أنهي دسوقي صلاة العصر . جلس قليلا في المسجد , كان دسوقي يبدو مهموما , هناك أمر يشغله ويفكر فيه , ولكنه مع ذلك نهض قائما , تناول حذاءه وإتجه إلي الباب . عند عتبة المسجد, وضع حذاءه علي الأرض , وضع قدميه فيه , انحني علي الحذاء يربطه , ثم رفع رأسه . وسار في الشارع لا يكلم احدا , ولا ينظر الي أحد .
كان ابن عمه شفيق معه في المسجد , وخرج خلفه وهو ينظر إليه , وعندما شاهده يسير بمفرده في الشارع , سار خلفه يحاول أن يلحقه , ولكن دسوقي كان يسرع في سيره , أسرع شفيق مثله يحاول أن يسأله عن سبب سيره بمفرده , ولكنه لم يتمكن من اللحاق به , و مع ذلك سار خلفه .
شاهدهما عدد من أقاربهما , حاولوا الاقتراب منهما ليسألوهما عن سبب سيرهما دون كلام , وعندما اقتربوا منهما ساروا خلفهما أيضا دون كلام .
كان كل من يراهم من أهل القرية وهم سائرون يسير خلفهم دون أن يتكلم .
اتجه دسوقي إلي الطريق الرئيسي المؤدي الي المدينة . كان قد تم توسيعه ورصفه , سار دسوقي في الطريق الواسع لا ينظر خلفه . كان هناك شيء غامض يشغله ويفكر فيه , وخلفه أهل قريته يسيرون خلفه ولا يعلمون الجهة التي يتوجه إليها ؟ . فقط ساروا خلفه .
لم يشأ احدهم أن يسأل دسوقي عن سبب سيره متجهما , ولا الجهة التي يتوجه إليها , ولكنهم ساروا جميعا في صمت خلف دسوقي .
أثناء سيرهم في الطريق كانت تصادفهم سيارات قادمة , كانت السيارات تقف بجانب الطريق وتوسع لهم , وعندما يعبر الموكب تستدير السيارات بمن فيها وتسير خلف الموكب .
بعض الفلاحين عادوا من حقولهم , وهم يحملون الفئوس علي أكتافهم , وبعضهم يحمل الحشائش علي حماره . كلهم توفقوا وشاهدوا الموكب , وساروا خلف السائرين دون أن يتكلموا او يسألوا .
مر الموكب أمام نقطة شرطة . يقف علي بابها حارسان وفي أيدهم الأسلحة , ظن أحدهما أن هناك جنازة قادمة . وقف الشرطي في وضع الاستعداد ونادي علي باقي زملائه , وقفوا صفا واحد بملابسهم الرسمية . وعندما عبر الموكب أمامهم صاح احدهم :
سلام الجنازة . سلام سلاح .
واصطفوا جميعا لتحية الجنازة القادمة . وعندما عبر الموكب من أمامهم . سأل أحد الجنود زميله عما إذا كان قد شاهد النعش . فأقسم له زميله أنه شاهد النعش وهو مغطي بقماش أخضر في أخضر .
غير أن أحد المخبرين توجس من هذا الموكب الذي لا جنازة فيه ولا عرس , وأسرع الي تليفون النقطة , وأخبر عن هذا التجمع وقال لضابطه الأعلى : إنهم يسيرون في الطريق العمومي المتجه الي المدينة .
كان دسوقي يفكر في الأمر الذي يشغله , وهو يسير دون أن ينظر خلفه , وأبناء عمه وأقاربه وأهل قريته يسيرون خلفه في صمت دون أن يحاول احدهم أن يسأله عن سبب سيره .
في الطريق انضم إليهم بعض أبناء القرية التي مروا من أمامها والقرى المجاورة , وفيهم بعض المخبولين وضعاف العقول كانوا يجرون حتي يصلوا الي دسوقي فينظرون عليه بإكبار وإعجاب , ويعودون جريا الي المؤخرة , والناس ترقبهم ويسيرون في صمت لا يقطعه سوي وقع أقدامهم علي الطريق الأسفلتي .
كان بعض الفلاحين كان يجرون المواشي التي كانت معهم في الحقول , وكان هناك عدد من الفلاحات قد انضممن الي الموكب , دون أن يعرفن عنه شيئا , بعد أن شاهدن أزواجهن وإخوتهن وأقاربهن وهم يسيرون في الموكب , وكان عدد منهن يحملن أطفالهن الصغار علي أكتافهن .
