نحن البلاد الشاكية جرحها .. للصديد
جاتنا القوافل بالضجيج
جرتنا من حلبة رقيص
ورتنا كيف صلبوا المسيح
كيف كتلوا الحسين
وبكينا أكتر منها
ساقتنا في الآخر ... عبيد
مين يشترني من الملوك
الخايضة في الدم .. القديم
مين اليوصف بيتنا لي .. هدهد يتيم
يا هدهدي المهدود
مين هدهدك .. نمت
كل الطيور .. غنت
منك يجيني .. سكوت
مين الهداك .. للناس
أو هدّ .. فيك الموت
يا أوسم الجايين .. أنا قلبي حلة حنين
والشوق فتحني .. بيوت
يا صالحة
لا جنبك لا فت منك فوت
دايماً معلق بين
بين الحياة والموت
أدخل ضلام الناس
نورك .. يجيني خيوط
وقبال أقع .. في الضو
جواك سندني .. خفوت
أنا برضي .. حلة شوق
لكني .. في التابوت
( عاطف خيري – سيناريو اليابسة )
قال لي صاحب الأمجاد بعد ان ترجلنا ( أنا وهناء ورفيده) من على متن عربته وهممنا بدفع ثم اجرة مشواره الذي أقلنا من أمدرمان إلى الخرطوم بحري. قال لي لما رأى الجمع المتجمهر أمام بوابة مجموعة دال : اسمع هنا في شنو؟ .. اخبرته في اقتضاب: هنا في عاطف خيري؟
الزمان: امسية الجمعة السابع من نوفمبر لهذا العام، المكان: المنطقة الصناعية بالخرطوم بحري حيث مقر مجموعة دال للصناعات الغذائية بالقرب من مصنعها الخاص بإنتاج الكوكاكولا. انضممنا ثلاثتنا لهذا الجمع الغفير وكل من خطر ببالي – بشئ من التعميم – وجدته هناك.. جمع من الممثلين، الفنانين، الشعراء، الكتاب، اصدقاء لي التقيتهم في المرة الأولى إبان عملي التطوعي بالمنظمات التطوعية غير الحكومية، لمحت زميل لي بالشركة، ذاك المذيع: محمد محمود (إسكوني) و .. و.. الخ الخ.
علمنا أن القاعة التي تقام فيها ندوات منتدى دال الثقافي تسع لثلاثمائة شخص فقط، ولكن العدد هذه المرة أكبر من سعة القاعة.. أكبر بكثير، والشاعر يجلس بالمنصة وخلفه إعلان بموضوع الفعالية (قراءات في أوراق الملاماتي – الشاعر عاطف خيري) وصورة له بقميص الجنيز ويسراه تمسك بالميكرفون ويمناه تتحرك مع أبياته.
رفض الملاماتي أن يقدم قراءاته ما لم يسمح لمن تجمهوروا خارج المبنى بالدخول إلى داخل المبنى، فأنصاعت إدارة المنتدى لرغبته وصار رجال الأمن بالشركة يدخلون الحضور على دفعات لقاعة أخرى ولكن الحل لم يكن ذا جدوى. ففتحوا البوابة على مصراعيها وولجت الجموع للداخل تسير في عجل علها تدرك مكاناً بالقرب من الشاعر، فكان المكان بالقرب من السماعة الكبيرة التي جعلت في فم القاعة، فتحلقنا حولها وتوزعنا على درجات السلم وعلى الاسفلت وتحت ظلال الاشجار كانت الساعة تتحاوز الثامنة والنصف مساء ( وبتوقيت غرينتش كانت الزمن قد تتجاوز الخامسة والنصف عصراً)
كان عاطف خيري يتلوا علي اسماعنا قصيدته ذائعة الصيت والتي عنونها بـــ ( الجسد .. مصلاية الروح) ومنها اقتطف هذه الحزمة:
( اتر البهايم في التراب
تحلب بصيرة الراعي من شوفتو اللبن
هسيس .. توب يرقه
قلعت خوفا في شط النوايا
إبليس حبيس العلة في كلمة "سجود"
والدود يجيك من شدة لفظة تخمر
تسمع حنين الشمس لي .. ضل البيوت
همهمة الجرح .. لحظة تعود
من غربة الجسد ... الخلايا
لجنة .. لسان الضو .. إذا
نطق الزوايا
ودخلة "الكاف" الصبي.. على "نون" اليرن خلخالا
في قلب النبي .. وتسمع زغاريد العدم)
كانت الأمسية متخفمة برمزيات الشاعر فنجده يقول: (الجندب .. الوطني) .. وبمشاهده الدرامية مثل ( مروق الحناء من ضفر العروس ) ويشبه الأمطار بدخول الأطفال دون استئذان داخل المنازل في العيد ( والمطرة زي شفع العيد تدخل غرف كل البيوت).. ثم يسمعنا من اشعاره بالعربية الفصيحة فيجعل افواهنا مشرعة بالدهشة الممتعة – على حد تعبير الشاعر المسرحي عمر الطيب الدوش ( وامتع نفسي بالدهشة) والجملة موجودة بقصيدة : (بناديها) التي تغنى بها فنان افريقيا الأول: محمد وردي. هذا حديث آخر. ولنصغي لتلك الأبيات التي انشدها الشاعر عاطف خيري من ديوانه ( الظنون ):
