يشهد اليوم الـ21 من مايو من كل عام، الاحتفال باليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية. ولعل ما يجري في العالم العربي من أوضاع متقلبة تثبت بشكل لا جدال فيه جدوى الحوار، وأهمية اللجوء إليه لحلحلة الأزمات، والوصول إلى حلول توفيقية بعيداً عن المزايدة والانحياز والعنف والإرهاب بشتى الأشكال والآليات.
تقول الناقدة الأكاديمية د.أنيسة السعدون: إن الحوار فعل إنساني نبيل، ووسيلة تواصل فاعلة تقضي للفرد حاجاته ومطالبه، وتحقق اتزانه، وتعزز حريته، وتجعل حياته تتسم بالكفاءة والاتساق. وفي المقابل فإن انعزال الفرد عن الآخرين، وانكفاءه على ذاته يفضي إلى عجزه واضطرابه. ونرى اليوم تردد مصطلح الحوار بشكل مكثف لم يكن من قبل؛ إذ صار يتداول من أوجه مختلفة، ويوجه لتحقيق مقاصد وغايات ومآرب متعددة، ويشحن إيديولوجيا عند النظر في مسائل خلافية، وإشكالات سياسية، وثقافية، واجتماعية، ودينية. ولعل ذلك راجع إلى كثرة القضايا وتنوعها، وتفجر الأوضاع على أصعدة مختلفة في كثير من المجتمعات، وتصاعد وتيرة الخلافات بصورة فادحة. ومن هنا تأتي ضرورة التعاطي مع ثقافة الحوار في سبيل فهم تحولات الواقع، وإدارة الحياة وتحدياتها بشكل مأمول. ولعل ما يجري في العالم العربي خاصة من أوضاع متقلبة تثبت بشكل لا جدال فيه جدوى الحوار، وأهمية اللجوء إليه لحلحلة الأزمات، والوصول إلى حلول توفيقية بعيداً عن المزايدة والانحياز والعنف والإرهاب بشتى الأشكال والآليات.
وتؤمن السعدون بأن نجاح أي حوار معقود على ترحيب الأنا بالآخر، وحذق فن التواصل معه، وفهمه، ومعرفة أفكاره، والقدرة على استيعاب مناحي الخلاف عنده، واحتوائه والاعتراف به، وتقبل وجهات نظره كجزء مكمل ومتمم، دون أن يعني ذلك الذوبان في ثقافة الآخر والالتحام بآرائه وهويته، والسقوط في الاستلاب والتبعية والوصاية.
وتشدد السعدون على أهمية الدور الذي يلعبه المثقف في تأسيس الحوار الموضوعي، ومنحه دوراً تنموياً خلاقاً بحيث يصبح معززاً لقيم الثقافة المشتركة والحرية والمساواة وحقوق المشاركة وواجباتها، مشيرة إلى أن على المثقف أن يتنزه عن أنانية السياسي وتعصبه وتزمته، ويحرص على التمسك بالمنهج العلمي والإبداعي في التفكير والتدبير، ويحمل على عاتقه مهمة التوعية بمساوئ الصراع والإقصاء والإلغاء والنفي مهما تكن فلسفته وأوجهه ومبرراته، ويلتزم بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية التي تنهض بثقافة حوار يقوم على الشراكة والتكافؤ دون تمييز، ويعمل على خلق ثقافة وطنية إنسانية تضمن التماسك الاجتماعي، والوحدة الوطنية، وتدعو إلى تعظيم القواسم المشتركة بعيداً عن التعصب والانغلاق.
الإطار الدلالي المشترك
بدورها تجد الروائية د.زينب البحراني، الإطار الدلالي المشترك بين المتحاورين، من أهم شروط لغة الحوار، لكنه للأسف يصعب أن يتسع لنوايا الجميع مادام كل طرف يعزف على أوتار مصالحه الشخصية مدعيا أنها مصلحة عامة كما يحدث في عالمنا العربي. بالإضافة لكمية العقد النفسية الرهيبة التي تتصارع في وجدان الفرد والجماعات العربية تجعل من لغة الخصام والتحديات الأنانية هي لغة العصر بكل أسف، بينما لغة «الرأسمالية المقنعة» هي التي تنتصر على كل اللغات في كل مكان.
