تقول المصادر العلمية إن قصص كليلة ودمنة قد تمت كتابتها في الهند باللغة الهندية، في القرن الثالث الميلادي تقريبا، ثم ترجمت الي اللغة الفهلوية الفارسية في عصر كسري أنوشروان، ونقلها ابن المقفع الي العربية في القرن الثامن الميلادي، وتعود النسخة، التى حققها الدكتور عبد الوهاب عزام، الى سنة 1221 وأعادت طبعة كتاب الشعب أصدارها بالقاهرة في 1968 هذا الكتاب كليلة ودمنة هو دوائي الذي يشدني، وأنا أكتب هذا المقال، من تعب النفس وضيق الصدر ورمال الاكتئاب المتحركة، وهو وصفتي العلاجية لمن ترهقهم أحداث منطقتنا، ومناظرات وحواديت من تم تعيينهم ، من قبل أنفسهم وأصدقائهم، النخب والرموز الثقافية والإعلامية والسياسية السابقة واللاحقة .
هؤلاء الذين لم يعودوا يرون عقبات لدينا نحو التقدم إلا الاسلام والمسلمين والذين حين يتكلمون عن الكارثة والكارثية لا يرون إلا كارثة 11/9/2001 وضحاياها ، التي لا نعرف حتى الآن علي وجه اليقين من هم المتسببين فيها ، وإن كنا نعرف بالتأكيد من المتسبب في كوارث وكارثات ونوازل 15/5/1948 وتوابعها حتى الآن على أرض فلسطين المحتلة. و 5/6/1967، و 14/7/1979, واقتحام بغداد وإذلالها 9/4/2003، بخيانة حاكمها وكذب الغزاة ، ونعرف تماما سعة مقابرنا الجماعية من المحيط الى الخليج وقدرتها الهائلة علي الاستيعاب .. الخ .
في فهرس كليلة ودمنة، طبعة كتاب الشعب 1968، نجد الإشارة الى 15 بابا من الأبواب الأصلية، بزيادة باب واحد عن أبواب النص الهندي الذي تقول مقدمته إنها 14 فقط، يضاف الى تلك الأبواب : مقدمة الكتاب 12 صفحة التي قدمها بهنود بن سحوان ويعرف بعلي بن الشاه الفارسي، وذكر فيها السبب الذي من أجله عمل بيدبا الفيلسوف الهندي كتابه الذي سماه «كليلة ودمنة» وجعله على ألسنة البهائم والطير صيانة لغرضه فيه من العوام, وضنا بما ضمنه عن الطغام ( الأرذال ) وتنزيها للحكمة وفنونها ومحاسنها وعيونها.. ثم بعثة برزويه الي بلاد الهند 6 صفحات، ثم باب عرض الكتاب ترجمة عبد الله بن المقفع 6 صفحات، وكلمة ترجمة هنا غير مقصود بها النقل من لغة الي لغة، بل بمعني فاتحة الكتاب أو تمهيد مثلا، أو بقلم عبد الله بن المقفع. ثم باب برزويه، ترجمة بزرجمهر بن البختكان أي بقلم بزرجمهر بن البختكان وبزرجمهر بن البختكان، كان وزير كسري أنوشروان ويضرب به المثل لقيمته الثقافية وعظمته في صنعة الكتابة، وكان الناس يقولون بزرجمهر زمانه وعصره وأوانه للكاتب الذي يبلغ من صنعة فن الكتابة شأوا كبيرا، مثلما نقول نحن مثلا عن الصوت الجميل أم كلثوم زمانها أو عبد الوهاب عصره وأوانه، أومنصور الرحباني الذي علا شأنه بمسرحه وألحانه .
