في الحكي و تقنياته توجد السِّيرة الروائية ؛ بعوالمها المغرية و أفضيتها السَّاحرة وأزمانها وأحيازها الباهرة ، وشخوصها و ما تثيره من وفير الخيال و الحنين و الوجع . إن منطقها السردي يعمل في الخيال ، بما هو وجه آخر لحقيقة الجمال ، الذي يوطد علاقتنا بخطابها وألاعيبها . فضلا على أنها ، كنظرية ، تعتبر قسيم نظرية الأدب ، أو عندما أراد المفكر الدكتور الجزائري عبد المالك مرتاض أن يضعها في إطارها العام ، ألحقها بجنس الرواية ، فقال : الرواية ؛ هذه العجائبيَّة.
يشمل الفانتاستيك الروائي ، بالإضافة إلى زاوية الرؤية التي يخرج بها الكاتبُ إلى العالم ، الكيفية التي تجعل من الروائي محايدا في فعله الإبداعي غير خاضع لمؤثرات خارجية أيّا كانت مصادرها . أسوة بما فعلته الدكتورة الشاعرة زينب الأعوج ؛ زوجة الروائي العربي الكبير واسيني الأعرج ، حينما تركت ، هذا الأخير، على شفير سقوط في غرفة انتظار من سيرته الذاتية " سيرة المنتهى عشتها ... كما اشتهتني " ، وفضلت الابتعاد عن جـُذوة هذا النص السيري الباذخ ، والانضمام إلى سائر القراء يوم توقيعه . في ذات المقام ، يصبح المبدع تحت رحمة الذاكرة و إيحاءاتها الغريبة و توجُّساتها المخيفة ، التي تشمل معارج سماوات ، وفلكيات تـَحَوُّل مقيم نحو كشف مستور هذا الوجود الرمزي.
يظل الفانتاستيك الإبداعي شفيفا ، عندما يقلب الكاتب ، على غرار واسيني ، وجع التذكر بأساليبَ ؛ قريبة من النص الصوفي على عهد ابن عربي و النـِّفـَّري ، بعيدة عن المألوف والبديهي من نصوص السير ذاتي العربي . سَفر في كونيات الثقافة ؛ من تاريخ لم يكن لنا فيه رأي إلى حدود مشارف غياب قمين بالامِّحاء في معان و قيم ، من خلال أسس تشرعن المرور و الغزو الآمن ، حسب غاستون باشلار ، نحو إعادة كتابة هذا التاريخ ، أو عبر البحث عن أصول و تأصيلاتها في برٍّ آخرَ من دهاقنة الفكر و الثقافة الإنسانية من أمثال : سيمون دو بوفوار ، و مخذوع وهران ألبير كامو وأناييس نين وغيرهم . يسعى ، فيه الكاتب ، إلى البحث عن قيم مفقودة ، سواء في المشترك القريب و البعيد من الثقافة العربية و غير العربيَّة ، أو إلى تأصيل أصول تستغيب و تستغيم في يوم غائم ، مادام المشترك الإنساني هو المحرك الأسْنى لعجلة هذا التاريخ المعطوب.
ولمَّا كان الإبداعُ قطعة من لحم و دم ، سَار واسيني على درب البناء والتشييد لتجربته العاطفية والحسية في " سيرة المنتهى " ، جاعلا منها ـ أي التجربة ـ نـُسكا يفيض ألما وأملا ، جرَّاء صوت غامض يؤوبُ في المنتهى . يقول:
ـ شيطانة مأخوذة بك . بالضبط يا قلبي .
ـ لم أقصد ... عفوا.
ـ سمعت صوتها ، ثم صوتي ، في داخلي .
لعبة الأصوات و تراسلها ، شهب بوليفونية تقتص من الفانتاستيك ـ كما يقتص الحَطابُ من جذع نخلة ، كانت بالأمس القريب يستظل بفيْـئها الوارف ناسكون و عُبَّد و عابرو سبيل ـ وتجره نحو الاعتراف بباقي الوحدات في العمل الإبداعي ؛ مع الحرص كل الحرص ألاَّ يهيمن طرف على باقي الأطراف الأخرى . ومنه فلعبة التوازنات ، داخل السيرة الذاتية ، تشغل مساحة كبيرة في المتن الحكائي راهن عليها واسيني انطلاقا من دهشة الجبل الأعظم إلى حدود تيهانه تحت عباءة المحارب دون كيخوطي . ومن هنا نستحضر ذلك الشموخ الذي وقعه الكاتب ، عبر المكاشفات و الانتقادات ، غير المصرح بها ، التي وجهها إلى الذات و الآخر عبر مسار التاريخ الإنساني .
