" وردة للناصرة " عنوان قصيدة للشاعر أحمد دحبور الذي توفي في الحادي والعشرين من نيسان 2017 .
عاد الشاعر إلى فلسطين إثر توقيع اتفاقية "اوسلو" وزار الناصرة وحيفا التي هجر أهله منها في العام 1948 وعمره عامان .
حلم الشاعر وهو في المنفى بالعودة إلى المدينة التي ولد فيها ورؤية بيته ومكان ولادته ، وحلم أيضا بزيارة الناصرة ولقاء شاعرها ورئيس بلديتها توفيق زياد ، فهو مثله شاعر مقاومة وكان أحمد كتب عن الشعر الفلسطيني كتابة مطولة نشرها في مجلة " الكرمل " التي رأس تحريرها الشاعر محمود درويش وساعده آخرون . ولم تكتمل فرحة أحمد بزيارة الناصرة ، فلقاؤه بتوفيق زياد لم يتم ؛ لأن الثاني مات أو قتل في حادث سير مؤسف على طريق أريحا بعد عودته منها إلى الناصرة . وكان توفيق زياد سافر إلى أريحا لكي يستقبل المرحوم ياسر عرفات ويسلم عليه .
لم يلتق دحبور وزياد في الناصرة ، فكيف تكون المدينة من غير توفيق زياد؟
كتب أحمد دحبور قصيدة " من يوصل الجبل ؟" (5/7/1995 ) وأهداها " إلى روح توفيق زياد " وفيها يقول أحمد :
" أبا الأمين : أعني ، إن ناصرة
من غير وجهك ، تعني جرح مشواري
أبا الأمين : أزح هذا الرخام ، وعد
فقهوة الصبح ما زالت على النار
لسوف نرشفها ، فيما أرى جبلا
يمشي ، وتوصله حرا إلى الدار "
وكل من يزور الناصرة من جيلنا ومن المهتمين بالأدب ومن الشيوعيين والوطنيين القدامى لا بد من أن يتذكر الشاعر توفيق زياد الذي كتب في السنوات الأخيرة من حياته قصيدة اختارها عنوانا لآخر مجموعة شعرية أصدرها وهي " أنا من هذي المدينة " وقد لحنت القصيدة وغنيت واشتهرت أكثر وأكثر وفيها يعلن الشاعر انتماءه لمدينته :
" أنا من هذي المدينة
من حواريها الحزينة
من شرايين بيوت الفقر
من قلب الثنيات الحصينة "
ولا يعبر زياد عن حبه المدينة وحسب ، فهو يحب شوارعها وزقاقها ويحب أهلها/ أهله :
"أنا من هذي المدينة
ومن السوق القديم
ومن "النبعة " و " الكشاف "و "الخلة "
من بئر الأمير
ناسها سماري وأهلي...
رفاقي في السلاح
أنفي منهم ومنهم كبريائي
وهمو همي ...
وجرحي ، ودوائي "
ومدينة الناصرة مدينة مقاومة عصية على اقتحام الشرطة لبعض أزقتها .
الأسبوع الماضي زرت الناصرة التي زرتها آخر مرة في 1994 يوم أربعين الشاعر توفيق زياد ، وإن كنت في أيار من العام الماضي مررت بها ليلا لربع ساعة فقط .
ما حدث مع الشاعر أحمد دحبور حدث معي ومع القاص جمال بنورة والمسرحي محمد كمال جبر في نهاية 90 القرن 20 ، فقد زرنا حيفا والتقينا بالشاعر سميح القاسم والروائي إميل حبيبي والكتاب انطوان شلحت وحنا ابراهيم وعفيف صلاح سالم ، ولما زرنا الناصرة ذهبنا للقاء الشاعر وكان مشغولا بأمر المدينة فلم نتمكن من رؤيته والاجتماع به .
في فترات لاحقة زرت الناصرة مرات قليلة بصحبة كتاب آخرين هم داعس أبو كشك وغسان عبدالله ، وزرتها في رحلات جامعية ودخلنا كنيسة البشارة .
