عـتـبة الاحتفال :
في نـظـر ما يسمى ( الإحتفالية ) المسرح حفل واحتفال وتواصل شعـبي ووجداني بين الذوات . فمن هـذا المنظور فمسألة ( الدعـم المسرحي) حفل واحتفال ! - احتفال- قبلي؛ ما دمت الجمعية المسرحية ؛ تستعِـد لخوض غماره ؛ بكُـل نشـوة وفـرح ؛ من أجل تقديم المتعة والفائدة الفنية / الجمالية ؛ بناء على إنجاز ملفها كمشروع مقترح ومختار: نصه وسينوغرافيته وملابسه وممثلوه سلفا ؛ وباتفاق كل الأطراف المساهمة ؛ في العمل المسرحي ؛على نسبة التعويضات وأجور العاملين في المشروع باستثناء الممثل؛ هـذا الأخير ؛ يتقاضى أتعابه وحقوقه المالية في مرحلة العروض المقدمة والمقتطعة من الميزانية المخصصة للإنتاج الذي ستناله الجمعية ( الشركة / محترف/ وكالة / فـرقة / وكيل فني....)!... ويزداد أوج الاحتفال حينما تحظى تلك وهذه الجمعية من الدعم المسرحي؛ مقابل هـذا فالتي لا تنال الدعم بدورها تمارس الإحتفال؛ من خلال الغضب والاحتجاج والصراخ بين المقاهي والأندية؛ وتدوين العرائض؛ والتهديد بكشف المستور بين هـذا وأعضاء اللجنة ؛ أو استخراج المكالمات الهاتفية السرية بين اللامدعم وأعضاء أصحاب الدعم ! وفي كلا الحالتين المدعم واللامدعم يمارسون احتفاليتهم ( لأن الاحتفال هو أصدق تعبير عن الحسّ الجماعي، نحن نحتفل تعبيرًا عن حالات الفرح والحزن والغضب والفقد.( هكـذا قالت :الإحتفالية ) والله أعلم . وبالتالي من صـنع هـذا الاحتفال ؟ أليست وزارة الثقافة والاتصال . فهاته الوزارة منطقية في تدبيرها؛ بحيث لم تصنع الإحتفال/ الكرنفال/عيد جماعي؛ كوَهْـم له علائق بالساحات و الاسواق و المواسم ؛ بل حقيقة مرتبط بخزينة الدولة ( المال العام) ومحاولة التهافت عليه كل حسب خِـبراته وأساليبه وطرق مناوراته. مادام الدعم في نظر البعض لعبة اللاعبين؛ في زمن سنوي محدد؛ وله شروطه المشروطة ومحكومة بقواعد مسطرة في دفتر التحملات .
إذن؛ في كل الأحـوال. لنقبل ونـتقبل قرارات لعْـبة ( الدعـم) سواء استفدنا منه أم لا. لأن كل المسرحيين وافقوا على لعبة اللآعبين وتهافتوا على شق ما يسمى ظلما وجورا في بلادنا ب ( الاحتراف) منذ ظهور سياسة الدعم المسرحي في 1998؟
فمن هـذا المنطلق؛ لا بدّ من فصل المقال. وبغير هذا الفصل، فستصبح تجربة – الدعْـم - خارج سياقها التاريخي و شروطها الذاتية والموضوعية ، مؤكـدين على أن هـذا هـوليس الواقع الحقيقي للمسرح المغربي، ومن أراد أن يؤمن بواقع آخـر فله ذلك، وسيظل الفاعل المسرحي خارج المنطق وخارج التاريخ . من هنا فالكـل انـجـر وراء اللامنطقي واللاتاريخ ؛ بما فيهم دعاة التنظير للمسرح المغربي؛ الذين كانوا يوهمون ( ديونيزوس) أنهم يساهمون ويُفعِّـلون الحركة المسرحية ! لكن مسألة دعْـم [الإنتاج والترويج ] كشفت عورة وسلوكات ومسلكيات الأغلب الأعم من المسرحيين/ اللاعبين/ الانتفاعيين؛ بعْـدما مارسوا عملية العبور التعَـسفي؛ من تجربة الهواية إلى تجربة الاحتراف؛ لتكون بداية البدايات للمسرح ؛ أو العَـودة لدرجة الصفر في تاريخ المسرح المغربي. مزاحمين بذلك مجموع خريجي المعهد المسرحي؛ والمتفرغين الذين راكموا تجربة وتاريخا لا يستهان به .
