تعتبر مشكلة تعريب الكلمات الأجنبية من المشكلات التي لا ينتهي الجدل حولها في وقتنا الحاضر , خاصة بعد أن تحول العالم إلي قرية عن طريق وسائل الاتصال , وفرض على البلاد العربية ضرورة التعامل اليومي مع العالم الغربي , مضافا إلي ذلك زيادة المبتكرات في العالم المعاصر , سواء كانت تكنولوجيا , أو أفكار وفلسفات ونظريات ...وغيرها .
والجدير بالذكر أننا في عالمنا العربي نعيش ضمن حقبة تفرض علينا الأخذ بأسباب الحضارة , وأن ننهل من معين التقدم العلمي , وهذا يجعلنا وجها لوجه أمام عالم تكنولوجي كل مصطلحاته وكلماته , بالضرورة نتجت عن المجتمعات الغربية , وبالتالي فهي مشتقة من لغاتها , مضافا إلي ذلك أننا نتعامل إلي جانب ذلك مع أفكار وفلسفات غربية تأتي إلينا عبر وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة .. وغيرها .. , ولابد لنا لكي نتعامل مع هذا كله من نقله إلي لغتنا , أو استيعابه ضمنها , وهنا تكون ضرورة الترجمة والتعريب بشكل عام وترجمة وتعريب ونقل المصطلحات على وجه الخصوص .
وتختلف وجهات النظر في هذا الموضوع , فنجد من يرى أن ننحت بالعربية ما يقابل المصطلحات الغربية على أن تكون عربية خالصة . وهناك من يرى أن هذا أمر لا جدوى منه , نظرا لعدم ألفة اللغة لمثل هذه المصطلحات , ولسيادة الكلمات الأجنبية بنطقها الأجنبي نتيجة لانتشار وسائل الإعلام وغيرها , ويرى أن نبقي على اللفظ الأجنبي كما هو دون أدني تدخل من جانبنا .
وهذان الرأيان قد تكون نواياهما حسنة فلا تعني أكثر من الرغبة في الاستفادة بالتقدم العلمي والفكري في الغرب ولكن مع اختلاف في المشارب , ولكن غالبا ما تكون وراء كل من هذين الرأيين رؤية أو فلسفة خاصة . فنجد من يرون ضرورة نحت الألفاظ العربية المقابلة للألفاظ الأجنبية متمثلا في رأى أغلب التقليدين , والمتمسكين بخصوصية الحضارة في المنطقة العربية لذا فهم يحاولون إضافة رصيد جديد إلي أداة من أدوات الحضارة العربية , وهي اللغة , ويتمسكون بموقفهم في مواجهة الغرب في كل ميدان . بينما يفصح الرأي الآخر عمن يمثلون القائل بفتح جميع الأبواب والنوافذ على الغرب من أجل استيعاب أقصي ما يمكن استيعابه في أقصر فترة ممكنة . وهذا ينطلق من رأى مؤداه أن تخلف المنطقة العربية إنما جاء نتيجة لعزلتها التي فرضها الغرب عليها نتيجة للاستعمار , ولقصور في أدواتها التي يمكن أن تستوعب الحضارة المتقدمة .
ونحن نرى هذين الرأيين ينطلقان كل على حدة – من رؤى وحيدة الجانب تنطوي على بعض المبالغات والتبسيطات المخلة لعلاقتنا بالغرب , خاصة في مجالات العلم والتكنولوجيا والفكر .
فعلاقتنا بالغرب لا يمكن أن تكون علاقة تبعية تنهض على أساس التقليد الأعمى والنقل الميكانيكي , خاصة إذا كنا نريد أن نلعب دورا مستقلا وإيجابيا في العصر الحاضر , وكذلك لا يمكن أن تكون علاقة تنافر ورفض لكل ما يأتي من الغرب خيره وشره , وذلك لأننا لا يمكن أن نقوم بدورنا الحضاري إلا إذا تخلصنا من أسباب التخلف وأخذنا بأسباب الحضارة والتقدم , وهذا لا يمكن أن يأتي نتيجة للعزلة والتقوقع , كما أن القانون العام للحضارات يفرض علينا التعامل مع الحضارات المتقدمة وإلا فإنها سوف تكتسحنا في وقت نكون فيه عاجزين عن ردها
ولذا فإننا نرى أنه لكي نستطيع الوصول إلي أسباب التقدم , مع احتفاظنا بدورنا الإيجابي في الحضارة فإننا نرى – وذلك تأسيسا على أن للحضارة سمات عامة في كل عصر , بالإضافة إلي السمات الخاصة ببقعة مكانية معينة تختلف باختلاف الشعوب وأطوار تقدمها , وظروفها الاقتصادية والطبيعية , وغيرها – نرى أن نتعامل مع التقدم العلمي والتكنولوجي والأفكار التي تسود الغرب من واقع أننا في حاجة ماسة إلي التعرف عليها , وعلى نقل بعضها مما يشكل جوهرا أساسيا لبناء الحضارة , والرد على البعض الآخر , والصراع معه , لأن العلاقة , خاصة في الأفكار علاقة صراع وحوار .
