كم من مرة قطعت فيها هذا الطريق معك! ذراعك في ذراعي, فما شعرت أطويل طريقنا أم قصير? أفي يومنا المسير أم في غد لم يأت بعد? أم هو في ماض من العمر قد ولى وفات.
كان الطريق هو الذي يقبل إليّ. يأخذ بيدي, ويريني اتصاله بالأفق, بالسماء, بالأفلاك... على جانبيه دور هادئة المأوى كصدور الحاضنات, ويمر بنا أناس كل منهم شعاع من نور الله.
أما الآن, بعد اختفائك, فهذا الطريق بعينه أقطعه وحدي فلا ينتهي. المسير سخرة, والأفق قيد, والسماء غطاء, والنجوم ترمق الأرض شزرًا. الدُّورُ سجون والناس أطياف ذاهلة لا تدري ما القدر. وإن شكّت كفرت.
***
ما رأيت عاملا في ترام أو في متجر أو في مقهى إلاّ سلّم عليك سلام الترحيب والإعزاز, فالحياة المتدفقة من روحك تمسح عن النفوس جميعها صدأ الألم والحزن, وتنفض عن الوجوه رماد البؤس والشقاء.
وأنتِ, لا تستقرُّ نظرتُك على وجه واحد ولا تتريث. تهبين, وما تُقدِّرين أيَّ مال تَنثرين? أفأنت عمياء كأمك الغريزة وأبيك الحظ؟
***
السينما مزدحمة وأنت لا تعبئين بأحد. المشهد مؤثر, والناس يبكون, وأنت ضاحكة:
؟ أأبكي من خيال
يا أختاه! هلاّ بكيت أيضًا من حقيقة ما عشت...
ومن يدري؟! لعلك قد انصرفت عني يوم اختفائك عابثة تقولين:
؟ أأبكي من خيال
***
نقلت إلى أن خالتك, أو تلك التي تزعمين أنها خالتك, حدثتك عني بالأمس وقد تركتكما في العربة:
- أهذا الذي تذكرين؟ إنه ساذج, هو في يدك كالعجين فلتهنئي به.
ما آلمني هذا الوصف, بل رحبت به ورضيت. أَصَدَقتْ نظرتُك فيَّ أم لم تصدق, سيّانَ عندي, إن الحب الذي يغمر قلبي هو كل ما أسألك عليه من أجر. فلا يهمني تصفيق النظارة أو صفيرهم.
***
ما أظنك أحببت أحدًا أو شيئًا حبّك الثوب الجديد, هو حب صادر من قلبك, عائد إليه, فأنت به قريرة العين, سعيدة ناجية من سيطرة الغير...
على لساني دعاء:
... ألا فليذلّك الحب يومًا
ولكن قلبي يهمس:
.خيّب الله مُناك ...
***
ماذا تظنين؟ أَحسبتِ يَومَ اختفائك أنني سآوى إلى عشنا فأمكث أترقب ميعادك, فإذا مضى تشاغلت بكتاب أقرؤه ولا أفهم منه شيئًا, ونظرت إلى الساعة مرة وتثاءبت أخرى حتى إذا ما انتبهت إلى مشاغلي التي أهملتها من أجلك, هبطت الدرج سريعًا, وانطلقت إلى الدروب والمسالك, واختلطت بالناس؟... أو يدور بخلدك أنني عندئذ أنسى كل شيء؟ هيهات لخيالك, مهما سكر وعربد, أن يدرك ما فعلت... لبثت أنتظرك ساعة, ثم ليلة, ثم يومًا ويومين, أسبوعًا وأسبوعين, شهرًا وشهورًا ومازلت أنتظرك. وأنا أعلم أنك لن تعودي ولكني أخشى - إذا أنا لم أنتظرك وشاء القدر أن تعودي أو أن ألقاك في الطريق - أخشى حينئذ أن تكون لهفتي على رؤيتك قد طواها النسيان وأطفأ أوارها. ولست أريد إلاّ أن أقابلك مشبوب العاطفة, واله القلب, ظامئ العين. فأنت لو تعلمين عزيزة عليّ, وهيهات لي أن أبتذل قدرك عندي. فلأتحمل الألم طول الدهر خوفًا من إساءتك في لحظة عابرة قد تأتي وقد لا تأتي.