طبعا المسرح / الدعم ! ليس ملك لأحـد؛ مادام هو – احتفال- وصادر من مؤسسة تراعي المجال الثقافي؛ ايمانا بأن عصب التنمية البشرية هو الثقافة الواسعة ؛ ذات حمولة قيم للمواطنة والارتقاء بالحس المدني وغرس تربية الجمال وعشقه.. . وبالتالي فسياسية الدعم في بعدها الأعـم، الحـد من المحسوبية و الإقصاء ؛ الذي كانت تعاني من أغلب الجمعيات المسرحية ؛ وبثـْر عملية الريع المطلق ؛ وما كان يُـقدم للمحظوظين /المقربين وذوي العلاقات الشخصية... من دعم بدون شروط وخارج المساطر المالية/القانونية؛ ولا متابعة ومحاسبة للمستفيدين منه . يكفي أن تكون مواليا لحزب الوزير أومن فصيل (ذاك) المجلس البلدية وحتى القروي أو من المقربين للسلطة.
إذن ؛ فوضى الريع الذي عمَّر طويلا واغتنى منه العَـديد من المسرحيين/ اللاعبين ، هَـل فعلا سياسة دعْـم [الإنتاج والترويج المسرحي] أوقـفت هـذا النزيف المالي ؟
بــاب الدعـــم :
من المغالطات السائدة أن سياسة الدعم المسرحي ؛ هي وليدة 1998( حكومة التناوب) بالعكـس؛ لأن مصدر الدعم /التنمية "الصندوق الوطني للعمل الثقافي" هذا الحساب تم فتحه برسم السنة المالية 1983 لتغطية كل المجالات والعمليات المرتبطة بالعمل الثقافي؛ وتم تعديله : بناء على الفصل 33 من قانون المالية رقم 24.82 لسنة 1983 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.82.332 بتاريخ 15 من ربيع الأول 1403 (31 ديسمبر 1982) كما وقع تغييره وتتميمه ولاسيما بالمادة 53 من القانون المالي رقم 12.98 للسنة المالية 1998- 1999وبالمادة 36 من القانون المالي رقم 26.99 للسنة المالية 1999- 2000 (1) والذي يرسخ هـذا التعديل [المادة الرابعة] تقول : ترصد ميزانية دعم الإنتاج وترويج الأعمال المسرحية وكذا ميزانية دعم نشر الكتاب المغربي ضمن الاعتمادات المفتوحة في الحساب المرصد لأمور خصوصية المسمى " الصندوق الوطني للعمل الثقافي(2) فمن هـذا الصندوق كان الريع مستفحلا بين المقربين وذوي الحظوظ ؛ ولا يمكن القفز على هاته الحقبة من ظاهرة الريع الثقافي! والتي كان المال العام يتسرب من الوزارة بدون أي وجه حق والذي يتعارض مع القانون ومع الشفافية والحكامة الاقتصادية الجيدة! ولا علاقة له بالاستحقاق والجهد والمنافسة ! مما خلف وراءه قيما وسلوكات غير مشرفة في النسيج المسرحي وغيره؛ زادت في بهدلة الفنانين؛ مما تم تأطيرهم في برواز ، كفئة تسعى لامتيازات؛ خارج الضوابط واحترام المجتمع ؛ لأن في الأصل ، فاقتصاد الريع كسب قائم على منح الامتيازات واكتساب الولاءات حسب طبيعة النوعية والاهتمام ؛ مقابل هذا فـهو عـدو همجي على السوق المبني على العرض والطلب ؛ وشَـرٌّ رهِـيب على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ! ولا ننسى أن للريع الثقافي جذور: قبل حكومة التناوب كان هناك ريع بكل تأكيد، لكنه لم يكن بهذه الفظاعة ولا بهذه الفئوية والحزبية الضيقة ، إذ كانت جمعيات السهول والجبال والأنهار عنوانا كبيرا لهذا الريع، ولكن الأمر لم يكن بهذا الغموض الذي جاء مع حكومة التناوب (3) وبناء عليه فالعديد من الفعاليات والجمعيات الثقافية والمسرحية ؛ استفادت من الريع الثقافي واغتنت منه ؛ وفي سياق موضوعنا فما يسمى ( الإحتفالية ) بدورها كانت تتغذى وتنمو من الصندوق الوطني للعمل الثقافي .وكانت تتعشى وتتمدد من صندوق تابع لمركز الأبحاث المسرحية ؛ والقليل يعرف أن ذاك الصندوق؛ من ثرواته كان يقام المهرجان الوطني لمسرح الهواة ؛ الذي لم يستطع أحد أن يجيب [ من أهـدر دمه] ؟
