اعتبر الكاتب والمترجم الحر فاروق عبدالقادر الروائي العربي عبدالرحمن منيف أهم روائي عربي معاصر، تحالفت الشروط الموضوعية لتصنع منه المواطن والمناضل العربي الأول بامتياز.
جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها الكاتب بعنوان «من الأشجار الى أرض السواد... رحلة شاقة... رحلة خصبة» في مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث مساء الاثنين 3 مايو/ ايار الجاري. مستعرضا فيها روايات عبدالرحمن منيف بالشرح والتعليق.
وقال المحاضر «لقد استطعت التعرف على بعض الكوادر التي عرفت منيف عن قرب، فقيل لي انه كان يتكلم ويتناقش بقوة داخل الاجتماعات ولكنه كان يلتزم الصمت خارجها، كما أنه كان مثالا للتعفف والابتعاد عن المصالح الشخصية، وليس أدل على ذلك من أنه حين أسقطت عنه الجنسية السورية فضّل أن يعيش حياة المنفى متنقلا من بلد الى آخر على أن يركن الى نظام أو حاكم، فقد كان يرى أن الاستغراق في العمل السياسي خدعة وأن هناك فرقا شاسعا بين الأفكار التي يدعو إليها المثقف والممارسات على أرض الواقع، لذلك اختار الرواية كأداة تعبيرية نضالية، وظل مخلصا لها منذ أصداره أولى رواياته «الأشجار واغتيال مرزوق» العام 1973، وحتى عقد الثمانينات حين أصدر روايته الخالدة «مدن الملح» ليعود بعدها فيكتب «شرق المتوسط» ويختم حياته الأدبية بـ «أرض السواد».
ثم استعرض هذه الروايات بادئا بالأشجار واغتيال مرزوق ليقول «لقد جاءت الأشجار صلبة متماسكة، فوراء كل التفاصيل تبقى هذه الرواية رواية شخصين تقابلا في قطار، ومع الحديث ورشفات العرق تقاربا أكثر، ليبدأ كل منهما برواية حياته، فيقول الأول الذي يجد نفسه منحوسا حتى أنه قامر بالأشجار التي لا يملكها أحد انه لولا الحب لما تقدم في الحياة، بينما ينفتح الحديث للآخر صاحب التاريخ النضالي، الذي ينبهنا الروائي الى عدم تصديق كل ما يقول فقد أدمن العرق والطواف على المدائن حتى منحوه جواز سفر بعد سنوات، فالروائي هنا لا يريد تاريخ السماسرة وانما تاريخ الحوادث التي غيرت الحياة، فمصير هذا الآخر لم يكن أفضل من «اسماعيل» الذي غاص في العمل السري إذ لقي في سجنه كل أنواع التعذيب، وبعد خمس سنوات دبت الرغبة فيه للخروج، ولكنه لم يجد أحدا من أحبائه، إذ نجده في رواية منيف «شرق المتوسط» المتكونة من ستة فصول والتي تروي فيها زوجة اسماعيل فصلا واحدا بينما يروي هو بقية الفصول الخمسة، مع الطبيب الغربي الذي قال له أريدك أن تكون حاقدا وأنت تحارب لأنه من دون الحقد لن تستطيع الاستمرار، ليقرر الرجوع من جديد الى السجن اذ وجد الجلادين بانتظاره، بعد أن فضحهم بارسال تقرير الى جنيف ليتناولوا تعذيبه فيتحول جسمه الى قطعة ممزقة مدماة تواجه كل هذا العنت والعذاب، في الوقت الذي تروي فيه زوجته أنها شهدت ابنها وهو يملأ زجاجة بالزيت لأنه كان يريد هدم سجن أبيه، وقد أنجز منيف وعده بهذه الرواية في جزئها الثاني أن تكون جزءا من النضال.