***
اشتريت لها الحذاء فلبسته بعض اليوم ثم خلعته:
حذرني الطبيب من الكعوب العالية.
وألقته عنها ميتًا في عنفوان الصبا. منعني كرهي لهذا الحذاء السخيف الذي هم بأذاها من أن آسف على موته السريع.
***
أيتها الفتاة الغريرة! كيف لم يقو مكرك على ستر سذاجتك الكامنة في نظرتك? أأنت ساذجة قد تعلمت المكر, أم ماكرة قد تعلمت السذاجة? كذبي ما شئت وامكري, فليس أحبّ إلى قلبي من كذبك ومكرك.
***
هذا الأثاث اشتريته على عجل من أجل عشّنا. ما نقّبت ولا اخترت. ظل طول رفقتنا أنانيًّا أبكم. لم تحيه نظرة فاحصة من عينيك. ما سمعتك راضية عنه أو ساخطة عليه. وكنت إذا انتظرتك وفات - كالعادة - ميعادك, أتطلع إلى قطعه واحدةً واحدةً, فما حنّت يومًا وأسعفَت تساؤلي بجواب. حتى إذا أشرقت شمسك تلاشى كالظلام من حياتي.
ولكن ها قد حل يومك - ككل ظالم - أيها الأناني الأبكم. الآن بعد اختفائها نطقت, بل ما عدت تطيق السكوت. لا ينقطع تساؤلك "أين هي?" "متى تعود?" يكاد ينشق خشبك عيونًا جائعة تتلهف على نبسة من شفتي, وتكاد تتمزق منك أذرع تتشبث بي وتستجديني الجواب.
أيها الثرثار! لجّ في الكلام ما شئت. فأنا اليوم - ولم العجب? - كما كنت أنت بالأمس - أبكم! ولكن لا عليك أيها الوفي الأمين, أيحلّ لجريحٍ أن يعبث بجريح? ليس من رباط بين القلوب أقوى من العاهة المشتركة. أنا أيضًا أيها الرفيق الكريم لا أدري أين هي ولا متى تعود! فضم بلواك إلى بلواي لعلها بهذا عليك تهون.
أيها الرفيق اللقيط! لأنت عندي الآن أعز من أطهر الأبناء.
***
أيتها الفتاة الغريرة... لم يكن لي أمل فيك, ولا بنيت من حبك أكواخًا ولا قصورًا. لا يركن إلى الأمل إلاّ من قصُر يومه فاختلس من غده.
أما أنا فقد كان حاضري يفيض بي ويفيض عني.
كان! فكل ذلك قد ولى وفات. وكأن الذي أغدق على بالأمس غير مسؤول - يتقاضاني اليوم ثمن الإسراف بالحرمان.
وكم من محروم مظلوم!
***
بعد أيام قلائل من لقائنا كنت قد قصصت عليك ماضيّ, وكل حادثة ساقتني إليك. أما أنت فقد مر الحول وبعض الحول ولست أدري عنك شيئًا. ما هممت بسؤالك ولا شكا قلبي من ظمأ. فليس الغموض الذي يحوطك إلاّ انبهار العين من نورك الوهاج. وهل لك ماضٍ? إنك لست بنت الحوادث, بل أنت أم الحياة!
