يعد الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر صاحب فلسفة الوجودية من أبرز مثقفي العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ويعود ذلك إلى فلسفته التي تجعل من الإنسان يستند على إرادته لقهر كل ما يعرقله، وبأنه هو العامل الأساسي لأي تغيير للوضع، وأيضا لدفاعه المستميت عن الحريات ورفضه لجائزة نوبل، ان علاقة سارتر بالعالم العربي وحكامه تحمل مفارقات، فهو من جهة من أشد المؤيدين لإسرائيل، وما يراه حق اليهود في إقامة كيان لهم في فلسطين، ومن جهة أخرى من أكبر المدعمين لحركات التحرر، خاصة وقوفه إلى جانب الثورة الجزائرية لدرجة إتهامه بالعضوية في شبكة جانسون المتكونة من مثقفين فرنسيين يساعدون الثوار الجزائريين، ويقودها الفيلسوف فرنسيس جانسون صاحب كتاب "الثورة الجزائرية-خارج القانون-" في عام1955 يفضح فيه إلى جانب زوجته كوليت السياسة الإستعمارية الفرنسية في الجزائر، ونشير إلى طلب تقدم به البوليس الفرنسي إلى دوغول بتصفية سارتر بسبب موقفه الداعم للثورة الجزائرية والجد مؤثر على السياسة الإستعمارية الفرنسية في الجزائر، لكن رفض دوغول ذلك قائلا "هل فرنسا ستغتال فولتير؟"، وبمعنى أنه من الصعب على فرنسا أن تنتج مفكرا مثل سارتر ذات الصيت العالمي.
فرغم دعم سارتر للثورة الجزائرية إلا أنه كان محل غضب الرئيس المصري عبدالناصر بحكم مساهمات سارتر في فضح السياسات القمعية لعبدالناصر في الستينيات، وكان يخصص في كل عدد من مجلته الشهرية "الأزمنة الحديثة" ملف حول مصر وسياسات عبدالناصر القمعية، ونشير إلى ان هذه المجلة أانشأها سارتر في 1945، وتحظى بمقروئية كبيرة جدا في العالم، وكان يساعده فيها الفيلسوف كلود لانزمان ذو الأصول اليهودية، والذي يعتبره الكثير داعما للصهيونية مثل سارتر، ونشير أن لانزمان أيضا من اشد الداعمين للثورة الجزائرية.
نشرت مجلة الأزمنة الحديثة في 1966 ملفا خاصا حول الصراع العربي-الإسرائيلي بمشاركة كتاب من الجانبين، لكن رفض أغلب الكتاب العرب المشاركة في الملف بدعوى مقاطعة كل ما هو إسرائيلي وإعتبارهم ذلك نوع من التطبيع، وهو ما أثر سلبا على وجهة النظر العربية، حيث شارك كتاب من درجات سفلى في الملف- حسب الصحفي المصري على السمان الذي كلفه سارتر بإعداد الملف-.
يقول المصري علي السمان صديق سارتر بأن رغم كل محاولاته إقناع سارتر أن عبدالناصر إشتراكيا يخدم الفقراء بسياساته، إلا انه كان يرى لا معنى لذلك إذا مست الحريات، فسارتر كان يؤمن بالمزج بين الإثنيتن في عالم منقسم أيديولوجيا بين من يعطي الأولوية للحريات على حساب العدالة الإجتماعية والعكس، فرغم أن سارتر له ميولات إشتراكية، إلا أنه يفضل الحريات عليها، ولهذا عادى عبدالناصر.
رفض سارتر زيارة مصر إلا بعد أن أقنعه صديقه علي السمان بذلك، فزار مصر في 1966 مع وفد يتشكل من صديقته سيمون ديبوفوار وعلي السمان وكلود لانزمان الذي رفضت السلطات المصرية مجيئه إلى مصر بحكم دعمه للصهيونية، لكنها قبلت به في الأخير بحكم تأييده ومساعدته للثورة الجزائرية، فتجول سارتر في مصر، والتقى بالعديد من الشخصيات، كما ألقى محاضرة في جامعة القاهرة حول المثقف في الغرب الذي يرى أنه يعمل حسب قناعاته، أما المثقف في العالم المتخلف فهو يعمل لخدمة قضايا بلده الإجتماعية والإقتصادية والسياسية لأنه لم يحقق لطموحات الإنسان في العيش الكريم على عكس الغرب، كما عرج في محاضرته إلى الصراع العربي-الإسرائيلي. توجت هذه الزيارة الشهيرة بلقائه بعبدالناصر، والذي أدى إلى تغيير سارتر موقفه منه، خاصة بعد ما لبى مطلبه بإطلاق سراح مثقفين يساريين قد أعتقلهم عبدالناصر، كما أعجب سارتر بالتجربة الإشتراكية لعبدالناصر، ولاحظ فيه صدقه في ذلك.
