب القول. تاركا لهم أما الانتصار له وإما خذلانه. فإذا وجدوه صالحا كان بابا يستطيع ذوو المقدرة من شبان الأدباء أن يلجوا منه إلى ميادين فسيحة.
للأستاذ محمد فريد أبو حديد
وكيل المدرسة التوفيقية الثانوية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يسر الرسالة أن تقدم إلى قرائها صديقاً من خيرة أصدقائها وهو الأستاذ محمد فريد أبو حديد صاحب (ابنة الملوك) التي تحدث عنها بالخير الأستاذ جيب في العدد الماضي، ومؤلف (صلاح الدين) وكاتب (المرحوم محمد) ومترجم (فتح العرب لمصر) لبتلر. والأستاذ فريد من أصفى أدبائنا شعوراً وأخصبهم قريحة وأوفرهم انتاجاً، وهو جندي باسل من جنود الأدب العربي، أغرم بالقراءة والبحث والكتابة وأسرف حتى خامره من ذلك داء مؤلم موئس عقله عن إخوانه وتلاميذه وقلمه بضعة شهور، فنحن بتقديمه اليوم إنما نقدم التهنئة الخالصة لأصدقائه بسلامته، والبشرى الطيبة لعشاق أدبه بقراءته.
(التحرير):
مجلة الرسالة - العدد 9
بتاريخ: 15 - 05 - 1933
وإنما يورد للشعر المرسل عيبان أولهما أنه يحرم الأذن من موسيقى القافية. والثاني أنه يحطم الحدود بين الأبيات فلا ترتاح الأذن إلا ما اعتادته من الوقف في آخر كل بيت والترنح مع الوزن من بدء مقدور إلى خاتمة منتظرة. وهذا قول لا شك في أن به حق كثيرا، فمن أراد الموسيقى والغناء فلا بد له من شعر موزون خفيف الروح إذا بدأت أول قطعة منه توقعت ما يليها، وإذا سمعت جرس القافية في أول بيت توقعت تمام المتعة بجرس ما بعدها. غير أنا لا نقصد أن يكون شعر الأغاني مرسلا فإنما للمرسل موضع غير الأغاني وهو كما ذكرنا ضرورة يلجأ إليها من أراد الإطالة في غرض من الأغراض.
وقد قال أدباء ممن يؤثرون الإبقاء على القافية في كل صنوف الشعر أن الشعر المرسل لا ضرورة إليه، فإذا شاء امرؤ أن يطيل وصفاً أو يؤلف قصة فما من شيء يمنعه من أن يفك نفسه من قيدي الوزن والقافية جميعاً ويجعل قوله نثراً صافيا. وليس في مقدرة أحد أن يقنع الناس برأيه في مسألة أدبية بأكثر من أن يعرض عليهم ما يستطيعون بناء حكمهم عليه، فان الحكم في مسائل الأدب مرجعه إلى الذوق وموقع الكلام من النفس. وليس من قصد أحد أن يتعصب لأسلوب خاص، فانه لا مأرب لأحد في ذلك إلا أن يكون لذلك الأسلوب في نظره ميزة على سواه. على أن مجال القول فسيح لمن شاء الانتصار للشعر المرسل، فانه فوق النثر في أنه موزون وللوزن حظ من الأثر الموسيقي الذي يمتاز به الشعر، كما أن الشعر المرسل يجعل الأديب ينحت قوله على نمط مقدر، فتخرج المعاني في ثوب مقدود على قدر ومقياس ينحيانه عن الفضول ويكسبان الأسلوب شيئا من الأناقة التي تنشأ عن اختيار الألفاظ الموافقة للوزن وتزويقها وتوثيق الاتصال بينها.
وبعد فالمثل أولى من تلك الحجج. ولهذا قد آثرنا أن نختار قطعة من تأليف ملك الشعر المرسل وهو شكسبير في روايته المشهورة (عطيل) وأنّا عارضوها على القراء مترجمة مرتين، مرة منهما من قلم الشاعر الكبير (خليل مطران) في نثر سهل حلو أدى المعنى أداءً دقيقا في أكثر المواضع ولكنه على كل حال لا يعاب عليه شيء في سلاسته ووضوحه. والترجمة الأخرى من قلم رجل آخر واتته المقدرة على أن يؤدي المعنى الإنجليزي في شعر مرسل. ورأينا ان نقرن بين الترجمتين حتى يمكن للقارئ أن يحكم بينهما ويحدث لنفسه رأياً في أفضلهما. والقطعة المختارة هي نبذة من الموقف الذي كان بين (ياجو) و (عطيل) يحاول فيه (ياجو) أن يظهر نفسه في مظهر الصديق الناصح ويدس في حديثه سم سوء الظن يبعثه إلى قلب (عطيل) ليجعله يحقد على زوجته الفاضلة راميا من وراء ذلك إلى غرض مادي شخصي ظن أنه لن يبلغه الا بالقذف في امرأة عطيل وتصويرها في صورة من تهوى رجلاً آخر اسمه (كاسيو). كان ذلك الواشي (ياجو) يريد الإيقاع به. وعطيل يحب امرأته حباً شديداً فكان على الواشي المخادع أن يحكم حيلته ومكره حتى يستطيع أن يثير الشك
في قلب ذلك الزوج المحب. فابتدأ متظاهرا بالتردد في اتهام الزوجة وجعل يلمح إلى إن الشرف أغلى متاع للمرء حتى إذا ما رأى (عطيل) ينساق مع الغيرة جعل يتظاهر بذم غيرة الأزواج على نسائهم حتى دفع الزوج المسكين إلى أن يفتح قلبه وعقله للاتهام. وهذا البدء هو الموضع الذي نقلناه.
