أشرف صالح محمد - قراءة في كتاب “المدير الفاشل.. رؤية للنجاح”

يبدو مؤكدًا أن مَنْ اختار هذا الكتاب وفق عنوانه، قد انتابه شعور بحب الاطلاع عن معنى المدير الفاشل. نعم الكثيرون يعانون من فشل الإدارة، فمنهم مَنْ واجهته مشاكل في الحصول على الخدمات بجودة مناسبة وآخرون يعملون في إدارة يتصدر الموقع الأول فيها مَنْ يوصف بالفشل. دعنا نتفهم مصدر هذه المشاعر وإطلاق صفة الفاشلين، والجواب بسيط للغاية، وبعيدًا عن الفهم الأكاديمي، نقول إنه الرضا المفقود، ليس إلا مدعاة للتوصيف بالفشل.

نحن نطلب خدمة من مؤسسة حكومية أو خاصة وقد نحصل عليها، أو لا نحصل عليها، وفي كلتا الحالتين وعندما لا نكون راضين تتبادر إلى أذهاننا وأفواهنا كلمة الفشل. قد لا نكتفي بالوصف ونذهب إلى التحليل فنجد أسبابًا ترتبط بزمن الحصول على الخدمة وكلفتها وطريقة تقديمها ومستوى جودتها، وأخيرًا نستنتج أن هناك مَنْ يقف وراء الأمر إنه شخص يُسمى مديرًا.

لقد أراد الأستاذ الدكتور بسمان الفيصل لهذا الإصدار أن يشغل مكانه في الأدب الإداري العربي، وقصد وهو يتناول المدير الفاشل (إصدار الأكاديميون للنشر والتوزيع، 2016) التوجه إلى المديرين الناجحين كي لا يكونوا فاشلين، لكن المفاجأة أن الفاشلين هم الأكثر ادعاءً بالنجاح إلى درجة الثرثرة واختلاق قصص النجاح ومغامرات المناورة، يتحدثون عن نجاحات وهمية ويقنعون أنفسهم، ويتطاولون ليقنعوا معاونيهم، وحالما يحصلون على بعض التأكيد بدوافع انتهازية، يبدؤون بالانتفاخ وعندها يكتسحون أي فرص للنجاح.
المدير الأسير

فور مباشرة المدير مهامه الجديدة، يندفع نحوه فريق من المساعدين في السلم الإداري، يتنافسون في عرض خبراتهم والإيحاء بامتلاكهم أسرار العمل، هؤلاء في زمن ليس بالطويل يشكلون ما يشبه الشرنقة حول حورية دودة القز، وعندها لا يجد المدير سبيلاً لفكره ولا لقراراته إلا من خلال هؤلاء، حيث يختار نخبة منهم وهم الأكثر كفاءة في تحقيق أعلى درجات الالتصاق بنوايا مديرهم وتوجهاته، بل ورغباته غير المعلنة. وهنا يقع مديرنا في الأسر، وتتحدد حريته ويفقد المبادأة، بل يعزل تمامًا عن العاملين في مؤسسته عزلاً اعتباريًا قبل أن يتفادى لقاءهم والحوار معهم، ويتحول إلى شخص غريب ليس له عيون إلا عيون مساعديه، وليس له آذان إلا آذانهم.
الدكتاتور السعيد

ربما لطبيعة التركيب السيكولوجي لبعض المديرين تنتابهم مشاعر الأفضلية وبأنهم الأكثر كفاءة ومهارة واقتدارا من مرؤوسيهم، هؤلاء يتحولون إلى عين واحدة ترى من زاوية واحدة، ويعملون على إبعاد الأقوياء في الصف الثاني، ويجتهد المدير بكل السبل لتحجيمهم وحجب فرص تطورهم. وبعد وقت ليس بطويل يصبح المدير اللاعب الوحيد لتنتابه مشاعر السعادة بالانتصار، ويحب هذا المدير الظهور بجلباب المسيطر الذي ترتعد فرائص الآخرين عند رؤيته، ولعل مثل هذا الشعور يرضى فيه نقصًا رافقه منذ الطفولة، فوجد في المؤسسة ضالته في التعبير عن حاجته.
برج السلطة والامتيازات

