محمد العرڨوبي - مراجعة لرواية المحاكمة لفرانز كافكا

مراجعة كتاب "المحاكمة"

● الكتاب : المحاكمة
● المؤلّف : فرانز كافكا
● عدد الصّفحات : 360
● الترجمة : يوسف عطا الطريفي
● دار النشر : الأهلية
● تقييم شخصي : ☆☆☆☆

حكاية ماهو متروك لك لإتّخاذ قرار أعتقد أنني أفسّرها على المستوى الأكثر شمولا .. وأنظر إلى المحاكمة كرمز للوجود الإنسانيّ .. لا نعرف سبب وجودنا هنا / و كيف ستنتهي قواعد اللّعبة و مع ذلك فإنّنا نأخذ هذه المرحلة المحبطة في محاولة لفهمها و نشعر بالإرتياح من "الإنتصارات الزّائفة" التي لا معنى لها و التي تخدعنا للإعتقاد بأنّ بعض التقدّم قد أُحرز .. لقد تعلّمنا منذ زمن بعيد أن "التّبرئة الفعليّة" غير قابلة للتّحقيق .. لكنّنا نرفض الإستسلام ..
هذه وجهة نظري للموضوع .. أنا على دراية تامّة بأن العديد من النقّاد الأدبيّين أو الأشخاص الآخرين ذوي ماأعبّر عنه ب"الذّكاء التّحليلي" يتعارضون معها و يرونه بشكل مختلف و هذا من حقّهم طبعا ..
______________
طيّب هذا الكتاب الثّاني الذي أقرأه لكافكا بعد "المسخ" أو "التحوّل" (إختلاف في التّرجمات) .. دائما ما يتردّد إلى مسامعنا عبارات من نوع "الكافكاويّة" أو مصطلح "سوداويّة كافكا" .. يمكننا فعلا أن نخمّن حول سبب إختيار هذا المصطلح لكن على الأرجح أظن أن أغلبنا لم يغص في التّفاصيل و أنا في المقدّمة .. عن نفسي إستخدمت عبارة "الكافكاويّة" في مناسبات عديدة .. ربّما إستطعت القيام بالإطّلاع على بعض المقالات و مشاهدة بعض البرامج الوثائقيّة التي فهمت من خلالها هذا المصطلح لكنّني قرّرت في الآونة الأخيرة أن أتعامل مع مهمّاتي الأدبيّة على محمل الجدّ .. و بما أن الكتب أعتبرها من أهمّ الأشياء بالنّسبة لي في هذا العالم فيتوجّب علي التعامل معها بطريقة أفضل و الصّعود إلى مستوى آخر ..
______________
المحاكمة هي دراما قانونيّة مضجرة توضّح بشكل رائع كيف تكون البيروقراطيّة الخاملة .. تذكّر في الكثير من فصولها بكتاب جورج أورويل "1984" .. تشترك عوالمهم في الكثير من الأمور .. إنعدام العدالة / الإحساس بالإغتراب / اللّاإنسانيّة ..
تدور الأحداث حول موظّف البنك "جوزيف ك" الذي يستفيق في يوم عيد ميلاده الثّلاثين ليجد نفسه رهين الإعتقال لإرتكابه جريمة لا يعرفها جوزيف ولا القارئ و مقاضاته يوم الأحد من طرف وكالة غير معروفة .. الغريب في الأمر فبالرّغم من إعتقاله فلا أحد يسجنه .. بإمكانه الذّهاب إلى مكتبه و العمل و أداء مهامه اليوميّة المعتادة و القيام بكل مايريد منتظرا محاكمته لكنّه قلق بشكل واضح فهو متّهم بجريمة مجهولة لكنّها خطيرة جدا ..
______________
الآن أنظر إلى نفسك .. لقد وُلدت أو وُجدت بدون موافقتك .. أنت تعيش .. تفعل كل ما يخطر ببالك يستحق القيام به .. تتزوّج أو تبقى عازبا .. ربما كنت قد تزوّجت بالفعل و شكّلت أسرة .. قد تعيش حياة شهرة أو تفضّل عدم الكشف عن هويّتك .. تجمع ثروات أو تعيش فقيرا طيلة حياتك .. سعيد أو حزين لكن ما هي أسباب كلّ هذا ؟ .. لماذا أنت هنا في المقام الأوّل ؟ ولماذا تفعل كل ما تفعله ؟ .. إذا كان لديك هدف أو تقوم بكلّ ذلك عبثا .. الإيمان بالمعتقدات الدّينيّة أو تخيّل حياة الخلود .. النّظر إلى العدالة التصحيحيّة لجميع الأخطاء التي إرتكبتها أو شاهدتها أو سمعت عنها .. كل هذا لا تعرفه ولن تعرف أبدا .. في بعض الأحيان قد تفكّر مع كل هذه الشكوك ولكن المجهول مجهول .. كان من الأفضل لك أن لا تكون موجودًا على الإطلاق .. لكن لم يكن لديك خيار أنت محكوم على هذه الحياة وتم توجيه التّهم إليك لا يمكنك "عدم الوجود" والهروب .. أنت رهن الإعتقال ..
لذا ستطلب المساعدة .. ستجرّب الدّين .. الحسّ السليم .. العقل .. دراسة شؤون الرجال .. النّظر إلى الخلف في التاريخ .. رؤية ما يجب أن يقوله الأنبياء و الفلاسفة الأحياء والأموات .. لكن لا توجد جدوى من هذا كلّه .. ثم سوف تموت .. وسوف تموت بالحيرة والخوف .. مثل وفاة "جوزيف ك" نفسه في هذه الرّواية .. فإن موتك لن يكون مختلفًا عن موت الكلب

"قال وهو يلفظ آخر أنفاسه "مثل كلب!" و كان كأنّما أراد أن يبقى العار خالدا بعد زواله .."
التفاعلات: حيدر عاشور

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...