وقفت الروح (واو) في قلب مدينة نيويورك مندهشة أمام بناء مستطيل مرتفع من حجارة زرقاء خالف أبنية المدينة الخشبية بأشكالها الكوخية. دارت (واو) حوله فوجدت نفسها أمام واجهته . رفعت رأسها فقرأت : (فندق السجن السياحي) . اقتربت لتقرأ سطوراً محفورة على جدار الواجهة : بني هذا السجن بتاريخ ..... والغي بتاريخ ..... وأعدَّ ليكون فندقاً سياحياً.. أهلاً بكم .
تسللت الروح (واو) إلى الداخل مدفوعة بفضول متسائل : ما الذي يفعله أصحاء جسم وعقل ينزلون راغبين في فندق كان سجناً ، وفي غرف أقام فيها سجناء معذبون ؟ !
اجتازت الردهة ... صعدت السلّم ... فواجهها ممر طويل على جانبيه غرف كثيرة ، كما في كل الفنادق الحقيقية ، سوى أن أبوابها من حديد ، برز على سطح كل منها، برغم قذارته ، رقم ما .
اخترقت الروح (واو) بعض الأبواب وإليكم مارأت :
في الغرفة رقم (7) وقفت أو جلست مجموعات من رجال ونساء إزاء جدران كالحة يقرؤون بتأثر وانتشاء ابياتاً شعرية درزت حروفها هناك . وكانوا كل حين يتبادلون القراءة على الجدران الأربعة . في الغرفة رقم (19) عقد النزلاء مسرحاً وكانوا يؤدّون أدوارهم بحرارة ، يسعفهم حين تخونهم الذاكرة ، فريق من الملقنين يهرعون إلى الجدران التي زرعت بكلمات المسرحية . شاب زائغ النظرات مضطربها شغل على بعد يسير منهم ، بحقن ذراعه بمادة ما. وفي الغرفة رقم (80) كانوا يلعبون الورق ويتصايحون ، وإذ عمد غاضب إلى تمزيق الورق نتفاً ، ضربه آخر متهماً أياه بإتلاف ورق ثمين تداولته أيدي السجناء طويلاً . الضجة لم تحرك رجلاً وامرأة غابا في قبلة عميقة برغم أيديهما المكبلة بالقيود . في الغرفة (118) اتخذ فريق من النزلاء دور جلادين ، وفريق آخر دور السجناء ، فتعالت ضربات السياط ، وتأوهات المضروبين وهم يتلوون ألماً . رجل بلحية طويلة وشعر منفوش اعتزل مكاناً في زاوية الغرفة ، يصنع على ورق رسوماً يستوحيها ـ كما بدا ـ من خيوط العنكبوت المعلقة ومن لطخات دماء تحتها جافة حائلة اللون .
وعند الغرفة (220) أصمّ اذنيها ضحكات هستيرية وقهقهات غريبة كأن هناك أسوداً تزأر أو خيولاً تصهل . همّت بالدخول ، فأمسكت يد قوية بالجسم الأثيري لـ (واو) .
ماذا تفعلين هنا ؟
أتفرج على المكان .
أين بطاقة الدخول ؟
ليس معي واحدة .
تعالـــي ...
سيقت الروح (واو) إلى مدير الفندق . ارتجفت هلعاً وهي تسمع التهمة التي قذفها بها ثم وهو يؤكد في برود أنها ستحاكم محاكمة سريعة لن يكون فيها مصيرها أقل من الموت .
فقدت للحظات قدرتها على النطق ، لكنّها مدفوعة برعبها ، بدأت الكلام متعثرة في البداية، ثم في طلاقة وقوة :
اسمع .. أنا ... أنا روح .
هذا لايغيّر في الأمر شيئاً .
كنت في بلادي سجينة .
معلومة لاتعنيني في كثير أو قليل .
رُميتُ في زنزانة وسعتني جالسة ولم تسعني واقفة .
ماذا ؟
وانتهيت إلى العواء ... عويت طيلة نهاري وجزءاً من ليلي إلى أن توقف عذابي بالموت ؟ .
متِّ هناك في تلك الزنزانة ؟
لم أخرج منها على الإطلاق .. نزعي الأخير تجسّد في عواء ضعيف خافت لم ينقطع إلاّ مع انقطاع خيط الروح .
هتف وهو يصفق فرحاً : يا إلهي ... أنت ألقية !
