منذر فالح الغزالي - قراءة في كتاب: تاريخ الفكر الفلسفي في المجتمع العربي الإسلامي*

مقدّمة:
قد يتساءل القارئ المتخصصّ عن جدوى مثل هذا العرض, المختصر والمجتزأ, لتاريخٍ فكريّ امتدّ قروناً, وله تشعّبات ومدارس ومذاهب. وبنفس الوقت قد يتساءل القارئ العادي, عن الفائدة التي سيخرج بها بعد انتهائه من قراءة مثل هذا العرض, وقد يشتركان في سؤالٍ واحد, هو: ما جدوى الحديث عن تاريخ الفكر الفلسفي الإسلامي, في هذا الوقت الذي أصبح فيه ضجيج القتل أعلى من صوت العقل؟. وفي الحقيقة, هذا الوقت هو – بالذات - ما جعلني أعيد مراجعة الكتاب, بقصد إثارة سؤالٍ أبتغيه, وهو سؤالٌ مكرورٌ, لكنّه, كما أرى, يبقى السؤال الوجودي الأهمّ, الذي يفرض نفسه علينا كأمّة وكأفراد؛ ومن واجبنا جميعاً, لا أن نحاول الإجابة عنه فقط, بل العمل الجادّ, لنتجاوز طرح السؤال, إلى العمل بالجواب ومقتضياته, وعلى المدى الطويل, ودون مللٍ, أو قنوط.
أما السؤال فهو: كيف استطاع أسلافنا ، بعد أن كانوا قبائل متناحرة، أن يبنوا حضارةً امتدّت على مساحة الأرض – المعروفة عصرئذٍ – ولقرونٍ طويلة, ومهّدت لبروز حضارةٍ غربيّة, لاتزال تفرض رؤيتها ومصالحها علينا؟, ولماذا أصبح عددٌ لا يستهان به من الشباب العربي, وبعضهم من المتعلّمين للأسف!, أدواتٍ تستخدمها تلك الحضارة الغربيّة, في صراعها مع الحضارات الأخرى. سلاحها في ذلك تطرّف ديني يصل حدّ الإرهاب, وساحته هي الأرض العربية, ووقوده هو الإنسان العربي؟.
والجواب الذي تستخلصه هذه القراءة السريعة – كما أرى - هو: إنّ المفكّرين الإسلاميين, فقهاء, أو متكلمين, أو فلاسفة, وهم يضعون أسس حضارةٍ عظيمة, كانوا منفتحين على الاختلاف مع الآخر, حتى في المسائل الوجوديّة الكبرى مثل: العلاقة بين الله والعالم (موضوع الكتاب), دون أن ينظروا إلى ذلك الاختلاف بعين العداء أو التكفير, من جهة؛ ومن جهةٍ أخرى, إنّ حرّيّة الاختلاف, والاستفادة من الاختلاف والبناء عليه, هما مقياس تقدّم الأمم, وهما شرطه؛ وإنّ الافكار الكبرى المؤسِّسة للحضارات, أو المدافعة عن بقاء الأمم, من طبيعتها أن تكون مختلفة, ومتنوّعة, وليس بالقشور والشكليات وحسب, بل في العمق والمسائل الجوهريّة.
وأمّتنا التي تعاني في هذه اللحظة من الزمن, من تجربةٍ تهدّد بقاءها, هي الأقسى, سببها الأساسي: سيطرة الرؤية الواحدة, وفرض الأفكار بالسيف, بحاجةٍ ماسّة إلى الانفتاح على جميع الأفكار, واختلافها. وكلّ ذلك بشرطٍ لازم, وهو: أن يحلَّ التفكير محلّ التكفير, وأن يكون سبيلنا في ذلك هو الجدال, وليس القتال.
أولاً: تصور العالم عند المعتزلة
ميّز المعتزلة بين الإله المفارق, وبين العالم تمييزاً شديداً. فقد نفوا الصفات عن الله, حتى لا يؤدّي إسنادها له إلى تعدّد القدماء, وإبطال مبدأ التوحيد الذي يتمسّكون به, وكذلك نزهوا الله عن صفات المحدثات.
