تكتسي اللغة العربية عند الإسلامويين، وليس المسلمين، حالة من القداسة، تبلغ حد المرضية لدى المتطرفين الظلاميين. عدد منهم أصلا لا يجيدونها، وتراهم يفتون في احترام قدسيتها، وتكفير وتجريم من يعتقدون أنهم انتهكوا قواعدها... مثلما سبق أن فعل بعضهم، علنا على حائط حسابي الفايسبوكي، وعلى الإنبوكس، يدعون بالويل والثبور، وذهبت إحداهن، بشكل علني، كما يذكر عدد من الأصدقاء الفايسبوكيين، إلى السخرية من نظارة سوداء، والقول إن صاحبها "عديم البصر والبصيرة"، وإنه "يحق فيه القتل لتعدّيه على لغة القرآن"...
تذكرت ذلك، بمناسبة ملاحظات أتوصل بها، منذ نشر خبر تعيين الوالية زينب العدوي مفتشة عامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية (يونيو 2017)، وهي ملاحظات مكتوبة وشفوية، لكن هذه المرة من قبل أصدقاء أعزاء، حقيقيين وافتراضيين، تنبّه إلى خطأ استعمال "الوالية"، وكذا "المفتشة العامة"، وأن الصحيح هو اسم مذكر لا يؤنث، إذ يجب أن نقول "الوالي" و"المفتش العام"، وعلى هذا الميزان والسياق، كانت تأتيني ملاحظات حول استعمال "القاصرة" صفة للفتاة، أو "العجوزة" صفة للمرأة... وكان جوابي سؤالا مازحا: هل لديكم مشكل مع التاء المربوطة؟
في الواقع، درجتُ، في عملي المهني وتوجيهي التحريري، على استعمالات لغوية محددة تتعلق بالتاء المربوطة. إذ نستعمل، مثلا، والية وعاملة ووزيرة وعضوة وقاصرة وما شاكل، نؤنث الألفاظَ، التي لا تُستعمل في اللغة إلا مذكرة، ولا تَقبل التاء المربوطة، ونظير هذه الكلمات كثير في اللغة العربية، فمثلما نقول للرجل، نقول عن المرأة إنها خصم وعدل وضيف، ومثلها في عدة مناصب ومواقع: وزير ووال وعامل وعضو، وفي عدة صفات: قاصر وعجوز وصبور وحقود وجريح وقتيل... وهي استعمالات تعكس الطابع الذكوري المتحكم في عملية التقعيد اللغوي، وهذه خاصية تكاد تشترك فيها جميع اللغات، انعكاسا لواقع موضوعي، لكنها تختلف في ما بينها على مستوى تصدّر التطوير اللغوي، والتخلص من كثير من الألفاظ والاستعمالات، لفائدة أخرى بديلة أنتجتها التطورات والتحولات المجتمعية...
بالنسبة للغة العربية، ذكوريتها لا تتمثل فقط في إشكالية "التاء المربوطة"، هناك أيضا ظاهرة يسميها اللغويون القدامى "التغليب" أو "الحمل"، أي "حمل الفرع على الأصل"، فإذا كان الحديث عن جماعة إناث، مثلا ألف امرأة، وفيهن ذكر واحد، فإن المتكلم يستخدم صيغة المذكر في الحديث عن هذه الجماعة، على اعتبار أن "الذكورة هي الأصل، والأنوثة هي الفرع"، عبر فرض تراتبية سلطوية في المجتمع، على قاعدة أن الرجل هو السيد، والمرأة تابعة وخاضعة وراكعة!
نفهم اللغة، مثلما درسنا ذات سنوات في الثانوي، باعتبارها "وعاء لفكر وانعكاسا لواقع". وبالتالي، فهي مجموعة قواعد ومبادئ متفق عليها، إذ يمكن الاتفاق على قواعد مخالفة ليجري بها العمل، ويتحقق الفهم والتواصل، وفق منطق التطور، الذي ما عاد يتحمل ذكورية اللغة، التي هي نتاج عقود من الظلم، الذي مورس على النساء. وأبرز تعبير عن هذا التاريخ نجده في مقولة "الرجل هو الفاعل والمرأة هى المفعول به"، التي تشكلت منذ نشوء النظام الطبقى الأبوى، القائم على تقسيم العمل والوظائف في الحياة العامة والخاصة، على أساس جنسي وطبقي، وهو نظام سياسي واجتماعي يجعل الرجل مخلوقا بطبيعته الذكورية ليكون سيد المرأة، فيما المرأة مخلوقة بطبيعتها الأنثوية لتكون محكومة بالرجل خاضعة له، لتبرير وضع الرجل المستغل (بكسر الغين)، والمرأة المستغلة (بفتح الغين)...
هذا التفسير "الطبقي" هو مجرد وجهة نظر، قد تتشارك أو تتناقض مع وجهات نظر أخرى، لكن الجوهري هو في مدى الاستعداد لمواكبة التطور التاريخي المنطقي والطبيعي والحتمي لمجتمعاتنا، التي ما عادت تعيش ساحة وغى لصليل السيوف وصهيل الخيول وضرب الرماح والكر والفر والصخر الجلمود وافرنقعت الجيوش... رغم أن التيارات الظلامية المتطرفة تريد، بالفتوى والفعل والقوة، استعادة عهد بائد يتحقق فيه وهم "الخلافة"...
أعتقد أنه بالاجتهاد، بعيدا عن التقديس الأعمى، يمكن إيجاد حلول مناسبة لمختلف الإشكالات المطروحة، الكفيلة بأن تخلص اللغة من بقايا الاستعمالات الاستبدادية، وتضمن لها آفاق التطور الموضوعية، على مستوى مبادئ القواعد، ومعجم اللغة، بل وحتى على مستوى بنية الصرف العربي، وحركات الإعراب... اجتهاد يخلص اللغة من "لعنة الجمود"، ويفجر كل إمكاناتها في استيعاب التغيرات المجتمعية.