* * * * *
اشترط مسؤولو فندق السجن السياحي لإطلاق سراح (واو) أن تقيم في فندقهم لأسبوع واحد في زنزانة منفردة ، يبنونها وفق مقاسات ومواصفات تمليها عليهم . وقد تضمن هذا الشرط أن يعرّضوها في داخل هذه الزنزانة لكل ماتعرضت له هناك في حياتها الماضية .
وافقت (واو) كي تنجو بروحها ، فرتبوا معها جلسة طويلة أقسروا فيها ذاكرتها على ضخ كل تفصيل وطريقة وفن من تفاصيل تعذيبها اليومي وطرائقه وفنونه آنذاك .
وهكذا جُلدت (واو) من جديد في زنزانتها الثانية ، بسياط لاهبة ... اقتلعت أظافرها... اطفؤوا اعقاب سجائرهم في جسدها ... ساقوا إليها لحماً فاسداً ومرقاً كريهاً بصقت منه حصيات فرشت الأرض تحتها ... كتموا أنفاسها بنتن فضلاتها ... وفي كل ليلة كانوا يسحقون كومة عظامها بحيوانية شهواتهم .
مددوا إقامتها في الزنزانة إلى أن عوت !
* * * * *
خرجت (واو) ففوجئت لدى خروجها ، بردهة الفندق تحتشد بأناس جاؤوا جميعهم يحجزون للإقامة في زنزانتها . بعضهم أغري بما سمع من نزلاء جاوروها ، كما جذب بعضهم الآخر شاشة عملاقة في صدر الردهة بثّت صور تعذيبها مقرونة بصرخاتها ، متوجةً بمشهد تبدو فيه تدب على أربع وهي تعوي !
إزاء هذا الإقبال غير المسبوق على (فندق السجن السياحي) غمر الفرح قلب صاحب الفندق ، فأمر بتكريم (واو) !
انشؤوا لها نصباً تذكارياً ركزوه على سطح زنزانة صغيرة بحجم قبر ، ووضعوه في المدخل الفسيح للفندق وسط حفل وداع رائع أقيم لها . لكنّ (واو) اختفت وسط دهشة الجميع، اثناء الاحتفال ولم يعثر لها على أثر !
أفاد قادم من بلادها البعيدة أنه رآها تهوّم في فضاء مقبرتها ، بينما أكدَّ آخرون أنهم رأوها تتسلل إلى نصبها التذكاري فتستوطنه !
وفــاء خرمــــا
ا
تسللت الروح (واو) إلى الداخل مدفوعة بفضول متسائل : ما الذي يفعله أصحاء جسم وعقل ينزلون راغبين في فندق كان سجناً ، وفي غرف أقام فيها سجناء معذبون ؟ !
اجتازت الردهة ... صعدت السلّم ... فواجهها ممر طويل على جانبيه غرف كثيرة ، كما في كل الفنادق الحقيقية ، سوى أن أبوابها من حديد ، برز على سطح كل منها، برغم قذارته ، رقم ما .
اخترقت الروح (واو) بعض الأبواب وإليكم مارأت :
في الغرفة رقم (7) وقفت أو جلست مجموعات من رجال ونساء إزاء جدران كالحة يقرؤون بتأثر وانتشاء ابياتاً شعرية درزت حروفها هناك . وكانوا كل حين يتبادلون القراءة على الجدران الأربعة . في الغرفة رقم (19) عقد النزلاء مسرحاً وكانوا يؤدّون أدوارهم بحرارة ، يسعفهم حين تخونهم الذاكرة ، فريق من الملقنين يهرعون إلى الجدران التي زرعت بكلمات المسرحية . شاب زائغ النظرات مضطربها شغل على بعد يسير منهم ، بحقن ذراعه بمادة ما. وفي الغرفة رقم (80) كانوا يلعبون الورق ويتصايحون ، وإذ عمد غاضب إلى تمزيق الورق نتفاً ، ضربه آخر متهماً أياه بإتلاف ورق ثمين تداولته أيدي السجناء طويلاً . الضجة لم تحرك رجلاً وامرأة غابا في قبلة عميقة برغم أيديهما المكبلة بالقيود . في الغرفة (118) اتخذ فريق من النزلاء دور جلادين ، وفريق آخر دور السجناء ، فتعالت ضربات السياط ، وتأوهات المضروبين وهم يتلوون ألماً . رجل بلحية طويلة وشعر منفوش اعتزل مكاناً في زاوية الغرفة ، يصنع على ورق رسوماً يستوحيها ـ كما بدا ـ من خيوط العنكبوت المعلقة ومن لطخات دماء تحتها جافة حائلة اللون .