قال مطران في ترجمة تلك القطعة:
ياجو: حسن السمعة للرجل والمرأة يا سيدي العزيز أثمن جوهرة من حلي النفس. من يسرق كيس نقودي يسرق شيئا زريا. كان لي واصبح له وكان قبلنا لألوف آخرين. أما الذي يسرق حسن سمعتي فيختلس شيئاً لا يغنيه ويجعلني فقيراً جهد الفقر.
عطيل: وأيم السماء لأعرفن أفكارك
ياجو: لن تعرفها ولو كان قلبي في يدك. فهل تصل إليها وذلك القلب في حراستي.
عطيل: آها!
ياجو: أي مولاي أحذر الغيرة. تلك الخليقة الشوهاء ذات العيون الخضراء التي تسخر مما تتغذى به من لحوم الناس. الرجل الذي يثلم عرضه فيعرف مصابه ويكره جالبه عليه سعيد. سعيد بجانب ذلك الذي يقضي الدقائق الجهنمية شغفا إلا انه مستريب. عاشقا أشد العشق ولكن تساوره الشكوك.
عطيل: يا للشقاء!
ياجو: الفقر مع القناعة غنى بلا جاه عريض. أما النعم التي لا تحصى فتكون فقراً عقيماً عقم الشتاء البارد للذي يخشى أبدا أن يصبح معسرا. اللهم يا ذا الراحم أعف من الغيرة نفوس أمثالي.
عطيل: لم كل هذا، أتظن إنني سأعيش هذه العيشة مغيِّرا ظنوني كلما تغير هلال. كلا. متى نفذ الريب ثبتت النفس على حالة معه. تبدل مني بتيس قطيع يوم أدع نفسي بين أيدي الشبه التي تحدثها كل دسيسة. أنا لا تستفز غيرتي بأن يقال لي إن امرأتي جميلة وأنها لطيفة المحاضرة وأنها تحب معاشرة الناس وأنها طليقة النفس في أحاديثها وتغني وتلعب وتحسن الرقص، كل هذه الأفعال تكون فاضلة متى كانت المرأة فاضلة. الخ
وقال المترجم الآخر في تأدية القطعة نفسها:
ياجو: شرف الإنسان أغلى (سيدي).
من سواد القلب هذا يستوي
فيه من كانوا ذكورا أو إناثا.
إن من يسرق مالي إنما
نال مني تافهاً غير خطير
إنما المال متاع هيّن
فلقد كان معي ثم مضى
ليديه بعد حين مثلما
كان قبل الآن عبداً لألوف
إنما سالب عرضي نال ما
ليس يغنيه وقد أفقرني
عطيل: قسماً لا بد من كشف ضميرك
ياجو: لا. لن تكشفه حتى ولو
كان ذاك القلب ما بين يديك
لا. ولن أفصح ما دام هنا
بين أضلاعي.
عطيل: ها!
ياجو: أيها السيد حاذر (لا تطع
هذه الغيرة) حاذر إنها
غولة ذات عيون خضرة
إنها تسخر من مقتولها
بعد أن تنهشه - كن حذرا إن من يعرف في زوجته
أنها تخدعه، لكنه
ليس يهواها فلن تزعجه
إنما البؤس لمن في شكه
يتلظى والهوى يكوي فؤاده
عطيل: وا شقاءاه
ياجو: موسر من كان في الفقر قنوعا
وأشد الفقر مال طائل
مع خوف الفقر. ربي نجني
من لظى الغيرة واحفظ منه أهلي
عطيل: لم هذا القول؟ هل تحسبني
ذلك الغيران يمضي هائما
سابحا في غير من شكه
مثلما يسبح في أبراجه
قمر الليل؟ فلا كنت إذن
إنني إن كنت أمضي هائما
مثلما تحسب لم أبلغ سوى
مبلغ التيس. ولكن عزمتي
عزمة لا شك فيها إن بدا
لي وجه الريب. إني لا أرى
سببا للريب عند امرأتي
لو يقول الناس عنها أنها
ذات حسن. تشتهي الأكل اللذيذ
أو تحب الناس. أو ثرثارة.
أو تغني. بل إذا ما زعموا أنها تلعب أو تحسن رقصا
ليس هذا الوصف عيبا. إنه
صفة محمودة عند العفاف.
ولعلي أستطيع أن آتي لقراء الرسالة ببعض أمثلة أخرى من هذا النوع من أساليب القول. تاركا لهم أما الانتصار له وإما خذلانه. فإذا وجدوه صالحا كان بابا يستطيع ذوو المقدرة من شبان الأدباء أن يلجوا منه إلى ميادين فسيحة.
للأستاذ محمد فريد أبو حديد
وكيل المدرسة التوفيقية الثانوية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يسر الرسالة أن تقدم إلى قرائها صديقاً من خيرة أصدقائها وهو الأستاذ محمد فريد أبو حديد صاحب (ابنة الملوك) التي تحدث عنها بالخير الأستاذ جيب في العدد الماضي، ومؤلف (صلاح الدين) وكاتب (المرحوم محمد) ومترجم (فتح العرب لمصر) لبتلر. والأستاذ فريد من أصفى أدبائنا شعوراً وأخصبهم قريحة وأوفرهم انتاجاً، وهو جندي باسل من جنود الأدب العربي، أغرم بالقراءة والبحث والكتابة وأسرف حتى خامره من ذلك داء مؤلم موئس عقله عن إخوانه وتلاميذه وقلمه بضعة شهور، فنحن بتقديمه اليوم إنما نقدم التهنئة الخالصة لأصدقائه بسلامته، والبشرى الطيبة لعشاق أدبه بقراءته.
(التحرير):
مجلة الرسالة - العدد 9
بتاريخ: 15 - 05 - 1933