لم يكن لِبَانُ الحكي في " سيرة المنتهى " ذاهبا نحو غيْمة المشتهى فحسب ، وإنـَّما هو دعوة صريحة إلى تشكيل فسيفساء تاريخ الذات ، وما يعتورها من حفر لا تكف عن الامتلاء في هذا العالم الفسيح . وذلك ، حينما سئمنا تاريخا مليئا بالأعطاب و الحفر . إن العودة إلى الذات مشوبة بحذر و قلق وجودي ، أو دهشة في محراب كلمة تضيء الصَّريم. يقول واسيني : " شيء من جدي الرُّوخو يملؤني ، الآن ، لدرجة أنه لم يترك متـَّسعا لغيره في قلبي و هواجسي ... و التي دفعته أحْيَانا إلى لعن اللحظة التي قادته صوب أرض لم تكن أقل بطشا من الأراضي الأخرى " . فبالرغم من حكي مُمَركز و مُبَأَّر حول ذات الكاتب ، إلا أنه استطاع أن يفصل بين " الأنا " السردي و " الأنا " الراوي ، مما ألقي بظلال عريش الزمن و هرعه نحو الشيخ الأكبر ؛ مُحي الدين بن عربي .
إن لعبة الزمن في " سيرة المنتهى " شبيهة برمية نرد على طاولة الندماء ؛ وجه يظهر وآخر يتوارى مدسوسا و ملغوما ، تكشف عنه لحظة اليقين . ولأن الزمن خطيٌّ ؛ فإنه يظهر ويختفي كومضة ضوء تستفزُّ وَتـْغ العتمات . فالزمن موجود يخامرنا في سيرة واسيني ؛ انطلاقا من الجد البعيد الروخو الأندلسي ، و ذكرى وجع هزيمة سقوط غرناطة ونازحين مورسكيين ، إلى حدود الوالد وما ولد . وفيه تشتد قوة الانحدار ، نزولا إلى جذور شجرة العائلة مع الأب الشهيد والأم ميما أميزار ؛ حمَّام الملائكة . يقول الكاتب : " وعندما انتهيت من حمام الملائكة ، رأيت اليد الناعمة تمد لي الفوطة الكبيرة ... بقيت اليد الممدودة لحظات معلقة في الهواء ، وأنا أتأمل أصابعها التي شعرت بها أليفة جدا " . فما كان لجسد
الملائكة ، إلا أن يصبح منذورا للتربية و الإقامة الدائمة فيها ، بهدف تنشئة اجتماعية مسجورة بدفق الحنان والتحنان . سيما وأن الفراغ الذي خلفه غياب الأب الشهيد جعل ، على جرف هار ، أسرة واسيني الصغيرة ، كسائر الأسر العربية الباتريركية ، التي توطن الأب في قلب العمود و النصب لحملها ؛ و الدفع بها نحو شاطئ النجاة .
لكن ، إذا كنا نشعر بوهمية الزمن ، فأيُّ إقامة في سيرة المنتهى تلبس لبوس السقوط والتأمل و الحذر و الخوف و الألم ، شبيها برقصة ثور مذبوح في الكوريدا الإسبانية . كانت وهمية الزمن تتمثل في التنبُّؤِ بتغيير مسار التاريخ في تلك الربوع العربية ، لو لم يتم طرد المورسكيين من الأندلس بعد سقوط مدوٍّ ومهين لغرناطة . وفي ذلك كله ، يقترب واسيني الأعرج بخطى المشَّاء الواثق من " ثلاثية غرناطة " لرضوى عاشور ، عندما سُحل المسلمون على أعتاب الكنائس و المساجد و المعابد القديمة ، وطردوا شر طردة ، وافرنقعوا شر افرنقاع . فغرناطة ذلك الحلم المُنمنم في الكرى ، ولكل غرناطته حسب لويس أرغون أو مجنون إلسا ، كما أشارت رضوى عاشور في إحدى محاضراتها التي ألقتها الدكتورة في مدريد و غرناطة بمناسبة الترجمة الإسبانية للروايتها .
