د. زياد الحكيم - تعزيز احترام الذات وأهميته

من اكبر المشكلات الناجمة عن الافتقار الى احترام الذات الشعور انه يتعين على المرء ان يرضي الاخرين باي ثمن ليحظى بحبهم واحترامهم. ويترتب على ذلك ان معظم من يسعون الى ارضاء الاخرين باي ثمن يشعرون بالسخط لان الاخرين – بدل ان يبادلوهم حبا بحب واحتراما باحترام – يستعملونهم ويستغلونهم. فعلى هؤلاء ان يتعلموا اذن كيف يقولون لا – وهذه كلمة سحرية تعلم الناس كيف يتعاملون باحترام مع من يقولها. يجب ان يتعلم المرء الذي يفتقر الى درجة كافية من احترام الذات ان قيمته كانسان لا تحدد بدرجة حب الاخرين له واستحسانهم لتصرفاته. وعليه ان يعلم نفسه ان يكون على درجة صحية من الانانية. فالناس الذين يحترمون انفسهم يعرفون كيف ومتى يعطون انفسهم الاولوية، وكيف ومتى يضعون حدودا لتصرفات الاخرين وتعليقاتهم، ويعرفون كيف ومتى يرفضون.

ومع ان الناس في الاحوال الطبيعية "يكرهون" احيانا بعض افكارهم وتصرفاتهم الا ان هذا الكره اذا تجاوز حدودا معينة فانه يشير الى تراجع في درجة احترام الذات. فكره الذات يثير الكثير من مشاعر الغضب والاحباط ويجعل من العسير ان يتسامح المرء مع نفسه حتى في الاخطاء الصغيرة التي يرتكبها. وعلى مثل هذا الشخص ان يتعلم كيف يغير الطريقة التي يخاطب بها نفسه. فانتقاد الذات لكل كبيرة وصغيرة يؤجج مشاعر كره الذات. والخطوة الاولى هي ان يسكت هذا الصوت الداخلي الذي لا يكف عن انتقاده وتوبيخه اذا ارتكب خطأ صغيرا او كبيرا. عليه ان يعمل على جعل هذا الصوت صوتا ايجابيا، ومتفهما، ومتسامحا، وحكيما. عليه ان يتسامح مع نفسه. فليس ثمة انسان لا يخطئ. وكما يقولون فان جملة من الاخطاء لا تجعل منك انسانا شريرا، كما ان جملة من الافعال الطيبة لا تجعل منك قديسا. عليه ان يتحدى الافكار السلبية التي تدور في رأسه والتي تصر على انه شخص قليل القيمة. فهذه الافكار ربما تولدت على غير وعي منه مما خلفته النشأة الاولى ومما اسهم فيه تعامل الاخرين معه من اهل ورفاق ومعلمين وغرباء وغيرهم كثير. عليه ان لا يحاول ان يكون مثاليا. فالسعي الى المثالية هو اقصر الطرق الى الشعور بالدونية والضعف والاحباط. والاعتقاد بانه يجب ان يكون مثاليا يعني انه دائم الاحساس بالفشل وبان ما يفعله – مهما بلغ من الروعة – هو اقل من المطلوب بكثير.

عليه ان يضع لنفسه اهدافا واقعية تتوافق مع ظروفه وامكانياته. ليتذكر ان الحياة ليست مثالية. ليتذكر ان ثمة فرقا شاسعا بين ان تفشل في تحقيق هدف معين وان تكون شخصا فاشلا. ونذكر هنا ما قاله رياضي شهير: قال اني لم افشل عشرة الاف مرة، ولكني اكتشفت عشرة الاف طريقة لا تعمل ولا يمكن ان تعمل. فالمثاليون يبحثون في ادق التفاصيل ويركزون على اتفه النقاط متجاهلين الصورة الشاملة التي تضم كل شيء ولا وقت لديهم للاستمتاع بما فيها من جمال يسر العين والقلب والوجدان على الرغم مما فيها من عيوب هنا وهناك.