إذن ؛ فطبيعة التحولات الاقتصادية فرضت تعْـديل / تغيير العديد من المساطروالقوانين؛ لملآمتها بمشاريع الخوصصة و تحرير الاقتصاد ومواكبة روح العولمة التي تندرج منها - اقتصاديات الثقافة - كرهان استراتيجي لتحسين حكامة الشأن الثقافي لمحاولة القضاء على مظاهر الريع الثقافي بوضع معايير موضوعية للدعم الثقافي على أساس دفاتر تحملات ذات التزامات واضحة.لأن اقتصاديات الثقافة تمثل في : مجموعة الأنشطة والتبادلات الثقافية الخاضعة لقواعد اقتصادية، من إبداع وإنتاج وتوزيع واستهلاك لسلع ثقافية. ومن أهم خصائص اقتصاديات الثقافة تبرز طبيعتها المزدوجة ؛ الاقتصادية )خلق الثروة وفرص العمل ( والثقافية ) إنتاج القيم والمعنى( تندرج ضمن تقاطع جدلي ما بين الاقتصادي والثقافي، بحيث يجعل من الإبداع والابتكار والتجديد في قلب النشاط أو المنتوج. ويتميز عن باقي القطاعات الاقتصادية بتنظيم مختلف من حيث طبيعة العمل. ويتشكـل في الغالب الأعم من مقاولات صغرى ومتوسطة (4) الإشكالية هـنا؛ فالمسرح لا يتوفر على مقاولات بل على جمعيات خاضعة للظهير؛ علما أن التقرير يؤكد بأن المقاولات الثقافية تشتغل في السينما و السمعي البصري. وإن كان الدعم في كليته ؛ لا يشجع المقاولات على الاستثمار في الشأن الثقافي، نجد مقابلها في المسرح (جمعية /محترف/ فرقة/ شركة/ وكيل فني/...) يبدو لي أن هاته مجرد يافطات للحصول على الدعم المسرحي؛ لأن المجلس الأعلى للحسابات ؛ يشير صراحة حول الدعم الموجه للجمعيات بهدف تنشيط الحركة الثقافية بالقول التالي: عـدم إدلاء الجمعيات التي تتلقى الدعم من وزارة الثقافة بصفة منتظمة بميزانياتها وحساباتها كما هو منصوص عليه في المادة 32 من الظهير الشريف رقم 1.58.376 بتنظيم الحق في تأسيس الجمعيات(5) فلم يقل (تعاونية/ شركة/مقاولة/...) ففي هـذا الإطار هل الدعم يندرج ضمن اقتصاديات الثقافة ؛ وهُـو مُوجَّه للجمعيات/ الفـرق؟ بدون مواربة فالدعم المسرحي لن يحقق ذلك ؛ لأنها: تَجمع اقتصاديات الثقافة بين الشروط المؤسسية والمادية ونمط التدبير، وبين ديناميات التنشيط للقطاعات المرتبطة بالثقافة، بحيث من خلالها يتمّ الترويج للمنتوجات الثقافية، وتحريك سوق لها تسمح بخلق التوازن بين العرض و الطلب، وبين الإبداع ومقتضيات التدبير، والإنتاج والتوزيع في هذا المجال(6) ففي شبه غياب الشروط المؤسسية والمادية ونمط التدبير؛ فمن الصعب جدا خلق الثروة وفرص العمل. علما أن الانتاج المسرحي بوصفه شكل من أشكال النشاط الاقتصادي ينطوي على حساب الكلفة والتكلفة والربح والخسارة ؛ قبل هذا تهيئة مستلزمات العمل المادية والبشرية والادارية والتقنية ؛ التي لامناص من تخطيط و دراسة الموازنة الانتاجية اللازمة لتأمين عملية الترويج له وتسويقه في السوق الثقافية. وبالتالي ما هو كائن ! فالدعم المسرحي يبقى ضرب من العبت ومضيعة للمال العام؛ وإن كان في الأصل تم تعديل صندوق الدعم من أجل خريجي المعهد المسرحي؛ كمتنفس أولي للشغل؛ وبشكل آلي يلاحظ تقديم خريجي المعهد على الفرق المقدمة لطلب الدعم بواسطة قانون الدعم و دفتر التحملات ، والتنصيص على وجوب إشراك الكفاءات الشابة من خريجي المعاهد الفنية وتشغيلهم من طرف الفرق المرشحة للدعم . لكن أغلب المسرحيين انخرطوا في العملية وأضحـوا متدافعين ومندفعين نحو( الدعم/ الريع) بدل الانتاج والعطاء الفني والإبداعي. وأصبح البعض ينتظر كل عام لتلك المبالغ الخرافية ؛متحايلا على الظرفية؛ وهناك قضايا كثيرة في هـذا المضمار( مثلا ): بعد الشنآن الذي حصل بين فرقة مسرح البدوي والوزارة الوصية... والتي أصدرت بيانا توضيحيا في الموضوع، شرحت فيه أن ما جاء في بيان فرقة البدوي هو "ابتزاز غايته الحصول على الدعم فقط"(7) لكن بعض المسرحيين الذين حذروا من الريع الثقافي؛ بعد فترة سقطوا فيه واستفادوا منه وقامت عليهم ضجة ( احتفالية ) ولكن لا أدري لماذا لم تقم الضجة على البعض الآخر؟ فالذي يهمنا في هذا الباب ؛ بأن الدعم المسرحي؛ خلق إشكالات متعددة وتساؤلات مثيرة للجدل ؛ كهل هناك فعلا شفافية وحكامة أم الأمر يعْـدو مدخلا لما بعْـد الاستثناء الثقافي؟ وبالتالي هل بالتأكيد يُحارب المسرح بطرق متعددة مدخله [ الدعم] كوسيلة وصك لإدخاله السوق ليخضع للمنطق التجاري كباقي المنتوجات . لما للمسرح من قوة جماهيرية ؛ وتواصل مباشر ؟ فلماذا هرول الانتهازيون والانتفاعيون من كل حدب و صوب . ووقف بعض المبدعين وقفة تأمل؛ و منهم من غادر ومنهم من يحاول الاستمرار؟ خارج لعبة الدعم ! لأن هنالك حججا لا يمكن الطعن فيها وخاصة ملاحظة المجلس الأعلى للحسابات حول دعم الفرق المسرحية:
- غياب مجموعة من والوثائق المكونة لملف الدعم: بطاقة نموذجية تعبأ من طرف لجنة الانتقاء، وعقد الدعم، وجذاذة مفصلة لصرف الدعم...الخ؛
- عَـدم احترام بعض بنود عقد الدعم، كتقليص عدد الممثلين الواردين ضمن اللائحة المرفقة بالملف المقدم للجنة الانتقاء أو تغييرهم .
- عَـدم احترام البرنامج المفصل للعروض المتفق عليه في عقد الدعم وعدم تحديد جدول زمني لهذه العروض.
- عَـدم احترام مقتضيات المرسوم رقم 2.00.354 المؤرخ بفاتح نونبر 2000 والمتعلق بمنح إعانات مالية في الميدان المسرحي، حيث أن هناك بعض المستفيدين من الدعم يراكمون عدة مهام في إطار مشروع واحد(مؤلف وممثل وحيد ومخرج) وينتج عن ذلك استحواذ شخص واحد على قرابة 50 % من مبلغ الدعم الممنوح(8) وهذا يكشف عن انوجاد فوضى في صرف المال العام المخصص لدعم المسرح المغربي. فهل هاته الفوضى؛ لها علاقة وطيدة بالفوضى الخلاقة ؟
الإحــــالات
1) انظر الجريدة الرسمية عدد 4848 بتاريخ 16/11/2000 الصفحة 3026 ما يتعـلق بمنح إعانات مالية في ميداني المسرح والكتاب
2) نـــفـــســه
3)هناك ريع ثقافي وعلى الوزير الحالي الكشف عن أسماء المستفيدين من الدعم - حوار مع برشيد: جريدة المساء حاوره – الطاهر حمزاوي بتاريخ 29/06/2012
4) اقتصاديات الثقافة تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي- ص12 - إحالة ذاتية رقم 25 / 2016
5) التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2015 ص52
6) اقتصاديات الثقافة ص21
7) مسرحيون يحذرون من الريع الثقافي بسبب قضية "البدوي والصبيحي" موقع هسبريس - متابعة لعبد الصمد الراجي في 12/07/2013
8) التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2015 ص56
ملفات | الأنطولوجيا
Réponse rapide
في نـظـر ما يسمى ( الإحتفالية ) المسرح حفل واحتفال وتواصل شعـبي ووجداني بين الذوات . فمن هـذا المنظور فمسألة ( الدعـم المسرحي) حفل واحتفال ! - احتفال- قبلي؛ ما دمت الجمعية المسرحية ؛ تستعِـد لخوض غماره ؛ بكُـل نشـوة وفـرح ؛ من أجل تقديم المتعة والفائدة الفنية / الجمالية ؛ بناء على إنجاز ملفها كمشروع مقترح ومختار: نصه وسينوغرافيته وملابسه وممثلوه سلفا ؛ وباتفاق كل الأطراف المساهمة ؛ في العمل المسرحي ؛على نسبة التعويضات وأجور العاملين في المشروع باستثناء الممثل؛ هـذا الأخير ؛ يتقاضى أتعابه وحقوقه المالية في مرحلة العروض المقدمة والمقتطعة من الميزانية المخصصة للإنتاج الذي ستناله الجمعية ( الشركة / محترف/ وكالة / فـرقة / وكيل فني....)!... ويزداد أوج الاحتفال حينما تحظى تلك وهذه الجمعية من الدعم المسرحي؛ مقابل هـذا فالتي لا تنال الدعم بدورها تمارس الإحتفال؛ من خلال الغضب والاحتجاج والصراخ بين المقاهي والأندية؛ وتدوين العرائض؛ والتهديد بكشف المستور بين هـذا وأعضاء اللجنة ؛ أو استخراج المكالمات الهاتفية السرية بين اللامدعم وأعضاء أصحاب الدعم ! وفي كلا الحالتين المدعم واللامدعم يمارسون احتفاليتهم ( لأن الاحتفال هو أصدق تعبير عن الحسّ الجماعي، نحن نحتفل تعبيرًا عن حالات الفرح والحزن والغضب والفقد.( هكـذا قالت :الإحتفالية ) والله أعلم . وبالتالي من صـنع هـذا الاحتفال ؟ أليست وزارة الثقافة والاتصال . فهاته الوزارة منطقية في تدبيرها؛ بحيث لم تصنع الإحتفال/ الكرنفال/عيد جماعي؛ كوَهْـم له علائق بالساحات و الاسواق و المواسم ؛ بل حقيقة مرتبط بخزينة الدولة ( المال العام) ومحاولة التهافت عليه كل حسب خِـبراته وأساليبه وطرق مناوراته. مادام الدعم في نظر البعض لعبة اللاعبين؛ في زمن سنوي محدد؛ وله شروطه المشروطة ومحكومة بقواعد مسطرة في دفتر التحملات .
إذن؛ في كل الأحـوال. لنقبل ونـتقبل قرارات لعْـبة ( الدعـم) سواء استفدنا منه أم لا. لأن كل المسرحيين وافقوا على لعبة اللآعبين وتهافتوا على شق ما يسمى ظلما وجورا في بلادنا ب ( الاحتراف) منذ ظهور سياسة الدعم المسرحي في 1998؟
فمن هـذا المنطلق؛ لا بدّ من فصل المقال. وبغير هذا الفصل، فستصبح تجربة – الدعْـم - خارج سياقها التاريخي و شروطها الذاتية والموضوعية ، مؤكـدين على أن هـذا هـوليس الواقع الحقيقي للمسرح المغربي، ومن أراد أن يؤمن بواقع آخـر فله ذلك، وسيظل الفاعل المسرحي خارج المنطق وخارج التاريخ . من هنا فالكـل انـجـر وراء اللامنطقي واللاتاريخ ؛ بما فيهم دعاة التنظير للمسرح المغربي؛ الذين كانوا يوهمون ( ديونيزوس) أنهم يساهمون ويُفعِّـلون الحركة المسرحية ! لكن مسألة دعْـم [الإنتاج والترويج ] كشفت عورة وسلوكات ومسلكيات الأغلب الأعم من المسرحيين/ اللاعبين/ الانتفاعيين؛ بعْـدما مارسوا عملية العبور التعَـسفي؛ من تجربة الهواية إلى تجربة الاحتراف؛ لتكون بداية البدايات للمسرح ؛ أو العَـودة لدرجة الصفر في تاريخ المسرح المغربي. مزاحمين بذلك مجموع خريجي المعهد المسرحي؛ والمتفرغين الذين راكموا تجربة وتاريخا لا يستهان به .
