من حين إلى آخر ،كان يذهب إلى بيت الزواحف ، لاينطلق سوى فى اتجاه وحيد اعتادت عليه قدماه ، هو قاعة الثعابين ، يلج هذا المكان ذا الضوء الخافت ، والهدوء المريب ، شاعرا بهذا التيار الخفى الذى يسرى فى أجواء القاعة.
إنه إحساس مقبض يخترق أعصاب بعض الحضور ، الذين يتجمدون أمام الصناديق الزجاجية وهم ينظرون إلى مابداخلها ، بملامح متخشبة ، ومشحونة بالتوجس . كان يتطلع ساخرا إلى المنسحبين وهم يهرولون إلى الخارج ، كأن هناك شبحا خفيا يركض وراءهم ، ويطاردهم بلا شفقة.
يبدأ بمشاهدة الثعابين الصغيرة ، وغير السامة ، كخطوة تمهيدية لاجتياز عتبات هذا العالم ، لايجد مايدعو إلى الانبهار أو الحاجة إلى المكوث إليها طويلا ، يراها كائنات ذات قدرة ضئيلة على القتال ، لم تصل بعد إلى إثارة اهتمامه ، يقترب من الآنواع الأكبر حجما ، والأشد خطورة ،يبدى إعجابه بالأفاعى والكوبرا ، ويبدو متحيرا حيال الهدوء الذى يلازمها ،إنها نائمة فى الغالب ، تنظر إليك غير مبالية وهى تتمدد ، أو تلتف حول نفسها ، يطيل الوقوف أمام الأصلة التى تختفى تحت ضخامتها شجرة كاملة ، أى قوة تكمن داخلها ، وأى كائن تعيس ذلك الذى يقع صريعا تحت عضلاتها!
تستهويه الألوان التى ترقش جلودها ،والنقوش المتشابكة بطريقة معقدة ، تتوزع فوقها بشكل هندسى .
مع ذلك ، لم تكن تلك الصناديق قادرة على تسكين الخوف داخله أثناء زياراته الأولى ، فقد كانت تنتابه قشعريرة واضحة ، وامتعاض ملحوظ ، لكنهما زالا مع زياراته المتواصلة ، قاصدا التخلص من عقدته تجاه هذه المخلوقات ، بعدما لاحظ ظهورها العلنى فى أماكن عديدة ، تخرج من مكامنها فى وضح النهار ، تنهش الضعفاء ، والخائفين ، وتتحرك فى كل مكان مزهوة بألوانها الفريدة ، ولدغاتها المسممة.
مثلت هذه الزيارات تدريبا قاسيا وغريبا على المواجهة ، دراسة هذه الكائنات ، ونقاط الضعف فيها ، معرفة الأنواع السامة ، والقاتلة ، التى تتخفى وراء مظاهر خادعة ، لكنه تذكر ، أن يد إنسان هى التى وضعتها وراء الزجاج ، اسيرة تنتظر الطعام فى محبسها ، وأنه يحتجزها على نحو براجماتى ، للتسلية والمشاهدة ، لتفريغ السموم التى يستعملها فيما يريد ، للحياة أو الموت ، وأحيانا يقتلها ، يسلخها من أجل الحصول على الجلد الثمين ، وأن ضربة قوية فوق الرأس تفصلها عن الجسد ، تحولها إلى كائن ممسوخ ، قطعة لحم ممزقة ، تذكر أيضا ، أن الإنسان الثعبان هو الأخطر دائما ، والأشد فتكا ، وأن رؤية ثعبان فى المنام تؤول بأن هناك إنسانا عدوا يتعقبك ، يريد بك الأذى ، رسالة عاجلة ، تأتى فى وقتها ، تخبرك بتوخى الحذر ،العمل على اقتلاع أنيابه ،التخلص منه نهائيا ، وبلا ندم.
* صابر رشدى
مجلة الثقافة الجديدة ع/301 - 2015
إنه إحساس مقبض يخترق أعصاب بعض الحضور ، الذين يتجمدون أمام الصناديق الزجاجية وهم ينظرون إلى مابداخلها ، بملامح متخشبة ، ومشحونة بالتوجس . كان يتطلع ساخرا إلى المنسحبين وهم يهرولون إلى الخارج ، كأن هناك شبحا خفيا يركض وراءهم ، ويطاردهم بلا شفقة.
يبدأ بمشاهدة الثعابين الصغيرة ، وغير السامة ، كخطوة تمهيدية لاجتياز عتبات هذا العالم ، لايجد مايدعو إلى الانبهار أو الحاجة إلى المكوث إليها طويلا ، يراها كائنات ذات قدرة ضئيلة على القتال ، لم تصل بعد إلى إثارة اهتمامه ، يقترب من الآنواع الأكبر حجما ، والأشد خطورة ،يبدى إعجابه بالأفاعى والكوبرا ، ويبدو متحيرا حيال الهدوء الذى يلازمها ،إنها نائمة فى الغالب ، تنظر إليك غير مبالية وهى تتمدد ، أو تلتف حول نفسها ، يطيل الوقوف أمام الأصلة التى تختفى تحت ضخامتها شجرة كاملة ، أى قوة تكمن داخلها ، وأى كائن تعيس ذلك الذى يقع صريعا تحت عضلاتها!
تستهويه الألوان التى ترقش جلودها ،والنقوش المتشابكة بطريقة معقدة ، تتوزع فوقها بشكل هندسى .
مع ذلك ، لم تكن تلك الصناديق قادرة على تسكين الخوف داخله أثناء زياراته الأولى ، فقد كانت تنتابه قشعريرة واضحة ، وامتعاض ملحوظ ، لكنهما زالا مع زياراته المتواصلة ، قاصدا التخلص من عقدته تجاه هذه المخلوقات ، بعدما لاحظ ظهورها العلنى فى أماكن عديدة ، تخرج من مكامنها فى وضح النهار ، تنهش الضعفاء ، والخائفين ، وتتحرك فى كل مكان مزهوة بألوانها الفريدة ، ولدغاتها المسممة.
مثلت هذه الزيارات تدريبا قاسيا وغريبا على المواجهة ، دراسة هذه الكائنات ، ونقاط الضعف فيها ، معرفة الأنواع السامة ، والقاتلة ، التى تتخفى وراء مظاهر خادعة ، لكنه تذكر ، أن يد إنسان هى التى وضعتها وراء الزجاج ، اسيرة تنتظر الطعام فى محبسها ، وأنه يحتجزها على نحو براجماتى ، للتسلية والمشاهدة ، لتفريغ السموم التى يستعملها فيما يريد ، للحياة أو الموت ، وأحيانا يقتلها ، يسلخها من أجل الحصول على الجلد الثمين ، وأن ضربة قوية فوق الرأس تفصلها عن الجسد ، تحولها إلى كائن ممسوخ ، قطعة لحم ممزقة ، تذكر أيضا ، أن الإنسان الثعبان هو الأخطر دائما ، والأشد فتكا ، وأن رؤية ثعبان فى المنام تؤول بأن هناك إنسانا عدوا يتعقبك ، يريد بك الأذى ، رسالة عاجلة ، تأتى فى وقتها ، تخبرك بتوخى الحذر ،العمل على اقتلاع أنيابه ،التخلص منه نهائيا ، وبلا ندم.
* صابر رشدى
مجلة الثقافة الجديدة ع/301 - 2015