وعند الغرفة (220) أصمّ اذنيها ضحكات هستيرية وقهقهات غريبة كأن هناك أسوداً تزأر أو خيولاً تصهل . همّت بالدخول ، فأمسكت يد قوية بالجسم الأثيري لـ (واو) .
ماذا تفعلين هنا ؟
أتفرج على المكان .
أين بطاقة الدخول ؟
ليس معي واحدة .
تعالـــي ...
سيقت الروح (واو) إلى مدير الفندق . ارتجفت هلعاً وهي تسمع التهمة التي قذفها بها ثم وهو يؤكد في برود أنها ستحاكم محاكمة سريعة لن يكون فيها مصيرها أقل من الموت .
فقدت للحظات قدرتها على النطق ، لكنّها مدفوعة برعبها ، بدأت الكلام متعثرة في البداية، ثم في طلاقة وقوة :
اسمع .. أنا ... أنا روح .
هذا لايغيّر في الأمر شيئاً .
كنت في بلادي سجينة .
معلومة لاتعنيني في كثير أو قليل .
رُميتُ في زنزانة وسعتني جالسة ولم تسعني واقفة .
ماذا ؟
وانتهيت إلى العواء ... عويت طيلة نهاري وجزءاً من ليلي إلى أن توقف عذابي بالموت ؟ .
متِّ هناك في تلك الزنزانة ؟
لم أخرج منها على الإطلاق .. نزعي الأخير تجسّد في عواء ضعيف خافت لم ينقطع إلاّ مع انقطاع خيط الروح .
هتف وهو يصفق فرحاً : يا إلهي ... أنت ألقية !
* * * * *
اشترط مسؤولو فندق السجن السياحي لإطلاق سراح (واو) أن تقيم في فندقهم لأسبوع واحد في زنزانة منفردة ، يبنونها وفق مقاسات ومواصفات تمليها عليهم . وقد تضمن هذا الشرط أن يعرّضوها في داخل هذه الزنزانة لكل ماتعرضت له هناك في حياتها الماضية .
وافقت (واو) كي تنجو بروحها ، فرتبوا معها جلسة طويلة أقسروا فيها ذاكرتها على ضخ كل تفصيل وطريقة وفن من تفاصيل تعذيبها اليومي وطرائقه وفنونه آنذاك .
وهكذا جُلدت (واو) من جديد في زنزانتها الثانية ، بسياط لاهبة ... اقتلعت أظافرها... اطفؤوا اعقاب سجائرهم في جسدها ... ساقوا إليها لحماً فاسداً ومرقاً كريهاً بصقت منه حصيات فرشت الأرض تحتها ... كتموا أنفاسها بنتن فضلاتها ... وفي كل ليلة كانوا يسحقون كومة عظامها بحيوانية شهواتهم .
مددوا إقامتها في الزنزانة إلى أن عوت !
* * * * *
خرجت (واو) ففوجئت لدى خروجها ، بردهة الفندق تحتشد بأناس جاؤوا جميعهم يحجزون للإقامة في زنزانتها . بعضهم أغري بما سمع من نزلاء جاوروها ، كما جذب بعضهم الآخر شاشة عملاقة في صدر الردهة بثّت صور تعذيبها مقرونة بصرخاتها ، متوجةً بمشهد تبدو فيه تدب على أربع وهي تعوي !
إزاء هذا الإقبال غير المسبوق على (فندق السجن السياحي) غمر الفرح قلب صاحب الفندق ، فأمر بتكريم (واو) !
انشؤوا لها نصباً تذكارياً ركزوه على سطح زنزانة صغيرة بحجم قبر ، ووضعوه في المدخل الفسيح للفندق وسط حفل وداع رائع أقيم لها . لكنّ (واو) اختفت وسط دهشة الجميع، اثناء الاحتفال ولم يعثر لها على أثر !
أفاد قادم من بلادها البعيدة أنه رآها تهوّم في فضاء مقبرتها ، بينما أكدَّ آخرون أنهم رأوها تتسلل إلى نصبها التذكاري فتستوطنه !
وفــاء خرمــــا
ا