طبعا المسرح / الدعم ! ليس ملك لأحـد؛ مادام هو – احتفال- وصادر من مؤسسة تراعي المجال الثقافي؛ ايمانا بأن عصب التنمية البشرية هو الثقافة الواسعة ؛ ذات حمولة قيم للمواطنة والارتقاء بالحس المدني وغرس تربية الجمال وعشقه.. . وبالتالي فسياسية الدعم في بعدها الأعـم، الحـد من المحسوبية و الإقصاء ؛ الذي كانت تعاني من أغلب الجمعيات المسرحية ؛ وبثـْر عملية الريع المطلق ؛ وما كان يُـقدم للمحظوظين /المقربين وذوي العلاقات الشخصية... من دعم بدون شروط وخارج المساطر المالية/القانونية؛ ولا متابعة ومحاسبة للمستفيدين منه . يكفي أن تكون مواليا لحزب الوزير أومن فصيل (ذاك) المجلس البلدية وحتى القروي أو من المقربين للسلطة.
إذن ؛ فوضى الريع الذي عمَّر طويلا واغتنى منه العَـديد من المسرحيين/ اللاعبين ، هَـل فعلا سياسة دعْـم [الإنتاج والترويج المسرحي] أوقـفت هـذا النزيف المالي ؟
بــاب الدعـــم :
من المغالطات السائدة أن سياسة الدعم المسرحي ؛ هي وليدة 1998( حكومة التناوب) بالعكـس؛ لأن مصدر الدعم /التنمية "الصندوق الوطني للعمل الثقافي" هذا الحساب تم فتحه برسم السنة المالية 1983 لتغطية كل المجالات والعمليات المرتبطة بالعمل الثقافي؛ وتم تعديله : بناء على الفصل 33 من قانون المالية رقم 24.82 لسنة 1983 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.82.332 بتاريخ 15 من ربيع الأول 1403 (31 ديسمبر 1982) كما وقع تغييره وتتميمه ولاسيما بالمادة 53 من القانون المالي رقم 12.98 للسنة المالية 1998- 1999وبالمادة 36 من القانون المالي رقم 26.99 للسنة المالية 1999- 2000 (1) والذي يرسخ هـذا التعديل [المادة الرابعة] تقول : ترصد ميزانية دعم الإنتاج وترويج الأعمال المسرحية وكذا ميزانية دعم نشر الكتاب المغربي ضمن الاعتمادات المفتوحة في الحساب المرصد لأمور خصوصية المسمى " الصندوق الوطني للعمل الثقافي(2) فمن هـذا الصندوق كان الريع مستفحلا بين المقربين وذوي الحظوظ ؛ ولا يمكن القفز على هاته الحقبة من ظاهرة الريع الثقافي! والتي كان المال العام يتسرب من الوزارة بدون أي وجه حق والذي يتعارض مع القانون ومع الشفافية والحكامة الاقتصادية الجيدة! ولا علاقة له بالاستحقاق والجهد والمنافسة ! مما خلف وراءه قيما وسلوكات غير مشرفة في النسيج المسرحي وغيره؛ زادت في بهدلة الفنانين؛ مما تم تأطيرهم في برواز ، كفئة تسعى لامتيازات؛ خارج الضوابط واحترام المجتمع ؛ لأن في الأصل ، فاقتصاد الريع كسب قائم على منح الامتيازات واكتساب الولاءات حسب طبيعة النوعية والاهتمام ؛ مقابل هذا فـهو عـدو همجي على السوق المبني على العرض والطلب ؛ وشَـرٌّ رهِـيب على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ! ولا ننسى أن للريع الثقافي جذور: قبل حكومة التناوب كان هناك ريع بكل تأكيد، لكنه لم يكن بهذه الفظاعة ولا بهذه الفئوية والحزبية الضيقة ، إذ كانت جمعيات السهول والجبال والأنهار عنوانا كبيرا لهذا الريع، ولكن الأمر لم يكن بهذا الغموض الذي جاء مع حكومة التناوب (3) وبناء عليه فالعديد من الفعاليات والجمعيات الثقافية والمسرحية ؛ استفادت من الريع الثقافي واغتنت منه ؛ وفي سياق موضوعنا فما يسمى ( الإحتفالية ) بدورها كانت تتغذى وتنمو من الصندوق الوطني للعمل الثقافي .وكانت تتعشى وتتمدد من صندوق تابع لمركز الأبحاث المسرحية ؛ والقليل يعرف أن ذاك الصندوق؛ من ثرواته كان يقام المهرجان الوطني لمسرح الهواة ؛ الذي لم يستطع أحد أن يجيب [ من أهـدر دمه] ؟