تلخيص حكاية بيدبا الفيلسوف مع ملكه الهندي دبشليم، كما ترويها مقدمة الكتاب على لسان علي بن الشاه الفارسي هي أن الأسكندر ذا القرنين الرومي اجتاح في غزواته للشرق، مع ما اجتاحه في العالم، البلاد الهندية وانتصر على مقاومة ملكها الذي قاوم وتصدي ببسالة للاسكندر حتى وقع صريعا، وقرر الاسكندر أن يعين على بلاد الهند واحدا من أتباعه يحكمها باسمه قبل أن يمضي هو ليواصل اجتياحاته للبلاد الأخرى، ولكن أهل الهند لم يعجبهم الحاكم الأجنبي فاختاروا من بينهم دبشليم وجعلوه ملكا عليهم. هذا الدبشليم لم يحفظ عهد رعيته وأمانة الملك، فتبدل من ملك عادل رحيم بشعبه الى طاغية جبار يرتكب كل جرائم الحكام الفاسدين مما دفع بالفيلسوف الحكيم بيدبا الى أن يقرر الذهاب اليه وتقديم النصح لهذا الملك الذي لم تفزعه النوائب، ولم تؤدبه التجارب . وطلب بيدبا الإذن بالدخول على الملك دبشليم فأذن له وهو متصور أن الفيلسوف جاءه لحاجة يطلبها، وقال له نظرت إليك يا بيدبا ساكنا لا تعرض حاجتك ولا تذكر بغيتك.
لم يكن لبيدبا أن يطرقنا على غير عادة إلا لأمر حركه لذلك، فإنه من أفضل أهل زمانه .
المهم أن بيدبا وصل مربط الفرس في كلامه حين قال للملك بعد تمهيد حكيم، أقمت فيما خولت من الملك وورثت من الأموال والجنود، فلم تقم في ذلك بحق ما يجب عليك، بل طغيت وبغيت وعتوت وعلوت على الرعية، وأسأت السيرة، وعظمت منك البلية، وكان الأولى بك أن تسلك سبيل أسلافك. وتقفو محاسن ما أبقوه لك، تحسن النظر برعيتك، وتسن لهم سنن الخير الذي يبقي بعدك ذكره، فإن الجاهل المغتر من استعمل في أموره البطر والأمنية، والحازم اللبيب من ساس الملك بالمداراه والرفق، فانظر أيها الملك ما ألقيت إليك، ولا يثقلن ذلك عليك: فلم أتكلم بهذا ابتغاء عرض تجازيني به، ولا التماس معروف تكافئني فيه، ولكني أتيتك ناصحا مشفقا عليك.
طبعا جن جنون دبشليم لأول وهله وأمر بقتل وصلب بيدبا، ثم أحجم عن الاعدام وقرر استبداله بالحبس وتقييده. وعندما علم تلاميذ بيدبا بما حل بأستاذهم هربوا في البلاد واعتصموا بجزائر البحار، ولكن دبشليم ما شاء الله سهر سهرا شديدا فطال سهره، ومد الى الفلك بصره، وتفكر في تفلك الفلك وحركات الكواكب، فأغرق الفكر فيه، فذكر عند ذلك بيدبا، وتفكر فيما كلمه به، فارعوى لذلك، وقال في نفسه. لقد أسأت فيما صنعت بهذا الفيلسوف، وضيعت واجب حقه، وحملني على ذلك سرعة الغضب.
وأرسل دبشليم الملك من يحضر له بيدبا من السجن: يا بيدبا أعد علي كلامك كله، ولا تدع منه حرفا إلا جئت به. وفعل بيدبا ذلك ودبشليم يستمع متأثرا: يابيديا، إني قد استعذبت كلامك وحسن موقعه من قلبي، وأنا ناظر في الذي أشرت به، وعامل بما أمرت. ثم أمر بقيوده فحلت. وألقي عليه من لباسه، وتلقاه بالقبول... مع هذا النهاية السعيدة لبيدبا الفيلسوف كانت البداية لوضع كتاب في الحكمة .
