يبدو الخليفة هرون الرشيد السياسيّ السلطويّ في ألف ليلة وليلة طائشاً نزقاً ، يضرب ويقتل متى يشاء ، ويعفو عمن يشاء وفق مزاجية حادّة ، وهو يُصدر أوامره الظالمة في لحظات طيشه وغضبه ، التي تنفجر دائماً ، وقلّما تهدأ . ففي حكاية " علي نور الدين وأنيس الجليس " ، يصمّم الخليفة هرون الرشيد على أن يصلب خولي بستانه الشيخ إبراهيم ، وعلي نور الدين ، وجاريته أنيس الجليس ، إن لم تحسن هذه الأخيرة الغناء والضرب على العود ، وإن أحسنت عفا عنهم ، وصلب بدلاً منهم وزيره جعفر البرمكي .
يقول الرشيد (1) لوزيره جعفر : " والله إن غنّت الجارية ولم تحسن الغناء صلبتهم كلّهم وإن غنّت وأحسنت الغناء فإنّي أعفو عنهم وأصلبك أنت " . والتساؤل الذي يمكن أن يطرحه متلقي الحكاية : ما ذنب سيّدها علي نور الدين وخولي البستان الشيخ إبراهيم ـ خادم الرشيد المطيع ـ إن لم تحسن الجارية الغناء ؟ وهل مصائر الناس وحرياتهم يقرّرها ، ويصادرها هوج الخلفاء ونزقهم ؟. يبدو ذلك في مدن ألف ليلة وليلة المحكومة بمجموعة من الخلفاء والملوك والأمراء.
لقد كان الناس في بغداد والمدن العبّاسيّة الأخرى يرتعدون خوفاً إن ذُكِرَ اسم الرشيد أمامهم ، وقد أحاط بعض رواة الليالي شخصيّة الخليفة الرشيد بهالة قدسيّة وأسطوريّة ، وبسلطة مطلقة تمتدّ إلى فضاءات الدولة العباسيّة كلّها ، لتحكم كل الشخوص : البعيدين من الولاة والعمّال والجباة في الولايات التابعة لحكمه ، والمقربين من الجواري والحظايا والخدم والنُدْمان في قصره ، بحيث ترتحل هذه السطوة مع الجواري الحظايا الخارجات من قصره ببغداد ، ولمجرّد أنهنّ ينتمين إلى فضاء هذا القصر . ففي حكاية " غانم بن أيوب وقوت القلوب " ، يعشق غانم بن أيوب إحدى حظايا الرشيد " قوت القلوب " ، و يجتمع بها في داره بعيداً عن جواسيس القصر ، وهناك يغيبان معاً في نشوة العشق والخمرة ، وترتفع الحجب بينهما ، وعند ذلك تبدي قوت القلوب رغبة جنسيّة بغانم بن أيوب ، فيندفع هائجاً للتواصل معها ، لكنّها تمتنع عنه على الرغم من محبّتها الشديدة له ، ورغبتها العارمة في التواصل الجنسيّ به ، لأنّها تعي مدى بطش سيّدها الرشيد وسطوته ، وتعي أنّها إذا انقادت وراء لذّاتها الجنسيّة ، فإنّ الموت الأكيد يترقبّها في قصر الخلافة . يقول الراوي (2) :
" وتمكّن حبّ كلّ واحد منهما من قلب الآخر ولم يبق لهما صبر عن بعضهما (…) فملس عليها بيده ونزل إلى سراويلها وتكّتها وجذبها ، فانتبهت وقعدت وقعد غانم بجانبها ، فقالت له : ما الذي تريد ؟ قال أريد أن أنام معك وأتصافى أنا وأنت ، فعند ذلك قالت له : أنا الآن أوضّح لك أمري حتّى تعرف قدري وينكشف لك سرّي ويظهر لك عذري ، قال نعم . فعند ذلك شقّت ذيل قميصها ومدّت يدها إلى تكّة لباسها ، وقالت : اقرأ الذي على هذا الطرف ، فأخذ طرف التكّة في يده ونظر فوجده مرقوماً عليه بالذهب : أنا لك وأنت لي يا ابن عمّ النبيّ . فلمّا قرأه رفع يده " .
وعندما عرف غانم بن أيوب أنّها حظيّة الخليفة انطفأت شهوته ، وهبطت عليه سطوة الخليفة الرشيد وبطشه ، وارتعد متأخراً " إلى ورائه من هيبة الخليفة ، وجلس وحده في ناحية من المكان يعاتب نفسه و يتفكّر في أمره و صار متحيّراً في عشق التي ليس له إليها وصول . فبكى من شدّة الغرام ولوعة الوجد والهيام " (3) . وعند ذلك رقّت الحظيّة قوت القلوب لحاله ، واشتدّت ولعاً به ، واعترفت له بأنّها لا تطيق صبراً على هذا العشق ، ودعته إليها قائلة (4) " إنّي لا أقدر على فراقك وها أنا قد بيّنت لك حالي من شدّة ولعي بك ، فقم الآن ودع ما كان واقض أربك مني ". عندها اعتذر منها منكسراً ، وقد أحسّ بدونيّة منزلته أمامها ، وأمام سيّدها الخليفة الرشيد ، وقال (5) : " أعوذ بالله إنّ هذا شيء لا يكون كيف يجلس الكلب في موضع السبع والذي لمولاي يُحرّم عليّ أن أقربه ، ثمّ جذب نفسه منها وجلس في ناحية وزادت هي محبّة بامتناعه عنها ، ثمّ جلست إلى جانبه ونادمته ولاعبته فسكرا (…) ثمّ قام غانم وفرش فراشين كل فراش في مكان وحده ، فقالت له قوت القلوب : لمن هذا الفراش الثاني ؟ فقال لها هذا لي والآخر لكِ ومن الليلة لا ننام إلاّ على هذا النمط وكلّ شيء للسيّد حرام على العبد ".
ويبدو من الطبيعي أن يتأكّد غانم بن أيوب أنّ ما خُصص للسيّد هو حرام على العبد ، في مجتمع عبّاسيّ بلغ التباين الطبقي فيه أوجه ، وقسّم الناس فيه إلى سادة وعبيد ، أو بتعبير شهرزاد : إلى سباع تفترس كلّ شيء : المال والقطّاعات الزراعيّة والنساء وأموال الخراج ، وإلى كلاب مذعورة لا يحقّ لها أن تقترب من مكامن السباع المفترسة . فقد اعتاد حكّام الدولة العبّاسيّة أن يحتجبوا عن الطبقات الأخرى من رعاياهم ، ويصبغوا حكمهم بصبغة شرعيّة ، وبسلسلة من نسب ملكي متّصل ، وأن يحيطوا أنفسهم بالمراسم التي ترمي إلى وقاية شخوصهم من التدنّس بمخالطة العامّة . وأن يبعثوا الرهبة في قلوب العبيد الذين نصّبوا عليهم بإرادة ربّ العالمين (6) .
ويبدو من الطبيعيّ أيضاً ، أن يخاف غانم بن أيوب من سطوة هرون الرشيد ، هذا إذا عرفنا أنّ هذا الخليفة كان في الواقع التاريخي باطشاً مستبدّاً . وتروي المصادر التاريخيّة أنّ رجلاً صالحاً قام " إلى هارون الرشيد ، وهو يخطب بمكّة ، فقال : كبُرَ مقْتَاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون . فأمر به فضُرِب مائة سوط ، فكان يئنّ الليل كلّه ، ويقول : الموتُ ! الموت ! "(7) . وكيف لا يرتعد غانم بن أيوب من بطش الخليفة الرشيد ، ما دام الوعي الجمعي في بغداد العبّاسيّة يرى أنّ هرون الرشيد هو أمير المؤمنين وخليفة ربّ العالمين ، كما يؤكّد بعض رواة الحكايات ؟. فها هو الصعلوك الأوّل الذي كان أميراً وابن ملك قبل أن يتصعلك في حكاية " الحمّال والبنات " ، يعلّل سبب قدومه إلى بغداد ، مؤكّداً أنّه قصد أمير المؤمنين . يقول (8) " وخرجت من المدينة ، وقصدت هذه المدينة [أي بغداد] ، لعلّ أحداً يوصلني إلى أمير المؤمنين وخليفة ربّ العالمين حتّى أحكي له قصّتي وما جرى لي ".
لقد كان الخليفة هرون الرشيد في حكايات ألف ليلة وليلة ممتلئاً بالعظمة والأبّهة والسطوة ، ومن شدّة إيمانه بمكانته العظمية ، فقد كان يعتقد أنّه المالك ، الآمر الناهي ، وأنّ الناس خاضعون له ، ولاةً كانوا أم جنوداً أم وزراء ، أم بشراً عاديين ، وأنّ أرزاقهم وحياتهم مرهونة بمكانته السلطويّة ، فهو القادر على بسط نعمته عليهم وعلى سحبها عنهم متى يشاء . وها هو يسحبها عن واليه على البصرة السلطان محمد بن سليمان الزيني المشمول بنعمته والنائب عنه في بعض مملكته (9) ، ويصدر أمراً ملكيّاً بعزله وتعيين بديل عنه ، وذلك في حكاية " علي نور الدين وأنيس الجليس " . ومن خلال وضع الرشيد طبقيّاً وسياسيّاً ، وكونه في أعلى سلّم السلطة المستمدّة عظمتها من الله ومن القوّة ، باعتباره خليفة الله وأمير المؤمنين ، ونائباً عن الله في الأرض ، فإنّ الراوي الشعبي من الطبقة الدونيّة يستحيل عليه أن يضع الوالي السلطان محمد بن سليمان الزيني ، في موقف الرافض ، أو المتمرّد ، أو حتّى المحتّج ، أو المتسائل : لماذا هذا الخلع ، ولماذا أُحرم من هذه النعمة المقدّسة ؟. و في مثل حالة أوامر الخلع ، أو غيرها من الأوامر ، فإنّ على الوالي محمد بن سليمان الزيني ، أو غيره من الولاة و الوزراء ، أن يسارعوا فوراً إلى خلع أنفسهم ، وإعلان الطاعة المطلقة لأمير المؤمنين ، وتقبيل الأمر الملكي ثلاث مرّات تعظيماً لخليفة الله في أرضه (10) .
لقد كان الخليفة هرون الرشيد ، بنفوذه المالي وسطوته السياسيّة ، واعتباره نفسه ابن عمّ رسول الله (ص) ، يتعالى ويتفاخر على كلّ أفراد شعبه وولاته ووزرائه ، وكان يحتقرهم مستهيناً بهم ، وبقدراتهم . فقد كان يحتقر وزيره جعفر البرمكي ، وفي أصغر المواقف وأبسطها ، ودونما سبب في أحيان أخرى ، وكان ذا سلطة طاغية على جميع من حوله . وقد استمدّ هذه السلطة من التركيبة السياسيّة ، والطبيعة الاستبدادية ، التي عرفتها الدولة العبّاسيّة ، فـ " الحكم العباسيّ الممثل بالرشيد حكم مطلق بتفويض من الله ، وعلى العباد الانقياد له انقياداً تامّاً لأنّه قائم بسنّة نبيّه وفرضه ، وهو السيّد المطلق ، وأنّ الولاة نوّابه باقون في مناصبهم ما شاء فإنّ استبدلهم أجابوا طائعين . والسلطة التي يتمتّع بها لا يمكن مناقشتها لأنّه خليفة الله على الأرض " (11) .
ومن مظاهر احتقار الرشيد لوزيره جعفر البرمكي : تهديده بصلبه ، وتوبيخه ، ومناداته بكلب الوزراء . ففي حكاية " هرون الرشيد مع الصيّاد " ، يرمي أحد الصيّادين الشبكة لتصطاد على بخت الرشيد المتنكّر ، فتجذب الشبكة صندوقاً مقفلاً ، وما إن يفتحوه حتّى يجدوا فيه صبيّة مقتولة ومقطوعة ، عندها " التفت إلى جعفر وقال : يا كلب الوزراء أيقتل القتلى في زمني ويرمون في البحر (…) وحقّ اتصال نسبي بالخلفاء من بني العبّاس إن لم تأتِ بالذي قتل هذه لأصلبنّك على باب قصري أنت وأربعين من بني عمّك " (12) .
وإذا كان الحكي القصصيّ هنا مغايراً لواقع الرشيد في مدّة حكمه ، فإنّه يمكن أن نلمس أنّ ثمّة إيديولوجيا مبطّنة ضدّ الرشيد وظلمه ، يريد الراوي الشعبي أن ينقلها من خلال وعي الجماعات المستلبة في بغداد إلى نسق الحكاية . ومن خلال هذه الإيديولوجيا يتساءل الراوي على لسان جعفر : ما ذنب جعفر البرمكي ، وبغداد مليئة بالقتلة واللصوص ، وهل يعلم جعفر بالغيب من هو قاتل الصبيّة ؟ وأيّة سلطة استبدادية عليا هذه التي تحكم بغداد ، وتطيح برأس الوزير الرجل المهمّ في الدولة ، إن هو عجز عن كشف قاتل الصبيّة بعد المدّة التي منحها الرشيد له ؟. يشكّل الراوي الوحدة السرديّة الآتية ، التي يمكن أن يستشفّ منها الاستبداد المطلق الذي يتحكّم في بنية العلاقات السياسيّة في بغداد العبّاسيّة . يقول (13) : " وفي اليوم الرابع أرسل إليه الخليفة يطلبه ، فلمّا مثل بين يديه قال : أين قاتل الصبيّة ؟ قال جعفر : يا أمير المؤمنين هل أنا أعلم بالغيب حتّى أعرف قاتلها ؟ [عندها] اغتاظ الخليفة وأمر بصلبه على باب قصره وأمر منادياً ينادي في شوارع بغداد من أراد الفرجة على صلب جعفر البرمكي وزير الخليفة وصلب أولاد عمّه فليأتِ إلى قصره ، ثمّ أمر بنصب الخشب فنصبوه . وأوقفوهم تحته وصاروا ينتظرون الإذن من الخليفة ، وصار الخلق يتباكون على جعفر وأولاد عمّه " . ولا ينجو جعفر البرمكي إلاّ بعد أن يتقدّم شاب شاك بخيانة زوجته له ، ويعترف أمام الملأ أنّه هو الذي قتل زوجته لأنّه شكّ بخيانتها الجنسيّة له .
وتظهر الإيديولوجيا المعادية للرشيد ، والمتضامنة مع جعفر البرمكي ، من خلال كلام الشاب الذي يمكن أن نعدّه ممثّلاً سياسيّاً للبرامكة ، ولإيديولوجيّتهم في الحياة والحكم ، ومزاياهم الجماليّة ، التي وجدت كثيراً من المعجبين والمؤيّدين . يقول الراوي (14) : " فبينما هم كذلك وإذا بشابّ حسن نقيّ الأثواب يمشي بين الناس مسرعاً إلى أن وقف بين يدي الوزير وقال: سلامتك من هذه الوقعة يا سيّد الأمراء و كهف الفقراء ، أنا الذي قتلت الصبيّة " . وإذا كان الراوي قد وصف جعفر البرمكي بكهف الفقراء فإنّه يستمدّ هذه الرؤية من مرجعيّة تاريخيّة تؤكّد أنّ جعفراً البرمكيّ (ت 187هـ 803 م) ، كان مثالاً للكرم ، وكان ذا يد بيضاء على فقراء عصره ، والطارقين بابه ، والطالبين حمايته ، وكان " فصيحاً لبيباً ذكيّاً فطناً كريماً حليماً (15) ، ولبقاً في تعامله مع خصومه السياسيين ، ومتسامحاً مع من يزوّر كتاباً عن لسانه لأجل الانتفاع به وإنجاز مصالحه الخاصّة (16) . وتؤكّد هذه المرجعيّة التاريخيّة أنّ منزلة جعفر البرمكيّ كانت عظيمة عند الخليفة هرون الرشيد قبل نكبة البرامكة . يقول أحمد بن خلكان (17) (ت681هـ/1282م) في كتابه ( وفيات العيان وأنباء أبناء الزمان) عن جعفر البرمكي : " كان من علوّ القدر ونفاذ الأمر وبعد الهمّة وعظم المحلّ وجلالة المنزلة عند هرون الرشيد بحالة انفرد بها ولم يشارك فيها ".
وبالعودة إلى حكايات ألف ليلة وليلة يُلاحظ أنّ مظاهر احتقار الرشيد لوزيره جعفر البرمكي وعدم الثقة به ، تتكرّر غير مرّة . فالليالي تصوّر جعفراً البرمكي من أخلص المقربين إليه ، وأنّه خادم وفيّ مشهور بالطاعة والولاء له ، ومع ذلك كان الرشيد يشكّ به ، وربّما يعود شكّه به إلى أنّ هذه القوة من الحرس التي كان يحصّن نفسه بها لم تدفع عنه هواجس الخوف من أن يهجم على قصوره الحاقدون على نظامه السياسيّ ، وينتزعون منه الخلافة . وبشكل عامّ يظلّ المستبدّون من خلفاء ووزراء وقضاة ، خائفين ومحتاجين لعصابة تعينهم وتحميهم (18) . ومن مظاهر شكّ الخليفة الرشيد بوزيره جعفر البرمكي : أنّ الخليفة الرشيد في حكاية " علي نور الدين وأنيس الجليس " ، رأى في بغداد ظاهرة غير مألوفة ، عندما نظر إلى قصره المسمّى بقصر " الفرجة " ، إذ كان القصر متلألئاً بالأضواء الكثيرة ، وقد فُتِحت شبابيكه ، عندها اعتقد الرشيد جازماً بأنّ انقلاباً قد حصل ضدّه ، وأزاحه عن سلّم السلطة في بغداد ، وسلب منه قصره ، فنادى ساخطاً على وزيره جعفر . يقول الراوي :
" فنظر [الرشيد] إلى تلك الجهة فرأى ضوء القناديل والشموع في البحر ساطعة ، فلاحت من الخليفة التفاتة إلى القصر الذي في البستان فرآه يتوهج من تلك الشموع والقناديل فقال عليّ بجعفر البرمكي . فما مضت لحظة إلاّ وقد حضر جعفر بين يديّ أمير المؤمنين ، فقال له يا كلب الوزراء أتخدمني ولا تعلمني بما يحصل في مدينة بغداد ؟ فقال له جعفر وما سبب هذا ؟ فقال لولا أنّ مدينة بغداد أُخِذت مني ما كان قصر الفرجة مبتهجاً بضوء القناديل والشموع وما انفتحت شبابيكه ، ويلك من الذي يكون له قدرة على هذه الفعال إلاّ إذا كانت الخلافة قد أُخِذت مني؟ ".
إنّ قلق الرشيد في المقطع السابق يمكن أن يوحي بأنّ بغداد في عصره لم تكن آمنة ، وأنّه على الرغم من نفوذه وثرائه الماليّ ، وترسانة الأعوان والحرس من حوله ، لم يكن آمناً على المستوى النفسيّ والسياسيّ . وإذا كان بعض الرواة يصفونه بالمغامر الجريء ، المتنكر ، الذي يخرج من قصره ويجوس الشوارع والأزقّة ، معرّضاً نفسه للمهالك بحجّة تفقّده لأخبار بغداد وسكّانها (19) ، والنظر في مصالح عبادها (20) ، فإنّ هذا الخروج والتنكّر لا يعنيان بأيّ حال من الأحوال أنّه كان مطمئناً ، أو قادراً على مواجهة الجرائم واللصوص ، والانتهاكات التي تحصل في بغداد ، والدليل على ذلك أنّه لم يخرج مرّة واحدة بمفرده ، بل كان يصطحب معه رموز السلطة القامعة والمسليّة المبدّدة للقلق في آن ، من الوزير جعفر البرمكي إلى مسرور سيّاف النقمة إلى أبي نوّاس الجريء والقادر على تبديد رهبة المنازل التي كانوا يدخلونها . ونجده في بعض المواقف الحرجة والصعبة الغامضة ، يتخلّى عن حكمة السياسيّ ، وصبر الناظر في مصالح العباد ، اللذين يمنحانه المقدرة على تجاوز هذه المواقف ، إذ يشتدّ غضبه ويطلب من وزيره جعفر أن يكشف القناع عن الموقف الغامض ، وإلاّ سوف يخمد أنفاسه . ففي حكاية " محمد بن علي الجوهري ودنيا البرمكيّة " يرى الرشيد آثار ضرب على جسد الجوهري ، فيصمم على معرفة السبب ، لكنّ جعفراً البرمكي يرى أنّ الصبر ضروري ، حتّى لا يكشفوا أقنعتهم ، أمام الحاضرين في قصر الجوهري ، و يتعرّضوا للأذى . يقول الراوي (21) : " فقال الخليفة الرشيد : يا جعفر اسأله عن الضرب الذي على جنبه حتّى ننظر ما يقول في جوابه . فقال: لا تعجل يا مولانا وترفّق بنفسك فإنّ الصبر أجمل . فقال: وحياة رأس وتربة العبّاس إن لم تسأله لأخمدنّ منك الأنفاس ".
وكان جعفر البرمكيّ ، في بعض الأحيان ، يكشف القناع وبنفسه ، وبسطوة السلطة وجبروتها ، أمام الشخصيّة المُزارة في منزلها ، خوفاً من أن تتطاول هذه الشخصيّة على الضيف الزائر المتنكّر الخليفة الرشيد ، هذا من جهة ، ولكي لا يعرّض نفسه للاحتقار وتوبيخ سيّده الرشيد من جهة ثانية ، ثمّ يعلن لصاحب المنزل أن يلزم حدوده لأنّه في حضرة رأس السلطة السياسيّة والدينيّة في بغداد : " ثمّ إنّ الخليفة قام يزيل ضرورة فمال الوزير جعفر على علاء الدين وقال له : الزم الأدب فإنّك في حضرة أمير المؤمنين " (22) .
وإذا كان الخليفة هرون الرشيد في حكاية " علي نور الدين وأنيس الجليس " قلقاً وخائفاً من أن يهجم المعارضون السياسيّون ويأخذوا قصره ويزيحوه عن دفّة الحكم في بغداد ، فإنّ هذا الخوف الذي أشار إليه الراوي في الحكاية مستمدّ من مرجعيّة تاريخيّة تشير إلى مثل هذا الخوف ، فقد كان الخليفة الرشيد يغادر بغداد دائماً ، ولا يحبّ أن يقيم بها إلاّ نادراً ، وكان يخاف العيش فيها " حذراً من البرامكة وأنصارهم المسيطرين على القصر والسلطة فيها " (23) . ولا نستغرب أن يكون خوفه هذا ، من الأسباب الرئيسة التي دفعته في ما بعد إلى قتل كثير من أصدقائه وأعدائه من البرامكة ، وبخاصّة وزيره جعفر البرمكي الذي تؤكّد سيرة حياته أنّه كان مخلصاً ووفيّاً له ، وأنّ الرشيد كان يأنس به لسهولة أخلاقه (24) ، إلى أن أتى الفضل بن الربيع (25) (ت202هـ/818 م) ، العدو اللدود للبرامكة ، وأخذ في دسّ الدسائس وحبك الحيل عليهم عند الرشيد ، وحرّضه ضدّهم ، وأغضبه عليهم ، فقد " كان الفضل شديد الكبر شديد الغيرة من البرامكة ، لا يبلغ مبلغهم في علم ولا نبل ولا فضل . فحسدهم وتمنى زوال نعمتهم ، فكان يدسّ إلى الرشيد أن البرامكة يعملون للوصول إلى الخلافة . ويوماً يدسّ إليه أن البرامكة ملاحدة وثنيّون ، يحنّون إلى دين أبيهم القديم بدليل أنّ قصورهم فيها مخابئ تحت الأرض تحوي الشعائر القديمة الزاردشتيّة (26) فهم يبتعدون عنها خفية عن الناس " (27) .
