على عادة التجار المفلسين الذي يعودون لدفاترهم القديمة، للبحث عن “دَين” لم يُسدده أحد المدينين، هكذا أنا هذه الأيام، كلما مرت حادثة أكبر من قدرتي على تحملها نفسيًا وعاطفيًا، عُدت للبحث عن فيلم سينمائي أهدر فيه عواطفي وأحلامي الضائعة، وأعلق عليه آمالي التي تكاد تنطفىء.
عشنا في حياتنا القصيرة الكثير من المخازي والأحزان والخسارات، منذ الثورة العربية الكبرى، التي كانت ترفع شعار وحدة سورية الطبيعية، وصولًا إلى إعلان الرئيس ترامب أن القدس “عاصمة إسرائيل”. وفي كل مرة كانت الغصة تكبر، لذلك كان أملنا في الثورة السورية أن تُحقق لنا أكثر من إسقاط الاستبداد، كنا نحلم بالحرية، فكان الجواب: “خلافة داعش”، وانتصار “داعش الأميركية”، وتنصيب ترامب “خليفة” للأميركيين البيض، كي يُحارب “خليفة المسلمين الإرهابي”، وليعلن في حفل الانتصار أن “القدس عاصمة إسرائيل الأبدية”.
أمام هذا العجز الشامل، لم أقم -كما فعل كثير من الناشطين- بتغيير بروفايل صفحتي، ووضع صورة المسجد الأقصى، للتعبير عن دعمي للقدس كعاصمة لفلسطين، أو كما فعل بطل محمد ملص في فيلم (الليل)، الذي فقد الأمل في كل شيء، فذهب إلى الجامع، ليسند ظهره إلى جداره مودعًا الحياة، إنما ذهبت إلى السينما، باحثًا عن فيلم أجد فيه بعض التعويض، فما زلت مؤمنًا أن عجزي الذاتي لا يجب أن يُفقدني الأمل بأن الثورة السورية ستعيد صياغة الإنسان السوري والعربي، ولو بعد حين.
صحيح أن الإنسان، عندما يكبر في العمر، يميل إلى اكتساب المعرفة، إذا أراد، عن طريق الرؤية أو السمع، من دون أن يضطر إلى قراءة مجلدات في التاريخ أو التحليل السياسي، لذلك بحثت عن فيلم كنت قد رأيته عدة مرات، فيلم (مملكة السماء)، ففيه -كما أزعم- رد على “عنطزة” ترامب عن “القدس الإسرائيلية”، وشماتة بـ “فرسان الهيكل” الذين ظنوا أن وجودهم أبدي في القدس، كما يفكر ترامب الآن، إلى أن انتصر المسلمون، وحرروا القدس من دون الإساءة إلى الرموز المسيحية، كما فعل صلاح الدين الأيوبي، عندما رفع صليبًا مرميًا على الأرض، وأعاد وضعه على الطاولة، وعندما تجنب المرور فوق قطعة من الأرض عليها صليب حجري.
إن عنجهية ترامب يجب أن لا تجعلنا نظن أن الغرب كله يفكر كما يفكر المسيحي المتطرف، وأحسن مثال، في هذا المجال، هو الإشارة إلى أن هذا الفيلم الجميل هو إنتاج أميركي، ولكنه مع ذلك يقدم صورة إيجابية عن العربي. وعن الصورة الإيجابية المقدمة في الفيلم عن المسلم، قالت صحيفة (كريسيتيان ساينس مونيتور) الأميركية، في يوم العرض الأول للفيلم: على الرغم من الأجواء المشحونة بين الغرب والعالم الإسلامي، بعد تداعيات أحدث 11 أيلول/ سبتمبر، فقد سعى فيلم (مملكة السماء) إلى تقديم المسلمين بصورة مغايرة للإجحاف الشديد الذي اعتادت أن تقدمهم به السينما في هوليوود، والتي “لم تخرج عن كونهم عاشقين للرقص الشرقي أو إرهابيين متوحشين، يستهدفون دماء الأبرياء في الغرب”.