والعصافير التي علمتنا الغناء هوت
أفزعتها يد الموت، ألجمتها يد الخوف
صارت مناقيرها سبحة في أيادي .. الخرس
والبلاد التي ضيعت خاتماً
البلاد التي دائماً ستظل محنية فوق تلك الجثث
ونحن سنبقى هنا .. أو هناك
سوف نعلو بالذنوب الخفيفة
فوق هذا العبث
هي الأرض سلة المهملات
وهم باعوا ويبيعون
فأدرك سماءك يا خالقي
قبل ذاك المزاد ، وبعد هذا الجرس
الموت ما عاد يفقس خطافه
تحت فك المريض
صار في ضحكة الاصدقاء
في الخطاب الذي لن يصل
وتحت صك البريد
قبري لم يعد قبري
ومن يبكي على، عليك
يدري .. أنك حين يفزعنا الحنان
ستصعدين ضفيرتك
وإنني قرد وحيد
آية الهارب في الأرض
أقداره: أسوار
يجلو على المرآءة وطنا
سجنه إذ تتهشم المرآءة باب
وخراب الذي يشتهي، أفعى
تصعد ساق التي تنتهي
بلاد كلما ابتسمت، حط على شفتيها الذباب
عن عاطف خيري أحكي:
على ذمة صاحب المشاركة التي حملت عنوان: ( عاطف عوض خيري ) بموقع: موسوعة التوثيق الشامل، يطلعنا بالمعلومات التالية عن الشاعر عاطف خيري:
- من مواليد مدينة كريمة في العام 1969م بحي وسط جنوب.
- كان والده من أعيان كريمة ونائبها في مجلس الشعب الإقليمي أيام عهد الرئيس نميري، وعرف بانشغاله بالهم العام والعمل التطوعي.
- درس جميع المراحل الدراسية بمدينة كريمة.
- تخرج من معهد الموسيقى والمسرح – قسم الدراما.
- التحق بجامعة القاهرة بالخرطوم بقسم اللغة العربية كلية الآداب، ودرس حتى السنة الثانية ولم يكملها وذلك لعشقه للدراما والمسرح فتفرغ للدراسة بالمعهد.
- كتب العديد من القصائد منذ ايام صباه الأولى في مدينة كريمة وتنوع في الكتابة من الفصيح والعامي والدارجي.
- تغنى بأشعاره العديد من الفنانين كان أولهم الفنان عبد العظيم منصور ثم الفنان صديق أحمد والفنان مصطفى سيد أحمد.
- له اسهامات عديدة في مجال المسرح المدرسي عندما كان طالباً بكريمة، ثم تطور ذلك الاهتمام فكان من الأعضاء الناشطين في جمعية المسرح بنادي النسر الثقافي الرياضي بمدينة كريمة.
- كان من فرسان برنامج دارة مهيرة الثقافي والذي كانت تقيمه رابطة طلاب مروي بجامعة القاهرة بالخرطوم.
- كان من فرسان شعراء المنتدى بجامعة القاهرة بالخرطوم.
- تمت استضافته في العديد من البرامج الإذاعية في إذاعة أمدرمان.
- أقام العديد من الأمسيات الشعرية في الخرطوم والقاهرة وسيدني وبعض العواصم الأوربية وغيرها.
- هاجر إلى استراليا وقام مع مجموعة من الموهبين السودانيين هناك بإنشاء وتأسيس إذاعة ما زال يعمل فيها.
- كون ثنائياً رائعاً مع الفنان عبد العظيم منصور، ثم الفنان مصطفى سيد أحمد.
بمثابة خاتمة:
وبعد...
الشارع الذي المكان الذي أقيمت فيه هذه الندوة لا تسلك المواصلات وكما هو معلوم ليس كل الحضور الذي تواجد للاستمتاع بشعر عاطف خيري يملك مركبات خاصة تقله. رغم ما سبق فقد كان الحضور اكبر بكثير من مساحة القاعة المخصصة للفعالية.
تنوع الحضور عمرياً بين ما دون العشرين وما فوق الخمسين أو الستين. واختلفوا نوعياً كذلك ( اناثاً وذكوراً)، وكان معظم الحضور يحمل هواتفه النقالة لتسجيل القصائد بصوت صاحبها وكذلك كان هنالك الكثير من الحضور يحفظ شعر عاطف خيري عن ظهر قلب وبالأخص قصيدتي (سيناريو اليابسة) و(شهيق) التي تغنى مصطفى سيد أحمد بإحدى مقاطعها.
الخرطوم بحري في 7 نوفمبر 2014م