من أجمل الشعر الغزلي ما كنت درّسته في مادة الأدب- قصيدة أبي صخر الهَذَلي الرائية.
الشاعر هو عبد الله بن سَلْم السَّهْمي أحد بني مُرْمِض، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية.
يروي صاحب (الأغاني، ج 24، ص 98 وما بعدها- طبعة دار الفكر) قصة عن الشاعر خلاصتها ان أبا صخر وهذيلاً جاءوا إلى عبد الله بن الزبير ليقبضوا أعداءهم، حين غلب ابن الزبير على الحجاز، وكان ابن الزبير عارفًا بهوى أبي صخر في بني امية، فمنعه عطاءه.
(كانت بينهما مخاطبات بليغة أرجو أن تجدوا وقتًا لقراءتها- انظر: البغدادي- خزانة الأدب، ج 3، ص 261).
لأبي صخر كثير من القصائد الطويلة والمقطعات القصيرة، وشهرته بالغزل شهرة عريضة، وتظهر على أسلوبه ملامح البادية واضحة جلية، كما تظهر فيه اللوعة والحسرة لفراق المحبوب، ويروى أنه كان يهوى امرأة من قضاعة مجاورة فيهم، ويقال لها: ليلى بنت سعد، وكانا يتواصلان برهة من دهرهما، ثم حدث أن تزوجت، ورحل بها زوجها إلى قومه.
توفي سنة 80 للهجرة.
قال أبو علي القالي (الأمالي، ج1، ص 147- 148):
"وأنشدنا أبو بكر بن دُرَيد هذه القصيدة لأبى صخر:
لليلى بذات الجيشِ دارٌ عرفتُها = وأخرى بذات البَين آياتُها سطر
(ذات الجيش، وذات البين- موضعان)
أمَا والذي أبكى وأضحك والذي = أمات وأحيا والذي أمره الأمر
لقد ترَكَـتني أحسد الوحش أن أرى = أليفين منها لا يروعهما الذعر"
في شرح حماسة أبي تمام وردت أربعة أبيات من القصيدة بتغيير ما عن الأصل.
(انظر: أبو تمام- الحماسة ج2، ص 61، وقد أفدت من شرحه، كما وردت القصيدة في كتاب البغدادي: خزانة الأدب، م.س، ص 258- 259).
تكراره لـ (الذي) ليس بتكثير للقسم، لأن اليمين يمين واحدة بدلالة أن لها جوابًا واحدًا، ولو كانت أَيَْمانًا مختلفة لوجب أن يكون لها أجوبة مختلفة، وفائدة التكرير التفخيم والتهويل. وعلى هذا إذا قال القائل: والله والله لقد كان كذا، فاليمين واحدة.
وهو أسلوب جرى على ما ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى:
والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلّى. وما خلق الذكر والأنثى. إن سعيكم لشتّى- الليل 1-4.
على أن ما في البيت من اختلاف الأفعال الداخلة في الصلات جعل الكلام أحسن، والتفخيم أبلغ. وجواب القسم كما هو بيّن: (لقد تركتني).
والمعنى: أني إذا تأملت الوحوش وهي تأتلف في مراعيها ومتصرفاتها اثنين اثنين، لا يفزعها رقيب، ولا يدخل فيما بينها تنفير، حسدتها وتمنيت أن تكون حالتي مع صاحبتي كحالها في تآلفها.
يمضي الشاعر فيقول:
فما هو إلا أن أراها فُجاءةً = فأَبْهت لا عُرف لديَّ ولا نُكر
وأنسى الذي قد كنت فيه هجرتُها = كما قد تُنَسّي لبَّ شاربِها الخمرُ
..(فأَبهتُ في الأمالي، فأُبهتَ في الأغاني، وكذلك في خزانة الأدب، وهو يعزي النصب إلى قراءة سيبويه)
من أجمل الأبيات التي أحببتها هذا البيت التالي، وذلك للصورة الجمالية الحسية فيه:
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها = وينبت فى أطرافها الورق النَّضر
(الورقُ الخُضر- في الأغاني)
يذكرني هذا ببيت زجل في العامية:
على دلعونا وعلى دلعونا = مطرح ما مشيتْ ينبت ليمونا
فهل أجمل من القولين؟
لنمض مع الصورة الحركية التي لا بد من تخيّلها:
وإني لتعروني لذكراكِ هِزة = كما انتفض العصفور بلله القطر
(وردت في الأغاني"فَترة" بدل هِزّة، بينما وردت في "الخِزانة" للبغدادي بفتح الهاء، فالهَزّة هي الحركة، والهِزّة- بالكسر- هي الخفة والطرب، ورويت في مصادر أخرى رِعدة، وقد شكلت ما شكل به "الأمالي").
فهل شاهدتم عصفورًا ينفض ريشه بعد أن ابتلّ، أرأيتموه وهو يهتز، فبمثل هذه الهزة يرتعش الشاعر لذكرها ولذكراها.