وتضيف البحراني أن من يقترب من مشهدنا الثقافي العربي يلاحظ أن معظم المحسوبين على الثقافة يقولون ما لا يفعلون، ويدعون عكس ما يؤمنون به إلا من رحم الله. إنهم يفتقرون إلى نعمة التحرر الداخلي الذي يسبغ على مبادئهم المعلنة روح الصدق والقوة، بينما في الغرب مؤسسات تنبؤية متخصصة برصد أفكار الناس لمعرفة ما ستؤول إليه بلدانهم في المستقبل، لأنهم جادون تماماً في اهتمامهم بالمصلحة العامة، وفي الغرب تجارب كثيرة من هذا النوع سبقتنا بعصور حضارية فلكية لا يسعنا الوصول إليها ما دام كل مخلوق لا يفكر إلا بنفسه وبمصلحته فقط، ولا جدوى من استنساخ أي مؤسسة مادمنا فاشلين في استنساخ العنصر الأكثر أهمية على الإطلاق: الإنسان الواعي.
الفن والأدب لغة مشتركة
أما من جانبه فلا يعول الشاعر محسن المبارك، على الحوار كثيراً، فحين ينشأ بين أطراف متخالفة تضع حواجز كثيرة ومستحيلة، وبالخصوص إذا ما كان الحوار بغرض التسامح بين الأديان والمعتقدات.
ويضيف المبارك: ما رأيت من تجربتي أن الناس ببساطة تتفاعل من خلال وسائل صامتة أخرى وتمارس ما تشاء، دون الرضوخ لمرجعية ما أو بالتغافل عنها أحياناً. وأرجح إتاحة الفرصة لوسائل بديلة؛ الفن والأدب والوسائط الثقافية الحرة هي الساحر الذي يحول قماشة الحياة المهترئة إلى حمامة بيضاء. تلك هي اللغة المشتركة لكل العالم فلماذا لا نتحاور من خلالها؟.
ويتابع المبارك: حين يكون المثقف ذاته لا يؤمن بالحوار، فحينئذ تكون ثقافته براغماتية ثم يخرج بذلك من إطار الحضارة والتسامح. طبعاً هناك محاولات كثيرة لاستنساخ مؤسسات للحوار كالتقريب بين المذاهب ومؤسسات أهلية وأخرى سياسية تحاول أن تكون فاعلة خصوصاً فيما شهدناه ونشهده من أحداث تردي وتغيرات جسيمة، لكن كل ذلك يفشل حتماً ويضيع جهده سدى لسبب بسيط وهو أننا لا نؤمن بالحرية بشتى أنواعها ولا بالديمقراطية، وإن ادعينا كمثقفين امتلاك جزء منها كفكر ونظرية غاب الجزء الأهم وهو الممارسة في الواقع، وإمكان التطبيق تحت غياهب تركيبة نفسية وبيئية عميقة وأخرى متعلقة بالغيب، وتدعي الحقيقة المطلقة، تحارب ولا تتقبل الرضوخ للواقع بسهولة.
يوجد بصيص أمل
لكن من جهتها تجد الشاعرة والمترجمة لونا العريض، أن الحوار مهم جداً، وحتى وإن اختلفت الآراء لابد أن نوجد عوامل مشتركه، ولا نقف نتفرج، بل نغير بالقدر الذي نستطيعه. لكن للأسف لغه الحوار لم تعد تجدي نفعاً في عالم مليء بالحروب، لأن الموازنة أصبحت صعبة وأكثر تعقيداً، ولا يوجد أي توازن بين الأطراف المتنازعة، والظلم السائد في العالم العربي أصبح لا يرى، ولا يريد حواراً، لأن الحوار بالنسبة له انهزام، وتنازل وكلما ازدادت الثغرة أصبح الموضوع شبه مستحيل، لكن دائماً يوجد بصيص أمل، فلا توجد حرب دائمة وللابد لأن الحرب تأخذ الطاقة والأموال والأنفس، وهذا في الغالب يشكل عبئاً على الحكومات، وإن كانت قد أعدت ميزانيات ضخمة، لأن كل شيء محدود في هذه الدنيا.
وترى العريض أن المثقفين الواعين دائماً يتحاورون حتى مع أنفسهم، لكن يوجد مثقف لكنه متعصب إلى فئه معينه، وقد يوجد انتهازي ومتملق، وقد يوجد إنسان لديه ثقافه محدوده ولكنه يحب جميع البشر، فالثقافة ليست بكثره ما نقرأه من كتب ولكنها وعي وإنسانيه وحب وتقبل للآخر، وهذا شيء لا يأتي من فراغ وإنما هو شيء في داخل الإنسان يتعلمه من أهله ومدرسته وجامعته. حينها فقط يكون المثقف قادراً على إيصال الفكرة إلى الناس. فالإنسان الأناني الذي يعيش في قوقعه مع نفسه لن يستطيع أن يؤثر على مجتمع لأنه نفسه بحاجه إلى علاج نفسي.
وتضيف العريض: نحن بحاجه إلى مجتمع أكثر انفتاحاً على العالم، لأننا نعيش العولمة. وإذا لم نستطيع أن نحب بعضنا البعض فلن نصل إلى هدفنا لأن الحكومات المستبدة تستفيد من الحقد الموجود في قلوب بني البشر فتسيطر عليهم من هذه الناحية.