ليست صورة الرشيد في حكايات ألف ليلة وليلة الصورة المستبدّة دائماً ، سريعة الغضب ، الباطشة ، سفّاكة للدماء ، بل هي ذات ملامح متعدّدة ، إذ يظهر الرشيد في أحد هذه الملامح عطوفاً كريماً ، مسارعاً إلى نجدة المحتاج ، شغوفاً بالسمر ، مندغماً بالموسيقى . ففي حكاية " علاء الدين أبي الشامات " ، يتعرّض التاجر الثريّ علاء الدين أبو الشامات القادم من مصر إلى بغداد ، إلى هجوم العربان قطّاع الطرق ، إذ يستولون على كلّ ما حمله من مصر ، من مواد تجاريّة وما إن يصل بغداد حتّى يتشرّد و يجوع ، إلى أن تقذفه مصادفات ألف ليلة وليلة السحريّة إلى منزل إحدى النساء الجميلات المغنيات ، زبيدة العوديّة ، فيتزوّجها . وذات ليلة ، وبينما كانا يقيمان طقساً احتفائيّاً بالغناء والشراب ، يمرّ هرون الرشيد متنكراً بزيّ الدراويش ، وبصحبته الوزير جعفر البرمكي ، ومسرور سيّاف النقمة ، والحسن ابن هانئ ( أبو نواس ت 198هـ/814 م)، أمام منزلهما ، ويسمعون صوت العود ، ثم يطرقون الباب طالبين السماح لهم بالمشاركة في هذا الطقس الاحتفائيّ لأنهم دراويش غرباء الديار ، وقد تاقت أرواحهم للسماع ورقائق الأشعار ، فهم ظرفاء يعشقون السماع ويحفظون القصائد والأشعار والموشحات ، كما يقدّمون أنفسهم لعلاء الدين و زوجته زبيدة (28) . فيأذن لهم علاء الدين بالدخول ، ويحكي لهم قصة تشرّده وفقره ، وقدومه إلى بغداد ، وأنّه مطالب بأن يدفع مهر زوجته زبيدة لوالدها أمام القاضي ، وأنه لا يملك منه شيئاً ، وعندما يسمع الخليفة الحكاية ، يسرع في نجدة علاء الدين ، ويرسل له تجارة ، ويكتب كتاباً عن لسان والده شمس الدين شاه بندر التجار بمصر ، يعلمه فيه أنّه علم بمصيبته ، وهاهي البضاعة التي ستحفظ ماء وجهه . يقول الراوي (29) :
" إنّ الخليفة أرسل إلى رجل عظيم من التجار وقال له : أحضر لي خمسين حملاً من القماش الذي يجيء من مصر ، يكون كلّ حمل ثمنه ألف دينار ، واكتب على كلّ حمل ثمنه ، واحضر لي عبداً حبشيّاً . فأحضر له التاجر جميع ما أمره به ، ثم إنّ الخليفة أعطى العبد طشتاً وإبريقاً من الذهب وهديّة والخمسين حملاً ، وكتب كتاباً على لسان شمس الدين شاه بندر التجار بمصر والد علاء الدين وقال له : خذ هذه الأحمال وما معها ورح بها الحارة الفلانيّة التي فيها بيت شاه بندر التجار وقل : أين سيّدي علاء الدين أبو الشامات ؟ فإنّ الناس يدلّونك على الحارة وعلى البيت . فأخذ العبد الأحمال وما معها وتوجّه كما أمره الخليفة ".
ولا تبدو صورة الخليفة الرشيد ، وهو يفرّق الأموال على علاء الدين أبي الشامات ، بعيدة في الوهم والتخيّل ، فالخليفة الرشيد وكما تصوّره المصادر التاريخيّة كان من كرماء الخلفاء ، إذ " لم يُرَ خليفة أسمح منه بالمال " (30) . وكان جواداً ، ويتصدّق من خالص ماله بألف درهم في الليلة الواحدة (31) . ويبدو الرشيد في هذه الحكاية : " حكاية علاء الدين أبي الشامات " رهيف الحسّ والمشاعر وعاشقاً للموسيقى بامتياز . فهو يرجو زبيدة العوديّة أن تعزف له نوبة على العود ، مؤكّداً أنّ الموسيقى غذاء للروح ، طالباً من زوجها أن يسمح لها بالغناء . يقول لعلاء الدّين أبي الشامات : " ولكن مرها أن تعمل لنا نوبة لأجل أن نحظى بسماعها ويحصل لنا انتعاش ، فإنّ السماع لقوم كالغذاء ، ولقوم كالدواء ، ولقوم كالمروحة " (32) .
ولا تبدو صورة الرشيد في ألف ليلة وليلة ، العاشق للغناء والموسيقى ، بعيدة في التخيٌل ، بل تثبت المصادر التاريخيّة أن الرشيد كان ولعاً بالغناء والمغنّيات ، وقد أسرف في هذا الولع . فعلى سبيل المثال كان شغوفاً بغناء الجارية الموهوبة دنانير ، وكان يتردّد كثيراً إلى دار مولاها لسماعها ، لأنها " كانت من أحسن الناس وجهاً وأظرفهنّ وأكملهنّ أدباً وأكثرهنّ رواية للغناء والشعر ، وكان الرشيد لشغفه بها يُكثِر مسيره إلى مولاها ويقيم عندها ، ويَبرها ويفرِط ، حتى شكته زبيدة إلى أهله وعمومته ، فعاتبوه على ذلك " (33) .
ويبدو الخليفة الرشيد في حكاية أخرى تاجراً ثريّاً مكلّلاً " بهيئة التّجار وعليهم الوقار " (34) . وفي حكاية أخرى ، يبدو متهتّكاً مسحوراً بالتّلصّص على جسد زوجته السيّدة زبيدة ، الجميل العاري ، المستحمّ في بحيرة جميلة بناها لها في مكان جميل ، وقد سوّرها بالسياج والأشجار . يقول الراوي (35) : " إن السيّدة زبيدة لمّا دخلت ذلك المكان يوماً ، وأتت إلى البحيرة وتفرّجت على حسنها فأعجبها رونقها والتفاف الأشجار عليها وكان ذلك في يوم شديد الحرّ ، فقلعت أثوابها ونزلت في البحيرة ووقعت . وكانت البحيرة لا تستر من يقف فيها فجعلت تملأ الماء على بدنها . فعلم الخليفة بذلك فنزل من قصره يتجسّس عليها من خلف أوراق الأشجار ، فرآها عريانة وقد بان منها ما كان مستوراً ".
وفي أحيان أخرى يبدو الرشيد منبسطاً مازحاً ، ومتحرّراً من قيود سطوة الأبّهة ، وكرسيّ الخلافة ، إذ يدعو نديمه أبا نواس ، ويطلب منه أن يكمل له أبياتاً ، كان قد قالها في وصف جسد زوجته زبيدة ، عندما رآها عريانة في البحيرة . يقول الراوي (36) : " فلمّا أحسّت [أي السيدة زبيدة] بأمير المؤمنين خلف أوراق الأشجار وعرفت أنه رآها عريانة التفتت إليه ونظرته ، فاستحت منه ، ووضعت يدها على فرجها فتعجّب من ذلك وأنشد هذا البيت :
نظـــرت عيني لحيني= وزكـــا وجـــدي لبيني
ولم يدر بعد ذلك ما يقول ، فأرسل خلف أبي نواس يحضره فلمّا حضر بين يديه قال له الخليفة : أنشدني شعراً في أوله : (…) ، [البيت السابق].
فقال أبو نواس : سمعاً وطاعة . وارتجل في أقرب اللّحظات منشداً هذه الأبيات :
وزكـــا وجدي لبيني= تحت ظــلّ الدرّتين
بأباريــــــــق اللُجَين = سـاعة أو سـاعتيـن ".
نظـــرت عيني لحيني = من غزال قـــد سباني
سكب المـــــــاء عليه = ليتنـي كنـت عليــــه
ويبدو الرشيد في مواقف أخرى عاشقاً للنّساء ، مقدّراً لمواهبهنّ الجماليّة ، فهو يحترم ويقدّر أية حظيّة من حظايا قصره ، أو أيّة امرأة جميلة يشاهدها ، أكثر من احترامه لأيّة شخصيّة سياسيّة في دولته ، ومهما علا مركزها الوظيفيّ . فهو يقرّب حظاياه ويغدق عليهنّ الأموال ، ويسكنهنّ المقاصير الجميلة ، ويخصّص لهنّ الجواري الخادمات ، ويغدق عليهنّ الذهب (37) . ويبدي لهفة شديدة عليهنّ إذا حزنّ ، أو انتابهنّ أدنى مكروه ، ويستدعي أمهر الأطبّاء لمعالجتهنّ من مرض العشق والغرام (38) . ويستدعي الفقهاء والمقرئين ليرتّلوا القرآن الكريم على قبور إحدى حظاياه ، ويظلّ يبكي بجانب قبرها إلى أن يُغشى عليه ، ويترك شؤون دولته ليظلّ قاعداً باكياً شهراً كاملاً ، نادباً هذه الحظيّة الجميلة (39) .
ويبدو في مواقف أخرى عاشقاً مغتلماً ، لا يطيق صبراً عن نكاح الجواري الجميلات المُهداة إلى وزيره جعفر البرمكيّ . يقول الراوي (40) : " حُكي أنّ جعفراً البرمكيّ نادم الرشيد ليلة ، فقال الرشيد : يا جعفر بلغني أنّك اشتريت الجارية الفلانيّة ولي مدّة أطلبها ، فإنها على غاية الجمال وقلبي من حبها في اشتعال ، فبعها إليّ ؟ فقال : لا أبيعها يا أمير المؤمنين . فقال: هبها لي . فقال: لا أهبها . فقال هارون الرشيد : زبيدة طالق ثلاثاً إن لم تبعها أو تهبها لي . قال جعفر : وزوجتي طالق ثلاثاً إن أنا بعتها لك . (…) ثم قال هارون الرشيد : أحضروا الجارية في الحال فإنّي شديد الشوق إليها . فأحضروها وقال للقاضي أبي يوسف : أريد أن أطأها في هذا الوقت فإنّي لا أطيق الصبر عنها ". وهو في موقف آخر يتزوٌج البوابة خادمة البنات في حكاية " الحمّال والبنات " (41) . على الرغم من أنّ الراوي صوّر هذه البوّابة بصورة المتهتّكة الداعرة ، التي تستلذّ بالتعرّي الكامل أمام الحمّال الغريب ، ومعانقته (42) .
وهنا يمكن القول : إنّ رواة اللّيالي ، وهم يصوّرون الرشيد بصورة الجنسانيّ المتهالك على لذّاته ، المنصرف إلى النساء ، قد اطّلعوا على سيرته التاريخيّة وطبيعة حياته مع جواريه و حظاياه ، وزوجته السيّدة زبيدة ، من خلال المصادر التاريخيّة التي توافرت لديهم ، والتي أرّخت لبعض جوانب حياته . وتروي هذه المصادر عن المفضّل (43) أنّه قال: " دخلت على الرشيد وبين يديه طبق ورد وبين يديه جارية لم أر أحسن منها وجهاً قد أُهديت إليه فقال : يا مفضّل قل في هذا الورد شيئاً تشبّهه به فقلت:
كأنّـه خـــدّ مومــوق يُقَبِّلُــه = فم الحبيـب فقـد أبقى به خجـلا (44)
قال ، فقالت الجارية:
كأنّـه لون خدّي حيـن تدفعني = كفّ الرشيـد لأمـر يُوجِب الغُسُـلا
فقال لي يا مفضّل قم فإنّ هذه الماجنة قد هيّجتني! فقمت وأرخيت الستور عليهما " (45) .
و يبدو أن السيّدة زبيدة كانت تعرف ولع زوجها الخليفة الشديد بالجواري الجميلات ، وقد خاصمته ذات مرّة نظراً لشغفه وإعجابه بالجارية الجميلة دنانير ، ثم سرعان ما صالحته وكسبت ودّه ، وذلك بأن أهدته عشر جوارٍ من جواريها (46) .
