حققت أغاثا كريستي (1890-1976) شعبية واسعة بحيث باعت كتبها ما يربو على مئة مليون نسخة. وترجمت قصصها الى اكثر من مئة لغة. وبيعت حقوق اقتباس رواياتها الى شركات سينمائية بمبالغ قياسية. ومنحتها جامعة اكستر البريطانية درجة الدكتوراه في الاداب.
تقول كريستي: ولدت في بلدة توركي بمقاطعة ديفون، وهي واحدة من اجمل مقاطعات جنوب انكلترة. توفي ابي عندما كنت طفلة صغيرة، وتولت امي تربيتي، وشجعتني على كتابة الشعر والقصص في سن مبكرة، وساعدتني في اختيار الكتب التي قرأتها. وكانت امي سيدة تتمتع بكثير من الذكاء والاستقلال في التفكير. وكانت تستطيع ان تثير حماستي للاقبال على اي موضوع يتصل بالكتابة والقراءة. واصبحت عملية تعليمي في البيت باعثة على شعور قوي بالسعادة والمتعة. واقتصر تعليمي على ما تلقيته على يد امي في البيت فانا لم اذهب الى مدرسة ولم يكن لي مربية. وكنت اصغر بنات الاسرة. وكنت اميل الى العزلة. وخلقت في خيالي اصحابا الاعبهم ويلاعبونني، وكان هؤلاء الاصحاب الخياليون اكثر حيوية وامتاعا من الاطفال الذين كانوا يحضرون الى بيتنا للعب معي. ومع اني ألفت قصصا كثيرة في خيالي منذ سن مبكرة فاني لم يخطر ببالي ان اسجل هذه القصص على الورق. وكانت امي هي التي طلبت مني ان اكتب قصة.
اصبت في ذلك الوقت بزكام ولم اتمكن من الخروج من البيت. فقالت لي امي: عليك ان تكتبي قصة. وكان من اليسير ان افكر في قصة. ولم يكن من اليسير ان اكتبها على الورق. وأضحت كتابة القصص اكثر سهولة مع مرور الايام. وكانت القصص التي كتبتها في سنواتي الاولى قصصا عاطفية الى حد بعيد.
وعندما بلغت السادسة عشرة ارسلتني امي الى باريس لتلقي دروس في العزف على البيانو والغناء. واصبت بصدمة كبيرة عندما اكتشفت ان صوتي لم يكن صالحا للغناء الاوبرالي.
واصطحبتني امي الى القاهرة حيث امضينا فصل الشتاء. وفي القاهرة كتبت رواية بصعوبة كبيرة. وكان جارنا وصديقنا في بلدة توركي ايدي فيلبوتس رجلا كريما معي وشجعني على مواصلة الكتابة. وكنت انشر قصة قصيرة بين وقت وآخر مما ادخل المتعة الكبيرة في نفسي.
وفي عام 1912 خطبت. وفي عام 1914 وبعد اندلاع الحرب العالمية الاولى بعدة اشهر تزوجت. كان زوجي في فرنسا، ولذلك عملت ممرضة في مستشفى في بلدة توركي. واستغرق عملي كل وقتي بحيث لم استطع الكتابة. وعندما اقتربت نهاية الحرب ازدادت اوقات فراغي لاني اخذت اعمل في صيدلية المستشفى. وهناك خططت لكتابة رواية بوليسية. وكنت قد قرأت العديد من الروايات البوليسية وشعرت بان هذه الروايات تساعد المرء على نسيان همومه. وعندما بحثت مشروع الرواية مع اختي، قالت لي ان من المستحيل تقريبا ان اكتب رواية بوليسية جيدة دون ان اعرف من اقترف الجريمة. فقلت لها اني اعتقد اني استطيع ان اكتب رواية كهذه ولكن اختي كانت تشك في قدرتي على ذلك.
وكتبت رواية (القضية الغامضة في ستايلز). واستغرقت كتابة هذه الرواية وقتا طويلا. وارسلت بالمخطوطة الى احدى دور النشر، فاعيدت الي قبل مضي وقت طويل. وحدث ذلك عدة مرات مع دور نشر اخرى.
وعندما ارسلت بالمخطوطة الى الناشر بودلي هيد ولم يأتني رد، نسيت الرواية ولم اعد اعبأ بنشرها. ولكن كانت مفاجأة رائعة لي عندما وصلت لي رسالة من الناشر بعد مضي سنة يطلب مني الحضور لاجراء مقابلة. كنت سعيدة جدا ووقعت عقدا لنشر الرواية في اثناء المقابلة. ولم اكسب مبلغا كبيرا من ذلك، ولكن نشر الرواية كان حافزا قويا لي ان امضي قدما في مجال التأليف. ولم يكن قد خطر لي من قبل ان اجعل من الكتابة مصدرا منتظما للدخل، لا بل لم يخطر لي ان ازاول الكتابة بشكل دائم. ولم اشعر باني كاتبة حقا الا بعد ان كتبت ستة كتب.