يقول ابن عربي "المكان الذي لا يؤنث لا يعول عليه"، ونقول على منواله "اللفظ الذي لا يؤنث لا يعول عليه".
تذكرت ذلك، بمناسبة ملاحظات أتوصل بها، منذ نشر خبر تعيين الوالية زينب العدوي مفتشة عامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية (يونيو 2017)، وهي ملاحظات مكتوبة وشفوية، لكن هذه المرة من قبل أصدقاء أعزاء، حقيقيين وافتراضيين، تنبّه إلى خطأ استعمال "الوالية"، وكذا "المفتشة العامة"، وأن الصحيح هو اسم مذكر لا يؤنث، إذ يجب أن نقول "الوالي" و"المفتش العام"، وعلى هذا الميزان والسياق، كانت تأتيني ملاحظات حول استعمال "القاصرة" صفة للفتاة، أو "العجوزة" صفة للمرأة... وكان جوابي سؤالا مازحا: هل لديكم مشكل مع التاء المربوطة؟
في الواقع، درجتُ، في عملي المهني وتوجيهي التحريري، على استعمالات لغوية محددة تتعلق بالتاء المربوطة. إذ نستعمل، مثلا، والية وعاملة ووزيرة وعضوة وقاصرة وما شاكل، نؤنث الألفاظَ، التي لا تُستعمل في اللغة إلا مذكرة، ولا تَقبل التاء المربوطة، ونظير هذه الكلمات كثير في اللغة العربية، فمثلما نقول للرجل، نقول عن المرأة إنها خصم وعدل وضيف، ومثلها في عدة مناصب ومواقع: وزير ووال وعامل وعضو، وفي عدة صفات: قاصر وعجوز وصبور وحقود وجريح وقتيل... وهي استعمالات تعكس الطابع الذكوري المتحكم في عملية التقعيد اللغوي، وهذه خاصية تكاد تشترك فيها جميع اللغات، انعكاسا لواقع موضوعي، لكنها تختلف في ما بينها على مستوى تصدّر التطوير اللغوي، والتخلص من كثير من الألفاظ والاستعمالات، لفائدة أخرى بديلة أنتجتها التطورات والتحولات المجتمعية...
بالنسبة للغة العربية، ذكوريتها لا تتمثل فقط في إشكالية "التاء المربوطة"، هناك أيضا ظاهرة يسميها اللغويون القدامى "التغليب" أو "الحمل"، أي "حمل الفرع على الأصل"، فإذا كان الحديث عن جماعة إناث، مثلا ألف امرأة، وفيهن ذكر واحد، فإن المتكلم يستخدم صيغة المذكر في الحديث عن هذه الجماعة، على اعتبار أن "الذكورة هي الأصل، والأنوثة هي الفرع"، عبر فرض تراتبية سلطوية في المجتمع، على قاعدة أن الرجل هو السيد، والمرأة تابعة وخاضعة وراكعة!
نفهم اللغة، مثلما درسنا ذات سنوات في الثانوي، باعتبارها "وعاء لفكر وانعكاسا لواقع". وبالتالي، فهي مجموعة قواعد ومبادئ متفق عليها، إذ يمكن الاتفاق على قواعد مخالفة ليجري بها العمل، ويتحقق الفهم والتواصل، وفق منطق التطور، الذي ما عاد يتحمل ذكورية اللغة، التي هي نتاج عقود من الظلم، الذي مورس على النساء. وأبرز تعبير عن هذا التاريخ نجده في مقولة "الرجل هو الفاعل والمرأة هى المفعول به"، التي تشكلت منذ نشوء النظام الطبقى الأبوى، القائم على تقسيم العمل والوظائف في الحياة العامة والخاصة، على أساس جنسي وطبقي، وهو نظام سياسي واجتماعي يجعل الرجل مخلوقا بطبيعته الذكورية ليكون سيد المرأة، فيما المرأة مخلوقة بطبيعتها الأنثوية لتكون محكومة بالرجل خاضعة له، لتبرير وضع الرجل المستغل (بكسر الغين)، والمرأة المستغلة (بفتح الغين)...
هذا التفسير "الطبقي" هو مجرد وجهة نظر، قد تتشارك أو تتناقض مع وجهات نظر أخرى، لكن الجوهري هو في مدى الاستعداد لمواكبة التطور التاريخي المنطقي والطبيعي والحتمي لمجتمعاتنا، التي ما عادت تعيش ساحة وغى لصليل السيوف وصهيل الخيول وضرب الرماح والكر والفر والصخر الجلمود وافرنقعت الجيوش... رغم أن التيارات الظلامية المتطرفة تريد، بالفتوى والفعل والقوة، استعادة عهد بائد يتحقق فيه وهم "الخلافة"...
أعتقد أنه بالاجتهاد، بعيدا عن التقديس الأعمى، يمكن إيجاد حلول مناسبة لمختلف الإشكالات المطروحة، الكفيلة بأن تخلص اللغة من بقايا الاستعمالات الاستبدادية، وتضمن لها آفاق التطور الموضوعية، على مستوى مبادئ القواعد، ومعجم اللغة، بل وحتى على مستوى بنية الصرف العربي، وحركات الإعراب... اجتهاد يخلص اللغة من "لعنة الجمود"، ويفجر كل إمكاناتها في استيعاب التغيرات المجتمعية.
يقول ابن عربي "المكان الذي لا يؤنث لا يعول عليه"، ونقول على منواله "اللفظ الذي لا يؤنث لا يعول عليه".