وعلى الضدّ من أهل السلف والأشاعرة أيضاً, فقد اتفق المعتزلة على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار يوم القيامة...وأوجبوا تأويل الآيات المتشابهة فيها, وسمّوا هذا النمط توحيداً. وقد أثبت المعتزلة أن لله صفات السلب والذات, ونفوا عنه صفات الفعل والإيجاب. ..وكان أبو الهذيل العلّاف (752 – 849 م) يقول: " إذا قلت إن الله عالم, أثبتّ له علم هو الله, ونفيت عنه جهلاَ, ودللت على معلوم كان, أو يكون؛ وإذا قلت إن الله حي, أثبت له حياة وهي الله, ونفيت عنه الموت" .
نرى أن السبب الرئيسي لموقف المعتزلة من التوحيد هو إثبات المفارقة الكاملة بين الله والعالم, لتأكيد وجود العالم الذي يخضع للقوانين , وتحكمه السببية, في مقابل الوجود الإلهي...وكذلك لتأكيد الوجود الإنساني, من خلال موقفهم الإيجابي من الحرية, ومسؤوليّة الفرد عن أفعاله.
كذلك, يرى المعتزلة أن العدم هو (شيء). أي أنّ العدم أمرٌ مُتَصَوَّر من ماهيّة معقولة. والله لا يخلق ذاته (أي ذات الشيء), وإنما يمنح الوجود لهذه الذات....فالماهية شيء, أو حقيقة معقولة قابلة للتحقق, أو عدمه, والله يمنح الوجود لهذه الماهية التي هي في حالة العدم فيكون العالم... فالخلق عند المعتزلة: هو ابتداءٌ من شيء, هو العدم.
كما أنّ الموجودات عند المعتزلة تنقسم إلى جواهر وأعراض. والجوهر ما قام بنفسه, أما العرض, فهو ما قام بغيره. وعند المعتزلة توجد رابطة وثيقة بين الجوهر والعَرَض... والأعراض لا تنقلب إلى أجسام, أو العكس, لأن الجواهر ثابتة. ذلك يؤدي إلى نتيجة هامة وهي أن المعتزلة يقيمون نظام العالم على أساسٍ ثابت, هو: ثبات الجواهر والأعراض التي يتشكل العالم من مجموعها, من جهة, وعلم الله بالمخلوقات, وهو علم أزلي, من جهة أخرى؛ وهذا الأساس هو الذي مهّد لقولهم بمبدأ الحتمية وإيمانهم بالسببية في العالم الطبيعي.
والعالَم عند المعتزلة يخضع لقانون السببية...ولذلك نراهم قد ضيّقوا نطاق الخوارق, إن لم يكن قد ألغوها في أغلب الأحيان...وأفعال الإنسان تنقسم إلى قسمين: أفعال مباشرة: وهي ما صدرت عن الفاعل رأساً, كحركة اليد؛ وأفعال متولّدة: وهي أن يحصل الفعل عن فاعله بتوسّط فعل آخر, كحركة المفتاح بحركة اليد. وشرط الإرادة هو الذي يميّز الفعل المباشر عن المتولد... واختلف المعتزلة عن الأفعال المتولّدة عن غير حيٍّ, فقالت طائفة هو فعل الله, وقالت طائفة أحرى: ما تولد عن غير حيّ فهو فعل الطبيعة, و هؤلاء هم (أصحاب الطبائع) من المعتزلة. أي أنّ أصحاب الطبائع يقيمون وزناً كبيراً لتأثير القوانين الموضوعية في العالم, وخاصّة قانون السببية, الذي يحكم كلّ ظواهر الوجود والكون...أمّا الإنسان, فإن حريته تفوق حرية الأجسام, لأن الإنسان في إمكانه أن يفعل الشيء وضده, بينما الأجسام لا تقدر إلا على فعلٍ واحد, لأنها خاضعة لمبدأ الحتمية.
