بين ذراعي، كان الرجل الثالث لهذا اليوم، يبكي! لكن لا وقت لدي لأواسيه. فبعد ساعتين سينطلق قطاري إلى الرباط. لي موعد غدا زوالا هناك.
أترك الرجل يسترسل في حزنه. لا أسمعه. لي ما يشغلني. أنظر إلى تفاصيل غرفة الفندق. ورق الحائط الرديء اللامبالي. الهالة السوداء حول المصباح المعلق في السقف. الستائر التي لا تترك الضوء يتسرب إلى الغرفة. طاولة صغيرة قرب السرير، تركت عليها حقيبة يدي. و.. السرير المنحني تحت ثقل الأزواج الذين طالما تعاركوا فوقه.. والرجل المجرد من أناقته. ساعته اليدوية وحدها، مازالت متعلقة به، تعلم عن الوقت وعن ثرائه المفترض..وثم جسدي، الممتلئ كفاية دون إفراط، المنحوت من قطعة طين طرية الملمس.. يعشقها الرجال..
- مرة أخرى، همس الصوت المتقطع من بقايا بكاء.
- لا، قلت بحزم. وهممت بالنهوض..
- مرة أخرى، ردد الصوت.
ترددت قليلا، فجلس الرجل، بحث سريعا عن بنطلونه وسط كومة الثياب. أخرج ورقة مالية وأضافها إلى المبلغ فوق الطاولة.
- في ثلاثين دقيقة لا أكثر، قلتُ..
تركت يديه تبحثان في جسدي عن الأنثى، وعن استسلام لإرادته. لشهوته. لو أنني لست في حاجة لماله، لسألته هو والآخرين كيف يستطيع الشعور بالنشوة مع جسد يدفع لقاءه؟
.. حين شعر الرجل بنشوته للمرة الثانية، نهضت أخيرا عن السرير، وارتديت ملابسي مسرعة. طلب رقم هاتفي .... قلت إنني مسافرة.
- سأرغب برؤيتك مرة أخرى، قال بصوت متردد..
قد أحتاج ماله عند عودتي، فكرتُ وأنا أمليه الرقم. ثم غادرت مسرعة. لحسن الحظ، كنت قد وضعت حقيبة ملابسي، في مستودع محطة القطار. سأصل إلى الرباط ليلا ويجب أن أتدبر أمر مكان أنام فيه لليلة.
كأن الكل مغادر، اكتظ القطار بالمغادرين. وعلى الرصيف كان المودعون ينتظرون مغادرة القطار ليعودوا إلى مدينتهم ربما بحسرة وربما بسعادة.. أنا، لا أحد يودعني.. لا أحد سيستقبلني عند الوصول..
سلكت طريقي، أكابر مع حقيبتي، أبحث عن مقصورتي. أخذت تذكرة في الدرجة الأولى.. في سفرتي هذه، لن أوفر المال لأجل راحتي.. لا تذاكر من الدرجة الثانية ولا فنادق رخيصة ولا رجال.. إنها المقصورة السابعة، مقصورتي.. زوجين في نهاية العقد الخامس يجلسان قبالتي. يرتديان كلاهما جلبابا. رفع الرجل نظره عن جريدته، رمقني بنظرة متفحصة سريعة قبل أن يعود إلى لمطالعته. بينما رمت المرأة نظرة استنكار لسروالي الجينز الضيق وكنزتي القصيرة.. جلست بصمت. انطلق القطار بعد قليل. من حقيبتي أخرجت نظاراتي الشمسية، وضعتها وتعلقت بالنافذة، أنظر عبرها إلى الخارج متفادية رفيقاي في السفر.
لم أنتبه للرجل الواقف في الممر إلا بعد مرور بعض الوقت.. كان واقفا هناك ينظر إلي بإمعان وبإعجاب.. لست أخطأ في تمييز تلك النظرة، فهي تذكرتي إلى المال الذي جنيته من أجل هذه الرحلة. مرة تلو الأخرى كنت ألتفت لأجده هناك.. ربما هذا الصباح، ربما البارحة، كنت ذهبت إليه وقدمت له عرضا مباشرا.. لكنني في حالة توقف عن العمل منذ ما يزيد عن الساعتين. لذا أسندت رأسي جيدا وجلبت حقيبة يدي ووضعت عليها كلتا يدي وأغمضت عيني مستسلمة للحظة تعب.
- تذكرتك، سيدتي، أيقظني صوت المراقب..
وهو يعيدها إلي مختومة بطابعه، توجه بالحديث إلى الغريب الواقف في الممر:
- تفضل سيدي بالجلوس، هذا مقعدك، قال مشيرا إلى المقعد الفارغ بجانبي.