الوطن البحرينية الأربعاء21 مايو 2014
تقول الناقدة الأكاديمية د.أنيسة السعدون: إن الحوار فعل إنساني نبيل، ووسيلة تواصل فاعلة تقضي للفرد حاجاته ومطالبه، وتحقق اتزانه، وتعزز حريته، وتجعل حياته تتسم بالكفاءة والاتساق. وفي المقابل فإن انعزال الفرد عن الآخرين، وانكفاءه على ذاته يفضي إلى عجزه واضطرابه. ونرى اليوم تردد مصطلح الحوار بشكل مكثف لم يكن من قبل؛ إذ صار يتداول من أوجه مختلفة، ويوجه لتحقيق مقاصد وغايات ومآرب متعددة، ويشحن إيديولوجيا عند النظر في مسائل خلافية، وإشكالات سياسية، وثقافية، واجتماعية، ودينية. ولعل ذلك راجع إلى كثرة القضايا وتنوعها، وتفجر الأوضاع على أصعدة مختلفة في كثير من المجتمعات، وتصاعد وتيرة الخلافات بصورة فادحة. ومن هنا تأتي ضرورة التعاطي مع ثقافة الحوار في سبيل فهم تحولات الواقع، وإدارة الحياة وتحدياتها بشكل مأمول. ولعل ما يجري في العالم العربي خاصة من أوضاع متقلبة تثبت بشكل لا جدال فيه جدوى الحوار، وأهمية اللجوء إليه لحلحلة الأزمات، والوصول إلى حلول توفيقية بعيداً عن المزايدة والانحياز والعنف والإرهاب بشتى الأشكال والآليات.
وتؤمن السعدون بأن نجاح أي حوار معقود على ترحيب الأنا بالآخر، وحذق فن التواصل معه، وفهمه، ومعرفة أفكاره، والقدرة على استيعاب مناحي الخلاف عنده، واحتوائه والاعتراف به، وتقبل وجهات نظره كجزء مكمل ومتمم، دون أن يعني ذلك الذوبان في ثقافة الآخر والالتحام بآرائه وهويته، والسقوط في الاستلاب والتبعية والوصاية.
وتشدد السعدون على أهمية الدور الذي يلعبه المثقف في تأسيس الحوار الموضوعي، ومنحه دوراً تنموياً خلاقاً بحيث يصبح معززاً لقيم الثقافة المشتركة والحرية والمساواة وحقوق المشاركة وواجباتها، مشيرة إلى أن على المثقف أن يتنزه عن أنانية السياسي وتعصبه وتزمته، ويحرص على التمسك بالمنهج العلمي والإبداعي في التفكير والتدبير، ويحمل على عاتقه مهمة التوعية بمساوئ الصراع والإقصاء والإلغاء والنفي مهما تكن فلسفته وأوجهه ومبرراته، ويلتزم بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية التي تنهض بثقافة حوار يقوم على الشراكة والتكافؤ دون تمييز، ويعمل على خلق ثقافة وطنية إنسانية تضمن التماسك الاجتماعي، والوحدة الوطنية، وتدعو إلى تعظيم القواسم المشتركة بعيداً عن التعصب والانغلاق.
الإطار الدلالي المشترك
بدورها تجد الروائية د.زينب البحراني، الإطار الدلالي المشترك بين المتحاورين، من أهم شروط لغة الحوار، لكنه للأسف يصعب أن يتسع لنوايا الجميع مادام كل طرف يعزف على أوتار مصالحه الشخصية مدعيا أنها مصلحة عامة كما يحدث في عالمنا العربي. بالإضافة لكمية العقد النفسية الرهيبة التي تتصارع في وجدان الفرد والجماعات العربية تجعل من لغة الخصام والتحديات الأنانية هي لغة العصر بكل أسف، بينما لغة «الرأسمالية المقنعة» هي التي تنتصر على كل اللغات في كل مكان.
وتضيف البحراني أن من يقترب من مشهدنا الثقافي العربي يلاحظ أن معظم المحسوبين على الثقافة يقولون ما لا يفعلون، ويدعون عكس ما يؤمنون به إلا من رحم الله. إنهم يفتقرون إلى نعمة التحرر الداخلي الذي يسبغ على مبادئهم المعلنة روح الصدق والقوة، بينما في الغرب مؤسسات تنبؤية متخصصة برصد أفكار الناس لمعرفة ما ستؤول إليه بلدانهم في المستقبل، لأنهم جادون تماماً في اهتمامهم بالمصلحة العامة، وفي الغرب تجارب كثيرة من هذا النوع سبقتنا بعصور حضارية فلكية لا يسعنا الوصول إليها ما دام كل مخلوق لا يفكر إلا بنفسه وبمصلحته فقط، ولا جدوى من استنساخ أي مؤسسة مادمنا فاشلين في استنساخ العنصر الأكثر أهمية على الإطلاق: الإنسان الواعي.
