الرجل الذي كانني قبل الآن ذهب مع الريح يتأبط ذاته العليلة ويمسك بين أصابعه المشبكة شيء من حرقة وقليلا من وهم .منذ مدة ليست باليسيرة أصبح يغافلني ويمد يده نحو جيب سترتي ويسرق سيجارة من علبة سجائري . يدخنها أمامي عنوة وكأنه اشتراها من ماله الخاص .. لا يدري أنني أداري ما يحسه من ألم من فرط العطالة المزمنة والفراغ القاتل الذي يلازمه منذ عرفته ... يلازمني كظلي يقتسم معي أوراق المرحاض وجواربي المثقوبة ومع ذلك يقارعني حجة بحجة لحظة نقاش ساخن حول نظريات عفا عنها الوقت , قال لي ذات جدال بأن الصراع الطبقي الذي تحدث عنه ماركس لم يكن سوى هلوسة فكرية لا وجود لها في الواقع المعيش .. لم أتمالك نفسي من البكاء على المصير الذي جمعني به .. رفقة سوء هو الرجل الذي يسكنني حالم متحامل خامل ينتظر سقوط معجزة من سماء خفيضة .. الرجل الذي كنته تركته قرب ماكينة القهوة بمقهى وضيعة في حي شعبي ينتظر دوره في شراء أوراق رهان الكلاب ... وبعد ذلك سيعرج على مسجد قصديري قريب من المقهى ربما بعد الصلاة يدعو الله أن يمنحه فوزا يغير حياتنا ... الرجل الذي كنته وكانني أقسم بأغلظ الإيمان بأنه سيغير نمط حياته مباشرة بعد الفوز في رهان الكلاب .