حوار مع الروائي المصري السيد حنفي.. أجراه الدكتور السيد إبراهيم أحمد

استهوته الرواية منذ كتب قصصه القصيرة التي رأى في كل واحدة منها نبتةً تصلح لأن تكون مشروع رواية، إنه الروائي المصري السيد حنفي ابن المدينة الأكثر شهرة في العالم القديم والحديث على السواء، إنها مدينة "السويس" الذي أهلَ فيها صارخًا معلنًا ميلاده في نهاية السنة ما قبل الأخيرة في العقد الستيني من القرن العشرين أي في نوفمبر 1959م، وكأنه تَوافُق مع شخصه وبدايات الأشياء الباكرة الطازجة وإعراضه عن كل مستساغ ومعروف ومتوقع؛ فقد كانت له رؤيته في المعروض من الفن الروائي على الساحة في قديمها وحديثها.

ضرب كاتبنا في فيافي الكتابة الروائية باحثًا عن أسلوب ينمو في أعماقه دون معرفة كنهه، حتى استطاع أن يعثر على ضالته وهدفه من وراء مشروعه الإبداعي القادم، فرفض الكاتب في نفسه وعثر على الفنان في جنباته؛ فالفنان هو وحده القادر على التجديد من خلال تأليف موسيقى لا تحاكي الطبيعة ومن هنا عزف السيد حنفي رواياته التي حصدت الجوائز، وحظيت بالاهتمام النقدي في مصر، والمغرب، والعراق، فأبدع روايته: "سيدة الضياء"، "زينة.. ترنيمات للوجع"، "أناشيد الإنشطار، رؤيا يعزفها السيد حنفي"، "ذاك الذي هو".

من خلال هذه الحوارية التي امتدت لساعات مع الروائي السيد حنفي يسعدني تقديمه خلال الصفحات التالية:

ـ أنتم ابن مؤسسة الأزهر طالبا، والمنتمي لبعض الجماعات الإسلامية التي أسلمتك للمعتقل لمدة عام، ما أثر هذا على حياتك الشخصية أولا، ثم الإبداعية ثانيا؟

ــ تلك الفترة من حياتي هي التي كونت الوعي لدي بالحياة.. أن تكون سجينا بين فكر وقضبان.. أن تكون سجينا لفكر يجاهد الحياة وسجين خلف قضبان المعتقل .. أكيد أمر يدعو لإعادة التفكير في نمط حياتي مغاير لما انتهجته في بداية الحياة.. خاصة حين تكتشف زيف الشعارات التي كنت تجاهد في سبيلها.. أما على المستوى الفني.. أعتقد أن على كاهلي مسؤولية كشف حقيقة الزيف الذي تبثه تلك الجماعات..

ـ كانت القصة القصيرة من الممهدات في بداية كل كاتب قبل أن يدخل أجواء الرواية.. فما الذي أبدعته فيها؟ وما نقلته منها لعالمك الروائي وما تخليت عنه منها؟

ــ القصة القصيرة عالم يزخر بكثير من الحيل الفنية القوية.. القصة استقيتها من الفذ الخطير محمد حافظ رجب.. وأعتقد أنه أفضل من كتب القصة في العالم العربي على الأقل.. أنتجت مجموعات من عام 1985م: "لحظات مكبلة"، ثم "إشراقة الموت الأول" ثم "مشاعر ورقية".. لكني لست متحمسا لكتابة القصة.. ويؤرقني دائمًا أن أكون قاصًا كل ما ينتجه مجموعة من الحواديت..

كنت دائم البحث عن النغم بين الحروف والكلمات.. لذا أنتجت "سيدة الضياء" ولم أصنفها كرواية.. بل معزوفة من الحروف لتنتج حالة جمالية في صورة حكي روائي.. ثم خرجت على هذا النمط بمعزوفة "زينة".. ثم تحررت من كل ما كتبت وبعد كل عمل أبحث عن طريقة أخرى للعزف على أوتار الحروف دون التقييد بأي قوانين أو أي مسميات..

ــ تم رفض رواية "زينة" في محيطك الإقليمي من روائي معروف، ثم عرفت طريقها للجوائز والنقد والشهرة فيما بعد، فكيف كان ذلك؟

- للأسف حدث هذا في السويس.. كانت اللجنة مكونة من: محمد الراوي وصالح السيد وعلي المنجي.. لجنة للنشر الإقليمي تتبع نادي الأدب.. وبعد رفضها المفاجئ لي بأسبوع واحد فازت رواية "زينة" بجائزة جريدة الجمهورية في احتفالية ضخمة!