ثم تحدث عن النهايات وحين تركنا الجسر وسباق المسافات بقوله «ان رواية النهايات رواية البادية بامتياز، شهادة البدوي الذي يعرف نذر العاصفة، ودورة في الابقاء على أهله في أرض طيبة، حينما واجه الناس فقال ان الصيد لم يخلق من أجل الأغنياء وانما من أجل الفقراء الذين خلق معهم ومات من أجلهم، والذي كان موته ميثاقا لصحوة أهل الأرض ليقوموا بفعل شيء، أما رواية (حين تركنا الجسر) فهي أكثر روايات منيف استقصاء، فهي قطعة من السرد اللاهث، يهدف الى خلق عالم مواز، اذ انها قصة حب منيف في أوروبا «لليليان» وهوسه الدائم في البحث عنها، هذا الهوس الذي يوتر علاقاته مع كل النساء اللاتي يعرفهن، والذي هو حب من وراء الغيب، تصنعه امرأة مجوسية زنديقة لا تعترف بالله، بينما في رواية سباق المسافات نجد اقترابا من مدن الملح، فهي رواية متفردة لأن القارئ لن يجد تحديدا للأسماء ولا للاعلام، ففي هذه الرواية نجد الحديث يدور دائما عن الشرق والشرقيين، في تسابق من قبل الانجليز والأميركان الذين يمتلكون كل الوسائل لتحقيق أهدافهم في السيطرة على هذه المنطقة».
أما عن مدن الملح وهي درة أعمال منيف فأشار الكاتب الى جوانب التميز فيها بقوله «اننا نقع هنا على عالم روائي متكامل، تقع صفحاته في حدود الألفين، فهي رواية تنقل حوادثها وأبطالها خارج حدودها وهي رواية تحمل قائمة من الشخصيات المتنوعة، اذ نقع في هذه الرواية على لون من التاريخ الفني لعصر النفط وتأسيس هذه المنطقة العربية، الأمر الذي يجعلنا نطيل النظر الى شخصيات الرواية وصلاتها الواقعية».
ثم منهيا محاضرته قال الكاتب والمترجم المصري عن الرواية الأخيرة لمنيف وهي أرض السواد «ان اسم هذه الرواية مشتق من الاسم الذي أطلق على العراق في تفسيرات شتى، وهو الذي يرمز لخصوبة الأرض عند العراقيين، فهي رواية تحكي جزءا من تاريخ العراق، مع بدايات حكم والي بغداد داوود باشا، العام 1878 الذي كان يحلم بعراق مستقل عن اسطنبول وعن الدول الغربية، والذي كان مثله الأعلى في ذلك هو محمد علي باشا والي مصر، من دون أن يغفل داوود باشا عن الاختلافات الكبيرة بينهما والتي لم تثنه عن السعى وبذل الجهد في مجال الصناعة والزراعة ونشر الثقافة العربية، حتى أن ما حققه في عهده من انجازات كان تمهيدا للنهضة العلمية التي شهدتها العراق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر»
الناقد عبدالقادر: منيف... الروائي والعربي الأول بامتياز
جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها الكاتب بعنوان «من الأشجار الى أرض السواد... رحلة شاقة... رحلة خصبة» في مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث مساء الاثنين 3 مايو/ ايار الجاري. مستعرضا فيها روايات عبدالرحمن منيف بالشرح والتعليق.
وقال المحاضر «لقد استطعت التعرف على بعض الكوادر التي عرفت منيف عن قرب، فقيل لي انه كان يتكلم ويتناقش بقوة داخل الاجتماعات ولكنه كان يلتزم الصمت خارجها، كما أنه كان مثالا للتعفف والابتعاد عن المصالح الشخصية، وليس أدل على ذلك من أنه حين أسقطت عنه الجنسية السورية فضّل أن يعيش حياة المنفى متنقلا من بلد الى آخر على أن يركن الى نظام أو حاكم، فقد كان يرى أن الاستغراق في العمل السياسي خدعة وأن هناك فرقا شاسعا بين الأفكار التي يدعو إليها المثقف والممارسات على أرض الواقع، لذلك اختار الرواية كأداة تعبيرية نضالية، وظل مخلصا لها منذ أصداره أولى رواياته «الأشجار واغتيال مرزوق» العام 1973، وحتى عقد الثمانينات حين أصدر روايته الخالدة «مدن الملح» ليعود بعدها فيكتب «شرق المتوسط» ويختم حياته الأدبية بـ «أرض السواد».