هل كانت علاقتي بالمدينة من خلال زيارتها أم من خلال أسطر شعرية ؟
كيف حضرت الناصرة في أدبياتنا وأين؟ وأي الأعمال الأدبية تركت أسطرها تأثيرا في شخصيا ؟
ربما يستغرب القاريء ان ورود اسم المدينة في قصيدة محمود درويش التي رثى فيها الشاعر راشد حسين في 1977 وهي قصيدة " كان ما سوف يكون " هي القصيدة التي جعلت اسم المدينة يحضر على لساني .
في قصيدة درويش يأتي على لقائه براشد حسين في مطار القاهرة ، ويورد فيها حوارا عابرا بينهما .
كان راشد عبر عن حزنه وخيبته من العالم العربي بقوله:
" واقف كلي مذلة
واقف في مطار القاهرة ،
ليتني كنت طليقا في سجون الناصرة "
وأورده درويش في قصيدته على النحو الآتي:
" والتقينا بعد عام في مطار القاهرة ،
قال لي بعد ثلاثين دقيقة:
ليتني كنت طليقا في سجون الناصرة "
إن هذه الأسطر الشعرية ظلت عالقة في ذهني أكثر من غيرها مما قرأته من شعر أتى أصحابه فيه على الناصرة .
لا أعرف كاتبا من الناصرة حقق الشهرة التي حققها توفيق زياد ، ولكن المدينة عرفت أدباء آخرين أسهموا في الحياة الأدبية في فلسطين ، من خلال مكتباتهم أو من خلال نتاجهم أو إصدارهم مجلات وصحفا . من مثلا لا يعرف ادموند شحادة أو ناجي ظاهر أو عزمي بشارة .
وأنا في الناصرة تذكرت مثلا رواية توفيق فياض "المشوهون " التي تجري أحداثها فيها ، وقد أثارت زمن صدورها ، في منتصف 60 القرن 20 ، ضجة كبيرة ، فهي تدور حول علاقة طالب مدرسة ريفي بامرأة متزوجة من المدينة ، ولا أظن أن فياض في حينه أولى المكان عناية كبيرة .
وتذكرت أيضا رواية سليم خوري "روح في البوتقة "1986 ، وهي رواية أفكار بالدرجة الأولى لا رواية مكان ، وأعتقد أيضا ان المكان كمكان لم يكن هاجس الروائي بالدرجة الأولى ، ولهذا على ما أذكر لم يركز خوري على شوارع المدينة وأحيائها وساحاتها وما يميزها .
ومثل فياض وخوري عزمي بشارة في روايته " حب في منطقة الظل " 2005 . وحسب ملاحظاتي التي دونتها على النسخة التي بحوزتي فإن ما كان يشغل ذهن الكاتب هو الهم الوطني والسياسي والاجتماعي ، وبدرجة أقل بكثير ، درجة لا تذكر ، الكتابة عن الناصرة كمدينة لها خصائص مميزة لافتة .
في العام 2006 قرأت نوفيلا للكاتب ناجي ظاهر يأتي فيها على الناصرة . وأنا في الناصرة تذكرت ناجي الذي التقيت به هناك ، يوم زرتها وداعس أبو كشك وغسان عبدالله في نهاية 70 القرن 20 . وناجي يكتب من 50 عاما تقريبا .
الرواية القصيرة التي قرأتها هي " هل تريد أن تكتب رواية قصيرة " ( مجلة مواقف/ عدد 52 و53/ 2006) وهي رواية عن كاتب مثقف يريد أن يكتب رواية قصيرة ، وتبدو له الناصرة التي يقيم فيها مدينة تعيسة ذات أفق واسع إلى حد الضياع وضيقة إلى حد التساؤل ( 202 ) . وإن لم تخني الذاكرة فلناجي رواية ثانية عن شمس المدينة .
إن تتبع صورة الناصرة في الروايات الأربعة وفي غيرها يتطلب مساحة أوسع بلا شك.
وأنا في الناصرة تذكرت توفيق زياد شاعرا ورئيس بلدية وتذكرت أيام العمل الطوعي لتجميل المدينة ، حيث كان الشيوعيون يفدون إلى الناصرة قبل العام 1987 بالعشرات لكي يسهموا في العمل من أجل ناصرة نظيفة جميلة .