ومن العجب أن يحضر الاحتفالية محمد الراوي ليشاهدني أستلم الجائزة من وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني.. ثم تلقاها من تونس الناقد دكتور طارق الطوزي ليرسلها لى دكتور ثائر العذاري في العراق ليقرر الأخير تدريسها على طلبة الدراسات العليا في جامعة واسط بالعراق لمدة أربع سنوات.. ثم يضمنها دكتور كريم ناجي في رسالته: "تجانس الأشكال الأدبية" لينال بها رسالة الماجستير..

ـ ألم يستلفت انتباهك أن أفكارك حول الرواية من رفض للواقعية والابتعاد عن السارد العليم، واللجوء إلى المونولوج الداخلي والحوار تلتقي مع الرواية "الأمريلاتينية" من حيث توظيف الأسطورة وغيرها.. فدعنا نتعرف على أفكارك؟

ــ الرواية الأمريلاتينية تعتمد على السحر نفيا أو إيجابا.. فهي ترنو إلى عالم مغاير لكنها تنشيء عَالمًا آخر واقعيًا في موطنه.. أرفض الواقعية؟ وكيف لا أرفضها وقد رفضها قبلي كل ذي فكر حر.. حتى رائدها الأول "موباسان" رفضها منذ القرن الماضي بعد أن كتب على نهجها الكثير لكنها لم ترض طموحه الفني حيث أنها لا تقدم جديدا على الإطلاق, فما هي إلا تصوير لما تراه وتعلمه.. مجرد تدوين لما نعلمه كلنا..

ــ على الرغم من فوز بعض رواياتك بالجوائز والتكريمات وطالتها يد النقد، إلا أن يد الدراما التليفزيونية والسينمائية لم تمتد لها.. فما تفسيرك لذلك؟

ــ فقط لأن الأفلام والدراما التليفزيونية لها طريقة تخصهم في إنتاج الدراما.. فما عادوا يعتمدون على أعمال روائية.. يكفيهم بعض الراقصات وبعض المخنثين لينتجوا شيئا بدون طعم وله رائحة خبيثة..

ـ قدمت لعالم الرواية العديد من الروايات التي أشرنا إليها. ما الذي يميز كل رواية عن الأخرى من حيث الحبكة، واللغة؟

ــ حريصٌ أنا على أن أتنوع في طرح معزوفاتي.. وحريصٌ على نفي أي تشابه في اللغة أو الطرح بين أعمالي.. كل معزوفة لها روح ولغة وتناول مغاير للعمل الذي سبقه..

ـ لماذا صارت رواية "سيدة الضياء" سيدة رواياتك؟ لماذا كانت طبعتها الأولى في المملكة المغربية2016م؟ وما ملابسات فوزها بجائزة ملتقى الرواية العربية الثالث بـ "وجدة" بالمغرب؟

ــ "سيدة الضياء" هي أول معزوفة لي.. أنتجتها عام 2000م، بحثت عن لغة لصياغتها على مدار خمس سنوات.. حتى تفجرتْ حين أرادت هي أن تتفجر أو حين اكتملتْ لها الظروف المناخية لإبداعها.. طُبِعَتْ بالمملكة المغربية حين فازت بجائزة مؤتمر الرواية العربية بالمقهى الثقافي لمدينة وجدة بالمغرب وهي جائزة واحدة تمنح لأفضل رواية عربية.. ثم طُبِعَتْ مرة ثانية في دار غراب للنشر والتوزيع بمصر وعرضت في معرض القاهرة للكتاب العام الماضي 2017م.

ـ تناول أعمالك العديد من النقاد العرب. فما الذي استفدته من النقد أو ما ستستفيده في أعمالك القادمة، وتقييمك لكل ناقدٍ منهم؟

ــ بداية أشكر كل من تناول عمل لي بالنقد.. أخص بالذكر أكيد دكتور ثائر العذاري ود. كريم ناجي, ود. طارق الطوزي, ود.محمد الدخيسي، والأديبة الكبيرة أمنة برواضي، والأديبة الرائعة أمينة بلهاشمي، والأديبة بثينة لزعر، والناقدة الدكتورة زينب لوت...

أترى أن ليس بينهم ناقد مصري! رغم أن لي أصدقاء كُثر نقاد مصريين وقد أهديت الكثير منهم أعمالي لكنهم للأسف لا يقرؤون إلا حين يُدعون للمناقشة.. العمل الفني صار مجرد سبوبة فقط لا غير.. أما عن مقدار استفادتي .. فأنا حريص فقط على معرفة ما استشفه القارئ من الحالة الجمالية التي أردت توصيلها.. أكون ناجحا حين أدرك أن الجمال الذي أصبو إليه وصل إلى القارئ..