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها = فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر
قوله "عجبت لسعي الدهر" يجوز أن يريد به سرعة تقضّي الأوقات مدة الوصال بينهما، وأنه لما انقضى الوصل عاد الدهر إلى حالته في السكون. وهذا على عادتهم في استقصار أيام السرور واللهو، ونحن نذكر طرَفة وقوله "وتقصير يوم الدَّجن".
ويجوز أن يريد بـ "سعي الدهر" سعاية أهل الدهر وإيقادهم نار الشر بينهما بالنمائم والوشايات، وأنه لما فترت أسواقهم بالتهاجر الواقع منهما، وارتفع مرادهم فيما طلبوه من الفساد بينهما، سكنوا. ففي هذا المعنى الحاصل:
كما أراد بسعي الدهر سعى أهل الدهر، كذلك أراد بسكون الدهر سكون أهل الدهر، فحذف المضاف، وجعل المضاف إليه بدلاً منه.
يضيف القالي في أماليه:
" وأنشدني أبن أبى أُوَيس:
فيا حب ليلى قد بلغتَ بى المَدى = وزدتَ على ما ليس يبلغُه الهجر
ويا حبَّها زدني جوى كل ليلة = ويا سَلوة الأيام موعدُكِ الحشر
قال أبو بكر وزادني أبي عن أحمد بن عبيد:
فيا حبذا الأحياءُ ما دمتِ فيهم = ويا حبذا الأمواتُ ما ضمَّك القبر
ملاحظتان:
1- وردت في كتاب (الأغاني) قصة الخليفة المهدي مع هذه القصيدة، وكيف شق ثيابه طربًا. م.س
2- وردت بعض الأبيات من القصيدة في (ديوان مجنون ليلى)، وفي تقديري أنها نُسبت له بسبب الاسم (ليلى)، وربما اختلط على بعض الرواة.
أما الأبيات التي نسبت للمجنون فهي المبدوءة بالكلمات مما ورد أعلاه:
عجبت، فيا حب ليلى، فيا حبها، أبى القلب، تكاد يدي، فيا حبذا، وإني لتعروني، فما هو إلا.
(انظر ديوان مجنون ليلى، ص 130)
يقول ابن قتيبة في كتابه (الشعر والشعراء) ج2، ص 563 في ترجمة المجنون (قيس بن معاذ):
"وهو من أشعر الناس، على أنهم قد نحلوه شعرًا كثيرًا رقيقًا يشبه شعره، كقول أبي صخر الهذلي: (يذكر ثمانية أبيات من القصيدة).
جدير بالذكر أن ابن قتيبة لم يترجم لأبي صخر الهذلي في كتابه.
الشاعر هو عبد الله بن سَلْم السَّهْمي أحد بني مُرْمِض، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية.
يروي صاحب (الأغاني، ج 24، ص 98 وما بعدها- طبعة دار الفكر) قصة عن الشاعر خلاصتها ان أبا صخر وهذيلاً جاءوا إلى عبد الله بن الزبير ليقبضوا أعداءهم، حين غلب ابن الزبير على الحجاز، وكان ابن الزبير عارفًا بهوى أبي صخر في بني امية، فمنعه عطاءه.
(كانت بينهما مخاطبات بليغة أرجو أن تجدوا وقتًا لقراءتها- انظر: البغدادي- خزانة الأدب، ج 3، ص 261).
لأبي صخر كثير من القصائد الطويلة والمقطعات القصيرة، وشهرته بالغزل شهرة عريضة، وتظهر على أسلوبه ملامح البادية واضحة جلية، كما تظهر فيه اللوعة والحسرة لفراق المحبوب، ويروى أنه كان يهوى امرأة من قضاعة مجاورة فيهم، ويقال لها: ليلى بنت سعد، وكانا يتواصلان برهة من دهرهما، ثم حدث أن تزوجت، ورحل بها زوجها إلى قومه.
توفي سنة 80 للهجرة.
قال أبو علي القالي (الأمالي، ج1، ص 147- 148):
"وأنشدنا أبو بكر بن دُرَيد هذه القصيدة لأبى صخر:
لليلى بذات الجيشِ دارٌ عرفتُها = وأخرى بذات البَين آياتُها سطر
(ذات الجيش، وذات البين- موضعان)
أمَا والذي أبكى وأضحك والذي = أمات وأحيا والذي أمره الأمر
لقد ترَكَـتني أحسد الوحش أن أرى = أليفين منها لا يروعهما الذعر"
في شرح حماسة أبي تمام وردت أربعة أبيات من القصيدة بتغيير ما عن الأصل.
(انظر: أبو تمام- الحماسة ج2، ص 61، وقد أفدت من شرحه، كما وردت القصيدة في كتاب البغدادي: خزانة الأدب، م.س، ص 258- 259).
تكراره لـ (الذي) ليس بتكثير للقسم، لأن اليمين يمين واحدة بدلالة أن لها جوابًا واحدًا، ولو كانت أَيَْمانًا مختلفة لوجب أن يكون لها أجوبة مختلفة، وفائدة التكرير التفخيم والتهويل. وعلى هذا إذا قال القائل: والله والله لقد كان كذا، فاليمين واحدة.