لقد كانت بعض ملامح الصّورة الواقعيّة التّاريخيّة لهرون الرّشيد ، تشير إلى أنّه كان ورعاً ، و" يصلي كل يوم وليلة مائة ركعة " (47) ، ويحجّ مرّة كل سنتين مصطحباً معه مائة من الفقهاء وأبناءهم ، ولا يتوانى في ساعات صفائه ، وعندما يسمع الشّاعر الزّاهد أبا العتاهية (أبو اسحق إسماعيل بن القاسم، ت 211هـ/826م) عن البكاء معترفاً بأنّ ملذّات الدّنيا ونعيمها قد أعمياه . وقد كان يتواضع لعلماء عصره ، ويصبّ على أيدي العميان من العلماء ، الماء إجلالاً لعلمهم (48) . وكان يطلب من العلماء الواعظين في عصره أن يعظوه ، وكان لا يغضب منهم مهما كان وعظهم قاسياً . ويُروى أنه قال لأحد الواعظين: " عظني وكان بيده شربة ماء فقال له يا أمير المؤمنين لو حُبست عنك هذه الشّربة أكنت تفديها بملكك ؟ قال نعم . قال يا أمير المؤمنين لو شربتها وحبست عن الخروج أكنت تفديها بملكك قال نعم . فقال له لا خير في ملك لا يساوي شربة ولا بولة " (49) . غير أنّ هذه الملامح الجماليّة من ورع وزهد وعبادة وتواضع ، تكاد تغيب عن نصوص ألف ليلة وليلة الحكائيّة ، لتحلّ محلّها ملامح الخليفة المستبدّ القاسي ، العابث ، الماجن ، الشّبق الذي لا يطيق الصّبر على نكاح النّساء الجميلات .
ويمكن القول في نهاية الحديث عن ملامح شخصيّة الرّشيد السلطويّة في حكايات ألف ليلة وليلة : إنّ الصوت السارد الذي قدّم الرّشيد في الحكايات ليس واحداً أو ذا رؤية واحدة ، بل هو مجموعة من الأصوات المتعدّدة بتعدّد رؤيتها الفكريّة وموقفها الإيديولوجيّ من الخليفة الرّشيد ، هذا الخليفة الذي يبدو أقرب إلى الأسطورة نظراً لقدراته الخارقة ، وسطوته المطلقة على كلّ من حوله في حكايات الليالي من جنّ وأنس ، فهو مالئ الحكايات وشاغل الرّجال والنّساء . وإذا كان بعض الرّواة يعظّمونه هو وتربة أجداده الطاهرة ، ويصوّرونه بمظهر العادل ، الطّامح إلى سلام يعمّ بغداد ، والذي يجعل سكاّنها آمنين ، وقادرين على انتزاع حقوقهم ، بفضل عدله وقوّته وهيبته (50) ، فإنّ بعض الـرّواة الآخرين يصوّرونه متعاطفاً مع رجال ونساء الفساد والاحتيال في دولته ، غير مهتمّ برفع المظالم عن البسطاء من أفراد شعبه ، كما في حكاية " علي الزّيبق ودليلة المحتالة " . إذ عاثت دليلة وزينب فساداً واحتيالاً على سكّان بغداد ، وعملتا نهباً في ممتلكاتهم ، ومع ذلك نجده يعفو عنهما عندما يقبض عليهما رجل السّلطة حسن شومان وأعوانه ، ويقودونهما إلى قصره ببغداد (51) .
إنّ شخصيّة الخليفة هرون الرّشيد في اللّيالي شخصيّة ثرية أسهمت في بناء عدّة حكايات ، وشعّبتها ، ومزجتها بالأسطورة والخرافة وأخبار الجنّ والعفاريت ، وجعلتها منفتحة على فضاءات القصور ، والجواري ، وبنات التجار والملوك والوزراء ، والتّهتّك الجنسي ، والملذّات والخمور ، والتّرف والبذخ الأسطورييّن ، من جهة ، وعلى فضاءات القتل والسّطوة والاحتيال والفساد في بنية الحياة العبّاسيّة من جهة أخرى . وقد قدّمت هذه الشّخصيّة ، في طبيعة علاقاتها مع الشّخوص الأخرى ، ملامح مهمّة لبعض جوانب الحياة العبّاسيّة : سياسيّاً وثقافيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّا..
الهوامش :
* د . محمد عبد الرحمن يونس ، جامعة الدراسات الأجنبية / بكين ، الصين .
(1) – مؤلف مجهول : ألف ليلة و ليلة ، منشورات دار مكتبة الحياة ، بيروت ، د. ت ، 1/206.
(2) – ألف ليلة وليلة ، 1/229.
(3) – م ن ، 1/230.
(4) – م ن ، 1/231.
(5) - م ن ، 1/231.
(6) – جرونيباوم ، جوستاف. إ. فون : حضارة الإسلام ، ترجمة عبد العزيز توفيق ، الهيئة المصريّة العامة للكتاب/ مكتبة الأسرة ، القاهرة ، طبعة 1997م ، ص 200.
(7) – ابن عبد ربه ، أبو عمر أحمد بن محمد الأندلسي (ت328هـ/940م): العقد الفريد ، شرح كرم البستاني ، دار المسيرة ، بيروت ، الطبعة الثانية 1981م ، 1/84.
(8) – ألف ليلة وليلة ، 1/60.
(9) - م ن ، 1/212.
(10) - ألف ليلة و ليلة ، 1/212.
(11) – الشحاذ ، أحمد محمد: الملامح السياسيّة في حكايات ألف ليلة وليلة ، منشورات وزارة الإعلام ، بغداد ، الطبعة الأولى 1977م ، ص 85.
(12) - ألف ليلة وليلة ، 1/89 ـ 90.
- ومن الاقتباس يمكن أن يُفهم أيضاً مدى حساسيّة الرشيد من البرامكة ، هذه الحساسيّة السياسيّة التي أودت بحياة زعمائهم في ما بعد على يديه . فما هو ذنب الأربعين من البرامكة الذين سيصلبهم الرشيد ، طالما أنّ الجريمة ؛ ربّما سيكون سببها إهمال واحد منهم ، وهو الوزير جعفر البرمكي ، لشؤون الأمن في بغداد؟.
(13) - ألف ليلة وليلة ، 1/90.
(14) - م ن ، 1/90.
(15) - ابن طباطبا ، محمد بن علي (ت709هـ/1309م): الفخري في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة ، دون محقّق ، دار صادر ، بيروت ، د. ت ، ص 205.
(16) - فقد بلغه أنّ محتالاً قد زوّر كتاباً عن لسانه ، وأخذه إلى صاحب مصر لينتفع به ، وعندما عاد المحتال إلى بغداد اقترح أعوان الوزير جعفر عليه أن يقطع يمين المزوّر التي زوّر بها ، لكنّه أبدى حلماً وكرماً مع الرجل المزوّر . يقول ابن طباطبا واصفاً حال المزوّر : " فحضر [أي المزوّر] إلى مجلس جعفر بن يحي . فلمّا دخل سلّم عليه ووقع يقبّل الأرض ويبكي ، فقال له جعفر : من أنت يا أخي؟ قال : يا مولانا أنا عبدك وصنيعتك المزوّر الكذّاب المتجرّي ! فعرفه جعفر وبشّ به وأجلسه بين يديه وسأله عن حاله ، وقال له: كم وصل إليك منه [أي من صاحب مصر] فقال: مائة ألف دينار . فاستقلّها جعفر وقال: لازِمْنا حتّى نضاعفها لك. فلازمه مدّة فكسب معه مثلها.". الفخري في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة ، ص 207 ـ 208.
(17) – عن/ جرونيباوم ، جوستاف إ. فون: حضارة الإسلام ، ص 354.
(18) – الكواكبيّ ، عبد الرحمن: طبائع الاستبداد ، دار الشرق العربي ، بيروت/ حلب ، الطبعة الثالثة 1411هـ/1991م ، ص 65.
(19) - م ن ، 1/50.
(20) - م ن ، 2/425.
(21) ألف ليلة وليلة ، 2/433
(22) - م ن ، 2/370
(23) – مؤنس ، د.حسين: الحضارة ـ دراسة في أصول وعوامل قيامها وتطوّرها ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ، "سلسلة عالم المعرفة" ، العدد 237 ، الطبعة الثانية ، جمادى الأولى 1419هـ/ أيلول (سبتمبر) ، 1998م ، ص 263.
(24) – ابن طباطبا: الفخري في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة ، ص 205.
(25) – الفضل بن الربيع: ( الفضل بن الربيع بن يونس ، أبو العبّاس ، 138 ـ 208هـ/755 ـ 824م) : وزير حازم . كان أبوه وزيراً للمنصور العبّاسيّ . واستحجبه المنصور لمّا ولّى أباه الوزارة ، فلمّا آل الأمر إلى الرشيد واستوزر البرامكة كان الفضل من كبار خصومهم ، حتّى ضربهم الرشيد تلك الضربة ، و قيل : وكانت نكبتهم على يديه. ووليّ الوزارة إلى أن مات الرشيد.
- الزركلي ، خير الدين: الأعلام (قاموس تراجم) ، دار العلم للملايين ، بيروت ، الطبعة الثانية عشرة ، شباط (فبراير) ، 1997م. الأعلام ، 5/148.
(26) – الزرادشتية: ديانة فارسية قديمة تُنسب إلى مؤسسها الحكيم زاردشت (660-583م) ، الذي هجر حياته الزوجية وواصل رحلاته على طول إيران وأذربيجان وأفغانستان ، يحارب الأشباح ، ويخدم النار، ويفتي في الكون وأجرامه وأحجاره الكريمة ، ويشفي الناس وجروحهم بأعشابه السحرية . وتقول التعاليم الزاردشتية بقدم الأصلين ، الخير والشر ، أو النور والظلام ، فنسبوا للخير "أهورامزدا" أو هرمس ، كل ما هو خيّر ، واعتبروه إله السماء ، على عكس غريمه "آهرمن" الذي وحّدوه بالظلام ، فهو الشيطان أصل الشرور والآثام . وقد قسّم تلاميذ زاردشت ومريدوه مظاهر الطبيعة إلى أشياء تحتوي على قوى خيّرة ، مثل ضوء النهار ، وبعض فصول السنة المعتدلة مثل الربيع ، والخصب والحنين والخلود. وأخرى تتّصل بالظلام والجفاف والقحط والنكبات ، ونسبوها إلى الشّر الذي هو الشيطان آهرمن .
- عبد الحكيم شوقي: موسوعة الفلكلور والأساطير العربية ، دار العودة ، بيروت ، الطبعة الأولى 1982م ، ص327 ، 329
(27) – أمين، د. أحمد: هرون الرشيد ، سلسلة كتاب الهلال ، دار الهلال ، القاهرة ، العدد الثالث ، ذي القعدة 1370هـ/1951م . ص122.
(28) – ألف ليلة وليلة ، 2/365 ـ 366
29) – م ن ، 2/365 ـ 366.
(30) – ابن طباطبا : الفخري في الآداب ، السلطانية والدول الإسلامية ، ص13 .
(31) – الدّميري ، كمال الدين محمد بن موسى (ت808هـ/1406م): حياة الحيوان الكبرى ، دون محقّق ، دار الألباب ، بيروت/ دمشق ، د. ت، 1/95.
(32) – ألف ليلة وليلة ، 2/366.
(33) – الأصفهاني: كتاب الأغاني ، تحقيق: عبد الكريم إبراهيم الغرباوي ، طبعة 1389هـ/ 1970م . الجزء الثامن عشر ، 18/65.
(34) – ألف ليلة وليلة ، 1/50.
(35) – م ن ، 3/156.
(36) – م ن ، 3/156.
(37) – ألف ليلة وليلة ، 1/229.
(38) – م ن ، 2/192.
(39) – م ن ،1/232.
(40) – م ن ، 2/445 -446.
(41) – ألف ليلة وليلة ، 1/88.
(42) – ألف ليلة وليلة ، 1/88.
(43) – المفضّل الضّبيّ : ( المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر الضبي ، أبو العباس ، … ـ 168هـ /… ـ 784م): راوية ، علامة بالشعر والأدب وأيام العرب من أهل الكوفة . قيل : هو أوثق من روى الشعر من الكوفيّين . يقال: إنه خرج على المنصور العبّاسي ، فظفر به وعفا عنه . ولزم المهدي ، و صنّف له كتاب "المفضليات".
- الزركلي ، خير الدين : الأعلام ، 7/280.
(44) – الموموق : المحبوب .
- معلوف ، لويس : المنجد في اللغة ، منشورات اسماعيليان ، طهران/ دار المشرق ، بيروت ، الطبعة الحادية والعشرون ، 1 كانون الثاني 1973م ، مادة: وَمِق ، ص919.
(45) – التجاني ، محمد بن أحمد: تحفة العروس ومتعة النفوس ، ص440.
(46) – الأصفهاني: الأغاني ، 18/67.