إذن ؛ فطبيعة التحولات الاقتصادية فرضت تعْـديل / تغيير العديد من المساطروالقوانين؛ لملآمتها بمشاريع الخوصصة و تحرير الاقتصاد ومواكبة روح العولمة التي تندرج منها - اقتصاديات الثقافة - كرهان استراتيجي لتحسين حكامة الشأن الثقافي لمحاولة القضاء على مظاهر الريع الثقافي بوضع معايير موضوعية للدعم الثقافي على أساس دفاتر تحملات ذات التزامات واضحة.لأن اقتصاديات الثقافة تمثل في : مجموعة الأنشطة والتبادلات الثقافية الخاضعة لقواعد اقتصادية، من إبداع وإنتاج وتوزيع واستهلاك لسلع ثقافية. ومن أهم خصائص اقتصاديات الثقافة تبرز طبيعتها المزدوجة ؛ الاقتصادية )خلق الثروة وفرص العمل ( والثقافية ) إنتاج القيم والمعنى( تندرج ضمن تقاطع جدلي ما بين الاقتصادي والثقافي، بحيث يجعل من الإبداع والابتكار والتجديد في قلب النشاط أو المنتوج. ويتميز عن باقي القطاعات الاقتصادية بتنظيم مختلف من حيث طبيعة العمل. ويتشكـل في الغالب الأعم من مقاولات صغرى ومتوسطة (4) الإشكالية هـنا؛ فالمسرح لا يتوفر على مقاولات بل على جمعيات خاضعة للظهير؛ علما أن التقرير يؤكد بأن المقاولات الثقافية تشتغل في السينما و السمعي البصري. وإن كان الدعم في كليته ؛ لا يشجع المقاولات على الاستثمار في الشأن الثقافي، نجد مقابلها في المسرح (جمعية /محترف/ فرقة/ شركة/ وكيل فني/...) يبدو لي أن هاته مجرد يافطات للحصول على الدعم المسرحي؛ لأن المجلس الأعلى للحسابات ؛ يشير صراحة حول الدعم الموجه للجمعيات بهدف تنشيط الحركة الثقافية بالقول التالي: عـدم إدلاء الجمعيات التي تتلقى الدعم من وزارة الثقافة بصفة منتظمة بميزانياتها وحساباتها كما هو منصوص عليه في المادة 32 من الظهير الشريف رقم 1.58.376 بتنظيم الحق في تأسيس الجمعيات(5) فلم يقل (تعاونية/ شركة/مقاولة/...) ففي هـذا الإطار هل الدعم يندرج ضمن اقتصاديات الثقافة ؛ وهُـو مُوجَّه للجمعيات/ الفـرق؟ بدون مواربة فالدعم المسرحي لن يحقق ذلك ؛ لأنها: تَجمع اقتصاديات الثقافة بين الشروط المؤسسية والمادية ونمط التدبير، وبين ديناميات التنشيط للقطاعات المرتبطة بالثقافة، بحيث من خلالها يتمّ الترويج للمنتوجات الثقافية، وتحريك سوق لها تسمح بخلق التوازن بين العرض و الطلب، وبين الإبداع ومقتضيات التدبير، والإنتاج والتوزيع في هذا المجال(6) ففي شبه غياب الشروط المؤسسية والمادية ونمط التدبير؛ فمن الصعب جدا خلق الثروة وفرص العمل. علما أن الانتاج المسرحي بوصفه شكل من أشكال النشاط الاقتصادي ينطوي على حساب الكلفة والتكلفة والربح والخسارة ؛ قبل هذا تهيئة مستلزمات العمل المادية والبشرية والادارية والتقنية ؛ التي لامناص من تخطيط و دراسة الموازنة الانتاجية اللازمة لتأمين عملية الترويج له وتسويقه في السوق الثقافية. وبالتالي ما هو كائن ! فالدعم المسرحي يبقى ضرب من العبت ومضيعة للمال العام؛ وإن كان في الأصل تم تعديل صندوق الدعم من أجل خريجي المعهد المسرحي؛ كمتنفس أولي للشغل؛ وبشكل آلي يلاحظ تقديم خريجي المعهد على الفرق المقدمة لطلب الدعم بواسطة قانون الدعم و دفتر