والافتقار الى احترام الذات يدفع بالمرء الى الشعور بان افكاره ومشاعره لا تحظى باهمية عند الناس، الامر الذي يزيد من الاحساس بالغضب المكبوت. ويمكن ان ينفجر هذا الغضب باساءة صغيرة قد تكون متخيلة. لذلك من المهم ان يتعلم المرء ان لا يسمح للغضب بان يتراكم يوما بعد يوم وان يعبر عن مشاعره كلما استدعى الامر ذلك ولكن بهدوء.

ولا شك ان الخوف والشعور بالعجز يرتبطان ارتباطا وثيقا بتدني درجة احترام الذات. ويتعين على المرء في هذه الحالة ان يدرب نفسه على التمييز بين الخوف الحقيقي والخوف الذي لا يقوم على اساس بتذكر الحقائق التي لا يشك بصحتها. كما ان بناء الثقة بالنفس بالتدريج استراتيجية مطلوبة لمواجهة الاحساس بالخوف والعجز.

والمغالاة في الحساسية المرهفة مظهر آخر من مظاهر ضعف احترام الذات. ومن المهم ان يعلم المرء نفسه ان يواجه النقد والتعليقات الجارحة من الناس – سواء كان ذلك مقصودا او عابرا – بصلابة وقوة وذلك بتعلم الانتباه الى ما يقال انتباها قويا بحيث يلاحظ ان كانت الملاحظات المطروحة تقوم على اساس حقيقي قبل ان يقرر كيف يستجيب لها بالشعور حيالها. واذا كان النقد غير مقبول فيجب عليه ان يعلن انه لا يوافق عليه. واذا كان في النقد جانب من الصحة فعليه ان يتعلم كيف يستفيد منه ويصحح سلوكه دون ان يجلد نفسه جلدا عنيفا مؤلما. وعليه ان يتعلم ايضا كيف يواصل المسير دون ان يسمح للتعليق الجارح ان يفسد عليه حياته في الليل والنهار.

ولا شك ان معظم الناس يشككون بقدرتهم – بين حين وآخر – على القيام بعمل ما في مجال ما. ومرد ذلك هو الاحساس باننا لسنا بالقدر المطلوب من القيمة. واذا كان هذا ما تشعر به احيانا فيجب ان تعلم ان القيمة ليست منحة يعطيك اياها الاخرون، ولكنها شيء تعلم نفسك كيف تحدده وتغذيه وترعاه. ولنا ان نعجب بما يحققه الاخرون من نجاح ولكن ليس على حساب اقتناعنا باننا اصحاب قيمة لا يمكن ان ينال منها ما نرى الاخرين يحققونه في مجالات كثيرة. يجب ان يعلم المرء نفسه ان كل انسان يمتلك من المواهب والمزايا الفردية ما لا يمتلكه الاخرون. فالواحد منا يمتاز بصفات فردية جديرة بالاحترام والتقدير والمحبة. ويجب ان نذكر هنا اننا نحن الذين نعلم الاخرين كيف ينظرون الينا ويعاملوننا.

وهناك علاقة وثيقة بين ما يسمى بلغة الجسد والاحساس بالقيمة. فالاحساس بالقيمة او بعدمها ينعكس على تصرفاتنا ووقفتنا وجلستنا وصوتنا واسلوبنا في التعبير. ويجب ان يكف الواحد منا عن مقارنة نفسه بالاخرين لان هذه المقارنة تفضي الى الاحساس بعدم الامان، الامر الذي ينعكس سلبا على ما نقوله وما نفعله. ويجب على المرء ان يهتم بصحته العامة بتناول الغذاء الصحيح والقيام بما يمكن من تمرينات رياضية ليشعر بانه يتمتع باللياقة البدنية والنفسية المطلوبة. عليه ان يهتم ايضا بمظهره الخارجي. فالاشخاص الذين يعانون من صورة سلبية للذات لا يقومون بالجهد الكافي لتحسين المظهر الذي يقدمون به انفسهم للناس.


zedhakim@yahoo.co.uk
لندن - بريطانيا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...