(47) – الدّميري ، كمال الدين محمد بن موسى : حياة الحيوان الكبرى ، 1/95.
(48) – ابن طباطبا: الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية ، ص193-194.
(49) – الأبشيهي : المستطرف في كل فن مستظرف ، 2/386.
(50) – ألف ليلة وليلة ، 1/88 ، 92 ، 93 .
(51) – م ن ، 4/138.
د. محمد عبد الرحمن يونس
يقول الرشيد (1) لوزيره جعفر : " والله إن غنّت الجارية ولم تحسن الغناء صلبتهم كلّهم وإن غنّت وأحسنت الغناء فإنّي أعفو عنهم وأصلبك أنت " . والتساؤل الذي يمكن أن يطرحه متلقي الحكاية : ما ذنب سيّدها علي نور الدين وخولي البستان الشيخ إبراهيم ـ خادم الرشيد المطيع ـ إن لم تحسن الجارية الغناء ؟ وهل مصائر الناس وحرياتهم يقرّرها ، ويصادرها هوج الخلفاء ونزقهم ؟. يبدو ذلك في مدن ألف ليلة وليلة المحكومة بمجموعة من الخلفاء والملوك والأمراء.
لقد كان الناس في بغداد والمدن العبّاسيّة الأخرى يرتعدون خوفاً إن ذُكِرَ اسم الرشيد أمامهم ، وقد أحاط بعض رواة الليالي شخصيّة الخليفة الرشيد بهالة قدسيّة وأسطوريّة ، وبسلطة مطلقة تمتدّ إلى فضاءات الدولة العباسيّة كلّها ، لتحكم كل الشخوص : البعيدين من الولاة والعمّال والجباة في الولايات التابعة لحكمه ، والمقربين من الجواري والحظايا والخدم والنُدْمان في قصره ، بحيث ترتحل هذه السطوة مع الجواري الحظايا الخارجات من قصره ببغداد ، ولمجرّد أنهنّ ينتمين إلى فضاء هذا القصر . ففي حكاية " غانم بن أيوب وقوت القلوب " ، يعشق غانم بن أيوب إحدى حظايا الرشيد " قوت القلوب " ، و يجتمع بها في داره بعيداً عن جواسيس القصر ، وهناك يغيبان معاً في نشوة العشق والخمرة ، وترتفع الحجب بينهما ، وعند ذلك تبدي قوت القلوب رغبة جنسيّة بغانم بن أيوب ، فيندفع هائجاً للتواصل معها ، لكنّها تمتنع عنه على الرغم من محبّتها الشديدة له ، ورغبتها العارمة في التواصل الجنسيّ به ، لأنّها تعي مدى بطش سيّدها الرشيد وسطوته ، وتعي أنّها إذا انقادت وراء لذّاتها الجنسيّة ، فإنّ الموت الأكيد يترقبّها في قصر الخلافة . يقول الراوي (2) :
" وتمكّن حبّ كلّ واحد منهما من قلب الآخر ولم يبق لهما صبر عن بعضهما (…) فملس عليها بيده ونزل إلى سراويلها وتكّتها وجذبها ، فانتبهت وقعدت وقعد غانم بجانبها ، فقالت له : ما الذي تريد ؟ قال أريد أن أنام معك وأتصافى أنا وأنت ، فعند ذلك قالت له : أنا الآن أوضّح لك أمري حتّى تعرف قدري وينكشف لك سرّي ويظهر لك عذري ، قال نعم . فعند ذلك شقّت ذيل قميصها ومدّت يدها إلى تكّة لباسها ، وقالت : اقرأ الذي على هذا الطرف ، فأخذ طرف التكّة في يده ونظر فوجده مرقوماً عليه بالذهب : أنا لك وأنت لي يا ابن عمّ النبيّ . فلمّا قرأه رفع يده " .
وعندما عرف غانم بن أيوب أنّها حظيّة الخليفة انطفأت شهوته ، وهبطت عليه سطوة الخليفة الرشيد وبطشه ، وارتعد متأخراً " إلى ورائه من هيبة الخليفة ، وجلس وحده في ناحية من المكان يعاتب نفسه و يتفكّر في أمره و صار متحيّراً في عشق التي ليس له إليها وصول . فبكى من شدّة الغرام ولوعة الوجد والهيام " (3) . وعند ذلك رقّت الحظيّة قوت القلوب لحاله ، واشتدّت ولعاً به ، واعترفت له بأنّها لا تطيق صبراً على هذا العشق ، ودعته إليها قائلة (4) " إنّي لا أقدر على فراقك وها أنا قد بيّنت لك حالي من شدّة ولعي بك ، فقم الآن ودع ما كان واقض أربك مني ". عندها اعتذر منها منكسراً ، وقد أحسّ بدونيّة منزلته أمامها ، وأمام سيّدها الخليفة الرشيد ، وقال (5) : " أعوذ بالله إنّ هذا شيء لا يكون كيف يجلس الكلب في موضع السبع والذي لمولاي يُحرّم عليّ أن أقربه ، ثمّ جذب نفسه منها وجلس في ناحية وزادت هي محبّة بامتناعه عنها ، ثمّ جلست إلى جانبه ونادمته ولاعبته فسكرا (…) ثمّ قام غانم وفرش فراشين كل فراش في مكان وحده ، فقالت له قوت القلوب : لمن هذا الفراش الثاني ؟ فقال لها هذا لي والآخر لكِ ومن الليلة لا ننام إلاّ على هذا النمط وكلّ شيء للسيّد حرام على العبد ".
ويبدو من الطبيعي أن يتأكّد غانم بن أيوب أنّ ما خُصص للسيّد هو حرام على العبد ، في مجتمع عبّاسيّ بلغ التباين الطبقي فيه أوجه ، وقسّم الناس فيه إلى سادة وعبيد ، أو بتعبير شهرزاد : إلى سباع تفترس كلّ شيء : المال والقطّاعات الزراعيّة والنساء وأموال الخراج ، وإلى كلاب مذعورة لا يحقّ لها أن تقترب من مكامن السباع المفترسة . فقد اعتاد حكّام الدولة العبّاسيّة أن يحتجبوا عن الطبقات الأخرى من رعاياهم ، ويصبغوا حكمهم بصبغة شرعيّة ، وبسلسلة من نسب ملكي متّصل ، وأن يحيطوا أنفسهم بالمراسم التي ترمي إلى وقاية شخوصهم من التدنّس بمخالطة العامّة . وأن يبعثوا الرهبة في قلوب العبيد الذين نصّبوا عليهم بإرادة ربّ العالمين (6) .
ويبدو من الطبيعيّ أيضاً ، أن يخاف غانم بن أيوب من سطوة هرون الرشيد ، هذا إذا عرفنا أنّ هذا الخليفة كان في الواقع التاريخي باطشاً مستبدّاً . وتروي المصادر التاريخيّة أنّ رجلاً صالحاً قام " إلى هارون الرشيد ، وهو يخطب بمكّة ، فقال : كبُرَ مقْتَاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون . فأمر به فضُرِب مائة سوط ، فكان يئنّ الليل كلّه ، ويقول : الموتُ ! الموت ! "(7) . وكيف لا يرتعد غانم بن أيوب من بطش الخليفة الرشيد ، ما دام الوعي الجمعي في بغداد العبّاسيّة يرى أنّ هرون الرشيد هو أمير المؤمنين وخليفة ربّ العالمين ، كما يؤكّد بعض رواة الحكايات ؟. فها هو الصعلوك الأوّل الذي كان أميراً وابن ملك قبل أن يتصعلك في حكاية " الحمّال والبنات " ، يعلّل سبب قدومه إلى بغداد ، مؤكّداً أنّه قصد أمير المؤمنين . يقول (8) " وخرجت من المدينة ، وقصدت هذه المدينة [أي بغداد] ، لعلّ أحداً يوصلني إلى أمير المؤمنين وخليفة ربّ العالمين حتّى أحكي له قصّتي وما جرى لي ".
لقد كان الخليفة هرون الرشيد في حكايات ألف ليلة وليلة ممتلئاً بالعظمة والأبّهة والسطوة ، ومن شدّة إيمانه بمكانته العظمية ، فقد كان يعتقد أنّه المالك ، الآمر الناهي ، وأنّ الناس خاضعون له ، ولاةً كانوا أم جنوداً أم وزراء ، أم بشراً عاديين ، وأنّ أرزاقهم وحياتهم مرهونة بمكانته السلطويّة ، فهو القادر على بسط نعمته عليهم وعلى سحبها عنهم متى يشاء . وها هو يسحبها عن واليه على البصرة السلطان محمد بن سليمان الزيني المشمول بنعمته والنائب عنه في بعض مملكته (9) ، ويصدر أمراً ملكيّاً بعزله وتعيين بديل عنه ، وذلك في حكاية " علي نور الدين وأنيس الجليس " . ومن خلال وضع الرشيد طبقيّاً وسياسيّاً ، وكونه في أعلى سلّم السلطة المستمدّة عظمتها من الله ومن القوّة ، باعتباره خليفة الله وأمير المؤمنين ، ونائباً عن الله في الأرض ، فإنّ الراوي الشعبي من الطبقة الدونيّة يستحيل عليه أن يضع الوالي السلطان محمد بن سليمان الزيني ، في موقف الرافض ، أو المتمرّد ، أو حتّى المحتّج ، أو المتسائل : لماذا هذا الخلع ، ولماذا أُحرم من هذه النعمة المقدّسة ؟. و في مثل حالة أوامر الخلع ، أو غيرها من الأوامر ، فإنّ على الوالي محمد بن سليمان الزيني ، أو غيره من الولاة و الوزراء ، أن يسارعوا فوراً إلى خلع أنفسهم ، وإعلان الطاعة المطلقة لأمير المؤمنين ، وتقبيل الأمر الملكي ثلاث مرّات تعظيماً لخليفة الله في أرضه (10) .
لقد كان الخليفة هرون الرشيد ، بنفوذه المالي وسطوته السياسيّة ، واعتباره نفسه ابن عمّ رسول الله (ص) ، يتعالى ويتفاخر على كلّ أفراد شعبه وولاته ووزرائه ، وكان يحتقرهم مستهيناً بهم ، وبقدراتهم . فقد كان يحتقر وزيره جعفر البرمكي ، وفي أصغر المواقف وأبسطها ، ودونما سبب في أحيان أخرى ، وكان ذا سلطة طاغية على جميع من حوله . وقد استمدّ هذه السلطة من التركيبة السياسيّة ، والطبيعة الاستبدادية ، التي عرفتها الدولة العبّاسيّة ، فـ " الحكم العباسيّ الممثل بالرشيد حكم مطلق بتفويض من الله ، وعلى العباد الانقياد له انقياداً تامّاً لأنّه قائم بسنّة نبيّه وفرضه ، وهو السيّد المطلق ، وأنّ الولاة نوّابه باقون في مناصبهم ما شاء فإنّ استبدلهم أجابوا طائعين . والسلطة التي يتمتّع بها لا يمكن مناقشتها لأنّه خليفة الله على الأرض " (11) .
ومن مظاهر احتقار الرشيد لوزيره جعفر البرمكي : تهديده بصلبه ، وتوبيخه ، ومناداته بكلب الوزراء . ففي حكاية " هرون الرشيد مع الصيّاد " ، يرمي أحد الصيّادين الشبكة لتصطاد على بخت الرشيد المتنكّر ، فتجذب الشبكة صندوقاً مقفلاً ، وما إن يفتحوه حتّى يجدوا فيه صبيّة مقتولة ومقطوعة ، عندها " التفت إلى جعفر وقال : يا كلب الوزراء أيقتل القتلى في زمني ويرمون في البحر (…) وحقّ اتصال نسبي بالخلفاء من بني العبّاس إن لم تأتِ بالذي قتل هذه لأصلبنّك على باب قصري أنت وأربعين من بني عمّك " (12) .