ثم استعرض هذه الروايات بادئا بالأشجار واغتيال مرزوق ليقول «لقد جاءت الأشجار صلبة متماسكة، فوراء كل التفاصيل تبقى هذه الرواية رواية شخصين تقابلا في قطار، ومع الحديث ورشفات العرق تقاربا أكثر، ليبدأ كل منهما برواية حياته، فيقول الأول الذي يجد نفسه منحوسا حتى أنه قامر بالأشجار التي لا يملكها أحد انه لولا الحب لما تقدم في الحياة، بينما ينفتح الحديث للآخر صاحب التاريخ النضالي، الذي ينبهنا الروائي الى عدم تصديق كل ما يقول فقد أدمن العرق والطواف على المدائن حتى منحوه جواز سفر بعد سنوات، فالروائي هنا لا يريد تاريخ السماسرة وانما تاريخ الحوادث التي غيرت الحياة، فمصير هذا الآخر لم يكن أفضل من «اسماعيل» الذي غاص في العمل السري إذ لقي في سجنه كل أنواع التعذيب، وبعد خمس سنوات دبت الرغبة فيه للخروج، ولكنه لم يجد أحدا من أحبائه، إذ نجده في رواية منيف «شرق المتوسط» المتكونة من ستة فصول والتي تروي فيها زوجة اسماعيل فصلا واحدا بينما يروي هو بقية الفصول الخمسة، مع الطبيب الغربي الذي قال له أريدك أن تكون حاقدا وأنت تحارب لأنه من دون الحقد لن تستطيع الاستمرار، ليقرر الرجوع من جديد الى السجن اذ وجد الجلادين بانتظاره، بعد أن فضحهم بارسال تقرير الى جنيف ليتناولوا تعذيبه فيتحول جسمه الى قطعة ممزقة مدماة تواجه كل هذا العنت والعذاب، في الوقت الذي تروي فيه زوجته أنها شهدت ابنها وهو يملأ زجاجة بالزيت لأنه كان يريد هدم سجن أبيه، وقد أنجز منيف وعده بهذه الرواية في جزئها الثاني أن تكون جزءا من النضال.
ثم تحدث عن النهايات وحين تركنا الجسر وسباق المسافات بقوله «ان رواية النهايات رواية البادية بامتياز، شهادة البدوي الذي يعرف نذر العاصفة، ودورة في الابقاء على أهله في أرض طيبة، حينما واجه الناس فقال ان الصيد لم يخلق من أجل الأغنياء وانما من أجل الفقراء الذين خلق معهم ومات من أجلهم، والذي كان موته ميثاقا لصحوة أهل الأرض ليقوموا بفعل شيء، أما رواية (حين تركنا الجسر) فهي أكثر روايات منيف استقصاء، فهي قطعة من السرد اللاهث، يهدف الى خلق عالم مواز، اذ انها قصة حب منيف في أوروبا «لليليان» وهوسه الدائم في البحث عنها، هذا الهوس الذي يوتر علاقاته مع كل النساء اللاتي يعرفهن، والذي هو حب من وراء الغيب، تصنعه امرأة مجوسية زنديقة لا تعترف بالله، بينما في رواية سباق المسافات نجد اقترابا من مدن الملح، فهي رواية متفردة لأن القارئ لن يجد تحديدا للأسماء ولا للاعلام، ففي هذه الرواية نجد الحديث يدور دائما عن الشرق والشرقيين، في تسابق من قبل الانجليز والأميركان الذين يمتلكون كل الوسائل لتحقيق أهدافهم في السيطرة على هذه المنطقة».
أما عن مدن الملح وهي درة أعمال منيف فأشار الكاتب الى جوانب التميز فيها بقوله «اننا نقع هنا على عالم روائي متكامل، تقع صفحاته في حدود الألفين، فهي رواية تنقل حوادثها وأبطالها خارج حدودها وهي رواية تحمل قائمة من الشخصيات المتنوعة، اذ نقع في هذه الرواية على لون من التاريخ الفني لعصر النفط وتأسيس هذه المنطقة العربية، الأمر الذي يجعلنا نطيل النظر الى شخصيات الرواية وصلاتها الواقعية».
ثم منهيا محاضرته قال الكاتب والمترجم المصري عن الرواية الأخيرة لمنيف وهي أرض السواد «ان اسم هذه الرواية مشتق من الاسم الذي أطلق على العراق في تفسيرات شتى، وهو الذي يرمز لخصوبة الأرض عند العراقيين، فهي رواية تحكي جزءا من تاريخ العراق، مع بدايات حكم والي بغداد داوود باشا، العام 1878 الذي كان يحلم بعراق مستقل عن اسطنبول وعن الدول الغربية، والذي كان مثله الأعلى في ذلك هو محمد علي باشا والي مصر، من دون أن يغفل داوود باشا عن الاختلافات الكبيرة بينهما والتي لم تثنه عن السعى وبذل الجهد في مجال الصناعة والزراعة ونشر الثقافة العربية، حتى أن ما حققه في عهده من انجازات كان تمهيدا للنهضة العلمية التي شهدتها العراق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر»
الناقد عبدالقادر: منيف... الروائي والعربي الأول بامتياز