لكن ، كيف لهذا المشاء على سدرة المنتهى أن يصبح مضاهيّا، في بهاء ، دون كيخوط زمانه ؟ أهو مسكون بإعادة ، إلى الخلف ، بندول تاريخ عربي ميـْسمه هزيمة فكرية وحضارية ـ نزَّاعة الشـَّوى ؛ لتدارك زمن وجيع بائد ؟ أم حبه للمغامرة و عدم الاستسلام ، و تعلقه الجامد بسُجوف الحياة ، خلق منه إنسانا قابلا للتحول و الإبدال ؛ بل قابلا للتشوه إلى حد المسخ الكفكاوي ؟
في " سيرة المنتهى " ، لواسيني الأعرج ،عشق و وله إلى حد الجنون لحياة من خلال الزمان و تعلقه الدائم و المستمر بأهداب المكان أيضا . عشق الحياة يظهر في الحياة نفسها ، من دون مواربة ولا خذلان و لا مخاتلة . يقول الكاتب : " لا علاقة لها بها كنت قد خططت له من قبل أو جئت من أجله . من اسم أمطار أمستردام ، إلى شرفات بحر الشمال . لهذا أشعر دائما أنه لا شيء يضاهي قوة الحياة " . يخطو واسيني في " سيرة المنتهى " خطوة أبعدَ و أشملَ في الشعور بالإحساس ، والتذوق لعلاقات كان يربطها مع قوى فاعلة في السيرة ؛ فضلا عن تشبثه القوي الجامد بالحياة من خلال شرفة الجدة " حنا فاطنة " التي تطل على حدائق تصوف الشيخ الأكبر ، ليتحول فيما بعد الى حفنة من نور تضيء . بالموازاة ، استطاع الكاتب أن يعرّج إلى السماوات ، في لحظة صفاء و طهارة برفقة جده الأول الروخو ، استشرافا للمكان الطاهر ، مبعث النور و الضياء .
من خلال البناء الصوفي المتماسك السَّدَى ، تمَّ تشييد " سيرة المنتهى " لواسيني الأعرج . وفيها عشق ووجدٌ لمحكيات مقام الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي من خلال أواصر رحلت صاعدة في التاريخ البعيد ؛ تاريخ الأندلس ، نازلة في دهشة المكاشفات ، التي تغذي النص السيري . فضلا عن شرعنته مبادئ التقارب المحتمل بين مختلف الأديان . وفي معنى ذلك ، استطاع واسيني في " سيرة المنتهى " أن يخلخل ثوابت أشكال السرد في التراث العربي ؛ مقانيا بين الصوفية و التاريخ ، وبين الخرافة و الأسطورة و بين الذات والآخر في وَجَدها السَّرمدي .
يشمل الفانتاستيك الروائي ، بالإضافة إلى زاوية الرؤية التي يخرج بها الكاتبُ إلى العالم ، الكيفية التي تجعل من الروائي محايدا في فعله الإبداعي غير خاضع لمؤثرات خارجية أيّا كانت مصادرها . أسوة بما فعلته الدكتورة الشاعرة زينب الأعوج ؛ زوجة الروائي العربي الكبير واسيني الأعرج ، حينما تركت ، هذا الأخير، على شفير سقوط في غرفة انتظار من سيرته الذاتية " سيرة المنتهى عشتها ... كما اشتهتني " ، وفضلت الابتعاد عن جـُذوة هذا النص السيري الباذخ ، والانضمام إلى سائر القراء يوم توقيعه . في ذات المقام ، يصبح المبدع تحت رحمة الذاكرة و إيحاءاتها الغريبة و توجُّساتها المخيفة ، التي تشمل معارج سماوات ، وفلكيات تـَحَوُّل مقيم نحو كشف مستور هذا الوجود الرمزي.
يظل الفانتاستيك الإبداعي شفيفا ، عندما يقلب الكاتب ، على غرار واسيني ، وجع التذكر بأساليبَ ؛ قريبة من النص الصوفي على عهد ابن عربي و النـِّفـَّري ، بعيدة عن المألوف والبديهي من نصوص السير ذاتي العربي . سَفر في كونيات الثقافة ؛ من تاريخ لم يكن لنا فيه رأي إلى حدود مشارف غياب قمين بالامِّحاء في معان و قيم ، من خلال أسس تشرعن المرور و الغزو الآمن ، حسب غاستون باشلار ، نحو إعادة كتابة هذا التاريخ ، أو عبر البحث عن أصول و تأصيلاتها في برٍّ آخرَ من دهاقنة الفكر و الثقافة الإنسانية من أمثال : سيمون دو بوفوار ، و مخذوع وهران ألبير كامو وأناييس نين وغيرهم . يسعى ، فيه الكاتب ، إلى البحث عن قيم مفقودة ، سواء في المشترك القريب و البعيد من الثقافة العربية و غير العربيَّة ، أو إلى تأصيل أصول تستغيب و تستغيم في يوم غائم ، مادام المشترك الإنساني هو المحرك الأسْنى لعجلة هذا التاريخ المعطوب.