ثانياً: تصور العالم عند الأشاعرة
هذا التصور يخلص في نتائجه إلى إثبات أن العالم عَرَضي, وغير جوهري, لأنّ مركز الوجود في الله...نراهم - مثلاً - قد عارضوا فكرة السببية, سواء كانت سببية كونية, تتعلق بالأسباب ونتائجها, أم سببية إنسانية تتعلق بالإنسان ومسؤوليته عن أفعاله. ويمكن إجمال تصور الأشاعرة للألوهية في النقاط الرئيسية التالية:
الله تعالى واحد لا شريك له. وهو موصوف بنوعين من الصفات: صفات الذات, وصفات الفعل. صفات الذات: هي التي لم يزل ولا يزال موصوفا بها, مثل الحياة, والعلم....
وصفات الفعل: هي الدالة على أفعاله تعالى قبل الخلق, وهي أزلية قائمة بذاته تعالى...
إن الأشاعرة أنكروا السببية وأرجعوها إمّا إلى (العادة), أو إلى (التساوق والاقتران). يرى الأشعري: "أن جميع الممكنات مستندة إلى الله سبحانه , ولا علاقة بوجهٍ بين الحوادث المتعاقبة إلا بإجراء (العادة)...كالإحراق عقيب مماسّة النار, فليس للمماسة دخلٌ في وجود الإحراق, بل واقع بقدرته واختياره تعالى. فله أن يوجد المماسّة بدون الإحراق, وأن يوجد الإحراق بدون مماسّة. كذا الحال في سائر الأفعال. وقد ترتب على إنكار الأشاعرة للسببية موقفاً من العالم يمكن إجماله فيما يلي:
• لا يوجد تلازم بين وجود العالم في اللحظة الراهنة, ووجوده في اللحظة التي سبقتها مباشرة أو التي تليها مباشرة.
• كل ما يوجد في العالم يمكن أن يوجد على نحو مخالفٍ لما هو عليه.
• لم يذهب الأشاعرة إلى حدّ القول بالمصادفة, وإنّما آمنوا بوجود عالمٍ يسوده الترتيب والنظام والإحكام, لأنّ هذا النظام دليلٌ على وجود إلهٍ عالمٍ محكم الأفعال.
الحرية الإنسانية:
وتتمثل هذه, في مشكلة الحريّة, أو الفعل الإنساني, ومسؤولية الإنسان عنه, وقد اصطلح عليها في الفكر الإسلامي بمشكلة (الجبر والاختيار). والتيارات الرئيسية فيها ثلاثة:
الجبرية, والمخيّرة, وأخيراً محاولة الربط بين هذين التيارين, ويمثلها الأشاعرة.
أما الجبرية: فإن الجبر يعني نفي الفعل عن العبد, وإضافته إلى الله تعالى.
أما المعتزلة فقد قالوا بالاختيار, ومسؤوليّة الفرد عن أفعاله يوم الحساب.
وبين هذين التيارين المتناقضين طلع الأشعري بنظرية: الكسب. فهو يرى: "أنّ الله هو المحدث للأفعال والعبد مكتسب" .
ثالثاً: تصور العالم عند ابن سينا
أما عند ابن سينا فقد غلبت النزعة الطبيعية على موضوع العالم, فكانت أغلب أبحاثه فيه تدور بشكلٍ خاصّ حول الزمان والحركة والمتحرّك, فضلاً عن القديم والحديث.
ميّز ابن سينا بين نوعين من القدم هما: القدم الذاتي, و القدم الزماني, ونوعين من الحدوث هما: الحدوث الذاتي, و الحدوث الزماني.
