المهدي المقدمي - عبد الله إبراهيم، رئيس أول حكومة يسارية في المغرب : مولد قائد وطني بمدينة مراكش

عبد الله إبراهيم : تاريخ الفرص الضائعة
دخل المعترك السياسي من جهة اليسار، وخرج منه من الجهة نفسها؛ عبد الله ابراهيم، رئيس أول حكومة يسارية في المغرب، المسؤول السياسي النظيف الذي أخلص لمواقفه، والمثقف الذي جالس كبار مثقفي العالم، وساهم من موقعه كأحد رجال الحركة الوطنية في تدبير الشأن العام.
قليل من المغاربة اليوم، من يعرف هذا الرجل السياسي المحنك، الذي رحل عنا في شتنبر 2005، وقليلون يعرفون أنه كان يقود أول تجربة للأمل، وأول حكومة كانت منشغلة، حقا وصدقا، بدسترة ودمقرطة وتحديث الدولة المغربية، لكن إسقاط الحكومة على ذلك النحو المخطط له من قبل «الطابور الخامس» أجهض أمل المغاربة.
وقد ظل عبد الله ابراهيم أيقونة قيادية ذات سلطة أخلاقية وضمير سياسي واضح، غير منغمس في المساومات والدسائس وترتيبات الظل.
وقد جنحت زكية داوود، عبر مؤلفها الحديث « عبد الله إبراهيم: تاريخ الفرص الضائعة»، نحو استعراض السيرة الذاتية لواحد من إيقونات النضال السياسي بالمغرب، شخصية اجتمعت فيها صفات الثقافة الذكاء والحنكة السياسية، عبر تجميع مجموعة من أبرز الصور والبورتريهات، فضلا عن شهادات لأشخاص عاصروا عبد الله ابراهيم وتاريخه السياسي.

