عمار المسعودي - كتابة الهامش.. قراءة في شعر كريم خيور

لا يمكن لأي لناقد في اي حال من الأحوال ان يقصر الشاعرية ، على عنصر واحد من عناصرها ، ويظل يلوِّح به ، على أنه الميزان الذهبي ، في قياس الشعري من سواه، بل ان هناك شاعريات تتنوع بتنوع الرؤيا والبيئة والهم الشعري ، مثلا في مدينة لها منجزها الإبداعي مثل،، البصرة،،التي قطف لها سبق الريادة شاعرها الخالد،، بدر شاكر السياب،، ومنحها البريكان بعزلته المضروبة على منجزه نوعا من القدسية ، في النظر للشعر ، اذ اخرجه من الإنشاد الى التهجد بعيدا عن تاريخية المنبر ورمزيته في تاريخ التلقي ، كذلك رسم الشاعر، الحجاج، مسارا اخر للتغني بالبصرة / الحلم مبنيا على نوع من الاستذكارت ، التي يرغب في ترسيخها في هذا الحاضر الخراب ، أملا في بعثها من جديد بعد كل هذا الوبال الذي أصابها جراء الحروب والايدلوجيات التي أسهمت في إيقاف نسغ المدنية فيها ، ثم تجربة الشاعر، طالب عبد العزيز،، الذي اشتق لنفسه شاعرية مختلفة ولكن استنادا على إرث البصرة الفكري هذه المرة واللغوي، اذ ذهب لاستحضار المفردة الفصيحة والرزينة التي منحت قصيدة النثر سحنتها العربية هذا كله يحصل في مدينة ازدحمت فيها الأسماء والأنماط الشعرية التي لا نريد الإسهاب في ذكرها ،منها الأيدلوجي وإنتاجه لشعرنة اليومي والسياسي كما هو حاصل عند سعدي والأجيال التي تأثرت به .

ان هذه الشعريات مبنية في معظم نماذجها على البصرة / المتن بكل مالها من تنوعات ثقافية ، اما تجربة شاعرنا كريم جخيور فهي تجربة تم بناؤها على هامش البصرة بأحلام فقرائها ، ببساطة أهلها ، ببيوتهم المحنيَّةِ على أمانيهم ، شاقا لنفسه معبرا شعريا في الزخم الهائل من الشعريات فيها واعني البصرة..

كريم جخيور يبني شعريته ليس على الصوت الذي يعلو لانه يبحث في المتن وليس من الموسيقى او المنبرية أو البلاغة ،بل يأتي من شعرية اللحظة التي تستحيل كل عناصر الكون منطقة للاشتعال الشعري فيها مارا بكل أناقة من زخم الشعريات التي ذكرنا. فشعوره بالسعادة يتحقق من مجرد ان ينظر لعين أحدهم وهي تراميه بالحب ،وهذا قد يعود الى توهج وشدة ولعه بالأشياء التي يتفاعل معها ، انه يهتم بالبيوت الواطئة المبنية من مطر وحنين ، لم يكتب عن الأرائك في بيوت الأسياد بل انه يكتب عن : شتائم أمه ، أجداده الوقحين ، مدرسته الابتدائية ، السواد ، الكتب الرخيصة التي
قد ملَّها الرصيف ، البطيخ المهمل عند بائع الخضرة سوى ذلك من الهوامش .

أحلامه وأمانية تأتي دائماً من الأعلى غير مداخلة لذاته أي انها منتجات افتراضية مثلا تأتي من صورة فنانة جميلة على غلاف مجلة لمّاع - لايستطيع اقتنائها- او من مشاهدته لإحدى بطلات الأفلام ، من هنا يكون كريم جخيور صوتا لكل المكتوبين خارج الزمان والمكان ، هو ابن ل:
فلاح من دون ارض
راع بلا قطيع
عاشقا بلا أميرة

ولأنه لم يستقر في ارض او مكان ،لذا لم يحفل كثيراً بيوتبيات المدن ، الامر الذي جعله ، حتى في مرثيته المهداة لأمرأته باكيا لانه لم يجعلها تشكل ذاكرتها في مكان ، بل هي معه مجموعة انتقالات صنعت لديهما ذاكرة ممزقة ، انه يرثيها من رسم صورة نهائية لوجودهما معا : هم يهيلون عليها التراب وانا أهيل على خديّ الدموع .


الدكتور عمار المسعودي
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...