الخلاصة: إن انتصار الربيع العربي، وعلى رأسه، وفي مقدمته انتصار الثورة السورية، هو المقدمة الحقيقية لاسترجاع القدس وغير القدس، لذلك سعى العالم كله، من الصين إلى أميركا ومن روسيا إلى إيران، وتضامن على أمر القضاء على الثورة السورية، ولكيلا تتكرر المأساة، يجب على المعنيين بالأمر أن يرسموا الطرق الواضحة للوصول إلى الحرية، فلا تحرير ولا استرجاع للمقدسات، ومنها القدس، إلا بانتصار ثورة الحرية، ولا انتصار لثورة الحرية إلا بالاعتماد على النفس، أولًا وقبل كل شيء.
شيء أخير أريد إضافته إلى هذه المادة، هو أن سلوك “ترامب” المعادي للعرب والمسلمين، وغيره من قادة اليمين المتطرف في الغرب، لن يخيفنا، بل سيساعدنا مستقبلًا على الانتصار. لقد رأيت البارحة الحلقة الأخيرة، من مسلسل (دون حياء) التي بثتها إحدى أقنية التلفزة الأميركية، قبل عدة أيام فقط، وفيها أن مراهقة أميركية فقيرة غير متعلمة، تدخل الى إحدى الصيدليات لشراء حبوب لمنع الحمل فورًا، فقد نامت مع صديقها، قبل قليل، ولا تريد أن يقع الحمل، فوجدت الصيدلية مزدحمة، وهي لا تستطيع الانتظار، فما الحل؟ وجد صديقها الآخر الأسود، ابن المجتمع، أن أسرع طريقة لذلك هي إخلاء الصيدلية من الزبائن، فوقف في مقدمة الصف، وصاح بصوت مرتفع: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، وبدأ الناس بالهرب، وخلال ثوان لم يبق أحد في الصيدلية، عندئذ تقدم من الموظفة، وطلب حبوب منع الحمل لصديقته، ثم خروجوا ضاحكين.
علينا -إذا كنا نريد الانتصار- تحويل هذه الصورة السلبية عنا، في الغرب، إلى صورة إيجابية، كيف؟ لا أعرف، هذه مهمتنا جميعًا.
ميخائيل سعد
الرابط المختصر
د
عشنا في حياتنا القصيرة الكثير من المخازي والأحزان والخسارات، منذ الثورة العربية الكبرى، التي كانت ترفع شعار وحدة سورية الطبيعية، وصولًا إلى إعلان الرئيس ترامب أن القدس “عاصمة إسرائيل”. وفي كل مرة كانت الغصة تكبر، لذلك كان أملنا في الثورة السورية أن تُحقق لنا أكثر من إسقاط الاستبداد، كنا نحلم بالحرية، فكان الجواب: “خلافة داعش”، وانتصار “داعش الأميركية”، وتنصيب ترامب “خليفة” للأميركيين البيض، كي يُحارب “خليفة المسلمين الإرهابي”، وليعلن في حفل الانتصار أن “القدس عاصمة إسرائيل الأبدية”.
أمام هذا العجز الشامل، لم أقم -كما فعل كثير من الناشطين- بتغيير بروفايل صفحتي، ووضع صورة المسجد الأقصى، للتعبير عن دعمي للقدس كعاصمة لفلسطين، أو كما فعل بطل محمد ملص في فيلم (الليل)، الذي فقد الأمل في كل شيء، فذهب إلى الجامع، ليسند ظهره إلى جداره مودعًا الحياة، إنما ذهبت إلى السينما، باحثًا عن فيلم أجد فيه بعض التعويض، فما زلت مؤمنًا أن عجزي الذاتي لا يجب أن يُفقدني الأمل بأن الثورة السورية ستعيد صياغة الإنسان السوري والعربي، ولو بعد حين.
