( 1 ) مقدمة
" لقد رتبت الآلهة التغيير فى الأعياد وأوقات الراحة من العمل . لقد قدموا لنا كرفقاء مختلفين ربة الفنون . لذا فان الآلهة قد حددوا حق البشر مرة أخرى . وبالتالى فان الناس يواصلون الأعياد فى رفقة الآلهة " ( القوانين -2: 653 –d )
كان هنلك العمل الهام المنجز فى الاخلاق الذى عمل على اظهار الكراهية التقليدية بين " كانط " والقدماء ، وبصفة خاصة " ارسطو طاليس " ، وقد بولغ فى ذلك الى حد كبير . فى هذا البحث سوف نبدأ بدراسة كيف يمكن أن يقدم فن الشعر الأرسطى رؤية مفيدة فى النظر فى بعض النقاط البحثية الأساسية فى كتاب " كانط " نقد ملكة الحكم . أحد أسباب النظر فى هذا التقارب يجب أن يكون معقولا هو أن كلاهما اراد الدفاع عن الموقف الشمولى لعلم الجمال .
لقد زعم " كانط " بأن الحكم على الجميل له " صلاحية ذاتية شاملة " واضحة تماما فى هذه الشأن ؛ على الرغم من مايعنيه هذا ، وما قام به بقدر كاف ، تعد مسألة الصلاحية الشاملة مسالة لا يوجد اتفاق شامل حولها . من جهة أخرى ، يعد أرسطو اقل مباشرة بالنسبة لهذا الزعم على الرغم من تشابك الادعاءات بأن (1) المحاكاة تعد طبيعية للانسان وأن ( 2 )الانواع المتباينة للمحاكاة ذات طبائع مختلفة وتخضع لتطور شبه طبيعى مميز من أجل تحقيق أفضل غاية لكل شكل والذى يعد ( 3 ) نوعا معينا من المتعة – المتعة التى بشأنها يرتكب الكثير من الجماهير الأخطاء – تقود " أرسطو " الى استنتاج أنه فى حين أنه ليس هناك اى اتفاق فعلى على صفاء أو جمال أعمال معينة من الفن ، ينبغى أن تكون هناك المتعة .
وهكذا فى فن الشعر ( 13 & 14 ) – على سبيل المثال – نجد أن " ارسطو " يقرر بأنه عندما تكون التراجيديات مثيرة للاهتمام فانها تكون أجمل وأكثر روعة . وعلاوة على ذلك – مثل " كانط " – بوسعنا أن نرى أن " ارسطو " قد وحد هذا الحكم بوضوح على أن يكون حكما شاملا فيما يتعلق بأعمال خاصة جدا من الفن مع نوع معين من المتعة – والأنواع الأخرى من المتعة أوالمشاعر تعد غير مناسبة للفن . هكذا كان حكم أرسطو على العمل الفنى ، مثل حكم " كانط " يعنى الشمولية ويقوم على نوع معين من – او يتعلق بالمتعة ,
هذه الملاحظات التمهيدية تلمس بالفعل مشكلة أى حجة تقترح أن هذا النوع من التقارب سوف يتعامل مع ، انقسام الباحثين الشائع بين " كانط " باعتباره غير واقعى و" أرسطو " كواقعى . وهذا الفرق يبدو انه يقسم اتفاقهما على وجه التحديد بالأحرى حول الأحكام الجمالية والمتعة بشكل قوى . بالنسبة ل " كانط " يرجع الحكم والمتعة الى مايسمى بالشىء الجميل أو العمل الفنى المثير لنا ، فى حين ان " أرسطو " أشار بشكل واضح الى حد ما الى الأشياء فى العمل الجميل .
ربما كانت هذه المشكلة بين الواقعية وغير الواقعية غير صحيحة ، أو على الاقل مبالغا فيها . سوف نرى أن حجة " أرسطو " تعتمد على كيفية وماهية هذه الأشياء فى العمل الذى يشير الى الاثارة والتأثير على المشاعر . وتوجد مجموعة من العلاقات المتبادلة بين العمل وما يثيره فينا يمكن الاعتماد عليها . هذه المجموعة يمكن أن تعتمد على الارتباط بين العمل والانفعالات السائدة للحبكات التراجيدية ، والتى تجعل بعضها أفضل من غيرها فى الشاعرية .
وسوف نواجه حقيقة أن أمثلة " كانط " المفضلة عن الاحكام الجمالية والطبيعية ، ونقاشه للفن واستخدام الأمثلة الفنية المحدودة للغاية ، فى حين أ " ارسطو " قد ناقش صراحة الأشياء المصنوعة ونا قش باختصار صلة العمل الفنى بما هو طبيعى – لأن المحاكى ينشأ بعيدا عن الطبيعة .
دعونا تنعامل مع هذه المسألة الثانية باختصار . يعنى " كانط " بأن نظريته عن الحكم تنطبق بوضوح على الأعمال الفنية ، ولكن بالتركيز على الموضوعات الطبيعية يسمح له – لبعض الوقت على أية حال – الى الابتعاد عن صعوبة القول بأن الأعمال الفنية ( اذا حكم عليها بأنها جميلة ) فقد صنفت بالتاكيد لغرض بعين الاعتبار ( تقديم عمل فنى جميل ، من نوع معين من الفن ، قصيدة بدلا من لوحة ، تراجيديا بدلا من كوميديا – على سبيل المثال ) فما يبدو على الفور هو استبعاد اللعب الحر للحكم التأملى لصالح الحكم الحاسم أو الغائى .