وإذا كان الحكي القصصيّ هنا مغايراً لواقع الرشيد في مدّة حكمه ، فإنّه يمكن أن نلمس أنّ ثمّة إيديولوجيا مبطّنة ضدّ الرشيد وظلمه ، يريد الراوي الشعبي أن ينقلها من خلال وعي الجماعات المستلبة في بغداد إلى نسق الحكاية . ومن خلال هذه الإيديولوجيا يتساءل الراوي على لسان جعفر : ما ذنب جعفر البرمكي ، وبغداد مليئة بالقتلة واللصوص ، وهل يعلم جعفر بالغيب من هو قاتل الصبيّة ؟ وأيّة سلطة استبدادية عليا هذه التي تحكم بغداد ، وتطيح برأس الوزير الرجل المهمّ في الدولة ، إن هو عجز عن كشف قاتل الصبيّة بعد المدّة التي منحها الرشيد له ؟. يشكّل الراوي الوحدة السرديّة الآتية ، التي يمكن أن يستشفّ منها الاستبداد المطلق الذي يتحكّم في بنية العلاقات السياسيّة في بغداد العبّاسيّة . يقول (13) : " وفي اليوم الرابع أرسل إليه الخليفة يطلبه ، فلمّا مثل بين يديه قال : أين قاتل الصبيّة ؟ قال جعفر : يا أمير المؤمنين هل أنا أعلم بالغيب حتّى أعرف قاتلها ؟ [عندها] اغتاظ الخليفة وأمر بصلبه على باب قصره وأمر منادياً ينادي في شوارع بغداد من أراد الفرجة على صلب جعفر البرمكي وزير الخليفة وصلب أولاد عمّه فليأتِ إلى قصره ، ثمّ أمر بنصب الخشب فنصبوه . وأوقفوهم تحته وصاروا ينتظرون الإذن من الخليفة ، وصار الخلق يتباكون على جعفر وأولاد عمّه " . ولا ينجو جعفر البرمكي إلاّ بعد أن يتقدّم شاب شاك بخيانة زوجته له ، ويعترف أمام الملأ أنّه هو الذي قتل زوجته لأنّه شكّ بخيانتها الجنسيّة له .
وتظهر الإيديولوجيا المعادية للرشيد ، والمتضامنة مع جعفر البرمكي ، من خلال كلام الشاب الذي يمكن أن نعدّه ممثّلاً سياسيّاً للبرامكة ، ولإيديولوجيّتهم في الحياة والحكم ، ومزاياهم الجماليّة ، التي وجدت كثيراً من المعجبين والمؤيّدين . يقول الراوي (14) : " فبينما هم كذلك وإذا بشابّ حسن نقيّ الأثواب يمشي بين الناس مسرعاً إلى أن وقف بين يدي الوزير وقال: سلامتك من هذه الوقعة يا سيّد الأمراء و كهف الفقراء ، أنا الذي قتلت الصبيّة " . وإذا كان الراوي قد وصف جعفر البرمكي بكهف الفقراء فإنّه يستمدّ هذه الرؤية من مرجعيّة تاريخيّة تؤكّد أنّ جعفراً البرمكيّ (ت 187هـ 803 م) ، كان مثالاً للكرم ، وكان ذا يد بيضاء على فقراء عصره ، والطارقين بابه ، والطالبين حمايته ، وكان " فصيحاً لبيباً ذكيّاً فطناً كريماً حليماً (15) ، ولبقاً في تعامله مع خصومه السياسيين ، ومتسامحاً مع من يزوّر كتاباً عن لسانه لأجل الانتفاع به وإنجاز مصالحه الخاصّة (16) . وتؤكّد هذه المرجعيّة التاريخيّة أنّ منزلة جعفر البرمكيّ كانت عظيمة عند الخليفة هرون الرشيد قبل نكبة البرامكة . يقول أحمد بن خلكان (17) (ت681هـ/1282م) في كتابه ( وفيات العيان وأنباء أبناء الزمان) عن جعفر البرمكي : " كان من علوّ القدر ونفاذ الأمر وبعد الهمّة وعظم المحلّ وجلالة المنزلة عند هرون الرشيد بحالة انفرد بها ولم يشارك فيها ".
وبالعودة إلى حكايات ألف ليلة وليلة يُلاحظ أنّ مظاهر احتقار الرشيد لوزيره جعفر البرمكي وعدم الثقة به ، تتكرّر غير مرّة . فالليالي تصوّر جعفراً البرمكي من أخلص المقربين إليه ، وأنّه خادم وفيّ مشهور بالطاعة والولاء له ، ومع ذلك كان الرشيد يشكّ به ، وربّما يعود شكّه به إلى أنّ هذه القوة من الحرس التي كان يحصّن نفسه بها لم تدفع عنه هواجس الخوف من أن يهجم على قصوره الحاقدون على نظامه السياسيّ ، وينتزعون منه الخلافة . وبشكل عامّ يظلّ المستبدّون من خلفاء ووزراء وقضاة ، خائفين ومحتاجين لعصابة تعينهم وتحميهم (18) . ومن مظاهر شكّ الخليفة الرشيد بوزيره جعفر البرمكي : أنّ الخليفة الرشيد في حكاية " علي نور الدين وأنيس الجليس " ، رأى في بغداد ظاهرة غير مألوفة ، عندما نظر إلى قصره المسمّى بقصر " الفرجة " ، إذ كان القصر متلألئاً بالأضواء الكثيرة ، وقد فُتِحت شبابيكه ، عندها اعتقد الرشيد جازماً بأنّ انقلاباً قد حصل ضدّه ، وأزاحه عن سلّم السلطة في بغداد ، وسلب منه قصره ، فنادى ساخطاً على وزيره جعفر . يقول الراوي :
" فنظر [الرشيد] إلى تلك الجهة فرأى ضوء القناديل والشموع في البحر ساطعة ، فلاحت من الخليفة التفاتة إلى القصر الذي في البستان فرآه يتوهج من تلك الشموع والقناديل فقال عليّ بجعفر البرمكي . فما مضت لحظة إلاّ وقد حضر جعفر بين يديّ أمير المؤمنين ، فقال له يا كلب الوزراء أتخدمني ولا تعلمني بما يحصل في مدينة بغداد ؟ فقال له جعفر وما سبب هذا ؟ فقال لولا أنّ مدينة بغداد أُخِذت مني ما كان قصر الفرجة مبتهجاً بضوء القناديل والشموع وما انفتحت شبابيكه ، ويلك من الذي يكون له قدرة على هذه الفعال إلاّ إذا كانت الخلافة قد أُخِذت مني؟ ".
إنّ قلق الرشيد في المقطع السابق يمكن أن يوحي بأنّ بغداد في عصره لم تكن آمنة ، وأنّه على الرغم من نفوذه وثرائه الماليّ ، وترسانة الأعوان والحرس من حوله ، لم يكن آمناً على المستوى النفسيّ والسياسيّ . وإذا كان بعض الرواة يصفونه بالمغامر الجريء ، المتنكر ، الذي يخرج من قصره ويجوس الشوارع والأزقّة ، معرّضاً نفسه للمهالك بحجّة تفقّده لأخبار بغداد وسكّانها (19) ، والنظر في مصالح عبادها (20) ، فإنّ هذا الخروج والتنكّر لا يعنيان بأيّ حال من الأحوال أنّه كان مطمئناً ، أو قادراً على مواجهة الجرائم واللصوص ، والانتهاكات التي تحصل في بغداد ، والدليل على ذلك أنّه لم يخرج مرّة واحدة بمفرده ، بل كان يصطحب معه رموز السلطة القامعة والمسليّة المبدّدة للقلق في آن ، من الوزير جعفر البرمكي إلى مسرور سيّاف النقمة إلى أبي نوّاس الجريء والقادر على تبديد رهبة المنازل التي كانوا يدخلونها . ونجده في بعض المواقف الحرجة والصعبة الغامضة ، يتخلّى عن حكمة السياسيّ ، وصبر الناظر في مصالح العباد ، اللذين يمنحانه المقدرة على تجاوز هذه المواقف ، إذ يشتدّ غضبه ويطلب من وزيره جعفر أن يكشف القناع عن الموقف الغامض ، وإلاّ سوف يخمد أنفاسه . ففي حكاية " محمد بن علي الجوهري ودنيا البرمكيّة " يرى الرشيد آثار ضرب على جسد الجوهري ، فيصمم على معرفة السبب ، لكنّ جعفراً البرمكي يرى أنّ الصبر ضروري ، حتّى لا يكشفوا أقنعتهم ، أمام الحاضرين في قصر الجوهري ، و يتعرّضوا للأذى . يقول الراوي (21) : " فقال الخليفة الرشيد : يا جعفر اسأله عن الضرب الذي على جنبه حتّى ننظر ما يقول في جوابه . فقال: لا تعجل يا مولانا وترفّق بنفسك فإنّ الصبر أجمل . فقال: وحياة رأس وتربة العبّاس إن لم تسأله لأخمدنّ منك الأنفاس ".
وكان جعفر البرمكيّ ، في بعض الأحيان ، يكشف القناع وبنفسه ، وبسطوة السلطة وجبروتها ، أمام الشخصيّة المُزارة في منزلها ، خوفاً من أن تتطاول هذه الشخصيّة على الضيف الزائر المتنكّر الخليفة الرشيد ، هذا من جهة ، ولكي لا يعرّض نفسه للاحتقار وتوبيخ سيّده الرشيد من جهة ثانية ، ثمّ يعلن لصاحب المنزل أن يلزم حدوده لأنّه في حضرة رأس السلطة السياسيّة والدينيّة في بغداد : " ثمّ إنّ الخليفة قام يزيل ضرورة فمال الوزير جعفر على علاء الدين وقال له : الزم الأدب فإنّك في حضرة أمير المؤمنين " (22) .
وإذا كان الخليفة هرون الرشيد في حكاية " علي نور الدين وأنيس الجليس " قلقاً وخائفاً من أن يهجم المعارضون السياسيّون ويأخذوا قصره ويزيحوه عن دفّة الحكم في بغداد ، فإنّ هذا الخوف الذي أشار إليه الراوي في الحكاية مستمدّ من مرجعيّة تاريخيّة تشير إلى مثل هذا الخوف ، فقد كان الخليفة الرشيد يغادر بغداد دائماً ، ولا يحبّ أن يقيم بها إلاّ نادراً ، وكان يخاف العيش فيها " حذراً من البرامكة وأنصارهم المسيطرين على القصر والسلطة فيها " (23) . ولا نستغرب أن يكون خوفه هذا ، من الأسباب الرئيسة التي دفعته في ما بعد إلى قتل كثير من أصدقائه وأعدائه من البرامكة ، وبخاصّة وزيره جعفر البرمكي الذي تؤكّد سيرة حياته أنّه كان مخلصاً ووفيّاً له ، وأنّ الرشيد كان يأنس به لسهولة أخلاقه (24) ، إلى أن أتى الفضل بن الربيع (25) (ت202هـ/818 م) ، العدو اللدود للبرامكة ، وأخذ في دسّ الدسائس وحبك الحيل عليهم عند الرشيد ، وحرّضه ضدّهم ، وأغضبه عليهم ، فقد " كان الفضل شديد الكبر شديد الغيرة من البرامكة ، لا يبلغ مبلغهم في علم ولا نبل ولا فضل . فحسدهم وتمنى زوال نعمتهم ، فكان يدسّ إلى الرشيد أن البرامكة يعملون للوصول إلى الخلافة . ويوماً يدسّ إليه أن البرامكة ملاحدة وثنيّون ، يحنّون إلى دين أبيهم القديم بدليل أنّ قصورهم فيها مخابئ تحت الأرض تحوي الشعائر القديمة الزاردشتيّة (26) فهم يبتعدون عنها خفية عن الناس " (27) .