صحيح أن الإنسان، عندما يكبر في العمر، يميل إلى اكتساب المعرفة، إذا أراد، عن طريق الرؤية أو السمع، من دون أن يضطر إلى قراءة مجلدات في التاريخ أو التحليل السياسي، لذلك بحثت عن فيلم كنت قد رأيته عدة مرات، فيلم (مملكة السماء)، ففيه -كما أزعم- رد على “عنطزة” ترامب عن “القدس الإسرائيلية”، وشماتة بـ “فرسان الهيكل” الذين ظنوا أن وجودهم أبدي في القدس، كما يفكر ترامب الآن، إلى أن انتصر المسلمون، وحرروا القدس من دون الإساءة إلى الرموز المسيحية، كما فعل صلاح الدين الأيوبي، عندما رفع صليبًا مرميًا على الأرض، وأعاد وضعه على الطاولة، وعندما تجنب المرور فوق قطعة من الأرض عليها صليب حجري.
إن عنجهية ترامب يجب أن لا تجعلنا نظن أن الغرب كله يفكر كما يفكر المسيحي المتطرف، وأحسن مثال، في هذا المجال، هو الإشارة إلى أن هذا الفيلم الجميل هو إنتاج أميركي، ولكنه مع ذلك يقدم صورة إيجابية عن العربي. وعن الصورة الإيجابية المقدمة في الفيلم عن المسلم، قالت صحيفة (كريسيتيان ساينس مونيتور) الأميركية، في يوم العرض الأول للفيلم: على الرغم من الأجواء المشحونة بين الغرب والعالم الإسلامي، بعد تداعيات أحدث 11 أيلول/ سبتمبر، فقد سعى فيلم (مملكة السماء) إلى تقديم المسلمين بصورة مغايرة للإجحاف الشديد الذي اعتادت أن تقدمهم به السينما في هوليوود، والتي “لم تخرج عن كونهم عاشقين للرقص الشرقي أو إرهابيين متوحشين، يستهدفون دماء الأبرياء في الغرب”.
الخلاصة: إن انتصار الربيع العربي، وعلى رأسه، وفي مقدمته انتصار الثورة السورية، هو المقدمة الحقيقية لاسترجاع القدس وغير القدس، لذلك سعى العالم كله، من الصين إلى أميركا ومن روسيا إلى إيران، وتضامن على أمر القضاء على الثورة السورية، ولكيلا تتكرر المأساة، يجب على المعنيين بالأمر أن يرسموا الطرق الواضحة للوصول إلى الحرية، فلا تحرير ولا استرجاع للمقدسات، ومنها القدس، إلا بانتصار ثورة الحرية، ولا انتصار لثورة الحرية إلا بالاعتماد على النفس، أولًا وقبل كل شيء.
شيء أخير أريد إضافته إلى هذه المادة، هو أن سلوك “ترامب” المعادي للعرب والمسلمين، وغيره من قادة اليمين المتطرف في الغرب، لن يخيفنا، بل سيساعدنا مستقبلًا على الانتصار. لقد رأيت البارحة الحلقة الأخيرة، من مسلسل (دون حياء) التي بثتها إحدى أقنية التلفزة الأميركية، قبل عدة أيام فقط، وفيها أن مراهقة أميركية فقيرة غير متعلمة، تدخل الى إحدى الصيدليات لشراء حبوب لمنع الحمل فورًا، فقد نامت مع صديقها، قبل قليل، ولا تريد أن يقع الحمل، فوجدت الصيدلية مزدحمة، وهي لا تستطيع الانتظار، فما الحل؟ وجد صديقها الآخر الأسود، ابن المجتمع، أن أسرع طريقة لذلك هي إخلاء الصيدلية من الزبائن، فوقف في مقدمة الصف، وصاح بصوت مرتفع: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، وبدأ الناس بالهرب، وخلال ثوان لم يبق أحد في الصيدلية، عندئذ تقدم من الموظفة، وطلب حبوب منع الحمل لصديقته، ثم خروجوا ضاحكين.
علينا -إذا كنا نريد الانتصار- تحويل هذه الصورة السلبية عنا، في الغرب، إلى صورة إيجابية، كيف؟ لا أعرف، هذه مهمتنا جميعًا.
ميخائيل سعد
الرابط المختصر
د