فالقديم الذاتي هو الذي لا ابتداء لوجوده, ولا علّة, بل هو علّة ذاته, وهو الله سبحانه. أما القديم الزماني فهو الذي لوجوده مبدأ, أو علة يتعلق بها, ولكنّه وُجِد في زمان ماضٍ غير متناهٍ, فاكتسب لا نهائية الزمان, ولكنه بقي متصلاً بالعلة الأولى. بتعبير آخر: لا يوجد غير قديم واحد بالذات, هو الله تعالى, بينما يمكن أن يوجد عدة قدماء بالزمان, كالحركة, والزمان, والعالم. دون أن يؤدّي ذلك إلى تعدّد القدماء.
والحدوث الذاتي هو منح الأشياء وجودها دونما اعتبارٍ للزمان, بينما الحدوث الزماني, هو إيجاد الأشياء من العدم. وعلى هذا الأساس يكون الزمان محدثاً حدوثاً ذاتياً, إي إبداعياً, وكذلك العالم....والترجمة الفعلية للإبداع هو نظرية الفيض, أو الصدور. والفيض عند ابن سينا في حقيقته عقلي, يتم فيه صدور الكائنات ( العقول) عن الله مباشرة, ودون واسطة.
والزمان عند ابن سينا يرتبط بالحركة ارتباطاً وثيقاً, لأن الزمان "هو مقدار الحركة من جهة المتقدم والمتأخر" ...فهو يريد أن يثبت قِدم الزمان من خلال إثبات قدم الحركة, وإذا أثبت قِدَم الحركة زمانياً, سهل عليه إثبات قِدَم المتحرك وهو العالَم, حيث يمكن أن نعدّ العالم قديماً من جهة الزمان, حادثاً من جهة العلة, لأنه لا بد أن ينتهي إلى علة العلل, وهو الله
يمكن أن نجمل نظرية ابن سينا في العلّية في النقاط التالية:
1) كلّ شيءٍ في هذا العالم خاضعٌ لقانون العلّيّة.
2) العلل عند ابن سينا, كما هي الحال عند أرسطو, أربعة: صورة, وعنصر, وفاعل, وغاية ....والعلل كلها ترتد إلى الغائيّة.
3) العلل الحقيقية موجودةٌ مع المعلول, وإذا توافرت الشروط الكاملةُ العليّة, وجب صدور المعلول عن علّتّه. وهما (أي العلة والمعلول) موجودان معاً في الزمان, ولكن ليسا معاً في القياس إلى حصول الوجود.
4) العلل متناهية مهما تلاحقت, بحيث تنتهي إلى علة العلل, التي هي علة في ذاتها وليست معلولاً لشيء آخر, والعلة الكاملة هي التي تعطي الوجود وتبقي عليه, ويسمى هذا (إبداعاً), لأنه (وجود) بعد (عدم مطلق). والمعلول نفسه يكون موجوداً بعد عدم مطلق, ولكن هذه البعدية بالذات لا بالزمان.
إن قول ابن سينا بأنّ العلل موجودة دائماً مع المعلول, وأنه متى توافرت الشروط الكاملة للعلية, يجب صدور المعلول عن علته, يؤدّي إلى نتيجةٍ مفادها: أن العالم صدر عن الله صدوراً ضرورياً..."إن واجب الوجود, لمّا كان عقلاً محضاً, فهو يعقل ذاته, ويعقل ضرورة صدور الكل عنه, فتعقله علة الوجود, وأول موجود صدر عنه هو العقل الأول, وواجب الوجود هو الذي يفيض عنه كل موجود فيضاناً مبايناً لذاته, وأن ما يكون عنه على سبيل اللزوم (الضرورة)" ...وهذا هو أساس نظرية الفيض.