وحين سأل الملك دبشليم بيديا عن الأجر الذي يطلبه، لم يزد أن قال، يأمر الملك أن يدون كتابي هذا، ويأمر بالمحافظة عليه، فإني أخاف أن يخرج من بلاد الهند، فيتناوله أهل فارس إذا علموا به، والحقيقة أنني لم أفهم الحكمة في هذا الطلب الغريب من بيديا الفيلسوف، فالمنطقي كان أن يطلب ترجمته الي كل اللغات والعمل علي توزيعه في أنحاء الدنيا، علي أية حال، الذي حصل أن كسرى أنوشروان لما علم بخبر كتاب كليلة ودمنة لم يهدأ حتى بعث برزويه الطبيب وتلطف حتى أخرجه من بلاد الهند فأقره في خزائن فارس. ومن هنا يبدأ الفصل الخاص بحكاية تفاصيل الخطة التي وضعها برزويه طبيب كسرى أنوشروان ليتمكن من استنساخ الكتاب وترجمته من الهندية الي الفارسية، وهي خطة تشبه خطط الجاسوسية التي يكون هدفها سرقة الأسرار الحربية، غير أن الأمر الجميل هنا هو سرقة كتاب من كتب الحكمة ولا أعتذر في هذا لاتحاد الناشرين وقد استغرقت المهمة سنة كاملة وعشرين جرابا، كل جراب فيه عشرة آلاف دينار، وعندما عاد برزويه بالكتاب الى كسرى أنوشروان فرح بدوره فرحا شديدا، وعقد كذلك مؤتمرا ثقافيا لكل أهل فارس وطلب من برزويه قراءة الكتاب كله على الملأ (لست متأكدة من تقسيم القراءة الى جلسات صباحية ومسائية، ولا من عدد الأيام الذي استغرقته تلك القراءة، لكنني على يقين أنها كانت خطابا ثقافيا جديدا جدا لأهل مملكة كسرى أنو شروان).
الظريف أن الطبيب برزويه رفض أن يكون أجره من خزائن الجوهر والزبرجد والياقوت واللؤلؤ والذهب والفضة وطلب طلبا معنويا لائقا بجهاده الثقافي الذي كلفه التعب والعنت ونحول الجسد ووجع الظهر والانكباب المرهق في السر للنسخ والترجمة بمخاطرة كان يمكن ان تكلفه القتل والصلب وما هو أشد. قال برزويه موضحا أجره، حاجتي أن يأمر الملك، أعلاه الله تعالى, وزيره بزرجمهر بن البختكان, ويقسم عليه أن يعمل فكره, ويجمع رأيه، ويجهد طاقته ويفرغ قلبه في نظم تأليف كلام متقن محكم, ويجعله بابا يذكر فيه أمري ويصف حالي، ولا يدع من المبالغة في ذلك أقصى ما يقدر عليه. ويأمره إذا استتمه أن يجعله أول الأبواب التي تقرأ قبل باب الأسد والثور: فإن الملك إذا فعل ذلك فقد بلغ بي وبأهلي غاية الشرف وأعلى المراتب، وأبقي لنا ما لا يزال ذكره باقيا على الأبد حيثما قرئ هذا الكتاب، وتم للطبيب برزويه ما أراد، وهكذا تكون جوائز الدولة التقديرية وإلا فلا !
هؤلاء الذين لم يعودوا يرون عقبات لدينا نحو التقدم إلا الاسلام والمسلمين والذين حين يتكلمون عن الكارثة والكارثية لا يرون إلا كارثة 11/9/2001 وضحاياها ، التي لا نعرف حتى الآن علي وجه اليقين من هم المتسببين فيها ، وإن كنا نعرف بالتأكيد من المتسبب في كوارث وكارثات ونوازل 15/5/1948 وتوابعها حتى الآن على أرض فلسطين المحتلة. و 5/6/1967، و 14/7/1979, واقتحام بغداد وإذلالها 9/4/2003، بخيانة حاكمها وكذب الغزاة ، ونعرف تماما سعة مقابرنا الجماعية من المحيط الى الخليج وقدرتها الهائلة علي الاستيعاب .. الخ .
