إذا حالفكَ سُوء الطَّالع وكنتَ مع النَّازلين أسفل السُّلم الإجتماعي شاعراً، فلا تتردَّدْ في اسْتِباق الخسائر التي تُهيِّئها لك الحياة على طَبقٍ من سَغَب، وسارعْ بخِفة الكلمة أيها البارع للانخراط في أقرب شركة تأمين، فكاتب الشِّعر يتمتع بالجاذبية القمينة بجعله مغْناطيساً يجْذب من اللعنات أشدها فتْكاً في مسامير المائدة الذين يدَّعون الثقافة وهم يطبخون فوق جراحنا بالشَّوكة والسكين..!
تحتاجُ إذا كنت شاعرا إلى (لاسُورانس) ليس للتأمين على قريحتك إذا تعطّلت كسيَّارة مُتهالكة في منتصف القصيدة وشحَّ نُضُوبها، وليس على مُنجزك الشِّعري المُتراكم ورقياً بشواهد قبوره المدفونين أحياء تحتها، فأنت لستَ كحِجارة الآثار تراثا ماديا أو ككل الثرثرات الشَّفهية الفلكلورية ميراثا لاماديا وتحتاج للحفاظ عليك من الاندثار تدخُّل اليونيسكو أو وزارات الثقافة، لن يُعوزك التأمين عن كل الشِّعر الذي كتبْتَه ويُعتبر بالمفهوم الغوائي كباقي الخطايا زلَّة قلم.. لو تُصدِّقون أنَّا وُلِدْنا جميعا بزلَّة قلمْ، فقط لا تتأخرْ وسارعْ للانخراط في أقرب شركة تأمين فقد تنْكسر وأنت متصاعد كالدخان منْبراً لِتقرأ الشِّعر بِزلَّة قدمْ..!
اعْلَمْ أيها الشاعر أن فكرةً نطَّت كضفدع صغير في مُسْتنقع الخاطر، قد تطرحكَ وأنت تكتبها لأسابيع مرضاً، ولكنها لا تساوي في البنك درهما بالمقارنة مع أول منْ واتَتْهُ فكرة إنشاء شركة تأمين، فالعبقري من حقا يستغل حاجات الناس وعاهاتها لتُوصله إلى جيوبهم دون أن يمُدُّ من اليد أصبعاً..!
هل أنت آمنٌ أيها الشَّاعر على حياتكَ إذا لم تكنْ فاهرعْ لأقرب شركة تأبين بنكية، ستدفع لكَ تعويضاً مُقابل كل الحوادث التي إما تقْترفها في حقِّ نفسكَ فأنت بالطبيعة انتحاريٌّ، أو تجُور عليكَ بها نوائب الحياة، فلستَ ضامناً ألا تسقط في بالوعة الوادي الحار التي تُفخِّخُ أحد شوارع المدينة، إذا لم تكنْ فسارعْ للانخراط مُقابل مبلغ يُقتَطع من لحمكَ الحي آناء الليل والنهار في آخر شهر اللهُم بَلِّغْنا رمضان، ستكون كل سيارات الإسعاف والمِصحَّات رهْن إعاقتك التي سببتْها بلدية المدينة وهي تُوفِّرُ إنارة في أعمدة لِفَرْط طُولها تضيء بَدَل الأرض السماء يا لروحانِيَّتها، أما البالوعات فلا تترُكُها مفتوحة دون غطاء عبثا إنما من باب عِشقها للعب الكولف حفرةٌ لكلِّ مواطن..!
انخرطْ ولا تكن بذبذباتك عالي التردُّدْ، فلدْغةُ عقرب من الأبعد أو الأقرب قد تُعجِّل بساعتكَ الأخيرة، أو نفَسٌ من هواء في مُناخنا المُلوَّثْ سياسيا واجتماعيا قد يُصيبكَ بمرض عُضالٍ ستجده متْبوعا في التعازي بعبارة: لم ينفعْ معه علاج، ولكنه كان ناجعا جدا في استنزاف جيب المواطن الذي يُسْلِم الروح ليس بِنهْش المرض إنما بسبب العضَّة المسعورة لمافيا الطب الخصوصي الذين وهم يوصلونه للإفلاس قتلوا في فؤاده كل إحساس..!
