أتاه الليل فأقعى فوق عشه، وخزه عود في حيزومه فتململ ، عدّ ل جلسته قليلاً فصار العود أكثر إيلاماً،وبغضب النسر الملك سحبه بمنقاره ورماه بعيداً ، ثمَ عاد إلى نومه...تحسَس ما تحته ... إنَه كنزه ،رمز قوّته و ملكه،تناثر في أرجاء العشِ جمعها متلمساً إيَاها، بضع عظيماتٍ لطرائد صعبة لا يفوز بها إلاَ الجبارون أمثاله ...فهذا عظم فخذ ٍ لوعلٍ فقأ عينيه وقطع وداجيه وتركه يتخبط في د مائه حتى مات .يومها صارع الضباع صراعاً مريراً ، لكنهم تكاثروا فأخذ الفخذ ومضى به إلى صغاره ...وذاك رأس خروف خطفه أمام عيني الراعي وطار به ....وهنا العمود الفقري لأرنب سريع مناور .شعر بالفخر فصاح بأعلى صوته :
ـ أنا الملك .أنا سيِد السماء ، أنا القوة والجبروت ،أنا المهلك والمخلص ..أنا... فاجأه صوت صديقه الغراب :
ـ دعنا ننام أيها الأخرق.
تذوَّق طعم العظيمات :
ـ تفوه....إنها مليئة بالأشنيات،والصغار لم يبقوا عليها شيئاً، والحشرات أكلت ما تبقى ...
ـ يا صديقي الغراب ...أنا جائع ..أترضى بهذا ، الملك يبيت جائعاً؟.
ردَ عليه الغراب ساخراً:
ـ غداً سأحضر لك وليمة من الضفادع.
ـ يا لوقاحتك ..أو تنسى أن َ النسور لا تحبُ لحم الضفادع .
ـ حسناً .. حسناً . سأحضر لك ما تشتهيه نم و خلِصنا .
ونام النسر على القهر ليلةً أخرى ،ومرةً أخرى يفوته النهار دون أن يبرح عشه،وجناحاه لن يستطيعا أن يحملاه إلى أطباق السماء ،ولم يعد يطارد الفرائس كما كان يفعل في الماضي .
قال النسر لنفسه : غداً صباحاً سيحملني جناحاي إلى الأعالي ....لكنه تدارك نفسه وقال : ليس إلى الأعالي بضعة أمتار تكفي.
وفي الصباح أصابته نوبات الألم فلم يستطيع أن يرفع رأسه حتى وقت الظهيرة حين أتى صديقه الغراب خالي الوفاض.
ـ أين طعامي أيها الغراب ؟
ـ لم أستطع أن أجلب شيئاً
ـ ولكني جائعٌ ..سأموت جوعاً يا صديقي .
ـ قلت لك ألف مرة إنك مريض ، ولكنك لا تعترف ولا تسمح بعلاجك
انتفض النسر وجلس جلسة الملك وقال :
ـ أنا الملك والملك لا يمرض ... وما ملازمتي عشِّي سوى خطة استراتيجية لن يفهمها أمثالك ،إياك أن تتفوه بهذا مرة أخرى ،أتنسى أني خلصتك من فم الثعلب وأنقذ ت حياتك ؟.
ـ ولكنك لن تستطيع أن تذود حتى عن نفسك ، وسماؤك وحماك سيطرت عليها العقبان الوضيعة والبواشق الخسيسة،وأرضك يرتع فيها صغار القوارض ضعاف النفوس، وحتى عشك الذي لم يكن أحد يجرؤ أن يقترب منه ليراه، انظر إليه ، العصافير الحقيرة تحط على أطرافه دون أن تتمكن من هشها ،وصغارك وقعوا أسرى في يد البشر وأصبحوا من الدواجن ... وتقول أنا الملك؟
قال النسر بحزن :
ـ كيف تقول هذا عن الملك ؟
ـ هذه حقائق أيها الملك . يجب أن تعترف بها
طأطأ النسر رأسه بحزن وقال :
ـ حتى أنت أيها الغراب تتخلى عني .؟..أيها الناكر للمعروف .اذهب لا أريد أن أراك ، وتمد د النسر فوق عشه محتضراً . تمنى لو يطير إلى الأعالي ويلقي بنفسه على صخرة ٍ مدببة،لكن حتى ميتة الكرام لن يحصل عليها .سيموت كما تموت الدواجن .
لكن في الصباح التالي بدأت الطيور بتحركات مقلقة ومحمومة ، اجتماعات سرية وعلنية ،وإعادة تحالفات قديمة , وإنشاء تحالفات جديدة .،أما البوا شق والعقبان وحتى البوازي والصقور فقد غادروا حمى الملك خوفاً على حياتهم . كل ذلك إثر إدلاء الغراب بتصريح خطير . قال الغراب للطيور وصغار الحيوانات :
ـ إنّ الملك قد اعترف بمرضه وبدأ بالعلاج .
.