التحملات ، والتنصيص على وجوب إشراك الكفاءات الشابة من خريجي المعاهد الفنية وتشغيلهم من طرف الفرق المرشحة للدعم . لكن أغلب المسرحيين انخرطوا في العملية وأضحـوا متدافعين ومندفعين نحو( الدعم/ الريع) بدل الانتاج والعطاء الفني والإبداعي. وأصبح البعض ينتظر كل عام لتلك المبالغ الخرافية ؛متحايلا على الظرفية؛ وهناك قضايا كثيرة في هـذا المضمار( مثلا ): بعد الشنآن الذي حصل بين فرقة مسرح البدوي والوزارة الوصية... والتي أصدرت بيانا توضيحيا في الموضوع، شرحت فيه أن ما جاء في بيان فرقة البدوي هو "ابتزاز غايته الحصول على الدعم فقط"(7) لكن بعض المسرحيين الذين حذروا من الريع الثقافي؛ بعد فترة سقطوا فيه واستفادوا منه وقامت عليهم ضجة ( احتفالية ) ولكن لا أدري لماذا لم تقم الضجة على البعض الآخر؟ فالذي يهمنا في هذا الباب ؛ بأن الدعم المسرحي؛ خلق إشكالات متعددة وتساؤلات مثيرة للجدل ؛ كهل هناك فعلا شفافية وحكامة أم الأمر يعْـدو مدخلا لما بعْـد الاستثناء الثقافي؟ وبالتالي هل بالتأكيد يُحارب المسرح بطرق متعددة مدخله [ الدعم] كوسيلة وصك لإدخاله السوق ليخضع للمنطق التجاري كباقي المنتوجات . لما للمسرح من قوة جماهيرية ؛ وتواصل مباشر ؟ فلماذا هرول الانتهازيون والانتفاعيون من كل حدب و صوب . ووقف بعض المبدعين وقفة تأمل؛ و منهم من غادر ومنهم من يحاول الاستمرار؟ خارج لعبة الدعم ! لأن هنالك حججا لا يمكن الطعن فيها وخاصة ملاحظة المجلس الأعلى للحسابات حول دعم الفرق المسرحية:
- غياب مجموعة من والوثائق المكونة لملف الدعم: بطاقة نموذجية تعبأ من طرف لجنة الانتقاء، وعقد الدعم، وجذاذة مفصلة لصرف الدعم...الخ؛
- عَـدم احترام بعض بنود عقد الدعم، كتقليص عدد الممثلين الواردين ضمن اللائحة المرفقة بالملف المقدم للجنة الانتقاء أو تغييرهم .
- عَـدم احترام البرنامج المفصل للعروض المتفق عليه في عقد الدعم وعدم تحديد جدول زمني لهذه العروض.
- عَـدم احترام مقتضيات المرسوم رقم 2.00.354 المؤرخ بفاتح نونبر 2000 والمتعلق بمنح إعانات مالية في الميدان المسرحي، حيث أن هناك بعض المستفيدين من الدعم يراكمون عدة مهام في إطار مشروع واحد(مؤلف وممثل وحيد ومخرج) وينتج عن ذلك استحواذ شخص واحد على قرابة 50 % من مبلغ الدعم الممنوح(8) وهذا يكشف عن انوجاد فوضى في صرف المال العام المخصص لدعم المسرح المغربي. فهل هاته الفوضى؛ لها علاقة وطيدة بالفوضى الخلاقة ؟
الإحــــالات
1) انظر الجريدة الرسمية عدد 4848 بتاريخ 16/11/2000 الصفحة 3026 ما يتعـلق بمنح إعانات مالية في ميداني المسرح والكتاب
2) نـــفـــســه
3)هناك ريع ثقافي وعلى الوزير الحالي الكشف عن أسماء المستفيدين من الدعم - حوار مع برشيد: جريدة المساء حاوره – الطاهر حمزاوي بتاريخ 29/06/2012
4) اقتصاديات الثقافة تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي- ص12 - إحالة ذاتية رقم 25 / 2016
5) التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2015 ص52
6) اقتصاديات الثقافة ص21
7) مسرحيون يحذرون من الريع الثقافي بسبب قضية "البدوي والصبيحي" موقع هسبريس - متابعة لعبد الصمد الراجي في 12/07/2013
8) التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2015 ص56
ملفات | الأنطولوجيا
Réponse rapide