لن ينفعكَ إلا ما دفَعْتَه من جيبك لشركة التأمين لتحظى بالعلاج في إحدى مصحات البلد الفاخرة التي لا أعرف لماذا وهي تلتمع في طابقها العشرين كالفنادق بخمسة نجوم تنطفىء في أجنحتها الأنيقة الأرواح مُحلِّقةً عبر ستائر النوافذ لبارئها تِباعاً، إن تكاليف العلاج باهظة وينوء بثقلها الجبل وتجعله من بعد شموخ مُتهدِّما ذليلا، اشتركْ في شركة التأمين التي لا أعرف عن أي تأمين تتحدث وهي تضع سقفا فقيراً للتعويض فترفض أن تُغطِّي كل ما له علاقة بعمليات علاجٍ مصيرية كبرى، ولكنَّها تسرع في تعويضكَ عن الأدوية التي لا يتجاوز سعرها ثمن البيتادين ولابأس أيضاً بالدواء الأحمر..!
مِلكيَّتُكَ الفكرية أو الجمالية أيها الشاعر لا تعني أحداً سواكَ كمنْ يُحارب بسيف مِدفعية، وما تخُطُّه من أفكار وأشعار فقدتِ القيمة في زمن انهيار كل القيم التي أصبحتْ بمعانيها مُلْقاة على الطريق ينفضها الناس كلما داسوها حتى من الأحذية، وما تكتبه في القصيدة بارعٌ في تصوير ما يتعلَّق بضفائر إحدى الحسناوات قافزا كفتى الأدغال مُنْسرباً عبر المضائق والمنعرجات دون أن يصل للكثيب بقلم، ما أجمل ما تكتب أيها الشاعر في واقعٍ غير شاعر، ولكنه ليس بقيمة مؤخرة بعض النجمات الذي يُدِرُّ على صاحبته مداخيل تضاهي ميزانية بلد، فنجْمة البرامج الواقعية "كارادشيان" مثلا، يُكلِّفها التأمين على ردفها 21 مليون دولار، هو أغلى ما تملك وسبب انتقالها صاروخيا لعالم الشهرة، فقُلْ أنت الشِّعر دون أن تشعر بالأمان ملء جفونك الدمع، بينما الجميع ينصرف بغرائزه إلى ما يستحق وينفع..!
(افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" الذي جاء في عدد يومه الخميس 21 مارس 2019 خاصا باليوم العالمي للشعر)
Mohamed Bachkar
تحتاجُ إذا كنت شاعرا إلى (لاسُورانس) ليس للتأمين على قريحتك إذا تعطّلت كسيَّارة مُتهالكة في منتصف القصيدة وشحَّ نُضُوبها، وليس على مُنجزك الشِّعري المُتراكم ورقياً بشواهد قبوره المدفونين أحياء تحتها، فأنت لستَ كحِجارة الآثار تراثا ماديا أو ككل الثرثرات الشَّفهية الفلكلورية ميراثا لاماديا وتحتاج للحفاظ عليك من الاندثار تدخُّل اليونيسكو أو وزارات الثقافة، لن يُعوزك التأمين عن كل الشِّعر الذي كتبْتَه ويُعتبر بالمفهوم الغوائي كباقي الخطايا زلَّة قلم.. لو تُصدِّقون أنَّا وُلِدْنا جميعا بزلَّة قلمْ، فقط لا تتأخرْ وسارعْ للانخراط في أقرب شركة تأمين فقد تنْكسر وأنت متصاعد كالدخان منْبراً لِتقرأ الشِّعر بِزلَّة قدمْ..!
اعْلَمْ أيها الشاعر أن فكرةً نطَّت كضفدع صغير في مُسْتنقع الخاطر، قد تطرحكَ وأنت تكتبها لأسابيع مرضاً، ولكنها لا تساوي في البنك درهما بالمقارنة مع أول منْ واتَتْهُ فكرة إنشاء شركة تأمين، فالعبقري من حقا يستغل حاجات الناس وعاهاتها لتُوصله إلى جيوبهم دون أن يمُدُّ من اليد أصبعاً..!