ـ تعرفت على الكثير من الروائيين المصريين والعرب سواءٌ في المشرق والمغرب. ماذا لو استعرضت لنا أهم ما توقفت عنده وأعجبك من نتاجهم الروائي؟

ــ هناك عمالقة أنتجوا من الجمال ما هو جدير بصياغة حياة أكثر إشراقا.. العظيم فتحي امبابي في رائعته "نهر السماء"، وطارق إمام وكل ما أنتجه من روائع، ومحسن يونس وسيد الوكيل وأمنة برواضي وأمينة بلهاشمي والكثير مبدعون وأصحاب نهج جمالي رائع ولا أنسى شهدان الغرباوي الشاعرة الأخطر وأحمد حنفي وحسني منصور.. كثير وكثير جدا..

ــ يرى البعض أن الرواية صارت ديوان العرب الأكبر في زماننا. فهل ترى أن هذا الإقبال على كتابتها أضر بالفن الروائي أم نفعه؟ ولماذا؟

ــ الرواية ديوان العرب.. الرواية لغة العصر.. الرواية..... ! مجرد مسميات تجارية فقط.. ثم أنا أعترض على المسميات .. رواية، قصة، شعر.. لماذا لا ينطوي الكل تحت مسمى "إبداع"؟ لماذا نحدد ونقيد الإبداع بمسميات باطلة؟! حين نطلق على شيء اسم فهذا يحدد له مواصفات تقيد انطلاقه وتحديثه.. العمل الفني "أصداء السيرة الذاتية" للأديب العالمي نجيب محفوظ.. بالمفهوم السائد عن اسم الرواية هل تستطيع أن تطلق عليه اسم رواية؟ مستحيل.. "أصداء السيرة الذاتية" عمل فني فائق الجمال ولا نستطيع أن نصنفه.. غير أن التاجر/الناشر يصنفه لغرض تجاري بحت.. الفن تمرد ولا يعقل أبدًا أن نقيد الإبداع بقوانين وأصفاد بائسة.

ـ باعتباركم كاتبا روائيا له أسلوبه الخاص في تناول أعماله. لو عددتم لنا الأخطاء التي رصدتها عند من استسهلوا فن الرواية فكتبوا فيه، وبماذا تنصحهم؟

ــ لأنهم أسموها "رواية" فيروي من يشاء ما شاء.. وبهذا تجد هذا الغثاء الذي يملأ أرفف المكتبات.. أنصحهم أن يكفوا عن هذا الذي يفعلونه برؤوسنا.. من لا يملك مشروعا إبداعيا ورؤية خاصة للجمال عليه أن يضع القلم ويقرأ ويتعلم صياغة الجمال.. الفن نظرية جمالية أولا وأخيرا..

ـ هل ترى أن الفجوة الإبداعية بيننا ـ نحن العرب ـ وبين الغرب في الرواية كبيرة، وكيف تضيق بحسب فهمكم لو كانت موجودة؟

ــ أعتقد أن مصر خاصة أفضل من صاغ الفن الروائي برؤية مغايرة للغرب وأفضل.. لو ألقينا الضوء على مبدعينا لأذهلنا الغرب والشرق بمبدعينا الأفاضل..

ـ من هو الروائي الذي كنت تتمنى أن تعيش عصره وتلتقيه، والكاتب الذي تتمنى أن تكونه؟

ــ أحمد الله أني عشتُ عصر نجيب محفوظ عبقري الفن الروائي.. أحب أن أكون عازفا للجمال بالحروف وأتمنى أن أكون وفقت إلى ذلك من خلال ما طرحته من إبداع,,

ـ أين يقف الروائي السيد حنفي على خريطة الإبداع الروائي العربي المعاصر؟ وما الذي يميزه؟

ــ أعتقد أن لي مكاني الخاص الذي صنعته بنفسي لنفسي.. مدى جودة وارتفاع أو سفول هذا المكان يحدده القارئ.. أتمنى أن أكون مميزًا بحالة جمالية لم يطرحها أحد من قبل..

ـ وأخيرًا، فيما يشبه المحاكمة: الروائي السيد حنفي، هل أنت راضٍ عمَّا أنجزت؟ وما الذي تود إنجازه؟ ومتى تعلن التوقف عن كتابة الرواية؟

ــ لو ارتضيت ما أنجزته ما كتبت ثانية.. أتمنى أن أنجز "قدم واحدة لا تكفي لاحتلال العالم" عمل فني جديد مرهق جدا.. سأكف عن العزف بالحروف حين يكف القلب عن النبض..
عن الكاتب
د
رئيس قسم الأدب العربي باتحاد الكتاب والمثقفين العرب ـ باريس، ورئيس تحرير مجلة كنوز الأقلام الثقافية، عضو في شعبة المبدعين العرب التابعة لجامعة الدول العربية ومجلس الوزراء العرب، له العديد من المؤلفات الدينية والأدبية المنشورة بالعربية والمترجمة والصادرة في مصر والدول العربية وجمهوريتي النمسا وألمانيا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...