وبناءً على وجهة نظرنا هذه , فإننا نرى أن التعريب يأتي كجزء من هذا الكل المعقد ويرتبط به ارتباطا وثيقا ، ولذا فإننا نرفض الأسلوب الذي ينحت كلمات عربية مقابلة للكلمات الأجنبية تمعن في الصعوبة والغرابة أكثر من كلمات اللغة الأجنبية نفسها , ونرفض أيضاً أن نكون مجرد ببغاوات تنقل الكلمات كما هي وبشكل ميكانيكي دون أدني فاعلية فإذا كنا نضيق بكلمات "نحرور" ,"حاجنة" , "ونجوية" كبدائل لكلمات "دكتور" آلة تصوير(كاميرا) , أو "رومانتيكية" , فإننا أيضاً لا نقبل أن تنقل لنا كلمات كما هي مثل (ماتيرياليزم , واكسزتنتيالزم) كنظير لمادية ووجودية أوغير ذلك .
ونحن نرى أن وضع العلاقة على صورة أما تعريب جميع الكلمات أو ترك جميع الكلمات كما هى يحمل مغالطة كبيرة , لأن الكلمات والمصطلحات لا تعني فقط مجرد المعني اللفظي بل تحمل معني اصطلاحيا , كما أن هناك من الكلمات , سواء المعرب أو المنقول كلمات قد أصبحت ذات تاريخ في وجدان وأذهان الناس فلا يمكن انتزاعها ببساطة , وقد نجحت بعض الكلمات المعربة , وفشلت بعضها أيضاً في الوصول إلي ذهن القارئ , والقيام بالدور الذي يراه المتخصص وكذلك بالنسبة للكلمات المنقولة . فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن ترجمة Materialism phillllosophy إلي فلسفة مادية , وكذلك , ترجمة Existentinlism إلي وجودية وترجمة Structurlism إلي بنائية أو بنيانية أو بنيوية , وغيرها قد لقي قبولا لدي الباحثين والقراء علي سواء , بينما ترجمة Paragmatism إلي فلسفة الذرائع , أو الفلسفة النفعية لم يلق قبولاً لأن هذه الترجمة تثير لبسا عند القارئ عندما يقع في الخلط بينها وبين نفعية (بتنام) , مثلا , وكذلك لم يحمل لفظ الذرائع مدلولا كافيا للباحث , ولذا فإن الدارس يرى تفضيل كلمة (براجماتية) على كل الكلمات العربية المنحوتة الاخرى .
وهذا لا غبار عليه لأنه ينبع من منطق تاريخ الكلمة في وجدان وأذهان الدارسين والباحثين على السواء .
ولكن قد يرى البعض أن توحيد المصطلحات في هذا الشأن بالنسبة للبلاد العربية يعتبر أمرا صعبا , وهذا أمر قد يكون صحيحا , ولكن يمكن تلافيه لو أن المجامع اللغوية في البلاد العربية , أمكنها التنسيق فيما بينها على أن تقر المصطلحات والكلمات من خلال لقاءات وحوارات بينها , وألا تغالي في نحت الألفاظ , بل تتعامل معها بصورة أكثر واقعية , كما يكون التزام الباحثين الذين يقدمون مصطلحات جديدة أن يقدموا المعني المقترح إلي جوار اللفظ من اللغة الأجنبية – وهذا معمول به غالبا في الجامعات والرسائل الجامعية .
إن ذلك سوف يؤدى إلي سرعة استيعاب الحضارة الغربية وهضمها , والتعامل معها دون عقد النقص أو التعالي الفارغ من المضمون , وليكن لنا في تاريخنا مثلا , حين نقل العرب الفكر اليوناني , فقد تركوا كلمات كما هي , ووضعوا مقابلا لبعض الكلمات , وقد كان في هذا كله بعضا من الخطأ والكثير من الصواب , فلندرس ما قاموا به , ولنتعلم من التجربة والخطأ , في عصرهم , وفي عصرنا الحاضر , حتى يتسنى لنا أن نقوم بدور فعال في الحضارة الحديثة .