هل أنت آمنٌ أيها الشَّاعر على حياتكَ إذا لم تكنْ فاهرعْ لأقرب شركة تأبين بنكية، ستدفع لكَ تعويضاً مُقابل كل الحوادث التي إما تقْترفها في حقِّ نفسكَ فأنت بالطبيعة انتحاريٌّ، أو تجُور عليكَ بها نوائب الحياة، فلستَ ضامناً ألا تسقط في بالوعة الوادي الحار التي تُفخِّخُ أحد شوارع المدينة، إذا لم تكنْ فسارعْ للانخراط مُقابل مبلغ يُقتَطع من لحمكَ الحي آناء الليل والنهار في آخر شهر اللهُم بَلِّغْنا رمضان، ستكون كل سيارات الإسعاف والمِصحَّات رهْن إعاقتك التي سببتْها بلدية المدينة وهي تُوفِّرُ إنارة في أعمدة لِفَرْط طُولها تضيء بَدَل الأرض السماء يا لروحانِيَّتها، أما البالوعات فلا تترُكُها مفتوحة دون غطاء عبثا إنما من باب عِشقها للعب الكولف حفرةٌ لكلِّ مواطن..!
انخرطْ ولا تكن بذبذباتك عالي التردُّدْ، فلدْغةُ عقرب من الأبعد أو الأقرب قد تُعجِّل بساعتكَ الأخيرة، أو نفَسٌ من هواء في مُناخنا المُلوَّثْ سياسيا واجتماعيا قد يُصيبكَ بمرض عُضالٍ ستجده متْبوعا في التعازي بعبارة: لم ينفعْ معه علاج، ولكنه كان ناجعا جدا في استنزاف جيب المواطن الذي يُسْلِم الروح ليس بِنهْش المرض إنما بسبب العضَّة المسعورة لمافيا الطب الخصوصي الذين وهم يوصلونه للإفلاس قتلوا في فؤاده كل إحساس..!
لن ينفعكَ إلا ما دفَعْتَه من جيبك لشركة التأمين لتحظى بالعلاج في إحدى مصحات البلد الفاخرة التي لا أعرف لماذا وهي تلتمع في طابقها العشرين كالفنادق بخمسة نجوم تنطفىء في أجنحتها الأنيقة الأرواح مُحلِّقةً عبر ستائر النوافذ لبارئها تِباعاً، إن تكاليف العلاج باهظة وينوء بثقلها الجبل وتجعله من بعد شموخ مُتهدِّما ذليلا، اشتركْ في شركة التأمين التي لا أعرف عن أي تأمين تتحدث وهي تضع سقفا فقيراً للتعويض فترفض أن تُغطِّي كل ما له علاقة بعمليات علاجٍ مصيرية كبرى، ولكنَّها تسرع في تعويضكَ عن الأدوية التي لا يتجاوز سعرها ثمن البيتادين ولابأس أيضاً بالدواء الأحمر..!
مِلكيَّتُكَ الفكرية أو الجمالية أيها الشاعر لا تعني أحداً سواكَ كمنْ يُحارب بسيف مِدفعية، وما تخُطُّه من أفكار وأشعار فقدتِ القيمة في زمن انهيار كل القيم التي أصبحتْ بمعانيها مُلْقاة على الطريق ينفضها الناس كلما داسوها حتى من الأحذية، وما تكتبه في القصيدة بارعٌ في تصوير ما يتعلَّق بضفائر إحدى الحسناوات قافزا كفتى الأدغال مُنْسرباً عبر المضائق والمنعرجات دون أن يصل للكثيب بقلم، ما أجمل ما تكتب أيها الشاعر في واقعٍ غير شاعر، ولكنه ليس بقيمة مؤخرة بعض النجمات الذي يُدِرُّ على صاحبته مداخيل تضاهي ميزانية بلد، فنجْمة البرامج الواقعية "كارادشيان" مثلا، يُكلِّفها التأمين على ردفها 21 مليون دولار، هو أغلى ما تملك وسبب انتقالها صاروخيا لعالم الشهرة، فقُلْ أنت الشِّعر دون أن تشعر بالأمان ملء جفونك الدمع، بينما الجميع ينصرف بغرائزه إلى ما يستحق وينفع..!
(افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" الذي جاء في عدد يومه الخميس 21 مارس 2019 خاصا باليوم العالمي للشعر)
Mohamed Bachkar