ليست صورة الرشيد في حكايات ألف ليلة وليلة الصورة المستبدّة دائماً ، سريعة الغضب ، الباطشة ، سفّاكة للدماء ، بل هي ذات ملامح متعدّدة ، إذ يظهر الرشيد في أحد هذه الملامح عطوفاً كريماً ، مسارعاً إلى نجدة المحتاج ، شغوفاً بالسمر ، مندغماً بالموسيقى . ففي حكاية " علاء الدين أبي الشامات " ، يتعرّض التاجر الثريّ علاء الدين أبو الشامات القادم من مصر إلى بغداد ، إلى هجوم العربان قطّاع الطرق ، إذ يستولون على كلّ ما حمله من مصر ، من مواد تجاريّة وما إن يصل بغداد حتّى يتشرّد و يجوع ، إلى أن تقذفه مصادفات ألف ليلة وليلة السحريّة إلى منزل إحدى النساء الجميلات المغنيات ، زبيدة العوديّة ، فيتزوّجها . وذات ليلة ، وبينما كانا يقيمان طقساً احتفائيّاً بالغناء والشراب ، يمرّ هرون الرشيد متنكراً بزيّ الدراويش ، وبصحبته الوزير جعفر البرمكي ، ومسرور سيّاف النقمة ، والحسن ابن هانئ ( أبو نواس ت 198هـ/814 م)، أمام منزلهما ، ويسمعون صوت العود ، ثم يطرقون الباب طالبين السماح لهم بالمشاركة في هذا الطقس الاحتفائيّ لأنهم دراويش غرباء الديار ، وقد تاقت أرواحهم للسماع ورقائق الأشعار ، فهم ظرفاء يعشقون السماع ويحفظون القصائد والأشعار والموشحات ، كما يقدّمون أنفسهم لعلاء الدين و زوجته زبيدة (28) . فيأذن لهم علاء الدين بالدخول ، ويحكي لهم قصة تشرّده وفقره ، وقدومه إلى بغداد ، وأنّه مطالب بأن يدفع مهر زوجته زبيدة لوالدها أمام القاضي ، وأنه لا يملك منه شيئاً ، وعندما يسمع الخليفة الحكاية ، يسرع في نجدة علاء الدين ، ويرسل له تجارة ، ويكتب كتاباً عن لسان والده شمس الدين شاه بندر التجار بمصر ، يعلمه فيه أنّه علم بمصيبته ، وهاهي البضاعة التي ستحفظ ماء وجهه . يقول الراوي (29) :
" إنّ الخليفة أرسل إلى رجل عظيم من التجار وقال له : أحضر لي خمسين حملاً من القماش الذي يجيء من مصر ، يكون كلّ حمل ثمنه ألف دينار ، واكتب على كلّ حمل ثمنه ، واحضر لي عبداً حبشيّاً . فأحضر له التاجر جميع ما أمره به ، ثم إنّ الخليفة أعطى العبد طشتاً وإبريقاً من الذهب وهديّة والخمسين حملاً ، وكتب كتاباً على لسان شمس الدين شاه بندر التجار بمصر والد علاء الدين وقال له : خذ هذه الأحمال وما معها ورح بها الحارة الفلانيّة التي فيها بيت شاه بندر التجار وقل : أين سيّدي علاء الدين أبو الشامات ؟ فإنّ الناس يدلّونك على الحارة وعلى البيت . فأخذ العبد الأحمال وما معها وتوجّه كما أمره الخليفة ".
ولا تبدو صورة الخليفة الرشيد ، وهو يفرّق الأموال على علاء الدين أبي الشامات ، بعيدة في الوهم والتخيّل ، فالخليفة الرشيد وكما تصوّره المصادر التاريخيّة كان من كرماء الخلفاء ، إذ " لم يُرَ خليفة أسمح منه بالمال " (30) . وكان جواداً ، ويتصدّق من خالص ماله بألف درهم في الليلة الواحدة (31) . ويبدو الرشيد في هذه الحكاية : " حكاية علاء الدين أبي الشامات " رهيف الحسّ والمشاعر وعاشقاً للموسيقى بامتياز . فهو يرجو زبيدة العوديّة أن تعزف له نوبة على العود ، مؤكّداً أنّ الموسيقى غذاء للروح ، طالباً من زوجها أن يسمح لها بالغناء . يقول لعلاء الدّين أبي الشامات : " ولكن مرها أن تعمل لنا نوبة لأجل أن نحظى بسماعها ويحصل لنا انتعاش ، فإنّ السماع لقوم كالغذاء ، ولقوم كالدواء ، ولقوم كالمروحة " (32) .
ولا تبدو صورة الرشيد في ألف ليلة وليلة ، العاشق للغناء والموسيقى ، بعيدة في التخيٌل ، بل تثبت المصادر التاريخيّة أن الرشيد كان ولعاً بالغناء والمغنّيات ، وقد أسرف في هذا الولع . فعلى سبيل المثال كان شغوفاً بغناء الجارية الموهوبة دنانير ، وكان يتردّد كثيراً إلى دار مولاها لسماعها ، لأنها " كانت من أحسن الناس وجهاً وأظرفهنّ وأكملهنّ أدباً وأكثرهنّ رواية للغناء والشعر ، وكان الرشيد لشغفه بها يُكثِر مسيره إلى مولاها ويقيم عندها ، ويَبرها ويفرِط ، حتى شكته زبيدة إلى أهله وعمومته ، فعاتبوه على ذلك " (33) .
ويبدو الخليفة الرشيد في حكاية أخرى تاجراً ثريّاً مكلّلاً " بهيئة التّجار وعليهم الوقار " (34) . وفي حكاية أخرى ، يبدو متهتّكاً مسحوراً بالتّلصّص على جسد زوجته السيّدة زبيدة ، الجميل العاري ، المستحمّ في بحيرة جميلة بناها لها في مكان جميل ، وقد سوّرها بالسياج والأشجار . يقول الراوي (35) : " إن السيّدة زبيدة لمّا دخلت ذلك المكان يوماً ، وأتت إلى البحيرة وتفرّجت على حسنها فأعجبها رونقها والتفاف الأشجار عليها وكان ذلك في يوم شديد الحرّ ، فقلعت أثوابها ونزلت في البحيرة ووقعت . وكانت البحيرة لا تستر من يقف فيها فجعلت تملأ الماء على بدنها . فعلم الخليفة بذلك فنزل من قصره يتجسّس عليها من خلف أوراق الأشجار ، فرآها عريانة وقد بان منها ما كان مستوراً ".
وفي أحيان أخرى يبدو الرشيد منبسطاً مازحاً ، ومتحرّراً من قيود سطوة الأبّهة ، وكرسيّ الخلافة ، إذ يدعو نديمه أبا نواس ، ويطلب منه أن يكمل له أبياتاً ، كان قد قالها في وصف جسد زوجته زبيدة ، عندما رآها عريانة في البحيرة . يقول الراوي (36) : " فلمّا أحسّت [أي السيدة زبيدة] بأمير المؤمنين خلف أوراق الأشجار وعرفت أنه رآها عريانة التفتت إليه ونظرته ، فاستحت منه ، ووضعت يدها على فرجها فتعجّب من ذلك وأنشد هذا البيت :
نظـــرت عيني لحيني= وزكـــا وجـــدي لبيني
ولم يدر بعد ذلك ما يقول ، فأرسل خلف أبي نواس يحضره فلمّا حضر بين يديه قال له الخليفة : أنشدني شعراً في أوله : (…) ، [البيت السابق].
فقال أبو نواس : سمعاً وطاعة . وارتجل في أقرب اللّحظات منشداً هذه الأبيات :
وزكـــا وجدي لبيني= تحت ظــلّ الدرّتين
بأباريــــــــق اللُجَين = سـاعة أو سـاعتيـن ".
نظـــرت عيني لحيني = من غزال قـــد سباني
سكب المـــــــاء عليه = ليتنـي كنـت عليــــه
ويبدو الرشيد في مواقف أخرى عاشقاً للنّساء ، مقدّراً لمواهبهنّ الجماليّة ، فهو يحترم ويقدّر أية حظيّة من حظايا قصره ، أو أيّة امرأة جميلة يشاهدها ، أكثر من احترامه لأيّة شخصيّة سياسيّة في دولته ، ومهما علا مركزها الوظيفيّ . فهو يقرّب حظاياه ويغدق عليهنّ الأموال ، ويسكنهنّ المقاصير الجميلة ، ويخصّص لهنّ الجواري الخادمات ، ويغدق عليهنّ الذهب (37) . ويبدي لهفة شديدة عليهنّ إذا حزنّ ، أو انتابهنّ أدنى مكروه ، ويستدعي أمهر الأطبّاء لمعالجتهنّ من مرض العشق والغرام (38) . ويستدعي الفقهاء والمقرئين ليرتّلوا القرآن الكريم على قبور إحدى حظاياه ، ويظلّ يبكي بجانب قبرها إلى أن يُغشى عليه ، ويترك شؤون دولته ليظلّ قاعداً باكياً شهراً كاملاً ، نادباً هذه الحظيّة الجميلة (39) .
ويبدو في مواقف أخرى عاشقاً مغتلماً ، لا يطيق صبراً عن نكاح الجواري الجميلات المُهداة إلى وزيره جعفر البرمكيّ . يقول الراوي (40) : " حُكي أنّ جعفراً البرمكيّ نادم الرشيد ليلة ، فقال الرشيد : يا جعفر بلغني أنّك اشتريت الجارية الفلانيّة ولي مدّة أطلبها ، فإنها على غاية الجمال وقلبي من حبها في اشتعال ، فبعها إليّ ؟ فقال : لا أبيعها يا أمير المؤمنين . فقال: هبها لي . فقال: لا أهبها . فقال هارون الرشيد : زبيدة طالق ثلاثاً إن لم تبعها أو تهبها لي . قال جعفر : وزوجتي طالق ثلاثاً إن أنا بعتها لك . (…) ثم قال هارون الرشيد : أحضروا الجارية في الحال فإنّي شديد الشوق إليها . فأحضروها وقال للقاضي أبي يوسف : أريد أن أطأها في هذا الوقت فإنّي لا أطيق الصبر عنها ". وهو في موقف آخر يتزوٌج البوابة خادمة البنات في حكاية " الحمّال والبنات " (41) . على الرغم من أنّ الراوي صوّر هذه البوّابة بصورة المتهتّكة الداعرة ، التي تستلذّ بالتعرّي الكامل أمام الحمّال الغريب ، ومعانقته (42) .
وهنا يمكن القول : إنّ رواة اللّيالي ، وهم يصوّرون الرشيد بصورة الجنسانيّ المتهالك على لذّاته ، المنصرف إلى النساء ، قد اطّلعوا على سيرته التاريخيّة وطبيعة حياته مع جواريه و حظاياه ، وزوجته السيّدة زبيدة ، من خلال المصادر التاريخيّة التي توافرت لديهم ، والتي أرّخت لبعض جوانب حياته . وتروي هذه المصادر عن المفضّل (43) أنّه قال: " دخلت على الرشيد وبين يديه طبق ورد وبين يديه جارية لم أر أحسن منها وجهاً قد أُهديت إليه فقال : يا مفضّل قل في هذا الورد شيئاً تشبّهه به فقلت:
كأنّـه خـــدّ مومــوق يُقَبِّلُــه = فم الحبيـب فقـد أبقى به خجـلا (44)
قال ، فقالت الجارية:
كأنّـه لون خدّي حيـن تدفعني = كفّ الرشيـد لأمـر يُوجِب الغُسُـلا
فقال لي يا مفضّل قم فإنّ هذه الماجنة قد هيّجتني! فقمت وأرخيت الستور عليهما " (45) .
و يبدو أن السيّدة زبيدة كانت تعرف ولع زوجها الخليفة الشديد بالجواري الجميلات ، وقد خاصمته ذات مرّة نظراً لشغفه وإعجابه بالجارية الجميلة دنانير ، ثم سرعان ما صالحته وكسبت ودّه ، وذلك بأن أهدته عشر جوارٍ من جواريها (46) .
لقد كانت بعض ملامح الصّورة الواقعيّة التّاريخيّة لهرون الرّشيد ، تشير إلى أنّه كان ورعاً ، و" يصلي كل يوم وليلة مائة ركعة " (47) ، ويحجّ مرّة كل سنتين مصطحباً معه مائة من الفقهاء وأبناءهم ، ولا يتوانى في ساعات صفائه ، وعندما يسمع الشّاعر الزّاهد أبا العتاهية (أبو اسحق إسماعيل بن القاسم، ت 211هـ/826م) عن البكاء معترفاً بأنّ ملذّات الدّنيا ونعيمها قد أعمياه . وقد كان يتواضع لعلماء عصره ، ويصبّ على أيدي العميان من العلماء ، الماء إجلالاً لعلمهم (48) . وكان يطلب من العلماء الواعظين في عصره أن يعظوه ، وكان لا يغضب منهم مهما كان وعظهم قاسياً . ويُروى أنه قال لأحد الواعظين: " عظني وكان بيده شربة ماء فقال له يا أمير المؤمنين لو حُبست عنك هذه الشّربة أكنت تفديها بملكك ؟ قال نعم . قال يا أمير المؤمنين لو شربتها وحبست عن الخروج أكنت تفديها بملكك قال نعم . فقال له لا خير في ملك لا يساوي شربة ولا بولة " (49) . غير أنّ هذه الملامح الجماليّة من ورع وزهد وعبادة وتواضع ، تكاد تغيب عن نصوص ألف ليلة وليلة الحكائيّة ، لتحلّ محلّها ملامح الخليفة المستبدّ القاسي ، العابث ، الماجن ، الشّبق الذي لا يطيق الصّبر على نكاح النّساء الجميلات .