يعد سارتر من أشد المؤثرين بفلسفته الوجودية في المنطقة حيث تبناه الكثير وعلى رأسهم الفيلسوف المصري عبدالرحمن بدوي، وكذلك المفك الإيراني علي شريعتي الذي يقول في محاضرته "ثالوث العرفان الحرية والعدل" بأنه متأثر بروحانية الإسلام وإشتراكية ماركس ووجودية سارتر، ويرى شريعتي بأن هذه العناصر الثلاث يجب أن يتبناها كل إنسان ومثقف. انقسمت المواقف من سارتر في منطقتنا ما بين داعم له بحكم وقوفه إلى جانب الحريات وحركات التحرر ورافض له بحكم دعمه للصهيونية، فهل يحتاج مواطنو منطقتنا اليوم العودة إلى فلسفة سارتر، ويجسدونها على أرض الواقع لتحمل مسؤوليتهم وإعطائهم دفعا لتغيير وضعهم المتردي يوما بعد يوم بدل الإستسلام للقدر وللإستبداد؟.
البروفسور رابح لونيسي
فرغم دعم سارتر للثورة الجزائرية إلا أنه كان محل غضب الرئيس المصري عبدالناصر بحكم مساهمات سارتر في فضح السياسات القمعية لعبدالناصر في الستينيات، وكان يخصص في كل عدد من مجلته الشهرية "الأزمنة الحديثة" ملف حول مصر وسياسات عبدالناصر القمعية، ونشير إلى ان هذه المجلة أانشأها سارتر في 1945، وتحظى بمقروئية كبيرة جدا في العالم، وكان يساعده فيها الفيلسوف كلود لانزمان ذو الأصول اليهودية، والذي يعتبره الكثير داعما للصهيونية مثل سارتر، ونشير أن لانزمان أيضا من اشد الداعمين للثورة الجزائرية.
نشرت مجلة الأزمنة الحديثة في 1966 ملفا خاصا حول الصراع العربي-الإسرائيلي بمشاركة كتاب من الجانبين، لكن رفض أغلب الكتاب العرب المشاركة في الملف بدعوى مقاطعة كل ما هو إسرائيلي وإعتبارهم ذلك نوع من التطبيع، وهو ما أثر سلبا على وجهة النظر العربية، حيث شارك كتاب من درجات سفلى في الملف- حسب الصحفي المصري على السمان الذي كلفه سارتر بإعداد الملف-.
يقول المصري علي السمان صديق سارتر بأن رغم كل محاولاته إقناع سارتر أن عبدالناصر إشتراكيا يخدم الفقراء بسياساته، إلا انه كان يرى لا معنى لذلك إذا مست الحريات، فسارتر كان يؤمن بالمزج بين الإثنيتن في عالم منقسم أيديولوجيا بين من يعطي الأولوية للحريات على حساب العدالة الإجتماعية والعكس، فرغم أن سارتر له ميولات إشتراكية، إلا أنه يفضل الحريات عليها، ولهذا عادى عبدالناصر.
رفض سارتر زيارة مصر إلا بعد أن أقنعه صديقه علي السمان بذلك، فزار مصر في 1966 مع وفد يتشكل من صديقته سيمون ديبوفوار وعلي السمان وكلود لانزمان الذي رفضت السلطات المصرية مجيئه إلى مصر بحكم دعمه للصهيونية، لكنها قبلت به في الأخير بحكم تأييده ومساعدته للثورة الجزائرية، فتجول سارتر في مصر، والتقى بالعديد من الشخصيات، كما ألقى محاضرة في جامعة القاهرة حول المثقف في الغرب الذي يرى أنه يعمل حسب قناعاته، أما المثقف في العالم المتخلف فهو يعمل لخدمة قضايا بلده الإجتماعية والإقتصادية والسياسية لأنه لم يحقق لطموحات الإنسان في العيش الكريم على عكس الغرب، كما عرج في محاضرته إلى الصراع العربي-الإسرائيلي. توجت هذه الزيارة الشهيرة بلقائه بعبدالناصر، والذي أدى إلى تغيير سارتر موقفه منه، خاصة بعد ما لبى مطلبه بإطلاق سراح مثقفين يساريين قد أعتقلهم عبدالناصر، كما أعجب سارتر بالتجربة الإشتراكية لعبدالناصر، ولاحظ فيه صدقه في ذلك.
يعد سارتر من أشد المؤثرين بفلسفته الوجودية في المنطقة حيث تبناه الكثير وعلى رأسهم الفيلسوف المصري عبدالرحمن بدوي، وكذلك المفك الإيراني علي شريعتي الذي يقول في محاضرته "ثالوث العرفان الحرية والعدل" بأنه متأثر بروحانية الإسلام وإشتراكية ماركس ووجودية سارتر، ويرى شريعتي بأن هذه العناصر الثلاث يجب أن يتبناها كل إنسان ومثقف. انقسمت المواقف من سارتر في منطقتنا ما بين داعم له بحكم وقوفه إلى جانب الحريات وحركات التحرر ورافض له بحكم دعمه للصهيونية، فهل يحتاج مواطنو منطقتنا اليوم العودة إلى فلسفة سارتر، ويجسدونها على أرض الواقع لتحمل مسؤوليتهم وإعطائهم دفعا لتغيير وضعهم المتردي يوما بعد يوم بدل الإستسلام للقدر وللإستبداد؟.
البروفسور رابح لونيسي