- مساء الخير، قال الرجل وهو يجلس..
رد الزوجان التحية بينما اكتفيت بالصمت واستأنفت النظر عبر النافذة. مر بعض الوقت قبل أن يتحدث الغريب مجددا، وقد استسلم الزوجان إلى النوم:
- لم تتذكريني، أليس كذلك؟
نظرت مستغربة إليه. لست أذكر هذا الوجه. لا أحاول تذكر زبائني. أتناساهم لألا يصبحوا جزءا مني.
- لا، هل أعرفك؟
- مقصف الجامعة ودروس التاريخ.
نظرت إليه بتمعن أكثر. إنه يتحدث عن عشر سنوات قبل، على الأقل. بحثت في وجهه عن شاب في بداية العشرينيات.
- عزيز؟
- بالتأكيد، لم أتغير كثيرا، أليس كذلك؟
بدا عليه ذات المرح وإن بدت نبرة صوته أعمق.
- لا، ليس كثيرا.
- ماذا تفعلين الآن؟ لا أخبار عنك، واستطرد قبل أن أجيب، أنا أستاذ جامعي الآن، لابد أنك أكملت تخصصك بعد زواجك؟
- لا. لقد توقفت عن الدراسة قبل حصولي على الإجازة.
مرت لحظة صمت، قاطعها بعض شخير الزوج، قبل أن يتحدث من جديد:
- تفرغت للأسرة إذا؟
- ليس بالضبط، أنا مطلقة الآن.
أضاف بعد فترة تردد :
- ألم يدرك مدى حظه؟ فقد كنت أجمل الطالبات.. ولازلت جميلة جدا.
هو أيضا لم يكن يدرك أن هذا الجسد، لن يكون كاملا غدا، سينقص الثدي الأيسر.. بمزيج من المرارة فكرت في كل الرجال الذين بعتهم جسدي. قال الطبيب إنه مجرد سرطان، أننا إذا عالجناه باكرا، قد نتفادى انتشاره في باقي الجسم. قد لا أضطر إذا لبيع جسدي مرة أخرى...
نظرت إلى يدي المرتعشتين أحاول تثبيتهما، ثم عدت إلى نافذتي، بينما استمر الرجل في حديثه عن التي كنتها.
فاطمة الزهراء الرغيوي
تطوان- المغرب
أترك الرجل يسترسل في حزنه. لا أسمعه. لي ما يشغلني. أنظر إلى تفاصيل غرفة الفندق. ورق الحائط الرديء اللامبالي. الهالة السوداء حول المصباح المعلق في السقف. الستائر التي لا تترك الضوء يتسرب إلى الغرفة. طاولة صغيرة قرب السرير، تركت عليها حقيبة يدي. و.. السرير المنحني تحت ثقل الأزواج الذين طالما تعاركوا فوقه.. والرجل المجرد من أناقته. ساعته اليدوية وحدها، مازالت متعلقة به، تعلم عن الوقت وعن ثرائه المفترض..وثم جسدي، الممتلئ كفاية دون إفراط، المنحوت من قطعة طين طرية الملمس.. يعشقها الرجال..
- مرة أخرى، همس الصوت المتقطع من بقايا بكاء.
- لا، قلت بحزم. وهممت بالنهوض..
- مرة أخرى، ردد الصوت.
ترددت قليلا، فجلس الرجل، بحث سريعا عن بنطلونه وسط كومة الثياب. أخرج ورقة مالية وأضافها إلى المبلغ فوق الطاولة.
- في ثلاثين دقيقة لا أكثر، قلتُ..
تركت يديه تبحثان في جسدي عن الأنثى، وعن استسلام لإرادته. لشهوته. لو أنني لست في حاجة لماله، لسألته هو والآخرين كيف يستطيع الشعور بالنشوة مع جسد يدفع لقاءه؟
.. حين شعر الرجل بنشوته للمرة الثانية، نهضت أخيرا عن السرير، وارتديت ملابسي مسرعة. طلب رقم هاتفي .... قلت إنني مسافرة.
- سأرغب برؤيتك مرة أخرى، قال بصوت متردد..
قد أحتاج ماله عند عودتي، فكرتُ وأنا أمليه الرقم. ثم غادرت مسرعة. لحسن الحظ، كنت قد وضعت حقيبة ملابسي، في مستودع محطة القطار. سأصل إلى الرباط ليلا ويجب أن أتدبر أمر مكان أنام فيه لليلة.