وربما يكون السؤال لقاريء الأدب الفلسطيني هو :
لماذا لم تحظ هذي المدينة في الأدب بما حظيت به يافا وحيفا وعكا والقدس ؟
الجمعة 26 والسبت 27 نيسان 2019
Adel Al-osta
عاد الشاعر إلى فلسطين إثر توقيع اتفاقية "اوسلو" وزار الناصرة وحيفا التي هجر أهله منها في العام 1948 وعمره عامان .
حلم الشاعر وهو في المنفى بالعودة إلى المدينة التي ولد فيها ورؤية بيته ومكان ولادته ، وحلم أيضا بزيارة الناصرة ولقاء شاعرها ورئيس بلديتها توفيق زياد ، فهو مثله شاعر مقاومة وكان أحمد كتب عن الشعر الفلسطيني كتابة مطولة نشرها في مجلة " الكرمل " التي رأس تحريرها الشاعر محمود درويش وساعده آخرون . ولم تكتمل فرحة أحمد بزيارة الناصرة ، فلقاؤه بتوفيق زياد لم يتم ؛ لأن الثاني مات أو قتل في حادث سير مؤسف على طريق أريحا بعد عودته منها إلى الناصرة . وكان توفيق زياد سافر إلى أريحا لكي يستقبل المرحوم ياسر عرفات ويسلم عليه .
لم يلتق دحبور وزياد في الناصرة ، فكيف تكون المدينة من غير توفيق زياد؟
كتب أحمد دحبور قصيدة " من يوصل الجبل ؟" (5/7/1995 ) وأهداها " إلى روح توفيق زياد " وفيها يقول أحمد :
" أبا الأمين : أعني ، إن ناصرة
من غير وجهك ، تعني جرح مشواري
أبا الأمين : أزح هذا الرخام ، وعد
فقهوة الصبح ما زالت على النار
لسوف نرشفها ، فيما أرى جبلا
يمشي ، وتوصله حرا إلى الدار "
وكل من يزور الناصرة من جيلنا ومن المهتمين بالأدب ومن الشيوعيين والوطنيين القدامى لا بد من أن يتذكر الشاعر توفيق زياد الذي كتب في السنوات الأخيرة من حياته قصيدة اختارها عنوانا لآخر مجموعة شعرية أصدرها وهي " أنا من هذي المدينة " وقد لحنت القصيدة وغنيت واشتهرت أكثر وأكثر وفيها يعلن الشاعر انتماءه لمدينته :
" أنا من هذي المدينة
من حواريها الحزينة
من شرايين بيوت الفقر
من قلب الثنيات الحصينة "
ولا يعبر زياد عن حبه المدينة وحسب ، فهو يحب شوارعها وزقاقها ويحب أهلها/ أهله :
"أنا من هذي المدينة
ومن السوق القديم
ومن "النبعة " و " الكشاف "و "الخلة "
من بئر الأمير
ناسها سماري وأهلي...
رفاقي في السلاح
أنفي منهم ومنهم كبريائي
وهمو همي ...
وجرحي ، ودوائي "
ومدينة الناصرة مدينة مقاومة عصية على اقتحام الشرطة لبعض أزقتها .
الأسبوع الماضي زرت الناصرة التي زرتها آخر مرة في 1994 يوم أربعين الشاعر توفيق زياد ، وإن كنت في أيار من العام الماضي مررت بها ليلا لربع ساعة فقط .
ما حدث مع الشاعر أحمد دحبور حدث معي ومع القاص جمال بنورة والمسرحي محمد كمال جبر في نهاية 90 القرن 20 ، فقد زرنا حيفا والتقينا بالشاعر سميح القاسم والروائي إميل حبيبي والكتاب انطوان شلحت وحنا ابراهيم وعفيف صلاح سالم ، ولما زرنا الناصرة ذهبنا للقاء الشاعر وكان مشغولا بأمر المدينة فلم نتمكن من رؤيته والاجتماع به .
في فترات لاحقة زرت الناصرة مرات قليلة بصحبة كتاب آخرين هم داعس أبو كشك وغسان عبدالله ، وزرتها في رحلات جامعية ودخلنا كنيسة البشارة .
هل كانت علاقتي بالمدينة من خلال زيارتها أم من خلال أسطر شعرية ؟
كيف حضرت الناصرة في أدبياتنا وأين؟ وأي الأعمال الأدبية تركت أسطرها تأثيرا في شخصيا ؟
ربما يستغرب القاريء ان ورود اسم المدينة في قصيدة محمود درويش التي رثى فيها الشاعر راشد حسين في 1977 وهي قصيدة " كان ما سوف يكون " هي القصيدة التي جعلت اسم المدينة يحضر على لساني .