ويمكن القول في نهاية الحديث عن ملامح شخصيّة الرّشيد السلطويّة في حكايات ألف ليلة وليلة : إنّ الصوت السارد الذي قدّم الرّشيد في الحكايات ليس واحداً أو ذا رؤية واحدة ، بل هو مجموعة من الأصوات المتعدّدة بتعدّد رؤيتها الفكريّة وموقفها الإيديولوجيّ من الخليفة الرّشيد ، هذا الخليفة الذي يبدو أقرب إلى الأسطورة نظراً لقدراته الخارقة ، وسطوته المطلقة على كلّ من حوله في حكايات الليالي من جنّ وأنس ، فهو مالئ الحكايات وشاغل الرّجال والنّساء . وإذا كان بعض الرّواة يعظّمونه هو وتربة أجداده الطاهرة ، ويصوّرونه بمظهر العادل ، الطّامح إلى سلام يعمّ بغداد ، والذي يجعل سكاّنها آمنين ، وقادرين على انتزاع حقوقهم ، بفضل عدله وقوّته وهيبته (50) ، فإنّ بعض الـرّواة الآخرين يصوّرونه متعاطفاً مع رجال ونساء الفساد والاحتيال في دولته ، غير مهتمّ برفع المظالم عن البسطاء من أفراد شعبه ، كما في حكاية " علي الزّيبق ودليلة المحتالة " . إذ عاثت دليلة وزينب فساداً واحتيالاً على سكّان بغداد ، وعملتا نهباً في ممتلكاتهم ، ومع ذلك نجده يعفو عنهما عندما يقبض عليهما رجل السّلطة حسن شومان وأعوانه ، ويقودونهما إلى قصره ببغداد (51) .
إنّ شخصيّة الخليفة هرون الرّشيد في اللّيالي شخصيّة ثرية أسهمت في بناء عدّة حكايات ، وشعّبتها ، ومزجتها بالأسطورة والخرافة وأخبار الجنّ والعفاريت ، وجعلتها منفتحة على فضاءات القصور ، والجواري ، وبنات التجار والملوك والوزراء ، والتّهتّك الجنسي ، والملذّات والخمور ، والتّرف والبذخ الأسطورييّن ، من جهة ، وعلى فضاءات القتل والسّطوة والاحتيال والفساد في بنية الحياة العبّاسيّة من جهة أخرى . وقد قدّمت هذه الشّخصيّة ، في طبيعة علاقاتها مع الشّخوص الأخرى ، ملامح مهمّة لبعض جوانب الحياة العبّاسيّة : سياسيّاً وثقافيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّا..
الهوامش :
* د . محمد عبد الرحمن يونس ، جامعة الدراسات الأجنبية / بكين ، الصين .
(1) – مؤلف مجهول : ألف ليلة و ليلة ، منشورات دار مكتبة الحياة ، بيروت ، د. ت ، 1/206.
(2) – ألف ليلة وليلة ، 1/229.
(3) – م ن ، 1/230.
(4) – م ن ، 1/231.
(5) - م ن ، 1/231.
(6) – جرونيباوم ، جوستاف. إ. فون : حضارة الإسلام ، ترجمة عبد العزيز توفيق ، الهيئة المصريّة العامة للكتاب/ مكتبة الأسرة ، القاهرة ، طبعة 1997م ، ص 200.
(7) – ابن عبد ربه ، أبو عمر أحمد بن محمد الأندلسي (ت328هـ/940م): العقد الفريد ، شرح كرم البستاني ، دار المسيرة ، بيروت ، الطبعة الثانية 1981م ، 1/84.
(8) – ألف ليلة وليلة ، 1/60.
(9) - م ن ، 1/212.
(10) - ألف ليلة و ليلة ، 1/212.
(11) – الشحاذ ، أحمد محمد: الملامح السياسيّة في حكايات ألف ليلة وليلة ، منشورات وزارة الإعلام ، بغداد ، الطبعة الأولى 1977م ، ص 85.
(12) - ألف ليلة وليلة ، 1/89 ـ 90.
- ومن الاقتباس يمكن أن يُفهم أيضاً مدى حساسيّة الرشيد من البرامكة ، هذه الحساسيّة السياسيّة التي أودت بحياة زعمائهم في ما بعد على يديه . فما هو ذنب الأربعين من البرامكة الذين سيصلبهم الرشيد ، طالما أنّ الجريمة ؛ ربّما سيكون سببها إهمال واحد منهم ، وهو الوزير جعفر البرمكي ، لشؤون الأمن في بغداد؟.
(13) - ألف ليلة وليلة ، 1/90.
(14) - م ن ، 1/90.
(15) - ابن طباطبا ، محمد بن علي (ت709هـ/1309م): الفخري في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة ، دون محقّق ، دار صادر ، بيروت ، د. ت ، ص 205.
(16) - فقد بلغه أنّ محتالاً قد زوّر كتاباً عن لسانه ، وأخذه إلى صاحب مصر لينتفع به ، وعندما عاد المحتال إلى بغداد اقترح أعوان الوزير جعفر عليه أن يقطع يمين المزوّر التي زوّر بها ، لكنّه أبدى حلماً وكرماً مع الرجل المزوّر . يقول ابن طباطبا واصفاً حال المزوّر : " فحضر [أي المزوّر] إلى مجلس جعفر بن يحي . فلمّا دخل سلّم عليه ووقع يقبّل الأرض ويبكي ، فقال له جعفر : من أنت يا أخي؟ قال : يا مولانا أنا عبدك وصنيعتك المزوّر الكذّاب المتجرّي ! فعرفه جعفر وبشّ به وأجلسه بين يديه وسأله عن حاله ، وقال له: كم وصل إليك منه [أي من صاحب مصر] فقال: مائة ألف دينار . فاستقلّها جعفر وقال: لازِمْنا حتّى نضاعفها لك. فلازمه مدّة فكسب معه مثلها.". الفخري في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة ، ص 207 ـ 208.
(17) – عن/ جرونيباوم ، جوستاف إ. فون: حضارة الإسلام ، ص 354.
(18) – الكواكبيّ ، عبد الرحمن: طبائع الاستبداد ، دار الشرق العربي ، بيروت/ حلب ، الطبعة الثالثة 1411هـ/1991م ، ص 65.
(19) - م ن ، 1/50.
(20) - م ن ، 2/425.
(21) ألف ليلة وليلة ، 2/433
(22) - م ن ، 2/370
(23) – مؤنس ، د.حسين: الحضارة ـ دراسة في أصول وعوامل قيامها وتطوّرها ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ، "سلسلة عالم المعرفة" ، العدد 237 ، الطبعة الثانية ، جمادى الأولى 1419هـ/ أيلول (سبتمبر) ، 1998م ، ص 263.
(24) – ابن طباطبا: الفخري في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة ، ص 205.
(25) – الفضل بن الربيع: ( الفضل بن الربيع بن يونس ، أبو العبّاس ، 138 ـ 208هـ/755 ـ 824م) : وزير حازم . كان أبوه وزيراً للمنصور العبّاسيّ . واستحجبه المنصور لمّا ولّى أباه الوزارة ، فلمّا آل الأمر إلى الرشيد واستوزر البرامكة كان الفضل من كبار خصومهم ، حتّى ضربهم الرشيد تلك الضربة ، و قيل : وكانت نكبتهم على يديه. ووليّ الوزارة إلى أن مات الرشيد.
- الزركلي ، خير الدين: الأعلام (قاموس تراجم) ، دار العلم للملايين ، بيروت ، الطبعة الثانية عشرة ، شباط (فبراير) ، 1997م. الأعلام ، 5/148.
(26) – الزرادشتية: ديانة فارسية قديمة تُنسب إلى مؤسسها الحكيم زاردشت (660-583م) ، الذي هجر حياته الزوجية وواصل رحلاته على طول إيران وأذربيجان وأفغانستان ، يحارب الأشباح ، ويخدم النار، ويفتي في الكون وأجرامه وأحجاره الكريمة ، ويشفي الناس وجروحهم بأعشابه السحرية . وتقول التعاليم الزاردشتية بقدم الأصلين ، الخير والشر ، أو النور والظلام ، فنسبوا للخير "أهورامزدا" أو هرمس ، كل ما هو خيّر ، واعتبروه إله السماء ، على عكس غريمه "آهرمن" الذي وحّدوه بالظلام ، فهو الشيطان أصل الشرور والآثام . وقد قسّم تلاميذ زاردشت ومريدوه مظاهر الطبيعة إلى أشياء تحتوي على قوى خيّرة ، مثل ضوء النهار ، وبعض فصول السنة المعتدلة مثل الربيع ، والخصب والحنين والخلود. وأخرى تتّصل بالظلام والجفاف والقحط والنكبات ، ونسبوها إلى الشّر الذي هو الشيطان آهرمن .
- عبد الحكيم شوقي: موسوعة الفلكلور والأساطير العربية ، دار العودة ، بيروت ، الطبعة الأولى 1982م ، ص327 ، 329
(27) – أمين، د. أحمد: هرون الرشيد ، سلسلة كتاب الهلال ، دار الهلال ، القاهرة ، العدد الثالث ، ذي القعدة 1370هـ/1951م . ص122.
(28) – ألف ليلة وليلة ، 2/365 ـ 366
29) – م ن ، 2/365 ـ 366.
(30) – ابن طباطبا : الفخري في الآداب ، السلطانية والدول الإسلامية ، ص13 .
(31) – الدّميري ، كمال الدين محمد بن موسى (ت808هـ/1406م): حياة الحيوان الكبرى ، دون محقّق ، دار الألباب ، بيروت/ دمشق ، د. ت، 1/95.
(32) – ألف ليلة وليلة ، 2/366.
(33) – الأصفهاني: كتاب الأغاني ، تحقيق: عبد الكريم إبراهيم الغرباوي ، طبعة 1389هـ/ 1970م . الجزء الثامن عشر ، 18/65.
(34) – ألف ليلة وليلة ، 1/50.
(35) – م ن ، 3/156.
(36) – م ن ، 3/156.
(37) – ألف ليلة وليلة ، 1/229.
(38) – م ن ، 2/192.
(39) – م ن ،1/232.
(40) – م ن ، 2/445 -446.
(41) – ألف ليلة وليلة ، 1/88.
(42) – ألف ليلة وليلة ، 1/88.
(43) – المفضّل الضّبيّ : ( المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر الضبي ، أبو العباس ، … ـ 168هـ /… ـ 784م): راوية ، علامة بالشعر والأدب وأيام العرب من أهل الكوفة . قيل : هو أوثق من روى الشعر من الكوفيّين . يقال: إنه خرج على المنصور العبّاسي ، فظفر به وعفا عنه . ولزم المهدي ، و صنّف له كتاب "المفضليات".
- الزركلي ، خير الدين : الأعلام ، 7/280.
(44) – الموموق : المحبوب .
- معلوف ، لويس : المنجد في اللغة ، منشورات اسماعيليان ، طهران/ دار المشرق ، بيروت ، الطبعة الحادية والعشرون ، 1 كانون الثاني 1973م ، مادة: وَمِق ، ص919.
(45) – التجاني ، محمد بن أحمد: تحفة العروس ومتعة النفوس ، ص440.
(46) – الأصفهاني: الأغاني ، 18/67.
(47) – الدّميري ، كمال الدين محمد بن موسى : حياة الحيوان الكبرى ، 1/95.
(48) – ابن طباطبا: الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية ، ص193-194.
(49) – الأبشيهي : المستطرف في كل فن مستظرف ، 2/386.
(50) – ألف ليلة وليلة ، 1/88 ، 92 ، 93 .
(51) – م ن ، 4/138.
د. محمد عبد الرحمن يونس