يا وتيني رُدَّ قلبي أنهكَ الجسمَ رُعافي
في الَّليالي موتُ روحٍ في صباحي أنتَ غافي
كيف أنسى نبضَ نفسي رائقَ الوجدِ وصافي
ترحلُ الأيامُ عنِّي من غيابٍ أو تَجافي
حرَّق البعدُ الحنايا مزَّق الهجرُ شِغافي
آتِني يوماً بوصلٍ واستبقْ موتي...تُعافي
أيُّها المسحورُ هَوناً هل يناديكَ اعترافي؟
أم تراكَ رحلْتَ قسراً وابتغى الدَّهرُ المنافي؟
لن تغادرَ بحرَ حبٍّ صاغَه رِتمُ القوافي
أيُّها المجبولُ سحراً أنطقَ صمتَ العَفافِ
أنتَ من نبعِ العطايا أنتَ نجمٌ في الطَّواف
كلَّما ألمحْتَ توقاً... زادَ في الشَّوقِ انجرافي
فترفَّقْ بحنيني... يهدمُ الحب ُّ ضفافي
....................
فاطمة هاشم الآغا.. / سوريَّة /
القراءة
يعتقد الكثيرون أن زمن الشعر العمودي انتهى، والزمن الحاضر لم يعد يستوعب جفاء الشعر التقليدي وتصنعه وثقل الفاظه، وافتعال العاطفة والصور.... وفي كل يوم تطالعنا صفحات الفيسبوك بعشرات القصائد من الشعر الحديث. والقليل من هذه "القصائد" يمكن أن تدخل في جنس الشعر، حديثاً كان أم قديماً.
وها هي الشاعرة السورية الاستاذة فاطمة الآغا تفاجئنا بقصيدة من الشعر العمودي، لتؤكد أن الفن الجيد لا يموت، وأن ليس للأدب أو للمدارس الأدبية تقسيمات تاريخية، بحيث ما بكون رقيقاً في زمن يصبح خشناً في زمن آخر.
صحيح أن بنية المجتمعات في التطور الطبيعي للتاريخ، قد غيّرت الكثير من الحاجات الانسانية، وتبدلت أولويات الإنسان الذوقية، بحسب ضغط الحياة المعاصرة وجريانها السريع، وتطورت معها الاجناس الادبية وتعدلت بما يلبي الحاجات الروحية المستجدة لدى الإنسان في هذا العصر. غير أن للمسألة، في رأيي، وجهين، أو قطبين تشاركا معاً بدون قصد، وبقصد وتواطؤ أحياناً كثيرة، هذان القطبان هما الشاعر، والمتلقي... المتلقي الذي كان يجلس ساعات في المقهى أو مجلسٍ ما، متفرّغا من هموم يومه، متفتّح الحواس للمتعة فقط، هذا الإنسان فقد هذه الفسحة من "الترف" وصار جريه اليومي، يسابق جري عقارب الساعة، يستوقفهما، لو استطاع، قبل أن يتعانقا ويعلنا انتهاء يومه.
أمّا الشاعر فدوره أنه لم يجدّد في الشعر التقليدي، والتجديد هنا ليس تجديد الشكل، شعر التفعيلة ومن ثم قصيدة النثر، التجديد الذي أقصده تجديد اللغة، تجديد الصور، تجديد المواضيع التي تلامس الإنسان في حاضره وصراعه الدائم مع متطلباتٍ مستجدّة لم تكن من أولوياته زمن القصائد العمودية، فلم يعد يعبّر عن المتلقي أو يطرح أسئلته الوجودية التي تصدت لها قصيدة النثر بقوة واقتدار، وفتحت أمام المتلقي، أجوبةً كثيرة لأسئلةٍ تدور في باله.
أما التواطؤ، فهو تواطؤ مضمر بين الجميع، الشاعر الذي لا يملك من الثقافة والأدب الا "فك الخط" والقارئ الذي يتوق الى دقيقة متعة يغيب فيها عن طاحونة الحياة التي تدور في رأسه، والمؤسسات التي تعنى بالاهتمام بالثقافة سواء كتّاباً أو قراء.