نقد ابن سينا للتصور الطبيعي والكلامي عن العالم:
الفلاسفة الدهريون أو الماديون, يؤمنون بأنّ الطبيعة قائمةٌ بذاتها, والأشاعرة يؤمنون بالخلق من عدم, أما الفلاسفة الطبيعيون, فإنما ينكرون وجود علة أولى لهذا العالم, أو هم- في أحسن الأحوال - يثبتون قديماً آخر إلى جانب الله. ولذا رفض ابن سينا موقفهم وقال: " إن العالم ليس قديماً بذاته, بل هو محدث الذات"
وموقف الفلاسفة الدهريين يقابله موقف المتكلمين, الذين يقولون بحدوث العالم حدوثاً زمانياً...وهناك إشكالات أثارها ابن سينا في وجه المتكلمين يمكن إجمالها فيما يلي:
1. إن قول المتكلمين: كان الله ثم خلق, تعني وجود زمان ممتدّ لم يخلق الله فيه العالم, هي فترة العدم. وهذا إما أن يعني أن الله لم يكن قادراً على الخلق, وقدر عليه الآن؛ أو أنّ العالم لم يكن صالحاً واستصلحه الآن, وهذا محال؛ لأنه يوجب انتقال الإمكان, من العجز إلى القدرة, بلا علّة.
2. لكي يتلافى ابن سينا قول المتكلمين: (كان الله ثم خلق) فإنه قال: ( كان وخلق), أي لا يوجد فصل بين الخالق وعملية الخلق, والإرادة الإلهية مستمرة, لا تتعطل عن الخلق. وقد تكون نظرية الفيض ترجمة عملية لهذه المقولة.
النظرية السينوية في العالم:
أمام التيارين المتناقضين :( تيار فلاسفة اليونان الذين يرون العالم قديماً قدماً مطلقا, وما يترتب عليه من نتائج تمسّ فكرة الألوهية؛ وتيار المتكلمين ومن جرى مجراهم من الفلاسفة كالكندي والغزالي, الذي يرى أن العالم محدث, خلقه الله من العدم) قرر ابن سينا أن يتخذ رؤيته المتوسطة. وموقفه يتلخص في: أن العالم يمكن أن يكون قديماً وحادثاً في آن معاً؛ قديماً من جهة الزمان, ومحدثاً من جهة العلة, أو المبدأ الأول, وهو الله.
رابعاً: العالم عند ابن طفيل (ت 1185م):
عرض ابن طفيل مذهبه على لسان (حي بن يقظان), وأوضح – أولاً – الشكوك التي تعترض الباحث إن اعتقد بقدم العالم, أو حدوثه, ثم عرض ثانياً ما يلزم على فكرة القدم والحدوث من نتائج.
فتحليل فكرة الحدوث يؤدي إلى أن العالم لا يمكن أن يخرج إلى الوجود بنفسه, ولا بد له من فاعل, وهذا الفاعل لا يمكن إدراكه بالحواس, لأن ذلك يجعله جسماً حادثاً, ولا بد له - إذن – من محدِث, وهكذا.... , وهذا يؤدي إلى التسلسل, وهذا باطل. فلا بدّ للعالم من فاعل ليس بجسم, ومنّزه عن صفات الأجسام, وإذا كان فاعلاً للعالم, فهو - لا محالة - قادرٌ عليه وعالمٌ به.
ثمّ قام ابن طفيل بتحليل فكرة القدم على الوجه التالي: العالم قديم, يعني أن العدم لم يسبقه, وهذا يعني أن حركته قديمة لا نهاية لها من جهة الابتداء, وكلّ حركة لا بد بها من محرّكٍ ضرورةً. وهكذا كانت جميع الموجودات, سواءٌ كانت محدثة الوجود, سبقها العدم, أم كانت لا ابتداء لها من جهة الزمان, فإنّها على كلا الحالين معلولة, ومفتقرة إلى الفاعل متعلقة الوجود به, ولولا دوامه لم تدم, ولولا وجوده لم توجد, ولولا قدمه لم تكن قديمة.