***
خَالَلْتُكِ عامًا وبعض عام. فما سمعتك تنطقين بفكرة أو تبدين رأيًا. ما تلوثت شفتاك بالحكمة, ولا نضح لسانك بالفلسفة. ما دلست الحوادث عليك معاني موهومة مزيفة ليهتز لها رأسك استعبارًا. ما سمعتك تذكرين ولا تأملين. لا ماضي لك ولا مستقبل, بل كنت في كل لحظة كمال الحياة لتلك اللحظة. تنفجر منك الحياة كمنابع الأنهار, لا يهمها أتبدد النهر أم اغتاله مستنقع. أتبخر هباء أم سار لغايته إلى البحر البعيد. تثب الحياة الغضة من عينيك. تسيل على صدرك. تتدفق من على جسدك وأنت لا تشعرين. وكنت أنهل من معينها الصافي فأجد فيه نشوة لم أجدها من عتيق الخمور. وأنت - لشقائي - لا تشعرين; فليس أكبر الألم ألاّ يشعر الحبيب بألمك, بل ألاّ يشعر بسعادتك.
***
ما من مرة احتضنتك بين ذراعيّ إلاّ شعرت بقسوة الموت وظلمه. هذا الجسد الغض المتألق, تتفجر منه الحياة, يصبح يومًا ما أبخرة عفنة وعظامًا نخرة.
***
أَلبَستْها العاملة أمام المرآة كُلَّ ما لديها من معاطف, واحدًا بعد واحد, فإذا بجمالها يطغى على التغيير والتبديل, تبدو لها في كل معطف فتنة جديدة.
وددت لو استطعت أن أشتريها لك جميعًا.
عادت إلى المعطف الأزرق, وجربته مرة أخرى, ودار جسدها أمام المرآة. وجهها ساكن, ونظراتها ثابتة على توءميها.... "رفقًا بجيدك يا فتاتي!" ثم خلعته, وعادت إلى بقية المعاطف فلبستها كلها واحدًا بعد واحد, ثم أشارت إلى المعطف الأزرق وقالت متراخية:
- هذا!
وهكذا تشاء الصدف ألاّ يتعلق ذوقك إلاّ بأغلاها!
- تريثي! إذا لم يعجبك هذا المعطف فغيره كثير. تعالى أريك متاجر أخرى.
لمستهُ بطرف إصبعها وقالت:
- أقضي به هذا الموسم, وفي العام القادم أشتري غيره.
كم وددت لو أنك قلت: "تشتري لي أنت غيره".
دعوت الله أن يقسم لي شراءه, كما يدعو السقيم ربه أن يمنّ عليه بالشفاء.
كان الطريق هو الذي يقبل إليّ. يأخذ بيدي, ويريني اتصاله بالأفق, بالسماء, بالأفلاك... على جانبيه دور هادئة المأوى كصدور الحاضنات, ويمر بنا أناس كل منهم شعاع من نور الله.
أما الآن, بعد اختفائك, فهذا الطريق بعينه أقطعه وحدي فلا ينتهي. المسير سخرة, والأفق قيد, والسماء غطاء, والنجوم ترمق الأرض شزرًا. الدُّورُ سجون والناس أطياف ذاهلة لا تدري ما القدر. وإن شكّت كفرت.
***
ما رأيت عاملا في ترام أو في متجر أو في مقهى إلاّ سلّم عليك سلام الترحيب والإعزاز, فالحياة المتدفقة من روحك تمسح عن النفوس جميعها صدأ الألم والحزن, وتنفض عن الوجوه رماد البؤس والشقاء.
وأنتِ, لا تستقرُّ نظرتُك على وجه واحد ولا تتريث. تهبين, وما تُقدِّرين أيَّ مال تَنثرين? أفأنت عمياء كأمك الغريزة وأبيك الحظ؟
***
السينما مزدحمة وأنت لا تعبئين بأحد. المشهد مؤثر, والناس يبكون, وأنت ضاحكة:
؟ أأبكي من خيال
يا أختاه! هلاّ بكيت أيضًا من حقيقة ما عشت...
ومن يدري؟! لعلك قد انصرفت عني يوم اختفائك عابثة تقولين:
؟ أأبكي من خيال
***
نقلت إلى أن خالتك, أو تلك التي تزعمين أنها خالتك, حدثتك عني بالأمس وقد تركتكما في العربة:
- أهذا الذي تذكرين؟ إنه ساذج, هو في يدك كالعجين فلتهنئي به.