في هذا الجو الثقافي، والمزاج الادبي المتجه نحو قصيدة النثر، والقصيدة الومضة، والشعر الشذري... وما إليه من اجناس حداثية تعوّض غياب الأصل الذي لم يعد له كتاب كثر يستطيعون التعبير عن هموم المتلقي وإمتاعه وجذبه لقراءتها، في هذا الوقت تأتينا الشاعرة السورية فاطمة هاشم الآغا بقصيدة "أنين الناي"، قصيدة تقليدية البناء، عمودية ببيتها الشعري التقليدي: صدر وعجز، وبحرف روي ثابت 'قافية' وبوزن خليلي... ولكن بلغة ساحرة رقيقة، وموضوع وجداني رهيف: العشق، وعذاب الفراق. مفرداتها متداولة دون تقعّرٍ أو غموض، باستثناء مفردة واحدة "وتين" والوتين هو الشريان الرئيسي المغذي للقلب، ووزن سلس منساب هو مجزوء الرمل: فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن، يذكرنا إيقاعه بإيقاع القصيدة الشهيرة للشاعر إبراهيم طوقان "يا ظلام السجن خيّم".
القصيدة جاءت لتؤكد أن الأدب لايموت، والأجناس الأدبية لاتندثر، قد تكثر، وتتوالد وتتزايد لتخاطب الأذواق المختلفة، ودرجة الوعي المتطورة ، لكن لا يستحدث جنس على حساب آخر.. القصيدة التقليدية يمكن أن تبقى ويمكنها أن تكون قريبة من المتلقي، إذا كانت، بمفرداتها وموضوعها وصورها، تخاطب وجدان الإنسان في زمننا هذا، ولا تعيد تقليد قصائد الأقدمين.
هي ملاحظة واحدة في الشطر "أم تراكَ رحلْتَ قسراً..."، يختل الوزن بسبب المفردة "رحلت" كان بإمكان الشاعرة استبدالها بمفردةٍ أخرى تفيد المعنى دون أن تكسر الوزن "غبت" مثلا..
القصيدة عذبة وجدانية بسيطة الإيقاع بسيطة الصور.. ينقصها ملحن قادر، فتكون أغنية بديعة.
في الَّليالي موتُ روحٍ في صباحي أنتَ غافي
كيف أنسى نبضَ نفسي رائقَ الوجدِ وصافي
ترحلُ الأيامُ عنِّي من غيابٍ أو تَجافي
حرَّق البعدُ الحنايا مزَّق الهجرُ شِغافي
آتِني يوماً بوصلٍ واستبقْ موتي...تُعافي
أيُّها المسحورُ هَوناً هل يناديكَ اعترافي؟
أم تراكَ رحلْتَ قسراً وابتغى الدَّهرُ المنافي؟
لن تغادرَ بحرَ حبٍّ صاغَه رِتمُ القوافي
أيُّها المجبولُ سحراً أنطقَ صمتَ العَفافِ
أنتَ من نبعِ العطايا أنتَ نجمٌ في الطَّواف
كلَّما ألمحْتَ توقاً... زادَ في الشَّوقِ انجرافي
فترفَّقْ بحنيني... يهدمُ الحب ُّ ضفافي
....................
فاطمة هاشم الآغا.. / سوريَّة /
القراءة
يعتقد الكثيرون أن زمن الشعر العمودي انتهى، والزمن الحاضر لم يعد يستوعب جفاء الشعر التقليدي وتصنعه وثقل الفاظه، وافتعال العاطفة والصور.... وفي كل يوم تطالعنا صفحات الفيسبوك بعشرات القصائد من الشعر الحديث. والقليل من هذه "القصائد" يمكن أن تدخل في جنس الشعر، حديثاً كان أم قديماً.
وها هي الشاعرة السورية الاستاذة فاطمة الآغا تفاجئنا بقصيدة من الشعر العمودي، لتؤكد أن الفن الجيد لا يموت، وأن ليس للأدب أو للمدارس الأدبية تقسيمات تاريخية، بحيث ما بكون رقيقاً في زمن يصبح خشناً في زمن آخر.