كأن الكل مغادر، اكتظ القطار بالمغادرين. وعلى الرصيف كان المودعون ينتظرون مغادرة القطار ليعودوا إلى مدينتهم ربما بحسرة وربما بسعادة.. أنا، لا أحد يودعني.. لا أحد سيستقبلني عند الوصول..
سلكت طريقي، أكابر مع حقيبتي، أبحث عن مقصورتي. أخذت تذكرة في الدرجة الأولى.. في سفرتي هذه، لن أوفر المال لأجل راحتي.. لا تذاكر من الدرجة الثانية ولا فنادق رخيصة ولا رجال.. إنها المقصورة السابعة، مقصورتي.. زوجين في نهاية العقد الخامس يجلسان قبالتي. يرتديان كلاهما جلبابا. رفع الرجل نظره عن جريدته، رمقني بنظرة متفحصة سريعة قبل أن يعود إلى لمطالعته. بينما رمت المرأة نظرة استنكار لسروالي الجينز الضيق وكنزتي القصيرة.. جلست بصمت. انطلق القطار بعد قليل. من حقيبتي أخرجت نظاراتي الشمسية، وضعتها وتعلقت بالنافذة، أنظر عبرها إلى الخارج متفادية رفيقاي في السفر.
لم أنتبه للرجل الواقف في الممر إلا بعد مرور بعض الوقت.. كان واقفا هناك ينظر إلي بإمعان وبإعجاب.. لست أخطأ في تمييز تلك النظرة، فهي تذكرتي إلى المال الذي جنيته من أجل هذه الرحلة. مرة تلو الأخرى كنت ألتفت لأجده هناك.. ربما هذا الصباح، ربما البارحة، كنت ذهبت إليه وقدمت له عرضا مباشرا.. لكنني في حالة توقف عن العمل منذ ما يزيد عن الساعتين. لذا أسندت رأسي جيدا وجلبت حقيبة يدي ووضعت عليها كلتا يدي وأغمضت عيني مستسلمة للحظة تعب.
- تذكرتك، سيدتي، أيقظني صوت المراقب..
وهو يعيدها إلي مختومة بطابعه، توجه بالحديث إلى الغريب الواقف في الممر:
- تفضل سيدي بالجلوس، هذا مقعدك، قال مشيرا إلى المقعد الفارغ بجانبي.
- مساء الخير، قال الرجل وهو يجلس..
رد الزوجان التحية بينما اكتفيت بالصمت واستأنفت النظر عبر النافذة. مر بعض الوقت قبل أن يتحدث الغريب مجددا، وقد استسلم الزوجان إلى النوم:
- لم تتذكريني، أليس كذلك؟
نظرت مستغربة إليه. لست أذكر هذا الوجه. لا أحاول تذكر زبائني. أتناساهم لألا يصبحوا جزءا مني.
- لا، هل أعرفك؟
- مقصف الجامعة ودروس التاريخ.
نظرت إليه بتمعن أكثر. إنه يتحدث عن عشر سنوات قبل، على الأقل. بحثت في وجهه عن شاب في بداية العشرينيات.
- عزيز؟
- بالتأكيد، لم أتغير كثيرا، أليس كذلك؟
بدا عليه ذات المرح وإن بدت نبرة صوته أعمق.
- لا، ليس كثيرا.
- ماذا تفعلين الآن؟ لا أخبار عنك، واستطرد قبل أن أجيب، أنا أستاذ جامعي الآن، لابد أنك أكملت تخصصك بعد زواجك؟
- لا. لقد توقفت عن الدراسة قبل حصولي على الإجازة.
مرت لحظة صمت، قاطعها بعض شخير الزوج، قبل أن يتحدث من جديد:
- تفرغت للأسرة إذا؟
- ليس بالضبط، أنا مطلقة الآن.
أضاف بعد فترة تردد :
- ألم يدرك مدى حظه؟ فقد كنت أجمل الطالبات.. ولازلت جميلة جدا.
هو أيضا لم يكن يدرك أن هذا الجسد، لن يكون كاملا غدا، سينقص الثدي الأيسر.. بمزيج من المرارة فكرت في كل الرجال الذين بعتهم جسدي. قال الطبيب إنه مجرد سرطان، أننا إذا عالجناه باكرا، قد نتفادى انتشاره في باقي الجسم. قد لا أضطر إذا لبيع جسدي مرة أخرى...
نظرت إلى يدي المرتعشتين أحاول تثبيتهما، ثم عدت إلى نافذتي، بينما استمر الرجل في حديثه عن التي كنتها.
فاطمة الزهراء الرغيوي
تطوان- المغرب