ما آلمني هذا الوصف, بل رحبت به ورضيت. أَصَدَقتْ نظرتُك فيَّ أم لم تصدق, سيّانَ عندي, إن الحب الذي يغمر قلبي هو كل ما أسألك عليه من أجر. فلا يهمني تصفيق النظارة أو صفيرهم.
***
ما أظنك أحببت أحدًا أو شيئًا حبّك الثوب الجديد, هو حب صادر من قلبك, عائد إليه, فأنت به قريرة العين, سعيدة ناجية من سيطرة الغير...
على لساني دعاء:
... ألا فليذلّك الحب يومًا
ولكن قلبي يهمس:
.خيّب الله مُناك ...
***
ماذا تظنين؟ أَحسبتِ يَومَ اختفائك أنني سآوى إلى عشنا فأمكث أترقب ميعادك, فإذا مضى تشاغلت بكتاب أقرؤه ولا أفهم منه شيئًا, ونظرت إلى الساعة مرة وتثاءبت أخرى حتى إذا ما انتبهت إلى مشاغلي التي أهملتها من أجلك, هبطت الدرج سريعًا, وانطلقت إلى الدروب والمسالك, واختلطت بالناس؟... أو يدور بخلدك أنني عندئذ أنسى كل شيء؟ هيهات لخيالك, مهما سكر وعربد, أن يدرك ما فعلت... لبثت أنتظرك ساعة, ثم ليلة, ثم يومًا ويومين, أسبوعًا وأسبوعين, شهرًا وشهورًا ومازلت أنتظرك. وأنا أعلم أنك لن تعودي ولكني أخشى - إذا أنا لم أنتظرك وشاء القدر أن تعودي أو أن ألقاك في الطريق - أخشى حينئذ أن تكون لهفتي على رؤيتك قد طواها النسيان وأطفأ أوارها. ولست أريد إلاّ أن أقابلك مشبوب العاطفة, واله القلب, ظامئ العين. فأنت لو تعلمين عزيزة عليّ, وهيهات لي أن أبتذل قدرك عندي. فلأتحمل الألم طول الدهر خوفًا من إساءتك في لحظة عابرة قد تأتي وقد لا تأتي.
***
اشتريت لها الحذاء فلبسته بعض اليوم ثم خلعته:
حذرني الطبيب من الكعوب العالية.
وألقته عنها ميتًا في عنفوان الصبا. منعني كرهي لهذا الحذاء السخيف الذي هم بأذاها من أن آسف على موته السريع.
***
أيتها الفتاة الغريرة! كيف لم يقو مكرك على ستر سذاجتك الكامنة في نظرتك? أأنت ساذجة قد تعلمت المكر, أم ماكرة قد تعلمت السذاجة? كذبي ما شئت وامكري, فليس أحبّ إلى قلبي من كذبك ومكرك.
***
هذا الأثاث اشتريته على عجل من أجل عشّنا. ما نقّبت ولا اخترت. ظل طول رفقتنا أنانيًّا أبكم. لم تحيه نظرة فاحصة من عينيك. ما سمعتك راضية عنه أو ساخطة عليه. وكنت إذا انتظرتك وفات - كالعادة - ميعادك, أتطلع إلى قطعه واحدةً واحدةً, فما حنّت يومًا وأسعفَت تساؤلي بجواب. حتى إذا أشرقت شمسك تلاشى كالظلام من حياتي.
ولكن ها قد حل يومك - ككل ظالم - أيها الأناني الأبكم. الآن بعد اختفائها نطقت, بل ما عدت تطيق السكوت. لا ينقطع تساؤلك "أين هي?" "متى تعود?" يكاد ينشق خشبك عيونًا جائعة تتلهف على نبسة من شفتي, وتكاد تتمزق منك أذرع تتشبث بي وتستجديني الجواب.