وفي عام 1928 طلقت زوجي العقيد ارشيبالد كريستي، وامضيت عدة سنوات بعد ذلك في السفر، بينما كانت ابنتي روزالين في المدرسة. ولم اعد الى انكلترة خلال هذه السنوات الا في العطلات المدرسية.
والسفر هو احدى هواياتي المفضلة. وفي عام 1930 كنت في زيارة للعراق عندما التقيت ماكس مالوان الذي كان يعمل في الحفريات الاثرية هناك. وتزوجته في سبتمبر 1930. وقضيت وزوجي عدة اشهر من كل عام في سورية والعراق. انني احب الصحراء، واحب الكتابة في الصحراء. ففي الصحراء لا توجد مسارح او اوبرات او حدائق او تلفونات تعكر عليك صفوك اثناء الكتابة.
من هواياتي شراء البيوت وتحسينها والعيش فيها بعض الوقت ثم بيعها. انها هواية مكلفة، ولكنها تعطيني متعة كبيرة.
وانا لا احب الازدحام والصخب والراديو والسينما. ولا احب مذاق المشروبات الكحولية ولا ادخن. واحب الشمس والبحر والازهار والسفر (الا عن طريق البحر لان ذلك يسبب لي الغثيان) والطبخ والسباحة والتنس والعزف على البيانو وارتياد المسارح والمطالعة والتطريز. هنا ينتهي ما كتبته أغاثا كريستي عن نفسها.
يقول الناقد مارجري الينغهام ان قصص أغاثا كريستي تثير الفضول الانساني الصادق في كل واحد منا، وان اهم ما حققته الكاتبة هو انها امتعت اكبر عدد من القراء اطول مما فعل اي كاتب اخر في جيلها. وقال رئيس الوزراء البريطاني الاسبق كلمنت أتلي، وكان معجبا بقصصها: "اني معجب بذكاء أغاثا كريستي وقدرتها على الاحتفاظ بسر الجريمة الى ان يحين وقت الكشف عنه."
ولكن كيف نفسر براعة أغاثا كريستي في كتابة القصص البوليسية؟ كانت الكاتبة تتمتع بموهبتين رئيسيتين: الاولى موهبة ترتيب احداث القصة بشكل لا تجد فيه عيبا او ثغرة، والثانية موهبة التعبير عن هذه الاحداث بلغة سهلة وجذابة وممتعة. وتستبعد الكاتبة كل حدث لا علاقة له بموضوع القصة، وتستبعد كل عبارة وان كانت جميلة اذا لم تكن تقوم بدور رئيسي في بناء القصة. وللكاتبة بالاضافة الى ذلك احساس مرهف بالتوقيت (وربما مرد ذلك الى اتقانها العزف الموسيقي). وهي لا تصور شخصياتها بعمق. ولا تكثر من وصفها. ولذلك فان القراء على اختلاف جنسياتهم وخلفياتهم الاجتماعية والثقافية يستطيعون استيعاب هذه الشخصيات من خلال خبراتهم الشخصية. ثم ان الكاتبة لم تخرج في جميع قصصها من البيئة التي عرفتها احسن معرفة، وهي بيئة الطبقة المتوسطة الانكليزية. وهي تروي القصة – بقدر الامكان – عن طريق الحوار الذي تستخدم فيه اللغة اليومية السهلة.
واكتشف بعض النقاد عيوبا فنية في عدد من قصص أغاثا كريستي في ما يتعلق بتصويرها للمحقق هيركيول بوايروه الذي ضاهت شهرته شهرة شيرلوك هولمز، والذي يعرف بقصر قامته والمغالاة باناقته والثقة بنفسه الى حد الغرور. وقال هؤلاء النقاد ان المحقق بوايروه يعتمد على الحدس في اكتشاف خيوط الجريمة اكثر مما يعتمد على اسس علمية واقعية. واعترفت الكاتبة بانها كانت تمل من محققها احيانا الى درجة انها فكرت باحالته الى التقاعد بصورة دائمة لو ان القراء سمحوا لها بذلك. وتحولت بالفعل الى الكتابة عن محققين آخرين نذكر منهم المحققة جين ماربل، وهي عانس عجوز استطاعت بذكائها ونظرتها الثاقبة ان تساعد الشرطة في اكتشاف القتلة في قرية سنت ماري ميد وفي مدن اخرى. وظهرت المحققة ماربل اول ما ظهرت في قصة (جريمة في بيت القسيس) 1930، ولكنها حققت شهرة واسعة في قصة (ما رأته مسز ماكندي) 1957، وهي قصة جريمة قتل في قطار تشهدها امرأة تركب في قطار اخر.