الفن والأدب لغة مشتركة
أما من جانبه فلا يعول الشاعر محسن المبارك، على الحوار كثيراً، فحين ينشأ بين أطراف متخالفة تضع حواجز كثيرة ومستحيلة، وبالخصوص إذا ما كان الحوار بغرض التسامح بين الأديان والمعتقدات.
ويضيف المبارك: ما رأيت من تجربتي أن الناس ببساطة تتفاعل من خلال وسائل صامتة أخرى وتمارس ما تشاء، دون الرضوخ لمرجعية ما أو بالتغافل عنها أحياناً. وأرجح إتاحة الفرصة لوسائل بديلة؛ الفن والأدب والوسائط الثقافية الحرة هي الساحر الذي يحول قماشة الحياة المهترئة إلى حمامة بيضاء. تلك هي اللغة المشتركة لكل العالم فلماذا لا نتحاور من خلالها؟.
ويتابع المبارك: حين يكون المثقف ذاته لا يؤمن بالحوار، فحينئذ تكون ثقافته براغماتية ثم يخرج بذلك من إطار الحضارة والتسامح. طبعاً هناك محاولات كثيرة لاستنساخ مؤسسات للحوار كالتقريب بين المذاهب ومؤسسات أهلية وأخرى سياسية تحاول أن تكون فاعلة خصوصاً فيما شهدناه ونشهده من أحداث تردي وتغيرات جسيمة، لكن كل ذلك يفشل حتماً ويضيع جهده سدى لسبب بسيط وهو أننا لا نؤمن بالحرية بشتى أنواعها ولا بالديمقراطية، وإن ادعينا كمثقفين امتلاك جزء منها كفكر ونظرية غاب الجزء الأهم وهو الممارسة في الواقع، وإمكان التطبيق تحت غياهب تركيبة نفسية وبيئية عميقة وأخرى متعلقة بالغيب، وتدعي الحقيقة المطلقة، تحارب ولا تتقبل الرضوخ للواقع بسهولة.
يوجد بصيص أمل
لكن من جهتها تجد الشاعرة والمترجمة لونا العريض، أن الحوار مهم جداً، وحتى وإن اختلفت الآراء لابد أن نوجد عوامل مشتركه، ولا نقف نتفرج، بل نغير بالقدر الذي نستطيعه. لكن للأسف لغه الحوار لم تعد تجدي نفعاً في عالم مليء بالحروب، لأن الموازنة أصبحت صعبة وأكثر تعقيداً، ولا يوجد أي توازن بين الأطراف المتنازعة، والظلم السائد في العالم العربي أصبح لا يرى، ولا يريد حواراً، لأن الحوار بالنسبة له انهزام، وتنازل وكلما ازدادت الثغرة أصبح الموضوع شبه مستحيل، لكن دائماً يوجد بصيص أمل، فلا توجد حرب دائمة وللابد لأن الحرب تأخذ الطاقة والأموال والأنفس، وهذا في الغالب يشكل عبئاً على الحكومات، وإن كانت قد أعدت ميزانيات ضخمة، لأن كل شيء محدود في هذه الدنيا.
وترى العريض أن المثقفين الواعين دائماً يتحاورون حتى مع أنفسهم، لكن يوجد مثقف لكنه متعصب إلى فئه معينه، وقد يوجد انتهازي ومتملق، وقد يوجد إنسان لديه ثقافه محدوده ولكنه يحب جميع البشر، فالثقافة ليست بكثره ما نقرأه من كتب ولكنها وعي وإنسانيه وحب وتقبل للآخر، وهذا شيء لا يأتي من فراغ وإنما هو شيء في داخل الإنسان يتعلمه من أهله ومدرسته وجامعته. حينها فقط يكون المثقف قادراً على إيصال الفكرة إلى الناس. فالإنسان الأناني الذي يعيش في قوقعه مع نفسه لن يستطيع أن يؤثر على مجتمع لأنه نفسه بحاجه إلى علاج نفسي.
وتضيف العريض: نحن بحاجه إلى مجتمع أكثر انفتاحاً على العالم، لأننا نعيش العولمة. وإذا لم نستطيع أن نحب بعضنا البعض فلن نصل إلى هدفنا لأن الحكومات المستبدة تستفيد من الحقد الموجود في قلوب بني البشر فتسيطر عليهم من هذه الناحية.
الوطن البحرينية الأربعاء21 مايو 2014