اقترب هذا الموكب العجيب من قرية ثالثة , وكان وقت الغروب قد اقترب . وكانت القرية تنتظر حضور عروس أحد أبنائها من قرية مجاورة . وكان هناك فرقة من حملة الطبول والمزمار البلدي في انتظار العروس , واعتقدوا ان موكب العروس قد وصل . فاقتربوا منهم وهم يضربون الطبول وينفخون في المزمار , وتطوع بعض أهل العريس المنتظرين بالرقص أمام دسوقي , اعتقادا منهم انه يقود موكب العروس القادمة . وبدأ جميع من في الموكب يرقصون علي أنغام الطبول .
ومع ذلك كان دسوقي يسير دون أن يلتفت خلفه , أو ينظر الي الموكب الذي تشكل خلفه , كان هناك شئ يشغله , ويفكر فيه , ويسيطر عليه , لم يفصح لأحد عنه .
امتد الموكب واستطال . وشمل بالإضافة الي أهالي قرية دسوقي عدد من أهالي القرى التي مروا عليها , كما تجمع في مؤخرته عدد من الصبية والأطفال يرقصون , ويلعبون , ويتسابقون , ويتبارزون . وكان عدد من الناس يحملون الفؤوس التي عادوا بها من الحقول .
كما كان في الموكب عدد من كبار السن يركبون الحمير ويسرون خلف الموكب , وكان هناك عدد من الصبية يبيعون السجائر للرجال , والحلوى للأطفال .
شوهدت من بعيد عدد من سيارات الشرطة من حاملات الجنود , قادمة في اتجاه الموكب , وأمامها عدد من السيارات تحمل الضباط والمخبرين .
كانت قوات الشرطة تقترب من الموكب والموكب يقترب من سيارات الشرطة , والظلام قد بدأ يخيم علي الجميع ودسوقي يسير لا يلوي علي شئ , ولا يحدث احد , ولا يتكلم مع أحد , ولم يخبر أحد عن وجهته . والموكب تضخم الي حد بعيد , ولم يعد الطريق الواسع يتحمل أن تمر منه سياره لتسبق دسوقي أو تسير أمامه . وسارت كل السيارات المتجه الي المدينة خلف موكب دسوقي الصامت .
عندما أقترب الموكب من سيارات الشرطة نزل منها الضباط وتأهب الجنود بالعصي والقنابل المسيلة للدموع .
لم يسمع رجال الشرطة أي هتافات معادية , ولم يبلغهم أحد عن تخريب قد وقع . فأصدر قائدهم التعليمات بعدم اعتراض الموكب والاكتفاء بمراقبته من بعيد .
أقترب الموكب من سيارات الشرطة التي توقفت علي جانبي الطريق بتقدمه دسوقي . وسار أمام السيارات كما تعود أن يسير دون ان يتلفت الي السيارات والجنود والضباط والمخبرين الذين اصطفوا علي جانبي الطريق .
بعد ان عبر الموكب سيارات وقوات الشرطة وسار في طريقه , أدارت سيارات الشرطة محركاها وركب الجنود والضباط وساروا في مؤخرة الموكب .
اقترب الموكب من المدينة , كانت هناك سيارات شرطة صغيرة فيها رجال بأيديهم أجهزة لا سلكي يتحدثون فيها .
أول ما قابلهم في المدينة ميدان واسع تضيئه مصابيح قوية . فيه عدة منازل أبوبها مفتوحة . وكان هناك منزل بابه مفتوح وأمامه شجرة تحجب ضوء المصباح , دخل دسوقي في البيت , ووقف الجميع خارج المنزل .
توقف الناس عن الحركة والكلام , وعم الصمت . ووقف أهالي المدينة في الميدان ينظرون الي الموكب الواقف . ولا أحد يعلم شيئا عما يفكر فيه دسوقي أو يخطط له . كانت سيارات الشرطة قد أحاطت بالميدان . ووقف الجنود في حالة تأهب ينتظرون التعليمات التي تصدر إليهم من رؤسائهم .
وخيم الصمت والترقب علي الجميع .
وغاب دسوقي في المنزل الذي دخل فيه . وعندما دخل أغلق أحد أصحاب البيت الباب خلفه .
كان الجميع ينتظرون خارج المنزل . وتأخر دسوقي . حتى بدأ الملل يتسرب الي الناس . ومع ذلك فقد كان رجال الشرطة يقظون وفي حالة استعداد .