أيها الثرثار! لجّ في الكلام ما شئت. فأنا اليوم - ولم العجب? - كما كنت أنت بالأمس - أبكم! ولكن لا عليك أيها الوفي الأمين, أيحلّ لجريحٍ أن يعبث بجريح? ليس من رباط بين القلوب أقوى من العاهة المشتركة. أنا أيضًا أيها الرفيق الكريم لا أدري أين هي ولا متى تعود! فضم بلواك إلى بلواي لعلها بهذا عليك تهون.
أيها الرفيق اللقيط! لأنت عندي الآن أعز من أطهر الأبناء.
***
أيتها الفتاة الغريرة... لم يكن لي أمل فيك, ولا بنيت من حبك أكواخًا ولا قصورًا. لا يركن إلى الأمل إلاّ من قصُر يومه فاختلس من غده.
أما أنا فقد كان حاضري يفيض بي ويفيض عني.
كان! فكل ذلك قد ولى وفات. وكأن الذي أغدق على بالأمس غير مسؤول - يتقاضاني اليوم ثمن الإسراف بالحرمان.
وكم من محروم مظلوم!
***
بعد أيام قلائل من لقائنا كنت قد قصصت عليك ماضيّ, وكل حادثة ساقتني إليك. أما أنت فقد مر الحول وبعض الحول ولست أدري عنك شيئًا. ما هممت بسؤالك ولا شكا قلبي من ظمأ. فليس الغموض الذي يحوطك إلاّ انبهار العين من نورك الوهاج. وهل لك ماضٍ? إنك لست بنت الحوادث, بل أنت أم الحياة!
***
خَالَلْتُكِ عامًا وبعض عام. فما سمعتك تنطقين بفكرة أو تبدين رأيًا. ما تلوثت شفتاك بالحكمة, ولا نضح لسانك بالفلسفة. ما دلست الحوادث عليك معاني موهومة مزيفة ليهتز لها رأسك استعبارًا. ما سمعتك تذكرين ولا تأملين. لا ماضي لك ولا مستقبل, بل كنت في كل لحظة كمال الحياة لتلك اللحظة. تنفجر منك الحياة كمنابع الأنهار, لا يهمها أتبدد النهر أم اغتاله مستنقع. أتبخر هباء أم سار لغايته إلى البحر البعيد. تثب الحياة الغضة من عينيك. تسيل على صدرك. تتدفق من على جسدك وأنت لا تشعرين. وكنت أنهل من معينها الصافي فأجد فيه نشوة لم أجدها من عتيق الخمور. وأنت - لشقائي - لا تشعرين; فليس أكبر الألم ألاّ يشعر الحبيب بألمك, بل ألاّ يشعر بسعادتك.
***
ما من مرة احتضنتك بين ذراعيّ إلاّ شعرت بقسوة الموت وظلمه. هذا الجسد الغض المتألق, تتفجر منه الحياة, يصبح يومًا ما أبخرة عفنة وعظامًا نخرة.
***
أَلبَستْها العاملة أمام المرآة كُلَّ ما لديها من معاطف, واحدًا بعد واحد, فإذا بجمالها يطغى على التغيير والتبديل, تبدو لها في كل معطف فتنة جديدة.
وددت لو استطعت أن أشتريها لك جميعًا.
عادت إلى المعطف الأزرق, وجربته مرة أخرى, ودار جسدها أمام المرآة. وجهها ساكن, ونظراتها ثابتة على توءميها.... "رفقًا بجيدك يا فتاتي!" ثم خلعته, وعادت إلى بقية المعاطف فلبستها كلها واحدًا بعد واحد, ثم أشارت إلى المعطف الأزرق وقالت متراخية:
- هذا!
وهكذا تشاء الصدف ألاّ يتعلق ذوقك إلاّ بأغلاها!
- تريثي! إذا لم يعجبك هذا المعطف فغيره كثير. تعالى أريك متاجر أخرى.
لمستهُ بطرف إصبعها وقالت:
- أقضي به هذا الموسم, وفي العام القادم أشتري غيره.
كم وددت لو أنك قلت: "تشتري لي أنت غيره".
دعوت الله أن يقسم لي شراءه, كما يدعو السقيم ربه أن يمنّ عليه بالشفاء.