صحيح أن بنية المجتمعات في التطور الطبيعي للتاريخ، قد غيّرت الكثير من الحاجات الانسانية، وتبدلت أولويات الإنسان الذوقية، بحسب ضغط الحياة المعاصرة وجريانها السريع، وتطورت معها الاجناس الادبية وتعدلت بما يلبي الحاجات الروحية المستجدة لدى الإنسان في هذا العصر. غير أن للمسألة، في رأيي، وجهين، أو قطبين تشاركا معاً بدون قصد، وبقصد وتواطؤ أحياناً كثيرة، هذان القطبان هما الشاعر، والمتلقي... المتلقي الذي كان يجلس ساعات في المقهى أو مجلسٍ ما، متفرّغا من هموم يومه، متفتّح الحواس للمتعة فقط، هذا الإنسان فقد هذه الفسحة من "الترف" وصار جريه اليومي، يسابق جري عقارب الساعة، يستوقفهما، لو استطاع، قبل أن يتعانقا ويعلنا انتهاء يومه.
أمّا الشاعر فدوره أنه لم يجدّد في الشعر التقليدي، والتجديد هنا ليس تجديد الشكل، شعر التفعيلة ومن ثم قصيدة النثر، التجديد الذي أقصده تجديد اللغة، تجديد الصور، تجديد المواضيع التي تلامس الإنسان في حاضره وصراعه الدائم مع متطلباتٍ مستجدّة لم تكن من أولوياته زمن القصائد العمودية، فلم يعد يعبّر عن المتلقي أو يطرح أسئلته الوجودية التي تصدت لها قصيدة النثر بقوة واقتدار، وفتحت أمام المتلقي، أجوبةً كثيرة لأسئلةٍ تدور في باله.
أما التواطؤ، فهو تواطؤ مضمر بين الجميع، الشاعر الذي لا يملك من الثقافة والأدب الا "فك الخط" والقارئ الذي يتوق الى دقيقة متعة يغيب فيها عن طاحونة الحياة التي تدور في رأسه، والمؤسسات التي تعنى بالاهتمام بالثقافة سواء كتّاباً أو قراء.
في هذا الجو الثقافي، والمزاج الادبي المتجه نحو قصيدة النثر، والقصيدة الومضة، والشعر الشذري... وما إليه من اجناس حداثية تعوّض غياب الأصل الذي لم يعد له كتاب كثر يستطيعون التعبير عن هموم المتلقي وإمتاعه وجذبه لقراءتها، في هذا الوقت تأتينا الشاعرة السورية فاطمة هاشم الآغا بقصيدة "أنين الناي"، قصيدة تقليدية البناء، عمودية ببيتها الشعري التقليدي: صدر وعجز، وبحرف روي ثابت 'قافية' وبوزن خليلي... ولكن بلغة ساحرة رقيقة، وموضوع وجداني رهيف: العشق، وعذاب الفراق. مفرداتها متداولة دون تقعّرٍ أو غموض، باستثناء مفردة واحدة "وتين" والوتين هو الشريان الرئيسي المغذي للقلب، ووزن سلس منساب هو مجزوء الرمل: فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن، يذكرنا إيقاعه بإيقاع القصيدة الشهيرة للشاعر إبراهيم طوقان "يا ظلام السجن خيّم".
القصيدة جاءت لتؤكد أن الأدب لايموت، والأجناس الأدبية لاتندثر، قد تكثر، وتتوالد وتتزايد لتخاطب الأذواق المختلفة، ودرجة الوعي المتطورة ، لكن لا يستحدث جنس على حساب آخر.. القصيدة التقليدية يمكن أن تبقى ويمكنها أن تكون قريبة من المتلقي، إذا كانت، بمفرداتها وموضوعها وصورها، تخاطب وجدان الإنسان في زمننا هذا، ولا تعيد تقليد قصائد الأقدمين.
هي ملاحظة واحدة في الشطر "أم تراكَ رحلْتَ قسراً..."، يختل الوزن بسبب المفردة "رحلت" كان بإمكان الشاعرة استبدالها بمفردةٍ أخرى تفيد المعنى دون أن تكسر الوزن "غبت" مثلا..
القصيدة عذبة وجدانية بسيطة الإيقاع بسيطة الصور.. ينقصها ملحن قادر، فتكون أغنية بديعة.