فجاة فتح باب المنزل . وخرج دسوقي منه وخلفه إمراة في مثل سنه .
عندئذ صاح أحد الواقفين :
أخيرا أعاد دسوقي زوجته .
----
ذاكرة القصة المصرية | صدى.. ذاكرة القصة المصرية
كان ابن عمه شفيق معه في المسجد , وخرج خلفه وهو ينظر إليه , وعندما شاهده يسير بمفرده في الشارع , سار خلفه يحاول أن يلحقه , ولكن دسوقي كان يسرع في سيره , أسرع شفيق مثله يحاول أن يسأله عن سبب سيره بمفرده , ولكنه لم يتمكن من اللحاق به , و مع ذلك سار خلفه .
شاهدهما عدد من أقاربهما , حاولوا الاقتراب منهما ليسألوهما عن سبب سيرهما دون كلام , وعندما اقتربوا منهما ساروا خلفهما أيضا دون كلام .
كان كل من يراهم من أهل القرية وهم سائرون يسير خلفهم دون أن يتكلم .
اتجه دسوقي إلي الطريق الرئيسي المؤدي الي المدينة . كان قد تم توسيعه ورصفه , سار دسوقي في الطريق الواسع لا ينظر خلفه . كان هناك شيء غامض يشغله ويفكر فيه , وخلفه أهل قريته يسيرون خلفه ولا يعلمون الجهة التي يتوجه إليها ؟ . فقط ساروا خلفه .
لم يشأ احدهم أن يسأل دسوقي عن سبب سيره متجهما , ولا الجهة التي يتوجه إليها , ولكنهم ساروا جميعا في صمت خلف دسوقي .
أثناء سيرهم في الطريق كانت تصادفهم سيارات قادمة , كانت السيارات تقف بجانب الطريق وتوسع لهم , وعندما يعبر الموكب تستدير السيارات بمن فيها وتسير خلف الموكب .
بعض الفلاحين عادوا من حقولهم , وهم يحملون الفئوس علي أكتافهم , وبعضهم يحمل الحشائش علي حماره . كلهم توفقوا وشاهدوا الموكب , وساروا خلف السائرين دون أن يتكلموا او يسألوا .
مر الموكب أمام نقطة شرطة . يقف علي بابها حارسان وفي أيدهم الأسلحة , ظن أحدهما أن هناك جنازة قادمة . وقف الشرطي في وضع الاستعداد ونادي علي باقي زملائه , وقفوا صفا واحد بملابسهم الرسمية . وعندما عبر الموكب أمامهم صاح احدهم :
سلام الجنازة . سلام سلاح .
واصطفوا جميعا لتحية الجنازة القادمة . وعندما عبر الموكب من أمامهم . سأل أحد الجنود زميله عما إذا كان قد شاهد النعش . فأقسم له زميله أنه شاهد النعش وهو مغطي بقماش أخضر في أخضر .
غير أن أحد المخبرين توجس من هذا الموكب الذي لا جنازة فيه ولا عرس , وأسرع الي تليفون النقطة , وأخبر عن هذا التجمع وقال لضابطه الأعلى : إنهم يسيرون في الطريق العمومي المتجه الي المدينة .
كان دسوقي يفكر في الأمر الذي يشغله , وهو يسير دون أن ينظر خلفه , وأبناء عمه وأقاربه وأهل قريته يسيرون خلفه في صمت دون أن يحاول احدهم أن يسأله عن سبب سيره .
في الطريق انضم إليهم بعض أبناء القرية التي مروا من أمامها والقرى المجاورة , وفيهم بعض المخبولين وضعاف العقول كانوا يجرون حتي يصلوا الي دسوقي فينظرون عليه بإكبار وإعجاب , ويعودون جريا الي المؤخرة , والناس ترقبهم ويسيرون في صمت لا يقطعه سوي وقع أقدامهم علي الطريق الأسفلتي .
كان بعض الفلاحين كان يجرون المواشي التي كانت معهم في الحقول , وكان هناك عدد من الفلاحات قد انضممن الي الموكب , دون أن يعرفن عنه شيئا , بعد أن شاهدن أزواجهن وإخوتهن وأقاربهن وهم يسيرون في الموكب , وكان عدد منهن يحملن أطفالهن الصغار علي أكتافهن .