د . رمضان الصباغ
رمضان الصباغ - مشكلة تعريب المصطلحات الاجنبية
والجدير بالذكر أننا في عالمنا العربي نعيش ضمن حقبة تفرض علينا الأخذ بأسباب الحضارة , وأن ننهل من معين التقدم العلمي , وهذا يجعلنا وجها لوجه أمام عالم تكنولوجي كل مصطلحاته وكلماته , بالضرورة نتجت عن المجتمعات الغربية , وبالتالي فهي مشتقة من لغاتها , مضافا إلي ذلك أننا نتعامل إلي جانب ذلك مع أفكار وفلسفات غربية تأتي إلينا عبر وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة .. وغيرها .. , ولابد لنا لكي نتعامل مع هذا كله من نقله إلي لغتنا , أو استيعابه ضمنها , وهنا تكون ضرورة الترجمة والتعريب بشكل عام وترجمة وتعريب ونقل المصطلحات على وجه الخصوص .
وتختلف وجهات النظر في هذا الموضوع , فنجد من يرى أن ننحت بالعربية ما يقابل المصطلحات الغربية على أن تكون عربية خالصة . وهناك من يرى أن هذا أمر لا جدوى منه , نظرا لعدم ألفة اللغة لمثل هذه المصطلحات , ولسيادة الكلمات الأجنبية بنطقها الأجنبي نتيجة لانتشار وسائل الإعلام وغيرها , ويرى أن نبقي على اللفظ الأجنبي كما هو دون أدني تدخل من جانبنا .
وهذان الرأيان قد تكون نواياهما حسنة فلا تعني أكثر من الرغبة في الاستفادة بالتقدم العلمي والفكري في الغرب ولكن مع اختلاف في المشارب , ولكن غالبا ما تكون وراء كل من هذين الرأيين رؤية أو فلسفة خاصة . فنجد من يرون ضرورة نحت الألفاظ العربية المقابلة للألفاظ الأجنبية متمثلا في رأى أغلب التقليدين , والمتمسكين بخصوصية الحضارة في المنطقة العربية لذا فهم يحاولون إضافة رصيد جديد إلي أداة من أدوات الحضارة العربية , وهي اللغة , ويتمسكون بموقفهم في مواجهة الغرب في كل ميدان . بينما يفصح الرأي الآخر عمن يمثلون القائل بفتح جميع الأبواب والنوافذ على الغرب من أجل استيعاب أقصي ما يمكن استيعابه في أقصر فترة ممكنة . وهذا ينطلق من رأى مؤداه أن تخلف المنطقة العربية إنما جاء نتيجة لعزلتها التي فرضها الغرب عليها نتيجة للاستعمار , ولقصور في أدواتها التي يمكن أن تستوعب الحضارة المتقدمة .
ونحن نرى هذين الرأيين ينطلقان كل على حدة – من رؤى وحيدة الجانب تنطوي على بعض المبالغات والتبسيطات المخلة لعلاقتنا بالغرب , خاصة في مجالات العلم والتكنولوجيا والفكر .
فعلاقتنا بالغرب لا يمكن أن تكون علاقة تبعية تنهض على أساس التقليد الأعمى والنقل الميكانيكي , خاصة إذا كنا نريد أن نلعب دورا مستقلا وإيجابيا في العصر الحاضر , وكذلك لا يمكن أن تكون علاقة تنافر ورفض لكل ما يأتي من الغرب خيره وشره , وذلك لأننا لا يمكن أن نقوم بدورنا الحضاري إلا إذا تخلصنا من أسباب التخلف وأخذنا بأسباب الحضارة والتقدم , وهذا لا يمكن أن يأتي نتيجة للعزلة والتقوقع , كما أن القانون العام للحضارات يفرض علينا التعامل مع الحضارات المتقدمة وإلا فإنها سوف تكتسحنا في وقت نكون فيه عاجزين عن ردها
ولذا فإننا نرى أنه لكي نستطيع الوصول إلي أسباب التقدم , مع احتفاظنا بدورنا الإيجابي في الحضارة فإننا نرى – وذلك تأسيسا على أن للحضارة سمات عامة في كل عصر , بالإضافة إلي السمات الخاصة ببقعة مكانية معينة تختلف باختلاف الشعوب وأطوار تقدمها , وظروفها الاقتصادية والطبيعية , وغيرها – نرى أن نتعامل مع التقدم العلمي والتكنولوجي والأفكار التي تسود الغرب من واقع أننا في حاجة ماسة إلي التعرف عليها , وعلى نقل بعضها مما يشكل جوهرا أساسيا لبناء الحضارة , والرد على البعض الآخر , والصراع معه , لأن العلاقة , خاصة في الأفكار علاقة صراع وحوار .