بالاضافة الى القصص البوليسية العديدة التي ألفتها أغاثا (وقالت مرة انها كانت تكتب القصة في فترة لا تتجاوز ستة اسابيع) ألفت الكاتبة ست روايات رومانسية تحت الاسم المستعار ماري ويستماكوت. كانت اولها (خبز العمالقة) 1930 وكانت اشهرها (غائب في الربيع) 1944، وفيها تستعرض زوجة حياتها في فترة من التأمل، وتكتشف انها لم تكن الزوجة والام المثالية كما كانت تعتقد دائما. ووصف احد النقاد هذه الرواية بانها صورة نفسية رائعة. غير انها لم تنجح النجاح نفسه في قصصها البوليسية كقصة (محنة سببها البراءة) 1959 وفي الكثير من قصصها القصيرة.
وألفت الكاتبة ديوانا من الشعر بعنوان (طريق الاحلام) 1925.
ونجحت أغاثا كريستي في توظيف مواهبها الادبية في الكتابة المسرحية ايضا، فحققت نجاحا فنيا في مسرحية (شاهد على الحكم) 1953، وحققت نجاحا تجاريا في مسرحية (مصيدة الفئران) 1952.
وفي ليلة افتتاح عروض مسرحيتها البوليسية (شاهد على الحكم) في لندن عام 1953 كتب الناقد دارلينغتون في صحيفة نيويورك تايمز: تتمتع أغاثا كريستي بعبقرية فذة في ترتيب خيوط الجريمة بحيث يبدو ان هناك حلا حتميا واحدا لها. ولكن يكتشف المرء ان هناك في الواقع حلا اخر لا يقل حتمية عن الحل الاول. اضف الى ذلك قدرتها على رسم الشخصيات بشكل يساعد الممثلين على اداء دور هذه الشخصيات بشكل مقنع. وحققت المسرحية نجاحا مماثلا في مسارح نيويورك في عامي 1954 و1955. وفازت بجائزة نقاد الدراما في نيويورك كأحسن مسرحية غير امريكية في ذلك الموسم.
zedhakim@yahoo.co.uk
لندن - بريطانيا
تقول كريستي: ولدت في بلدة توركي بمقاطعة ديفون، وهي واحدة من اجمل مقاطعات جنوب انكلترة. توفي ابي عندما كنت طفلة صغيرة، وتولت امي تربيتي، وشجعتني على كتابة الشعر والقصص في سن مبكرة، وساعدتني في اختيار الكتب التي قرأتها. وكانت امي سيدة تتمتع بكثير من الذكاء والاستقلال في التفكير. وكانت تستطيع ان تثير حماستي للاقبال على اي موضوع يتصل بالكتابة والقراءة. واصبحت عملية تعليمي في البيت باعثة على شعور قوي بالسعادة والمتعة. واقتصر تعليمي على ما تلقيته على يد امي في البيت فانا لم اذهب الى مدرسة ولم يكن لي مربية. وكنت اصغر بنات الاسرة. وكنت اميل الى العزلة. وخلقت في خيالي اصحابا الاعبهم ويلاعبونني، وكان هؤلاء الاصحاب الخياليون اكثر حيوية وامتاعا من الاطفال الذين كانوا يحضرون الى بيتنا للعب معي. ومع اني ألفت قصصا كثيرة في خيالي منذ سن مبكرة فاني لم يخطر ببالي ان اسجل هذه القصص على الورق. وكانت امي هي التي طلبت مني ان اكتب قصة.
اصبت في ذلك الوقت بزكام ولم اتمكن من الخروج من البيت. فقالت لي امي: عليك ان تكتبي قصة. وكان من اليسير ان افكر في قصة. ولم يكن من اليسير ان اكتبها على الورق. وأضحت كتابة القصص اكثر سهولة مع مرور الايام. وكانت القصص التي كتبتها في سنواتي الاولى قصصا عاطفية الى حد بعيد.
وعندما بلغت السادسة عشرة ارسلتني امي الى باريس لتلقي دروس في العزف على البيانو والغناء. واصبت بصدمة كبيرة عندما اكتشفت ان صوتي لم يكن صالحا للغناء الاوبرالي.