وهو أسلوب جرى على ما ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى:
والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلّى. وما خلق الذكر والأنثى. إن سعيكم لشتّى- الليل 1-4.
على أن ما في البيت من اختلاف الأفعال الداخلة في الصلات جعل الكلام أحسن، والتفخيم أبلغ. وجواب القسم كما هو بيّن: (لقد تركتني).
والمعنى: أني إذا تأملت الوحوش وهي تأتلف في مراعيها ومتصرفاتها اثنين اثنين، لا يفزعها رقيب، ولا يدخل فيما بينها تنفير، حسدتها وتمنيت أن تكون حالتي مع صاحبتي كحالها في تآلفها.
يمضي الشاعر فيقول:
فما هو إلا أن أراها فُجاءةً = فأَبْهت لا عُرف لديَّ ولا نُكر
وأنسى الذي قد كنت فيه هجرتُها = كما قد تُنَسّي لبَّ شاربِها الخمرُ
..(فأَبهتُ في الأمالي، فأُبهتَ في الأغاني، وكذلك في خزانة الأدب، وهو يعزي النصب إلى قراءة سيبويه)
من أجمل الأبيات التي أحببتها هذا البيت التالي، وذلك للصورة الجمالية الحسية فيه:
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها = وينبت فى أطرافها الورق النَّضر
(الورقُ الخُضر- في الأغاني)
يذكرني هذا ببيت زجل في العامية:
على دلعونا وعلى دلعونا = مطرح ما مشيتْ ينبت ليمونا
فهل أجمل من القولين؟
لنمض مع الصورة الحركية التي لا بد من تخيّلها:
وإني لتعروني لذكراكِ هِزة = كما انتفض العصفور بلله القطر
(وردت في الأغاني"فَترة" بدل هِزّة، بينما وردت في "الخِزانة" للبغدادي بفتح الهاء، فالهَزّة هي الحركة، والهِزّة- بالكسر- هي الخفة والطرب، ورويت في مصادر أخرى رِعدة، وقد شكلت ما شكل به "الأمالي").
فهل شاهدتم عصفورًا ينفض ريشه بعد أن ابتلّ، أرأيتموه وهو يهتز، فبمثل هذه الهزة يرتعش الشاعر لذكرها ولذكراها.
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها = فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر
قوله "عجبت لسعي الدهر" يجوز أن يريد به سرعة تقضّي الأوقات مدة الوصال بينهما، وأنه لما انقضى الوصل عاد الدهر إلى حالته في السكون. وهذا على عادتهم في استقصار أيام السرور واللهو، ونحن نذكر طرَفة وقوله "وتقصير يوم الدَّجن".
ويجوز أن يريد بـ "سعي الدهر" سعاية أهل الدهر وإيقادهم نار الشر بينهما بالنمائم والوشايات، وأنه لما فترت أسواقهم بالتهاجر الواقع منهما، وارتفع مرادهم فيما طلبوه من الفساد بينهما، سكنوا. ففي هذا المعنى الحاصل:
كما أراد بسعي الدهر سعى أهل الدهر، كذلك أراد بسكون الدهر سكون أهل الدهر، فحذف المضاف، وجعل المضاف إليه بدلاً منه.
يضيف القالي في أماليه:
" وأنشدني أبن أبى أُوَيس:
فيا حب ليلى قد بلغتَ بى المَدى = وزدتَ على ما ليس يبلغُه الهجر
ويا حبَّها زدني جوى كل ليلة = ويا سَلوة الأيام موعدُكِ الحشر
قال أبو بكر وزادني أبي عن أحمد بن عبيد:
فيا حبذا الأحياءُ ما دمتِ فيهم = ويا حبذا الأمواتُ ما ضمَّك القبر
ملاحظتان:
1- وردت في كتاب (الأغاني) قصة الخليفة المهدي مع هذه القصيدة، وكيف شق ثيابه طربًا. م.س
2- وردت بعض الأبيات من القصيدة في (ديوان مجنون ليلى)، وفي تقديري أنها نُسبت له بسبب الاسم (ليلى)، وربما اختلط على بعض الرواة.
أما الأبيات التي نسبت للمجنون فهي المبدوءة بالكلمات مما ورد أعلاه:
عجبت، فيا حب ليلى، فيا حبها، أبى القلب، تكاد يدي، فيا حبذا، وإني لتعروني، فما هو إلا.
(انظر ديوان مجنون ليلى، ص 130)
يقول ابن قتيبة في كتابه (الشعر والشعراء) ج2، ص 563 في ترجمة المجنون (قيس بن معاذ):
"وهو من أشعر الناس، على أنهم قد نحلوه شعرًا كثيرًا رقيقًا يشبه شعره، كقول أبي صخر الهذلي: (يذكر ثمانية أبيات من القصيدة).
جدير بالذكر أن ابن قتيبة لم يترجم لأبي صخر الهذلي في كتابه.