وبناءً على وجهة نظرنا هذه , فإننا نرى أن التعريب يأتي كجزء من هذا الكل المعقد ويرتبط به ارتباطا وثيقا ، ولذا فإننا نرفض الأسلوب الذي ينحت كلمات عربية مقابلة للكلمات الأجنبية تمعن في الصعوبة والغرابة أكثر من كلمات اللغة الأجنبية نفسها , ونرفض أيضاً أن نكون مجرد ببغاوات تنقل الكلمات كما هي وبشكل ميكانيكي دون أدني فاعلية فإذا كنا نضيق بكلمات "نحرور" ,"حاجنة" , "ونجوية" كبدائل لكلمات "دكتور" آلة تصوير(كاميرا) , أو "رومانتيكية" , فإننا أيضاً لا نقبل أن تنقل لنا كلمات كما هي مثل (ماتيرياليزم , واكسزتنتيالزم) كنظير لمادية ووجودية أوغير ذلك .
ونحن نرى أن وضع العلاقة على صورة أما تعريب جميع الكلمات أو ترك جميع الكلمات كما هى يحمل مغالطة كبيرة , لأن الكلمات والمصطلحات لا تعني فقط مجرد المعني اللفظي بل تحمل معني اصطلاحيا , كما أن هناك من الكلمات , سواء المعرب أو المنقول كلمات قد أصبحت ذات تاريخ في وجدان وأذهان الناس فلا يمكن انتزاعها ببساطة , وقد نجحت بعض الكلمات المعربة , وفشلت بعضها أيضاً في الوصول إلي ذهن القارئ , والقيام بالدور الذي يراه المتخصص وكذلك بالنسبة للكلمات المنقولة . فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن ترجمة Materialism phillllosophy إلي فلسفة مادية , وكذلك , ترجمة Existentinlism إلي وجودية وترجمة Structurlism إلي بنائية أو بنيانية أو بنيوية , وغيرها قد لقي قبولا لدي الباحثين والقراء علي سواء , بينما ترجمة Paragmatism إلي فلسفة الذرائع , أو الفلسفة النفعية لم يلق قبولاً لأن هذه الترجمة تثير لبسا عند القارئ عندما يقع في الخلط بينها وبين نفعية (بتنام) , مثلا , وكذلك لم يحمل لفظ الذرائع مدلولا كافيا للباحث , ولذا فإن الدارس يرى تفضيل كلمة (براجماتية) على كل الكلمات العربية المنحوتة الاخرى .
وهذا لا غبار عليه لأنه ينبع من منطق تاريخ الكلمة في وجدان وأذهان الدارسين والباحثين على السواء .
ولكن قد يرى البعض أن توحيد المصطلحات في هذا الشأن بالنسبة للبلاد العربية يعتبر أمرا صعبا , وهذا أمر قد يكون صحيحا , ولكن يمكن تلافيه لو أن المجامع اللغوية في البلاد العربية , أمكنها التنسيق فيما بينها على أن تقر المصطلحات والكلمات من خلال لقاءات وحوارات بينها , وألا تغالي في نحت الألفاظ , بل تتعامل معها بصورة أكثر واقعية , كما يكون التزام الباحثين الذين يقدمون مصطلحات جديدة أن يقدموا المعني المقترح إلي جوار اللفظ من اللغة الأجنبية – وهذا معمول به غالبا في الجامعات والرسائل الجامعية .
إن ذلك سوف يؤدى إلي سرعة استيعاب الحضارة الغربية وهضمها , والتعامل معها دون عقد النقص أو التعالي الفارغ من المضمون , وليكن لنا في تاريخنا مثلا , حين نقل العرب الفكر اليوناني , فقد تركوا كلمات كما هي , ووضعوا مقابلا لبعض الكلمات , وقد كان في هذا كله بعضا من الخطأ والكثير من الصواب , فلندرس ما قاموا به , ولنتعلم من التجربة والخطأ , في عصرهم , وفي عصرنا الحاضر , حتى يتسنى لنا أن نقوم بدور فعال في الحضارة الحديثة .
د . رمضان الصباغ
رمضان الصباغ - مشكلة تعريب المصطلحات الاجنبية