يعتقد البعض من المديرين أن موقعه الإداري برج للسلطة وممارستها، وأن الآخرين ليسوا إلا أتباعًا عليهم الانصياع وإظهار كل معاني الطاعة والالتزام المطلق. يظهر المدير المتسلط اهتمامه بمعرفة الصغيرة قبل الكبيرة عن العاملين معه، وقد يهتم بإنشاء منظومة تجسسيه من بعض الأفراد الذين يتبرعون بنقل الأخبار وخاصةً التي تتعلق بالمدير، والملاحظ أن هؤلاء الأفراد يضعون الأخبار وفقًا لرؤيتهم وانحيازهم، لذا قد تنحرف قرارات المدير أحيانًا عندما تتخذ من أخبار الجواسيس مخزنًا ومصدرًا للمعلومات.

وأحيانًا يلجأ المديرون إلى استخدام التكنولوجيا بإحكام الرقابة على مرؤوسيهم من خلال إدارة شبكة الإنترنت، أو كاميرات المراقبة، أو التجسس على الجواسيس. ولا يتوانى هذا النوع من المديرين عن نسب الإنجازات إلى دهائهم وعبقريتهم وحسن تدبيرهم، بل يلصقون تهم الغباء وسوء التصرف، وضعف الكفاءة بمرؤوسيهم عند حدوث أي إخفاق.

وبعض المديرين لا يرون في الموقع الإداري إلا مكانًا لحصاد الامتيازات وفقًا لما يتيحه النظام (هكذا يقول الطبَّالون)، يبدؤون بتغيير التصميم الداخلي لمكاتبهم ويختارون كرسيًا وفيرًا بدعوى الملائمة مع ألم الظهر، وتمتد التغييرات إلى مكاتب المقربين وكأننا في موسم لاقتسام الغنائم. يلتفت البعض إلى السيارة المخصصة للمدير ويتوجه لاستبدالها بالأحدث كونها تعكس الصورة الذهنية عن المؤسسة، يبدو أن بعض المديرين يشعرون أن مناصبهم محطة أخيرة قبل انتقالهم إلى مكان آخر أو وصولهم للمعاش، لذا لا يفرَّطون في حصاد جائر ونهم لضمان معيشة مرفهة عندما يغادرون وظائفهم.
نماذج من المديرين الفاشلين

المدير كثير الشك، هذا النوع محاط بالشك في كلام موظفيه وينظر بالريبة إلى كل ما يعدوه من تقارير ويقدموه من معلومات وكأنهم يوقعون به أو يورطوه، أو أن معلوماتهم غير دقيقة. لذا فهو يعاود طلب التقارير نفسها والمعلومات نفسها من أكثر من جهة داخل مؤسسته، أو يوعز لأحد مساعديه بتدقيق المعلومات، وقد يتولى هو المهمة. المشكلة هنا تتمثل في درجة الإحباط التي تنتاب موظفيه موضع الشك وردود أفعالهم لاحقًا، ناهيك عن تأخر إصدار الكثير من القرارات. إنها شخصية جاءت بأحمالها وسمات سلوكها المقترن بالشك واقتحمت المؤسسة وذهبت إلى أحد مفاصلها لتصيبه بالشلل.

وتُبتلى المؤسسة أحيانًا بمدير صفته الغالبة توجيه التهم لمرؤوسيه وتحميلهم المسئولية عن كل مشكلة تحصل باختلاف أسبابها. وهو بذلك كأنه يبعد المسئولية عنه ليشعر بالاطمئنان، وقد يضطر أحيانًا للكذب بأنه قد أطلق تحذيره إلا أن موظفيه لم يعطوه أذنًا مُصغية لملاحظاته. دعونا نرى أوضاع الموظفين في هذه المؤسسة وهم معرضون للتهم التي قد تبدو منهجًا في إدارتها، وبالتالي فإن الحديث عن سلامة المناخ التنظيمي والولاء والإنتاجية والجدارة ضرب من الخيال. وإنها لمصيبة أن يمارس المدير الانحياز نحو بعض موظفيه لأسباب لا علاقة لها بالكفاءة ويصبحون هم المبشرون بالجنة فيدجون الطرق أمامهم سالكة للترقية والحصول على الامتيازات والمناصب، بل ويفلتون من طائلة العقاب عن أخطائهم. الصورة الذهنية للعاملين عن مؤسستهم تدعو للحزن، فهم لها كارهون، وعن أهدافها بعيدون، وقد يضطرون للبحث عن مؤسسة أخرى تمنحهم حقوقهم وفق كفاءتهم. لذا في مثل هذه الأجواء يلاحظ ارتفاع معدل دوران العمل في كفاءات المؤسسة، ناهيك عن تدني المزاج العام، وحالات السخط التي تجد في اللقاءات الخاصة منفذ لها.
السلبية والعدوانية