واصطحبتني امي الى القاهرة حيث امضينا فصل الشتاء. وفي القاهرة كتبت رواية بصعوبة كبيرة. وكان جارنا وصديقنا في بلدة توركي ايدي فيلبوتس رجلا كريما معي وشجعني على مواصلة الكتابة. وكنت انشر قصة قصيرة بين وقت وآخر مما ادخل المتعة الكبيرة في نفسي.
وفي عام 1912 خطبت. وفي عام 1914 وبعد اندلاع الحرب العالمية الاولى بعدة اشهر تزوجت. كان زوجي في فرنسا، ولذلك عملت ممرضة في مستشفى في بلدة توركي. واستغرق عملي كل وقتي بحيث لم استطع الكتابة. وعندما اقتربت نهاية الحرب ازدادت اوقات فراغي لاني اخذت اعمل في صيدلية المستشفى. وهناك خططت لكتابة رواية بوليسية. وكنت قد قرأت العديد من الروايات البوليسية وشعرت بان هذه الروايات تساعد المرء على نسيان همومه. وعندما بحثت مشروع الرواية مع اختي، قالت لي ان من المستحيل تقريبا ان اكتب رواية بوليسية جيدة دون ان اعرف من اقترف الجريمة. فقلت لها اني اعتقد اني استطيع ان اكتب رواية كهذه ولكن اختي كانت تشك في قدرتي على ذلك.
وكتبت رواية (القضية الغامضة في ستايلز). واستغرقت كتابة هذه الرواية وقتا طويلا. وارسلت بالمخطوطة الى احدى دور النشر، فاعيدت الي قبل مضي وقت طويل. وحدث ذلك عدة مرات مع دور نشر اخرى.
وعندما ارسلت بالمخطوطة الى الناشر بودلي هيد ولم يأتني رد، نسيت الرواية ولم اعد اعبأ بنشرها. ولكن كانت مفاجأة رائعة لي عندما وصلت لي رسالة من الناشر بعد مضي سنة يطلب مني الحضور لاجراء مقابلة. كنت سعيدة جدا ووقعت عقدا لنشر الرواية في اثناء المقابلة. ولم اكسب مبلغا كبيرا من ذلك، ولكن نشر الرواية كان حافزا قويا لي ان امضي قدما في مجال التأليف. ولم يكن قد خطر لي من قبل ان اجعل من الكتابة مصدرا منتظما للدخل، لا بل لم يخطر لي ان ازاول الكتابة بشكل دائم. ولم اشعر باني كاتبة حقا الا بعد ان كتبت ستة كتب.
وفي عام 1928 طلقت زوجي العقيد ارشيبالد كريستي، وامضيت عدة سنوات بعد ذلك في السفر، بينما كانت ابنتي روزالين في المدرسة. ولم اعد الى انكلترة خلال هذه السنوات الا في العطلات المدرسية.
والسفر هو احدى هواياتي المفضلة. وفي عام 1930 كنت في زيارة للعراق عندما التقيت ماكس مالوان الذي كان يعمل في الحفريات الاثرية هناك. وتزوجته في سبتمبر 1930. وقضيت وزوجي عدة اشهر من كل عام في سورية والعراق. انني احب الصحراء، واحب الكتابة في الصحراء. ففي الصحراء لا توجد مسارح او اوبرات او حدائق او تلفونات تعكر عليك صفوك اثناء الكتابة.
من هواياتي شراء البيوت وتحسينها والعيش فيها بعض الوقت ثم بيعها. انها هواية مكلفة، ولكنها تعطيني متعة كبيرة.
وانا لا احب الازدحام والصخب والراديو والسينما. ولا احب مذاق المشروبات الكحولية ولا ادخن. واحب الشمس والبحر والازهار والسفر (الا عن طريق البحر لان ذلك يسبب لي الغثيان) والطبخ والسباحة والتنس والعزف على البيانو وارتياد المسارح والمطالعة والتطريز. هنا ينتهي ما كتبته أغاثا كريستي عن نفسها.
يقول الناقد مارجري الينغهام ان قصص أغاثا كريستي تثير الفضول الانساني الصادق في كل واحد منا، وان اهم ما حققته الكاتبة هو انها امتعت اكبر عدد من القراء اطول مما فعل اي كاتب اخر في جيلها. وقال رئيس الوزراء البريطاني الاسبق كلمنت أتلي، وكان معجبا بقصصها: "اني معجب بذكاء أغاثا كريستي وقدرتها على الاحتفاظ بسر الجريمة الى ان يحين وقت الكشف عنه."