في قصيدة درويش يأتي على لقائه براشد حسين في مطار القاهرة ، ويورد فيها حوارا عابرا بينهما .
كان راشد عبر عن حزنه وخيبته من العالم العربي بقوله:
" واقف كلي مذلة
واقف في مطار القاهرة ،
ليتني كنت طليقا في سجون الناصرة "
وأورده درويش في قصيدته على النحو الآتي:
" والتقينا بعد عام في مطار القاهرة ،
قال لي بعد ثلاثين دقيقة:
ليتني كنت طليقا في سجون الناصرة "
إن هذه الأسطر الشعرية ظلت عالقة في ذهني أكثر من غيرها مما قرأته من شعر أتى أصحابه فيه على الناصرة .
لا أعرف كاتبا من الناصرة حقق الشهرة التي حققها توفيق زياد ، ولكن المدينة عرفت أدباء آخرين أسهموا في الحياة الأدبية في فلسطين ، من خلال مكتباتهم أو من خلال نتاجهم أو إصدارهم مجلات وصحفا . من مثلا لا يعرف ادموند شحادة أو ناجي ظاهر أو عزمي بشارة .
وأنا في الناصرة تذكرت مثلا رواية توفيق فياض "المشوهون " التي تجري أحداثها فيها ، وقد أثارت زمن صدورها ، في منتصف 60 القرن 20 ، ضجة كبيرة ، فهي تدور حول علاقة طالب مدرسة ريفي بامرأة متزوجة من المدينة ، ولا أظن أن فياض في حينه أولى المكان عناية كبيرة .
وتذكرت أيضا رواية سليم خوري "روح في البوتقة "1986 ، وهي رواية أفكار بالدرجة الأولى لا رواية مكان ، وأعتقد أيضا ان المكان كمكان لم يكن هاجس الروائي بالدرجة الأولى ، ولهذا على ما أذكر لم يركز خوري على شوارع المدينة وأحيائها وساحاتها وما يميزها .
ومثل فياض وخوري عزمي بشارة في روايته " حب في منطقة الظل " 2005 . وحسب ملاحظاتي التي دونتها على النسخة التي بحوزتي فإن ما كان يشغل ذهن الكاتب هو الهم الوطني والسياسي والاجتماعي ، وبدرجة أقل بكثير ، درجة لا تذكر ، الكتابة عن الناصرة كمدينة لها خصائص مميزة لافتة .
في العام 2006 قرأت نوفيلا للكاتب ناجي ظاهر يأتي فيها على الناصرة . وأنا في الناصرة تذكرت ناجي الذي التقيت به هناك ، يوم زرتها وداعس أبو كشك وغسان عبدالله في نهاية 70 القرن 20 . وناجي يكتب من 50 عاما تقريبا .
الرواية القصيرة التي قرأتها هي " هل تريد أن تكتب رواية قصيرة " ( مجلة مواقف/ عدد 52 و53/ 2006) وهي رواية عن كاتب مثقف يريد أن يكتب رواية قصيرة ، وتبدو له الناصرة التي يقيم فيها مدينة تعيسة ذات أفق واسع إلى حد الضياع وضيقة إلى حد التساؤل ( 202 ) . وإن لم تخني الذاكرة فلناجي رواية ثانية عن شمس المدينة .
إن تتبع صورة الناصرة في الروايات الأربعة وفي غيرها يتطلب مساحة أوسع بلا شك.
وأنا في الناصرة تذكرت توفيق زياد شاعرا ورئيس بلدية وتذكرت أيام العمل الطوعي لتجميل المدينة ، حيث كان الشيوعيون يفدون إلى الناصرة قبل العام 1987 بالعشرات لكي يسهموا في العمل من أجل ناصرة نظيفة جميلة .
وربما يكون السؤال لقاريء الأدب الفلسطيني هو :
لماذا لم تحظ هذي المدينة في الأدب بما حظيت به يافا وحيفا وعكا والقدس ؟
الجمعة 26 والسبت 27 نيسان 2019
Adel Al-osta