إن الدراسات التي تناولت سلوك المديرين عمومًا، أفادت بأن الشخصيات التي لا تتسم بالإيجابية لن تجد فرصتها في مواقع الإدارة المتقدمة غالبًا، ومع ذلك يخترق البعض الطوق ويتسرب لمواقع الإدارة ويكون من الشخصيات السلبية، وهنا يتسم المدير بميوله العدوانية الكامنة ويظهر قدر من النرجسية وحب الانفراد بالنجاح والسيطرة على الآخرين. بل يمتد بسلوكه السلبي نحو إفشال أعمال الآخرين من المنافسين، ومن سمات هذا المدير: (عدم تقبل النقد والنصح والحوار والنقاش، قليل الأصدقاء ويميل للعزلة، يميل لانتقاد الآخرين بصورة قاسية، لديه مشاعر قوية من الكراهية نحو الآخرين، يشك في موظفيه ويتوقع منهم الأذى والغدر والخيانة، كثير الاعتراض والنقد، قليل المرح والضحك والابتسام غير ودود، متصلب وعنيد ولا يقبل بالحلول الوسط).
مزاجية التحفيز وارتباك معايير الترقية

إن معايير الجدارة تأخذ معنى مختلفًا عند بعض المديرين عندما ينحازون إلى الانتماءات باختلافها كي تكون معيارًا حاكمًا للاختيار، وقد يأخذ أحدهم تحت عنوان الانتماء إلى مدينة المدير، موقعًا في السلم الإداري، رغم وجود الكثيرين من ذوي الكفاءات الأفضل لكنهم فقدوا فرصتهم لعد توفر شرط المدير فيهم. ولعل التعيين يخضع لذات المعايير، لنجد بعد حين غزوًا منظمًا من أبناء الأقارب والأصدقاء وذوي المراكز القيادية في الجهات الأعلى كالوزارات والمؤسسات الكبيرة، يتواجدون في مواقع مختلفة لم تحملهم إليها كفاءتهم واختبارات التعيين المتعارف عليها، بل حملتهم مجاملات المدير، وتوجهه لكسب الآخرين لغايات تشترك في خاصية البعد المطلق عن مصلحة المؤسسة، ولعلَّ المداحين يجدون فتات من فرص الترقية وتعيين الأقارب في إمبراطورية المدير.

من ناحية أخرى، يشعر الكثير من المديرين أن وجود نظام واضح ومعياري للحوافز يعطل بل يسلب منهم سلاح التأثير في مرؤوسيهم. هذا النوع من المديرين يطرب لعبارات الثناء والتبجيل من بعض مرؤوسيه الذين ينتظرون عطاياه وقبل ذلك رضاه. إن مزاجية الحوافز تقود لشعور محبط لكثير من العاملين الذين يبدون نشاطًا واجتهادًا في أدائهم ويتميزون في إنجازاتهم، إلا أنهم لا يجدون كيفية الوصول إلى قلب المدير كي يظهر رقته وحنانه نحوهم ويشملهم بعطاياه وفق نظام “أعطوه من بيت المال”. إن النتائج المؤكدة لما تقدم من وصف، هي انتشار مشاعر الإحباط، والتنافس السلبي، ووقوع العاملين في فخاخ الصراع والفتن، ولعلَّ في ذلك مدعاة لإطلاق صفة “المدير الفاشل” عن جدارة.

المراجع:

بسمان الفيصل المحجوب (2016)، المدير الفاشل: رؤية للنجاح.- عمان: دار الأكاديميون للنشر والتوزيع.



د. أشرف صالح محمد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...