خامساً: تصور العالم عند ابن رشد - الرؤية المتوازنة إلى العالم:
يمهّد ابن رشد لعرض رؤيته المتوازنة إلى العالم بالإشارة إلى أن المذاهب في هذه القضية ليست متباعدة بالشكل الذي يؤدّي إلى أن يكفّر بعضها بعضاً. ولكن توجد قواسم مشتركة بين المذاهب المتعارضة, يمكنها أن تجتمع حولها..."إن الاختلاف في مسألة قِدَم العالم أو حدوثه راجعٌ للاختلاف في التسمية. لو أنهم اتفقوا على أنّ هناك ثلاثة أصناف من الموجودات: طرفان وواسطة بين الطرفين, فاتفقوا في تسمية الطرفين واختلفوا في الواسطة بينهما" . أما الطرف الأول, "فهو موجود وجِد من شيء غيره, وعن سبب فاعل, ومن مادة, والزمان متقدم عليه, وهذه هي حال الأجسام التي يدرك تكوينها بالحسّ. فهذا الصنف من الموجودات اتفق الجميع على تسميتها محدثة" . والطرف الثاني, أو الموجود الثاني هو: "موجودٌ لم يكن من شيءٍ ولا عن شيء, ولا تقدّمه زمان. وهذا أيضاً اتفق الجميع على تسميته قديماً, وهذا الموجود مدرك بالبرهان, وهو الله سبحانه وتعالى قدره" . أما الذي اختلف عليه, فهو الموجود الثالث, المتوسط بين هذين الطرفين, وهو: "موجودٌ لم يكن من شيء, ولا تقدّمه زمان, ولكنه موجودٌ عن شيء آخر. أعني عن فاعل, وهذا هو العالم باسره. والكل منهم متفقٌ على وجود هذه الصفات الثلاث للعالم" . فالخلاف – إذن – هو على هذا الموجود المتوسط..."وهو في الحقيقة ليس محدثاً حقيقياً, ولا قديماً حقيقياً" , وما دام العالم ليس محدثاً حقيقياً, ولا قديماً حقيقياً, فما هو إذن؟.
يرى ابن رشد أن العالم إذا نُظِر إليه من جهة الزمان, كان أزليّاً قديماً, وإذا نظر إليه من جهة الله, كان حادثاً مخلوقاً. وعلى هذا النحو يفرّق بين نوعين من القدم:
القدم بعلة, والقدم بدون علة. والله وحده قديم بدون علة, وبدون محرك أو فاعل, أما العالم فقديم بعلة وله فاعل خالق أزلي.
خاتمة:
تصوّر الفلاسفة العرب المسلمين للعالم, في العصر الوسيط, وبجميع تياراتهم ومستوياتهم, "كان مرتبطاً بالألوهية, لأن وجود الله أمرٌ يجمعون عليه, والأمر الذي اختلفوا عليه, هو درجة الارتباط بين الله والعالم, وصورة ذلك الارتباط, ووضع الحقيقة الكونية إلى جانب الحقيقة الإلهية" . وهذا هو محور الكتاب الذي بذل فيه الكاتب حسّان شكري الجط, جهداً مرموقاً, في الإلمام بتاريخ الفكر الفلسفي العربي الإسلامي, بشموليته وتعدّد موضوعاته, واختلاف مدارسه, وضخامة الانتاج الفلسفي وتشعبه.
---------------------------------
* تأليف: حسّان شكري الجط.
من منشورات اتحاد ا لكتاب العرب دمشق 1997
عن الكاتب
نبذة عن السيرة الأدبية

