داود سلمان الشويلي - قراءة نصية / إحصائية في رواية “رياح القدر” لمولود بن زادي

آليات الاتساق النحوي وأثرها في التماسك النصي في النص الادبي
التماسك النصي من خلال أدوات الربط

يقول الجرجاني عن الفصل والوصل:
((وإعلم أن ما من علم من علوم البلاغة أنت تقول أنه فيه خفي غامض،
ودقيق صعب إلا وعلم هذا الباب أغمض وأخفى وأدق وأصعب)) .
(عبد القاهر الجرجاني – دلائل الاعجاز –
دار المعرفة – بيروت – 1978 ص187 )
كانت وما زالت، على الرغم من شبه إنطفاء لها، المناهج النقدية التي تعالج النص الادبي تعتمد الأحكام القيمية، ثم ظهرت بعدها قبل أكثر من خمسين عاماً في أوربا، ثم في الوطن العربي، المناهج النصية التي تحلل النص الأدبي، وإيجاد القواعد العلمية التي تتحكم به. وبعيدأً عن”عقدة الخواجة” نقول إن العرب قبل ألف عام قد درسوا النص من داخله، وحللوه، ووجدوا ما كان يضمه. ولا أريد هنا أن أكتب بحثاً تنظيرياً عن الدراسات اللسانية في النقد القديم على المستوى العربي، أو في الوقت الحاضر، وكذلك عن أحد عناوينها الأساسية وهو”الاتساق” على المستوى الأوربي والعربي كذلك، لأن ألكثيرة من الدراسات والبحوث قد كتبت ونشرت عنها. وكذلك فإن المقام لا يتحمل مثل هذا البحث، لأن الدراسة هذه دراسة تطبيقية عن “الاتساق النصي” في رواية “رياح القدر”، للروائي الجزائري مولود بن زادي.
***
في درس لسانيات النص، إهتم اللغويون كثيراً في دراسة الجملة والنص، وقد أخذت الجملة اهتماماً كبيراً من الباحثين والدارسين لأنها، ومن بعدها النص، لا يمكن دراسة المعنى منفصلا عن سياقه اللساني ابتداء منها، للوصول الى معرفة كیفیة تماسك بناءه الكلي، والوصول الى معناه.
وقد اهتمت لسانیات النص بدراسة “الاتساق والانسجام”. حيث إن الاتساق يتعلق بالجوانب التركيبية داخل الجملة لنصل الى النص. فيما الإنسجام يتعلق بالجوانب الدلالية له.
و”الاتساق” يعني ترابط الجمل في النص مع بعضها البعض بوسائل لغوية معينة. وقد عني الدارسون بهذه الوسائل/الروابط،وهي:الإحالة والمرجعیة.الاستبدال. الحذف. الوصل, العطف. الاتساق المعجمي.
وقد درس نقادنا القدماء هذه الأدوات كما عند القزويني في”الإيضاح في علوم البلاغة “. وعبد القاهر الجرجاني في “دلائل الاعجاز” وغيرهما.
ولما كانت الجملة مقولة تركيبية، والترابط علاقة دلالية، أي أن الترابط هذا يحيل الى الدلالة، فإننا في هذه الدراسة سندرس ترابط الجمل في الرواية هذه، فيما نترك الى وقت أخر العلاقات الدلالية، أي الإنسجام في النص.
***
انواع الوصل (الربط):
قسم الباحثون الوصل “الربط” إلى أربعة عناصر هي: زمانیة، إضافیة، عكسیة و سببیة.
1. الربط الإضافي: یتم ذلك عن طریق أداتین هما “الواو” و”أو”. فهنا یربط صورتین بینهما تشابه أو إتحاد .
2. الربط العكسي: یتم عن طریق أدوات التعارض أو التقابل وهي: “لكن”، “رغم ذلك””بل”، “غیر أن”…
3. الربط السببي: من خلاله یمكننا من إدراك العلاقة المنطقیة بین جملتین أو أكثر، ومن أداوته: “هكذا” “لعل”، “أي”، و”إذن”.
4. الربط الزمني: هو العلاقة بین جملتین متباعدتین أو متتابعتین زمانیا، ومن أبرز تعبیر عن هذه العلاقة هي الأداة”ثم” و”بعد” ونجد أیضا “منذ”، “على نحو” و “الفاء”.
