تأبى فلسفة النهايات إلا أن تجعل كل شيء تحت طائلة الموت والعدم. كيف لا وهي لم تستثن من ذلك “الإله” نفسه (الحي الذي لا يموت) ؟. صحيح أن لدلالة الموت، هنا، بعدا رمزيا، بيد أن ذلك يدخل في إطار “الاستعارات التي نحيا بها”، وهي استعارات محايثة للواقع. من ثم فإن الأمر لا يتعلق بمجرد تنظير فلسفي متعال عن الواقع وإنما هو قراءة للتحولات التاريخية العميقة التي بات يشهدها العالم من حولنا، اليوم، بشكل متسارع.
فإذا كان نيتشه قد حكم بموت الله (في الدواخل) فإن ميتات أخرى قد لحقت بالإنسان (البنيوية) والمؤلف (نظرية التلقي) والتاريخ (فوكوياما) والسياسة (مع انتصارها للمصالح بدل المبادئ) والقراءة (في زمن الحوامل الضوئية)، والسرديات الكبرى عموما، ليأتي الدور، أخيرا، على الكتابة ذاتها، سيما الكتابة الأدبية، التي لم تعد حكرا على أقلام دون سواها. مادامت وسائط تكنولوجيا التواصل قد سمحت للجميع كي يكونوا كتابا على طريقتهم الخاصة. مما عوّم فعل الكتابة وعممها ليقتلها، لاحقا، كما تمت تصفية باقي المحافل الأخرى المذكورة وسواها.
وهكذا صرنا أمام فيض من الكتابات التي لا علاقة لها بالكتابة بما هي “أخلاق للشكل”، أو على الأصح كتابات تجعل من الكتابة، التي ظلت، لقرون، امتيازا تحوزه فئة قليلة من المجتمع بالكد والعرق، سلوكا أقرب إلى الابتذال، وصيحة خرساء في أودية الأضواء الهاربة والسيليكون. بل مجرد ضوضاء لا غير، لكأنها صرخات استغاثة من “تسونامي” ما انفك يكسح الجميع.
بحيث صار الجميع يكتب القصة والرواية والقصيدة والمسرحية والمقالة وهلم سوانح وهلاوس، دونما اعتبار لأدنى الضوابط اللغوية والتقنيات البنائية والفنية. لقد أضحت سوحُ الكتابة، في زمن العولمة، أرباضا لا مالك لها كما تنبأ لها بذلك، مبكرا، الشكلانيون الروس. حتى أن بعض الذين لا علاقة لهم بالكتابة قد استفادوا من هذه “الفوضى الخلاقة” بفعل تشابه الجواميس. فنالوا شهرات زائفة دغدغت نرجسياتهم النفاجة في انتظار محو لا يبقي ولا يذر.
وتبعا لذلك، فكما توارى الله، في القلوب، وسادت عقائديات الشر، وكما انسحق الإنسان تحت وطأة الآلة وقسوة الحياة، وكما قل شأن المؤلف مقابل سطوع نجم القارئ (الذي لا يقرأ)، وكما مات التاريخ والإيديولوجيا والسياسة، هاهي الكتابة بدورها توقـّع على موتها الأكيد من خلال زحف كثير من الأدعياء على حرمتها، وخلو الساحة من محتسبين.
وعليه فإذا سارت الأمور كما هو عليه الحال (ومن المتوقع أن تسير وربما بوتيرة أسرع وأعنف) فإن الكاتب، بمعناه التقليدي وربما الحقيقي، سيترجّل ليترك مركب الكتابة يغرق، تماما كتخلي المثقفين عن أدوارهم حين رأوا الفعل الثقافي والسياسي ينحط حد الإسفاف.
فإذا كان نيتشه قد حكم بموت الله (في الدواخل) فإن ميتات أخرى قد لحقت بالإنسان (البنيوية) والمؤلف (نظرية التلقي) والتاريخ (فوكوياما) والسياسة (مع انتصارها للمصالح بدل المبادئ) والقراءة (في زمن الحوامل الضوئية)، والسرديات الكبرى عموما، ليأتي الدور، أخيرا، على الكتابة ذاتها، سيما الكتابة الأدبية، التي لم تعد حكرا على أقلام دون سواها. مادامت وسائط تكنولوجيا التواصل قد سمحت للجميع كي يكونوا كتابا على طريقتهم الخاصة. مما عوّم فعل الكتابة وعممها ليقتلها، لاحقا، كما تمت تصفية باقي المحافل الأخرى المذكورة وسواها.
وهكذا صرنا أمام فيض من الكتابات التي لا علاقة لها بالكتابة بما هي “أخلاق للشكل”، أو على الأصح كتابات تجعل من الكتابة، التي ظلت، لقرون، امتيازا تحوزه فئة قليلة من المجتمع بالكد والعرق، سلوكا أقرب إلى الابتذال، وصيحة خرساء في أودية الأضواء الهاربة والسيليكون. بل مجرد ضوضاء لا غير، لكأنها صرخات استغاثة من “تسونامي” ما انفك يكسح الجميع.
بحيث صار الجميع يكتب القصة والرواية والقصيدة والمسرحية والمقالة وهلم سوانح وهلاوس، دونما اعتبار لأدنى الضوابط اللغوية والتقنيات البنائية والفنية. لقد أضحت سوحُ الكتابة، في زمن العولمة، أرباضا لا مالك لها كما تنبأ لها بذلك، مبكرا، الشكلانيون الروس. حتى أن بعض الذين لا علاقة لهم بالكتابة قد استفادوا من هذه “الفوضى الخلاقة” بفعل تشابه الجواميس. فنالوا شهرات زائفة دغدغت نرجسياتهم النفاجة في انتظار محو لا يبقي ولا يذر.
وتبعا لذلك، فكما توارى الله، في القلوب، وسادت عقائديات الشر، وكما انسحق الإنسان تحت وطأة الآلة وقسوة الحياة، وكما قل شأن المؤلف مقابل سطوع نجم القارئ (الذي لا يقرأ)، وكما مات التاريخ والإيديولوجيا والسياسة، هاهي الكتابة بدورها توقـّع على موتها الأكيد من خلال زحف كثير من الأدعياء على حرمتها، وخلو الساحة من محتسبين.
وعليه فإذا سارت الأمور كما هو عليه الحال (ومن المتوقع أن تسير وربما بوتيرة أسرع وأعنف) فإن الكاتب، بمعناه التقليدي وربما الحقيقي، سيترجّل ليترك مركب الكتابة يغرق، تماما كتخلي المثقفين عن أدوارهم حين رأوا الفعل الثقافي والسياسي ينحط حد الإسفاف.