الاسم: منذر فالح الغزالي

مواليد سوريا - درعا 1968، أعيش في ألمانيا منذ العام 2015
مهندس مدني منذ العام 1995
قاص وروائي وأكتب في النقد الأدبي.
بدأت بالنشر في الصحف السورية منذ العام ٢٠٠٨
هاجرت إلى ألمانيا العام ٢٠١٥

صدر لي:

1. "الهجرة إلى الوطن"، مجموعة قصصية، دار بعل / دمشق 2010

2. "الربيع يأتي متأخراً" رواية، دار المختار، القاهرة 2018.

3. "الريح تكنس أوراق الخريف" مجموعة قصصية، دار ميزر، السويد ٢٠٢١

4. "منمنمات سردية – قراءات في القصة القصيرة جداً" نقد أدبي، الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، بغداد ٢٠٢٤

5. "كُلَيب أو نحرق البلد"، كتاب مشترك مع كتّاب عرب، في القصة القصيرة جداً، دار فلورز، القاهرة ٢٠١٦

6. "قراءات نقدية بأقلام عربية"، كتاب في النقد الأدبي (نقد الشعر)، مشترك مع كتّاب عرب، دار المختار، القاهرة ٢٠١٨

7. "تراتيل الحرف"، كتاب في نقد القصة القصيرة جداُ، مشترك مع كتّاب عرب، دار المتن، بغداد ٢٠١٩

8. "قراءات نقدية في نصوص أدبية" كتاب مشترك عن الهيئة الاستشارية للتجمع الثقافي الإنساني، سيدني، أستراليا، إصدار دار النهضة، بيروت ٢٠٢٣

9. بالإضافة إلى مقدّمات كتب لكتّاب عرب من سوريا، والعراق والمغرب والسعودية.

10. كتابات متنوعة، منشورة في مجلات وصحف عربية في الوطن العربي وأوروبا وأستراليا

جوائز وشهادات:

· جائزة "قصص على الهواء - مجلة العربي 2010"

· شهادة تقدير من الحملة الأهلية لاحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية، سوريا - درعا 2010

· شهادة تقدير من منظمة إدراك - العراق، لمساهمتي في لجنة التحكيم الخاصة بمسابقة خبر الدولية للقصة القصيرة جداً، أكثر من دورة.

· شهادة تقدير من وزارة الثقافة العراقية، لمساهمتي في لجنة تحكيم مسابقة خبر الدولية للقصة القصيرة جداً.

· شهادة دكتوراه فخرية من أكاديمية السلام في ألمانيا

· تسميتي سفيراً للإنسانية والثقافة العربية في ألمانيا، من منتدى ثورة قلم لبناء إنسان أفضل.

· عضو هيئة استشارية للتجمّع الثقافي الإنساني

· عضو لجنة التحكيم لمسابقة خبر للقصة القصيرة جداً - العراق، خمس دورات.

· عضو لجنة التحكيم لمسابقة سوريا الدولية للقصة القصيرة / الدروة الأولى، هولندا 2020.

· رئيس فرع ألمانيا لاتحاد الأدباء الدولي.

· عضو ملتقى القصة القصيرة جداً في العراق.

· عضو مشارك في غرفة النقد التابعة لمنصة ثقافة إنسانية، وشاركت في عدد من الحلقات النقدية بُثّت عبر تطبيق زوم بالمشاركة مع نقاد عرب.

· أقامت مؤسسة المختار الثقافية في مصر ندوة نقدية حول مجموعتي القصصية (الهجرة إلى الوطن) بمشاركة مجموعة من كتاب ونقاد من الوطن الغربي، ونشرت القراءات التقدية في كتاب الكتروني.

· اختار الناقد المصري د. مختار أمين قصتي (حدث الآن- حدث أمس) مثالاً عن اللغة القصصية في كتابه (فن كتابة القصة القصيرة).

· أقام المركز العالمي للدراسات العربية والبحوث الفلسفية والتاريخية بباريس ندوة نقدية حول روايتي (الربيع يأتي متأخراً) وبُثّت على الهواء عبر تطبيق زوم.

· أقامت غرفة النفد التابعة لمنصة ثقافة إنسانية ندوة نقدية حول مجموعتي القصصية (الريح تكنس أوراق الخريف) بتقنية زوم بُثّت مباشرة.

· نشرت صحيفة الأسبوع الأدبي الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب حواراً معي حول عدة محاور في الكتابة القصصية.

· شاركت بأمسياتٍ قصصيّة في سوريا منذ العام ٢٠١٠.


مشاريع قادمة:

1. مخطوط رواية.

2. مخطوط مجموعة قصصية ثالثة

٢. ثلاثة كتب في النقد الأدبي، (قصة قصيرة، رواية، شعر)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...