هذه الادوات وغيرها لا تربط الجمل فيما بينها ربطا مجانياً بل هي تربط الأفكار والرؤى والصور، لكي يكون النص متماسكاً وكاملاً.
***
العيّنات:
العيّنة الأولى- الفصل الأول:
من السطر الأول الذي يقول فيه: (يناير 2005.. يدنو فؤاد من نافذة غرفته المطلّة على حديقة جرينتش بلندن.). الى السطر الأخير الذي يقول فيه: (-أماه، أماه… لقد أتت خالتي ربيحة لزيارتنا!…).
جدول/1
و أو أي أم بل بعد الفاء حتى لكن هكذا لعل ثم إذن منذ رغم ذلك غير ان على نحو
86 2 0 0 0 3 21 6 1 0 1 4 0 5 0 0 0
***
2 – العيّنة الثانية – الفصل 21:
من السطر الأول الذي يقول فيه: (في مطلع شهر أبريل، عنّ لفؤاد أن يقتني هدية يرسلها إلى حبيبته في مطلع شهر التالي مايو بمناسبة مرور سنة على أوّل لقاء.). الى السطر الاخير الذي يقول فيه: (تُثِيرُ نَبَضَات قَلبي الرَّائِقَة،
وتُنْعِش رُوحِي المتَشَوِّقة.”).
جدول/2
و أو أي أم بل بعد الفاء حتى لكن هكذا لعل ثم إذن منذ رغم ذلك غير ان على نحو
78 0 0 0 0 2 8 4 1 0 0 0 0 0 0 0 0
***
3 – العيّنة الثالثة – الفصل الاخير/ 46
من السطر الأول الذي يقول فيه: (يطلب فؤاد من شقيقته أن تبعث له الرسالة، فقد باتت لها منزلة في نفسه، وكيف لا وهي جزء من تاريخه وحياته لا يمكنه أن يفرّط فيه.). الى السطر الأخير الذي يقول فيه: (وتتوالى في ذهنه صور المسلسل الذكريات على تلك الأنغام فتزيده حسرة وشوقا وعذابا ودموعا.).
جدول/3
و أو أي أم بل بعد الفاء حتى لكن هكذا لعل ثم إذن منذ رغم ذلك غير ان على نحو
154 2 0 0 0 4 10 13 3 0 0 3 0 1 0 1 0
***
ان هذه الدراسة هي دراسة وصفية / إحصائية أريد منها ان تحصي في النص عدد استخدامه لأدوات الربط، وتصفها، لكي تصل الى الهدف المرجو منها، وهو الوصول الى رواية متماسكة أن كان من خلال هذه الأدوات أو ألأدوات الأخرى التي لم نتطرق لها خشية أن تطول هذه الدراسة على القاريء.
في هذا النص الروائي تبرز لنا أدوات الربط بين الجمل كما في العيّنات التي اعتمدناها. وقد أتاحت لنا دراسة هذه العيّنات الكيفية التي كان يفكر بها الكاتب أثناء كتابته للرواية. وكيف استخدم اللغة ومفرداتها، وكذلك معرفة تماسك النص الروائي.
وقد استخدم الروائي بكثرة أداتيْ الربط: ” الواو”، و”الفاء”، في هذه العيّنات، على الرغم من إستخدامه لأدوات أخرى لكن بنسب قليلة. والدراسة تجد ان الروائي كان أكثرُ إقتصاداً في إستعمال بقية الأدوات لكون الرواية هذه تتطلب منه – بوعي منه أو بدونه – أن يستعمل تلك الأدوات بحذر تام. وهذا ليس معناه أن الرواية خالية من بقية الأدوات الأخرى للتماسك والاتساق.
***
ملاحظات عن الجدول:
ان العيّنات التي اختارها الدارس من الرواية هي فصول ثلاثة، الفصل الاول، والفصل(21)، والفصل الأخير(46). وهي عينات يرى الدارس انها ستعطي انطباعاً عاماً عن استخدام قسم من الأدوات المساعدة على التماسك والترابط داخل النص (الروائي)، لأن كاتب الرواية هو شخص واحد، واسلوبه، واختيار لغته، هي واحدة على طول الرواية.
والملاحظات التي يمكن ان نستخلصها من الجداول/4-5، هي ملاحظات يراها الدارس تنطبق على الرواية ككل. ومن هذه الملاحظات:
– استخدمت الرواية حرف “الواو” بكثرة، وهذه الأداة تستخدم خاصة لربط الجمل، المواقف، الأشخاص، الأماكن، الأشياء.
– الأداة”الفاء” استخدمت بنسبة متوسطة، وهذا يعني ان الربط السببي يأتي شبه كثير في هذا الرواية.
– الأداة”حتى” وهي من الوصل الاضافي، استخدمت بنسبة متوسطة حيث استخدمها الروائي في الربط.
– الأداة” بعد” وهي من نوع الربط الزمني، والأداة”ثم” أيضاً،والاداة”منذ”، وهذه الأدوات يكون مجموعها في هذه العيّنات الثلاثة “22”يكون نسبتها عالية الى حد ما لأن الروائي كان في روايته هذه ممن يستخدم الربط الزمني بين الأزمان في النص.
– وكان استخدمه للأدوات “أي، بل، هكذا، أم،اذن، رغم ذلك، على نحو” صفراً، أو أنها تكاد أن تكون كذلك. ولا يعني ذلك افتقاد النص الروائي منها كلياً، ربما نجدها بنسب قليلة جداً في فصول أخرى.
جداول/4 ادوات الربط المستعملة في العيّنات، ونسب تكرارها، ونوعها:
العيّنة و أو أي أم بل لكن هكذا لعل إذن ثم بعد منذ الفاء حتى رغم ذلك غير ان على نحو
الأولى 86 2 0 0 0 1 0 1 0 4 3 5 21 6 0 0 0
الثانية 78 0 0 0 0 1 0 0 0 0 2 0 8 4 0 0 0
الثالثة 154 2 0 0 0 3 0 0 0 3 4 1 10 13 0 1 0
جدول/5 المجموع الكلي للأدوات المستخدمة في العيّنات وعددها ونوعها:
الاداة التكرار نوعها
و 318 الوصل الاضافي
أو 4 الوصل الاضافي
أي 0 الوصل السببي
بل 0 الوصل العكسي
بعد 9 الوصل الزمني
الفاء 39 الوصل السببي
حتى 23 الوصل الاضافي
لكن 5 الوصل العكسي
هكذا 0 الوصل السببي
ثم 7 الوصل الزمني
أم 0 الوصل الاضافي
لعل 1 الوصل السببي
اذن 0 = =
منذ 6 الربط الزمني
رغم ذلك 0 الربط العكسي
غير ان 1 = =
على نحو 0 الربط الزمني
– استعمل الروائي أدوات الربط الاضافي بكثرة جداً، فكان مجموعها يساوي 345 مرة. فيما استخدم أدوات الربط السببي بما مجموعه يساوي 40 مرة. و أدوات الربط الزمني بما مجموعه يساوي 15 مرة. وأدوات الربط العكسي بما مجموعه 5 مرات.
و هذا الاستخدام يعود الى ان الروائي كان في روايته هذه يجمع جملتين أو أكثر، أو بعض الجملة، أو أسماء بعضها لبعض، أو اشخاص عديدين، أو أشياء مختلفة و متعددة، الى بعضها البعض أكثر مما يفعل ببقية الأدوات ليخرج نصه أكثر ترابطاً وتماسكاً.
أما استخدامه لـحرف “الفاء” فكان بسبب ان الجمل التي استخدم فيها هذه الأداة هي جمل وردت بسبب الجمل التي سبقتها. والأدوات “هكذا”، “أي”، “بعد” و”ثم” فقد كان ورودهما قليلاً جداً.
***
لقد استخدم الروائي في العيّنات التي استخدمناها في الدراسة أدوات كثيرة، وهناك أدوات أكثر منها مبثوثة على طول النص. والغاية المرجوة من دراسة هذه الروابط هو الوصول الى نص مترابط ومتماسك بهذه الأداة أو تلك، لهذا خرجت الدراسة بنتيجة مفادها أن هذا النص هو نص مترابط و متماسك، فضلاً عن استخدام الروائي للغة بصورة مقتصدة وموجزة، تختلف عن كتابات اسلافنا كما وصلنا منهم من كتب و دراسات.

"ملاحظة : الآراء الواردة في النصوص والمقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع."


داود سلمان الشويلي


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...