في فهرس كليلة ودمنة، طبعة كتاب الشعب 1968، نجد الإشارة الى 15 بابا من الأبواب الأصلية، بزيادة باب واحد عن أبواب النص الهندي الذي تقول مقدمته إنها 14 فقط، يضاف الى تلك الأبواب : مقدمة الكتاب 12 صفحة التي قدمها بهنود بن سحوان ويعرف بعلي بن الشاه الفارسي، وذكر فيها السبب الذي من أجله عمل بيدبا الفيلسوف الهندي كتابه الذي سماه «كليلة ودمنة» وجعله على ألسنة البهائم والطير صيانة لغرضه فيه من العوام, وضنا بما ضمنه عن الطغام ( الأرذال ) وتنزيها للحكمة وفنونها ومحاسنها وعيونها.. ثم بعثة برزويه الي بلاد الهند 6 صفحات، ثم باب عرض الكتاب ترجمة عبد الله بن المقفع 6 صفحات، وكلمة ترجمة هنا غير مقصود بها النقل من لغة الي لغة، بل بمعني فاتحة الكتاب أو تمهيد مثلا، أو بقلم عبد الله بن المقفع. ثم باب برزويه، ترجمة بزرجمهر بن البختكان أي بقلم بزرجمهر بن البختكان وبزرجمهر بن البختكان، كان وزير كسري أنوشروان ويضرب به المثل لقيمته الثقافية وعظمته في صنعة الكتابة، وكان الناس يقولون بزرجمهر زمانه وعصره وأوانه للكاتب الذي يبلغ من صنعة فن الكتابة شأوا كبيرا، مثلما نقول نحن مثلا عن الصوت الجميل أم كلثوم زمانها أو عبد الوهاب عصره وأوانه، أومنصور الرحباني الذي علا شأنه بمسرحه وألحانه .
تلخيص حكاية بيدبا الفيلسوف مع ملكه الهندي دبشليم، كما ترويها مقدمة الكتاب على لسان علي بن الشاه الفارسي هي أن الأسكندر ذا القرنين الرومي اجتاح في غزواته للشرق، مع ما اجتاحه في العالم، البلاد الهندية وانتصر على مقاومة ملكها الذي قاوم وتصدي ببسالة للاسكندر حتى وقع صريعا، وقرر الاسكندر أن يعين على بلاد الهند واحدا من أتباعه يحكمها باسمه قبل أن يمضي هو ليواصل اجتياحاته للبلاد الأخرى، ولكن أهل الهند لم يعجبهم الحاكم الأجنبي فاختاروا من بينهم دبشليم وجعلوه ملكا عليهم. هذا الدبشليم لم يحفظ عهد رعيته وأمانة الملك، فتبدل من ملك عادل رحيم بشعبه الى طاغية جبار يرتكب كل جرائم الحكام الفاسدين مما دفع بالفيلسوف الحكيم بيدبا الى أن يقرر الذهاب اليه وتقديم النصح لهذا الملك الذي لم تفزعه النوائب، ولم تؤدبه التجارب . وطلب بيدبا الإذن بالدخول على الملك دبشليم فأذن له وهو متصور أن الفيلسوف جاءه لحاجة يطلبها، وقال له نظرت إليك يا بيدبا ساكنا لا تعرض حاجتك ولا تذكر بغيتك.
لم يكن لبيدبا أن يطرقنا على غير عادة إلا لأمر حركه لذلك، فإنه من أفضل أهل زمانه .
المهم أن بيدبا وصل مربط الفرس في كلامه حين قال للملك بعد تمهيد حكيم، أقمت فيما خولت من الملك وورثت من الأموال والجنود، فلم تقم في ذلك بحق ما يجب عليك، بل طغيت وبغيت وعتوت وعلوت على الرعية، وأسأت السيرة، وعظمت منك البلية، وكان الأولى بك أن تسلك سبيل أسلافك. وتقفو محاسن ما أبقوه لك، تحسن النظر برعيتك، وتسن لهم سنن الخير الذي يبقي بعدك ذكره، فإن الجاهل المغتر من استعمل في أموره البطر والأمنية، والحازم اللبيب من ساس الملك بالمداراه والرفق، فانظر أيها الملك ما ألقيت إليك، ولا يثقلن ذلك عليك: فلم أتكلم بهذا ابتغاء عرض تجازيني به، ولا التماس معروف تكافئني فيه، ولكني أتيتك ناصحا مشفقا عليك.
طبعا جن جنون دبشليم لأول وهله وأمر بقتل وصلب بيدبا، ثم أحجم عن الاعدام وقرر استبداله بالحبس وتقييده. وعندما علم تلاميذ بيدبا بما حل بأستاذهم هربوا في البلاد واعتصموا بجزائر البحار، ولكن دبشليم ما شاء الله سهر سهرا شديدا فطال سهره، ومد الى الفلك بصره، وتفكر في تفلك الفلك وحركات الكواكب، فأغرق الفكر فيه، فذكر عند ذلك بيدبا، وتفكر فيما كلمه به، فارعوى لذلك، وقال في نفسه. لقد أسأت فيما صنعت بهذا الفيلسوف، وضيعت واجب حقه، وحملني على ذلك سرعة الغضب.