ولمَّا كان الإبداعُ قطعة من لحم و دم ، سَار واسيني على درب البناء والتشييد لتجربته العاطفية والحسية في " سيرة المنتهى " ، جاعلا منها ـ أي التجربة ـ نـُسكا يفيض ألما وأملا ، جرَّاء صوت غامض يؤوبُ في المنتهى . يقول:
ـ شيطانة مأخوذة بك . بالضبط يا قلبي .
ـ لم أقصد ... عفوا.
ـ سمعت صوتها ، ثم صوتي ، في داخلي .
لعبة الأصوات و تراسلها ، شهب بوليفونية تقتص من الفانتاستيك ـ كما يقتص الحَطابُ من جذع نخلة ، كانت بالأمس القريب يستظل بفيْـئها الوارف ناسكون و عُبَّد و عابرو سبيل ـ وتجره نحو الاعتراف بباقي الوحدات في العمل الإبداعي ؛ مع الحرص كل الحرص ألاَّ يهيمن طرف على باقي الأطراف الأخرى . ومنه فلعبة التوازنات ، داخل السيرة الذاتية ، تشغل مساحة كبيرة في المتن الحكائي راهن عليها واسيني انطلاقا من دهشة الجبل الأعظم إلى حدود تيهانه تحت عباءة المحارب دون كيخوطي . ومن هنا نستحضر ذلك الشموخ الذي وقعه الكاتب ، عبر المكاشفات و الانتقادات ، غير المصرح بها ، التي وجهها إلى الذات و الآخر عبر مسار التاريخ الإنساني .
لم يكن لِبَانُ الحكي في " سيرة المنتهى " ذاهبا نحو غيْمة المشتهى فحسب ، وإنـَّما هو دعوة صريحة إلى تشكيل فسيفساء تاريخ الذات ، وما يعتورها من حفر لا تكف عن الامتلاء في هذا العالم الفسيح . وذلك ، حينما سئمنا تاريخا مليئا بالأعطاب و الحفر . إن العودة إلى الذات مشوبة بحذر و قلق وجودي ، أو دهشة في محراب كلمة تضيء الصَّريم. يقول واسيني : " شيء من جدي الرُّوخو يملؤني ، الآن ، لدرجة أنه لم يترك متـَّسعا لغيره في قلبي و هواجسي ... و التي دفعته أحْيَانا إلى لعن اللحظة التي قادته صوب أرض لم تكن أقل بطشا من الأراضي الأخرى " . فبالرغم من حكي مُمَركز و مُبَأَّر حول ذات الكاتب ، إلا أنه استطاع أن يفصل بين " الأنا " السردي و " الأنا " الراوي ، مما ألقي بظلال عريش الزمن و هرعه نحو الشيخ الأكبر ؛ مُحي الدين بن عربي .
إن لعبة الزمن في " سيرة المنتهى " شبيهة برمية نرد على طاولة الندماء ؛ وجه يظهر وآخر يتوارى مدسوسا و ملغوما ، تكشف عنه لحظة اليقين . ولأن الزمن خطيٌّ ؛ فإنه يظهر ويختفي كومضة ضوء تستفزُّ وَتـْغ العتمات . فالزمن موجود يخامرنا في سيرة واسيني ؛ انطلاقا من الجد البعيد الروخو الأندلسي ، و ذكرى وجع هزيمة سقوط غرناطة ونازحين مورسكيين ، إلى حدود الوالد وما ولد . وفيه تشتد قوة الانحدار ، نزولا إلى جذور شجرة العائلة مع الأب الشهيد والأم ميما أميزار ؛ حمَّام الملائكة . يقول الكاتب : " وعندما انتهيت من حمام الملائكة ، رأيت اليد الناعمة تمد لي الفوطة الكبيرة ... بقيت اليد الممدودة لحظات معلقة في الهواء ، وأنا أتأمل أصابعها التي شعرت بها أليفة جدا " . فما كان لجسد
الملائكة ، إلا أن يصبح منذورا للتربية و الإقامة الدائمة فيها ، بهدف تنشئة اجتماعية مسجورة بدفق الحنان والتحنان . سيما وأن الفراغ الذي خلفه غياب الأب الشهيد جعل ، على جرف هار ، أسرة واسيني الصغيرة ، كسائر الأسر العربية الباتريركية ، التي توطن الأب في قلب العمود و النصب لحملها ؛ و الدفع بها نحو شاطئ النجاة .