ولكن كيف نفسر براعة أغاثا كريستي في كتابة القصص البوليسية؟ كانت الكاتبة تتمتع بموهبتين رئيسيتين: الاولى موهبة ترتيب احداث القصة بشكل لا تجد فيه عيبا او ثغرة، والثانية موهبة التعبير عن هذه الاحداث بلغة سهلة وجذابة وممتعة. وتستبعد الكاتبة كل حدث لا علاقة له بموضوع القصة، وتستبعد كل عبارة وان كانت جميلة اذا لم تكن تقوم بدور رئيسي في بناء القصة. وللكاتبة بالاضافة الى ذلك احساس مرهف بالتوقيت (وربما مرد ذلك الى اتقانها العزف الموسيقي). وهي لا تصور شخصياتها بعمق. ولا تكثر من وصفها. ولذلك فان القراء على اختلاف جنسياتهم وخلفياتهم الاجتماعية والثقافية يستطيعون استيعاب هذه الشخصيات من خلال خبراتهم الشخصية. ثم ان الكاتبة لم تخرج في جميع قصصها من البيئة التي عرفتها احسن معرفة، وهي بيئة الطبقة المتوسطة الانكليزية. وهي تروي القصة – بقدر الامكان – عن طريق الحوار الذي تستخدم فيه اللغة اليومية السهلة.
واكتشف بعض النقاد عيوبا فنية في عدد من قصص أغاثا كريستي في ما يتعلق بتصويرها للمحقق هيركيول بوايروه الذي ضاهت شهرته شهرة شيرلوك هولمز، والذي يعرف بقصر قامته والمغالاة باناقته والثقة بنفسه الى حد الغرور. وقال هؤلاء النقاد ان المحقق بوايروه يعتمد على الحدس في اكتشاف خيوط الجريمة اكثر مما يعتمد على اسس علمية واقعية. واعترفت الكاتبة بانها كانت تمل من محققها احيانا الى درجة انها فكرت باحالته الى التقاعد بصورة دائمة لو ان القراء سمحوا لها بذلك. وتحولت بالفعل الى الكتابة عن محققين آخرين نذكر منهم المحققة جين ماربل، وهي عانس عجوز استطاعت بذكائها ونظرتها الثاقبة ان تساعد الشرطة في اكتشاف القتلة في قرية سنت ماري ميد وفي مدن اخرى. وظهرت المحققة ماربل اول ما ظهرت في قصة (جريمة في بيت القسيس) 1930، ولكنها حققت شهرة واسعة في قصة (ما رأته مسز ماكندي) 1957، وهي قصة جريمة قتل في قطار تشهدها امرأة تركب في قطار اخر.
بالاضافة الى القصص البوليسية العديدة التي ألفتها أغاثا (وقالت مرة انها كانت تكتب القصة في فترة لا تتجاوز ستة اسابيع) ألفت الكاتبة ست روايات رومانسية تحت الاسم المستعار ماري ويستماكوت. كانت اولها (خبز العمالقة) 1930 وكانت اشهرها (غائب في الربيع) 1944، وفيها تستعرض زوجة حياتها في فترة من التأمل، وتكتشف انها لم تكن الزوجة والام المثالية كما كانت تعتقد دائما. ووصف احد النقاد هذه الرواية بانها صورة نفسية رائعة. غير انها لم تنجح النجاح نفسه في قصصها البوليسية كقصة (محنة سببها البراءة) 1959 وفي الكثير من قصصها القصيرة.
وألفت الكاتبة ديوانا من الشعر بعنوان (طريق الاحلام) 1925.
ونجحت أغاثا كريستي في توظيف مواهبها الادبية في الكتابة المسرحية ايضا، فحققت نجاحا فنيا في مسرحية (شاهد على الحكم) 1953، وحققت نجاحا تجاريا في مسرحية (مصيدة الفئران) 1952.
وفي ليلة افتتاح عروض مسرحيتها البوليسية (شاهد على الحكم) في لندن عام 1953 كتب الناقد دارلينغتون في صحيفة نيويورك تايمز: تتمتع أغاثا كريستي بعبقرية فذة في ترتيب خيوط الجريمة بحيث يبدو ان هناك حلا حتميا واحدا لها. ولكن يكتشف المرء ان هناك في الواقع حلا اخر لا يقل حتمية عن الحل الاول. اضف الى ذلك قدرتها على رسم الشخصيات بشكل يساعد الممثلين على اداء دور هذه الشخصيات بشكل مقنع. وحققت المسرحية نجاحا مماثلا في مسارح نيويورك في عامي 1954 و1955. وفازت بجائزة نقاد الدراما في نيويورك كأحسن مسرحية غير امريكية في ذلك الموسم.
zedhakim@yahoo.co.uk
لندن - بريطانيا