في «درب حمان»، المتموقع بحي «مواسين» بالمدينة القديمة لمراكش، ولد عبد لله إبراهيم بتاريخ 24 غشت 1918، في حي معروف من طرف العائلات المراكشية آنذاك، والذي التقى به معظم رفقاء دربه ومسيرته الحياتية، منهم الشاعر محمد بن إبراهيم وعائلات المنجرة، والحسني الذي سيتزوج خديجة أخت عبد لله في ما بعد. في «درب حمان»، المتموقع بحي «مواسين» بالمدينة القديمة لمراكش، ولد عبد لله إبراهيم بتاريخ 24 غشت 1918، في حي معروف من طرف العائلات المراكشية آنذاك، والذي التقى به معظم رفقاء دربه ومسيرته الحياتية، منهم الشاعر محمد بن إبراهيم وعائلات المنجرة، والحسني الذي سيتزوج خديجة أخت عبد لله في ما بعد. لقد كان عبد لله إبراهيم، احد أطفال المدينة القديمة، فتى شعبي و مراكشي من عائلة تقليدية، بالرغم من انتمائه القومي، المتحدي للأثرياء الفاسيين والرباطيين و السلاويين، والسائر على درب أمثاله من القوميين المعروفين، كعلال الفاسي وأحمد بالفرج، والمفكرين السلاويين كسعيد حجي عبر جمعية «الوداد»، إذ ساهمت هذه الأخيرة، في نشر الكتابات و الآراء وتعزيز الروح القومية المغربية.بحسب المصادر فإن ثروة مولاي ابراهيم، أو مولاي ابراهيم شريف ادريسي بن احمد، والد عبد لله إبراهيم، أتت من ريادته لقطاع الأعمال، خاصة بيع المواد و الأدوات الفلاحية، ما ساهم في توسيع أنشطته وثروته، ليمتلك في ما بعد مدبغة، توظف ما يقرب من أربعين شخصا، زيادة على مصبنة ومجموعة من الأراضي بمنطقة «اوريكا»، و«أغمات» و«أمزميز» وبمدينة مراكش أيضا، منها أرض تتموقع بها إعدادية «فيكتور هيغو».والحق يقال إن عبد لله، لم يكن يحس بكونه فتى من عائلة غنية، بل ابنا لعائلة من الطبقة المتوسطة، فلم يهتم قط بالغنى أو المال، بالرغم من ترك أبيه بحسب زوجته «فاطمة سنتيسي»، والدة عبد لله إبراهيم، وهي من عائلة ذات أصول سوسية، لإرث مالي لا بأس به ورياض كبير تسكنه العائلة، إلا أن عبد لله رفض هذا الانتماء العائلي، واعتبر ب «أن الشخص سامي بأفعاله لا بمرتبته العائلية».اندمج عبد لله إبراهيم بأرض الواقع، إبان فترة الحماية ودخول الهبة ماء العينين، إلى مراكش سنة 1912 وتنصيب نفسه «سلطان» عليها، إلا أنه طرد منها من طرف الجنود الفرنسيين بقيادة الجنرال «مانجان»، و عين «الباشا الكلاوي» حاكما على المنطقة في 1913، فارضا «حظر التجول» الذي سيدوم إلى إعلان الاستقلال، خاصة أن المدينة عاشت تبعات اغتيال «الدكتور موشامب» في 1907، ما أدى إلى استمرار المقاومة بالقرب منها إلى غاية 1934، كما شهدت المدينة القديمة بمراكش، خلال فترة انطلاق العمل بحظر التجوال، أزمة صعبة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتدهورا واضحا على مستوى خدمات النظافة، وتراجعا في مستوى مقاومة الأمراض. من العلامات البارزة في مسيرة عبد لله إبراهيم، هو تعرفه على عمه «بو مدين» في عمر الأربع سنوات، الذي وصف بكونه رجلا صوفيا زاهدا، ارتحل إلى الحج وعبر الشرق الأوسط قبل زمن، إلى أن عاد لمراكش ليكتشف زواج أخته و يتعرف على أبنائها، منهم عبد لله الذي أحاطه برعايته وتكفل بتعليمه الديني ب «الزاوية التيجانية»، زيادة على مشاركة حبه للكتب و القراءة، الذي لازم عبد لله طيلة حياته.في سن 12 سنة، شهد عبد لله إبراهيم انطلاق العمل ب»الظهير البربري»، في نفس الوقت الذي دعا فيه عبد اللطيف صبيحي من مدينة سلا، إلى نبذ العمل بالمحاكم الخاصة بالأمازيغ، في حين عمل إمام المسجد الأكبر بسلا علي العواد، على حشد المتظاهرين عبر خطب ساهمت في تأجيج نار المقاومة، و المظاهرات بكامل التراب الوطني، انطلاقا من مدينة سلا ومرورا بالرباط وفاس والمنطقة الشمالية متمثلة بطنجة، عبر مقاومين أمثال «محمد اليزيدي» و «علال الفاسي» و«عائلة بنونة» خاصة «عبد السلام بنونة».تلقى عبد لله تعليمه القرآني، على يد صديق عمه «الفقيه النظيفي»، وقد تمكن خلال بضع سنوات، تحديدا في سن 13 سنة من إتقان اللغة العربية وعلوم القرآن، ليساعد الفقيه في ما بعد على تلقين القرآن وعلومه وكذا اللغة العربية، للراغبين في حفظه والتعرف على أسسه الفقهية و اللغوية، إذ ساعدته معارفه العلمية المكتسبة، على تنمية شغفه بمزاولة التدريس في مجموعة من المدارس العتيقة والحديثة، التي أشرف عليها «الباشا الكلاوي» في حيه.اعتبرت سنة 1930، انطلاقة الخطط السياسية للمستعمر الفرنسي بالمغرب، عبر بناء المدرسة العسكرية بمدينة «أزرو»، بغية تكوين جنود المستقبل و«الوحدات الحسنية»، تحت إشراف إدريس المحمدي والمرتبطين بالمتنورين الفرنسيين، قبل أربع سنوات من تولي محمد الخامس لمقاليد الحكم. وانطلاقا من فرنسا و تحديدا بمدينة باريس، تواصلت الاتصالات ما بين الحزب اليساري الفرنسي و الشباب المغاربة، عبر جريدة «Maghreb» لحسن الوزاني، وأيضا عبر جريدة «المنار»التي دعت لإعادة إحياء الإيديولوجية العربية والسلفية، مدافعة عن القوميين المغربيين المعتقلين، المنتمين لجمعية الطلبة المغاربة بفرنسا (AEMNAF) التي أسست في سنة 1928.وكذلك الحال في المغرب، فقد توجه الشباب الدارس بالمدارس الخاصة المغربية والفرنسية، إلى الالتحاق بالجمعيات الثقافية و المسرحية و الرياضية، كما تأثروا أيضا بفكرة إعادة الإحياء و السلفية العربية، وهي المقومات التي ساهمت في التكوين الفكري والعسكري، لدى غالبية الشباب و خاصة عبد لله. لقد انتشرت هذه الدعوة الشبابية، عبر عدة مدن كبيرة بالمغرب، مساهمة في تحرير الوعي الاجتماعي لدى الشباب، ما أدى لمبادرات متنوعة أبرزها، افتتاح مدرسة عمومية بمدينة مراكش من طرف المختار السوسي، ومدرسة «الحياة» من طرف إبراهيم السوسي، التي درس بها عبد لله إبراهيم. ساهمت كتابات «ابن خلدون» و«ابن العربي»، بشكل مباشر في إثراء الفكر العربي لدى عبد لله، كما اهتم أيضا بالكتابات حول الاتحاد السوفياتي، خاصة الدستور السوفياتي الأول لسنة 1930، واهتم كذلك بالكتاب الفرنسيين و الإغريق، والفلاسفة أمثال أرسطو وأفلاطون و هيغل، ما نتج عنه تعزيز معارفه العلمية والأدبية، ليحصل في ما بعد على دبلوم «العالم» أو دكتوراه في العلوم الدينية من جامعة مولاي يوسف.ساهمت المعارف التي تحصل عليها عبد لله، في تأجيج مناهضته للباشا كلاوي وسياساته الاستبدادية بمدينة مراكش، ما أدى لحبسه للمرة الأولى في حياته، في سنة 1933 وهو في الخامسة عشرة من عمره، بعدها اكتفى الباشا بتنبيهه قبل إطلاق سراحه. عقب هذا الحدث الذي عاشه للمرة الأولى في حياته، قرر عبد لله تعزيز روح الحرية والتضحية لدى شباب مدينته، عبر تزويدهم بما اكتسبه من معارف، حيث يقول: «لقد حشدنا ما يقرب من مئة و خمسين صانعا تقليديا بمراكش، ولأن معظمهم يقتات من الصحراء، سعينا لنقدم لهم المساعدات ولتحقيق أمانيهم، ما ساهم في علاج تراجع الحرف اليدوية، ومنه تمكنا من تعبئة الطبقة المتوسطة».


المهدي المقدمي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 07 - 05 - 2019

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...