اقترب هذا الموكب العجيب من قرية ثالثة , وكان وقت الغروب قد اقترب . وكانت القرية تنتظر حضور عروس أحد أبنائها من قرية مجاورة . وكان هناك فرقة من حملة الطبول والمزمار البلدي في انتظار العروس , واعتقدوا ان موكب العروس قد وصل . فاقتربوا منهم وهم يضربون الطبول وينفخون في المزمار , وتطوع بعض أهل العريس المنتظرين بالرقص أمام دسوقي , اعتقادا منهم انه يقود موكب العروس القادمة . وبدأ جميع من في الموكب يرقصون علي أنغام الطبول .
ومع ذلك كان دسوقي يسير دون أن يلتفت خلفه , أو ينظر الي الموكب الذي تشكل خلفه , كان هناك شئ يشغله , ويفكر فيه , ويسيطر عليه , لم يفصح لأحد عنه .
امتد الموكب واستطال . وشمل بالإضافة الي أهالي قرية دسوقي عدد من أهالي القرى التي مروا عليها , كما تجمع في مؤخرته عدد من الصبية والأطفال يرقصون , ويلعبون , ويتسابقون , ويتبارزون . وكان عدد من الناس يحملون الفؤوس التي عادوا بها من الحقول .
كما كان في الموكب عدد من كبار السن يركبون الحمير ويسرون خلف الموكب , وكان هناك عدد من الصبية يبيعون السجائر للرجال , والحلوى للأطفال .
شوهدت من بعيد عدد من سيارات الشرطة من حاملات الجنود , قادمة في اتجاه الموكب , وأمامها عدد من السيارات تحمل الضباط والمخبرين .
كانت قوات الشرطة تقترب من الموكب والموكب يقترب من سيارات الشرطة , والظلام قد بدأ يخيم علي الجميع ودسوقي يسير لا يلوي علي شئ , ولا يحدث احد , ولا يتكلم مع أحد , ولم يخبر أحد عن وجهته . والموكب تضخم الي حد بعيد , ولم يعد الطريق الواسع يتحمل أن تمر منه سياره لتسبق دسوقي أو تسير أمامه . وسارت كل السيارات المتجه الي المدينة خلف موكب دسوقي الصامت .
عندما أقترب الموكب من سيارات الشرطة نزل منها الضباط وتأهب الجنود بالعصي والقنابل المسيلة للدموع .
لم يسمع رجال الشرطة أي هتافات معادية , ولم يبلغهم أحد عن تخريب قد وقع . فأصدر قائدهم التعليمات بعدم اعتراض الموكب والاكتفاء بمراقبته من بعيد .
أقترب الموكب من سيارات الشرطة التي توقفت علي جانبي الطريق بتقدمه دسوقي . وسار أمام السيارات كما تعود أن يسير دون ان يتلفت الي السيارات والجنود والضباط والمخبرين الذين اصطفوا علي جانبي الطريق .
بعد ان عبر الموكب سيارات وقوات الشرطة وسار في طريقه , أدارت سيارات الشرطة محركاها وركب الجنود والضباط وساروا في مؤخرة الموكب .
اقترب الموكب من المدينة , كانت هناك سيارات شرطة صغيرة فيها رجال بأيديهم أجهزة لا سلكي يتحدثون فيها .
أول ما قابلهم في المدينة ميدان واسع تضيئه مصابيح قوية . فيه عدة منازل أبوبها مفتوحة . وكان هناك منزل بابه مفتوح وأمامه شجرة تحجب ضوء المصباح , دخل دسوقي في البيت , ووقف الجميع خارج المنزل .
توقف الناس عن الحركة والكلام , وعم الصمت . ووقف أهالي المدينة في الميدان ينظرون الي الموكب الواقف . ولا أحد يعلم شيئا عما يفكر فيه دسوقي أو يخطط له . كانت سيارات الشرطة قد أحاطت بالميدان . ووقف الجنود في حالة تأهب ينتظرون التعليمات التي تصدر إليهم من رؤسائهم .
وخيم الصمت والترقب علي الجميع .
وغاب دسوقي في المنزل الذي دخل فيه . وعندما دخل أغلق أحد أصحاب البيت الباب خلفه .
كان الجميع ينتظرون خارج المنزل . وتأخر دسوقي . حتى بدأ الملل يتسرب الي الناس . ومع ذلك فقد كان رجال الشرطة يقظون وفي حالة استعداد .
فجاة فتح باب المنزل . وخرج دسوقي منه وخلفه إمراة في مثل سنه .
عندئذ صاح أحد الواقفين :
أخيرا أعاد دسوقي زوجته .
----
ذاكرة القصة المصرية | صدى.. ذاكرة القصة المصرية