لكن ، إذا كنا نشعر بوهمية الزمن ، فأيُّ إقامة في سيرة المنتهى تلبس لبوس السقوط والتأمل و الحذر و الخوف و الألم ، شبيها برقصة ثور مذبوح في الكوريدا الإسبانية . كانت وهمية الزمن تتمثل في التنبُّؤِ بتغيير مسار التاريخ في تلك الربوع العربية ، لو لم يتم طرد المورسكيين من الأندلس بعد سقوط مدوٍّ ومهين لغرناطة . وفي ذلك كله ، يقترب واسيني الأعرج بخطى المشَّاء الواثق من " ثلاثية غرناطة " لرضوى عاشور ، عندما سُحل المسلمون على أعتاب الكنائس و المساجد و المعابد القديمة ، وطردوا شر طردة ، وافرنقعوا شر افرنقاع . فغرناطة ذلك الحلم المُنمنم في الكرى ، ولكل غرناطته حسب لويس أرغون أو مجنون إلسا ، كما أشارت رضوى عاشور في إحدى محاضراتها التي ألقتها الدكتورة في مدريد و غرناطة بمناسبة الترجمة الإسبانية للروايتها .
لكن ، كيف لهذا المشاء على سدرة المنتهى أن يصبح مضاهيّا، في بهاء ، دون كيخوط زمانه ؟ أهو مسكون بإعادة ، إلى الخلف ، بندول تاريخ عربي ميـْسمه هزيمة فكرية وحضارية ـ نزَّاعة الشـَّوى ؛ لتدارك زمن وجيع بائد ؟ أم حبه للمغامرة و عدم الاستسلام ، و تعلقه الجامد بسُجوف الحياة ، خلق منه إنسانا قابلا للتحول و الإبدال ؛ بل قابلا للتشوه إلى حد المسخ الكفكاوي ؟
في " سيرة المنتهى " ، لواسيني الأعرج ،عشق و وله إلى حد الجنون لحياة من خلال الزمان و تعلقه الدائم و المستمر بأهداب المكان أيضا . عشق الحياة يظهر في الحياة نفسها ، من دون مواربة ولا خذلان و لا مخاتلة . يقول الكاتب : " لا علاقة لها بها كنت قد خططت له من قبل أو جئت من أجله . من اسم أمطار أمستردام ، إلى شرفات بحر الشمال . لهذا أشعر دائما أنه لا شيء يضاهي قوة الحياة " . يخطو واسيني في " سيرة المنتهى " خطوة أبعدَ و أشملَ في الشعور بالإحساس ، والتذوق لعلاقات كان يربطها مع قوى فاعلة في السيرة ؛ فضلا عن تشبثه القوي الجامد بالحياة من خلال شرفة الجدة " حنا فاطنة " التي تطل على حدائق تصوف الشيخ الأكبر ، ليتحول فيما بعد الى حفنة من نور تضيء . بالموازاة ، استطاع الكاتب أن يعرّج إلى السماوات ، في لحظة صفاء و طهارة برفقة جده الأول الروخو ، استشرافا للمكان الطاهر ، مبعث النور و الضياء .
من خلال البناء الصوفي المتماسك السَّدَى ، تمَّ تشييد " سيرة المنتهى " لواسيني الأعرج . وفيها عشق ووجدٌ لمحكيات مقام الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي من خلال أواصر رحلت صاعدة في التاريخ البعيد ؛ تاريخ الأندلس ، نازلة في دهشة المكاشفات ، التي تغذي النص السيري . فضلا عن شرعنته مبادئ التقارب المحتمل بين مختلف الأديان . وفي معنى ذلك ، استطاع واسيني في " سيرة المنتهى " أن يخلخل ثوابت أشكال السرد في التراث العربي ؛ مقانيا بين الصوفية و التاريخ ، وبين الخرافة و الأسطورة و بين الذات والآخر في وَجَدها السَّرمدي .