وأرسل دبشليم الملك من يحضر له بيدبا من السجن: يا بيدبا أعد علي كلامك كله، ولا تدع منه حرفا إلا جئت به. وفعل بيدبا ذلك ودبشليم يستمع متأثرا: يابيديا، إني قد استعذبت كلامك وحسن موقعه من قلبي، وأنا ناظر في الذي أشرت به، وعامل بما أمرت. ثم أمر بقيوده فحلت. وألقي عليه من لباسه، وتلقاه بالقبول... مع هذا النهاية السعيدة لبيدبا الفيلسوف كانت البداية لوضع كتاب في الحكمة .
وحين سأل الملك دبشليم بيديا عن الأجر الذي يطلبه، لم يزد أن قال، يأمر الملك أن يدون كتابي هذا، ويأمر بالمحافظة عليه، فإني أخاف أن يخرج من بلاد الهند، فيتناوله أهل فارس إذا علموا به، والحقيقة أنني لم أفهم الحكمة في هذا الطلب الغريب من بيديا الفيلسوف، فالمنطقي كان أن يطلب ترجمته الي كل اللغات والعمل علي توزيعه في أنحاء الدنيا، علي أية حال، الذي حصل أن كسرى أنوشروان لما علم بخبر كتاب كليلة ودمنة لم يهدأ حتى بعث برزويه الطبيب وتلطف حتى أخرجه من بلاد الهند فأقره في خزائن فارس. ومن هنا يبدأ الفصل الخاص بحكاية تفاصيل الخطة التي وضعها برزويه طبيب كسرى أنوشروان ليتمكن من استنساخ الكتاب وترجمته من الهندية الي الفارسية، وهي خطة تشبه خطط الجاسوسية التي يكون هدفها سرقة الأسرار الحربية، غير أن الأمر الجميل هنا هو سرقة كتاب من كتب الحكمة ولا أعتذر في هذا لاتحاد الناشرين وقد استغرقت المهمة سنة كاملة وعشرين جرابا، كل جراب فيه عشرة آلاف دينار، وعندما عاد برزويه بالكتاب الى كسرى أنوشروان فرح بدوره فرحا شديدا، وعقد كذلك مؤتمرا ثقافيا لكل أهل فارس وطلب من برزويه قراءة الكتاب كله على الملأ (لست متأكدة من تقسيم القراءة الى جلسات صباحية ومسائية، ولا من عدد الأيام الذي استغرقته تلك القراءة، لكنني على يقين أنها كانت خطابا ثقافيا جديدا جدا لأهل مملكة كسرى أنو شروان).
الظريف أن الطبيب برزويه رفض أن يكون أجره من خزائن الجوهر والزبرجد والياقوت واللؤلؤ والذهب والفضة وطلب طلبا معنويا لائقا بجهاده الثقافي الذي كلفه التعب والعنت ونحول الجسد ووجع الظهر والانكباب المرهق في السر للنسخ والترجمة بمخاطرة كان يمكن ان تكلفه القتل والصلب وما هو أشد. قال برزويه موضحا أجره، حاجتي أن يأمر الملك، أعلاه الله تعالى, وزيره بزرجمهر بن البختكان, ويقسم عليه أن يعمل فكره, ويجمع رأيه، ويجهد طاقته ويفرغ قلبه في نظم تأليف كلام متقن محكم, ويجعله بابا يذكر فيه أمري ويصف حالي، ولا يدع من المبالغة في ذلك أقصى ما يقدر عليه. ويأمره إذا استتمه أن يجعله أول الأبواب التي تقرأ قبل باب الأسد والثور: فإن الملك إذا فعل ذلك فقد بلغ بي وبأهلي غاية الشرف وأعلى المراتب، وأبقي لنا ما لا يزال ذكره باقيا على الأبد حيثما قرئ هذا الكتاب، وتم للطبيب برزويه ما أراد، وهكذا تكون جوائز الدولة التقديرية وإلا فلا !