لم يكن هناك لحم في الثلاجة, طيلة الشتاء القارص ، الثلاجة التي برقع باباها الصدأ ، فعاث فيها على شكل أرخبيلات وخرائط . كنت أقول لأخي الصغير : هذه خارطة الجنة ، هنا أبى أن يسجد الشيطان ، هناك أنهار العسل الخالدة وها شجرة التفاح ، حيت دبّرت لنا حواء المكيدة . كنا نستعمل ملصقات العلكة وصور اللاعبين لسد تلك الرقع المؤكسدة ، أمي ودت ذلك أيضا، لأن الثلاجة كانت جالسة في مجال رؤية الضيوف، تحديدا في مراح البيت ، كان اعتقادها الخاص يقول: أن علامات الفقر لا تتجلى إلا في مثل هذه الاشياء الصغيرة ,كجورب أو بنطال مثقوب ، لذلك سعت هي الأخرى جاهدة بخياطة مناديل (سربيتات) صغيرة على طريقة ال(كروشي) وضعتها على جبين الثلاجة, لكن زحف خارطة الجنة كان يتسع شيء فشيء كإكزيما، كأننا نحاول مداراة بطن أخت حامل، بطريقة غير شرعية , حتى أنني اضطررت يوما للتضحية بصورة (مارادونا ) تلك القطعة النادرة التي ربحتها بمشقة في جولة (دادوصا) مع أحد أبناء الحي الغشاشين .كان الكواتشوك على حوافي الباب قد تآكل أيضا، فلا يسد إلا إذا صفقته بعنف ، لم يكن هناك لحم في الثلاجة ، كلما حَوَت : ربطة نعناع ، قنينة خل ،نصف ليمونة ، حبات طماطم معظمها فسد وبضع أكياس بلاستيكسة بيضاء فارغة. لكن, معركتنا لم تكن داخل الثلاجة أبدا !، أن تكابد صبر الجوع فذاك هين، لكن نظرات الضيوف المستفزة، كانت تأكل كبد أمي , كانت معركتنا خارجية , سطحية جدا . كنا كملاحي غواصة، نسعى جاهدين لسد ثقوبها كي لا يغرق كبرياؤنا.