من ثم فاننا قد نرى أن تفضيل " كانط " للطبيعة فى أمثلته ومناقشته لأحكام الجميل لأغراض تمثيلية استكشافية بدقة لتجنب الاشارة الى المشكلة الغائية التى تتصدر صناعة الشعر أو تكنيكه الفنى ، بينما كان يحاول توضيح مسألة اتساع الأحكام الصادرة عن الجميل بشكل عام . وما ينطبق على الأحكام الصادرة على الجميل فى الطبيعة ينطبق على الاحكام الصادرة على الجميل فى الفن بعد اجراء التعديلات اللازمة؛ فى حين أنه فى الفن تكون المسألة المحددة لصنع غاية للأشياء المصممة قد تكون فى اتجاه واحد يصطدم بتفكيرنا ، وليس من الضرورى جعل الحكم الجمالى للجميل عن الشىء مستحيلا .
من جهة أخرى ، فان " أرسطو " فى كتابته لفن الشعر – وهو على وجه التحديد كتاب عن التكنيك الفنى ، وينطلق بالكامل من الطرف الاخر للمشكلة . ويبدا بمعلومات عن الشعر فى حد ذاته . ذلك أنه يناقش تاريخ تطوره ، وطرق التمييز بين هذه الأعمال ، وقضاياها واجزائها ، وكيفية عمل كل جزء . وعندما يسأل عن عمل نوع معين من الحبكة بشكل افضل ، وكيف يعمل بالشكل الأمثل . ويبتعد عما يتعلق بالشعر فى حد ذاته ليشير الى اكثر من الايجابيات المتعلقة بالمسرح لاهتمامه بالاشارة الى التراجيديا الأكثر فعالية وتأثيرا للحصول على شعور مناسب من الجمهور .
بالمثل بالنسبة ل " كانط " ، الحكم على جمال الشىء هو النظر للكشف عن العلاقة بين العمل ومشاعر الجمهور ، وليس عمل الحكم فى حد ذاته . ويجب أن نتذكر هنا أيضا أنه بالنسبة ل " أرسطو" ، هذا الشعور المناسب بالفن يهدف الى اقصاء الشعور الذى نشأ فى الطبيعة البشرية أصلا ، والعمل قد طور وانتج من أجل تعزيز واتقان هذا الحدث الطبيعى الناشى ء وغير المكتمل ، والذى يأتى عن طريق نوبات ويبدأ بشكل مختلف بأنواع متباينة من الشخصيات .
2-اللعب الحر : كل شىء أو لا شىء
احدى المشاكل مع فهم متعة الانسجام الحر للخيال والفهم هى أن الفهم يعد بالتحديد ملكة اصدار الأحكام على تشعب الاحساس ، لذا عندما يقول " كانط " بأن حكم الجميل لا يمكن أن يكون حكما حاسما ( الحكم المستوعب ضمن قاعدة أو مفهوم ) وليس – مع ذلك – حكما تامليا غائيا ( بالنسبة للموضوع الجميل تكون الغائية بدون غاية ) . وقد يتساءل المرء كيف أن ملكة الحكم المعطاة تكون عاملة على الاطلاق .
تفسير " كانط " هو أن هذه المتعة ، على اتصال مع ادراك شكل موضوع الحدس .. ولاتعبر عن أى شىء ، ولكن تأثير الموضوع متناسب مع الملكات المعرفية التى تعد فى لعب – بقدر ما . ولكن يبدو أن اللعب الحر اما قليل جدا أو كثير جدا . لذلك يبدو هذا للعب الحر للملكات يعنى أن الفهم لا يمكنه التعرف على الموضوع الجميل مثل اى نوع لشىء على الاطلاق ، من شأنه ان يكون مستوعبا ضمن الحكم : زهرة عباد الشمس – على سبيل المثال – أو مايجب أ ن يكون عليه حال كل شىء خبرناه بشكل مطلق ( باستثناء الجليل ) يضع ملكاتنا المعرفية فيما يتناسب مع اللعب المتناغم وبالتالى يكون الجميل ؛ – على سبيل المثال – مبالة ، وعتيقة ، ومنزعجة بشكل سىء .
جانبا المعضلة عادا الى الظهور . فى نغمة ذات صلة بمحاولة "كانط " التمييز بين الجمال الحر والجمال التابع عندما يقول : لا يفترض الجمال الحر المفهوم الذى يكون عليه الموضوع . بينما يفترض الجمال التابع مثل هذا المفهوم ، بالاضافة الى كمال الموضوع فى شروط هذا المفهوم . بمزيد من توضيح " كانط " ، لايكاد أى شخص باستثناء عالم النبات ان يعرف ان الزهرة هى الجهاز التناسلى للنبات محررا بوضوح حكم جمال الزهرة من حكم الكمال باعتبارها من أجزاء النبات الخاصة بالتوالد ، ولكن ذلك يبدو بالأحرى مقيدا التحرير ومحددا بشكل لافت للنظر للحكم الحاسم ، ونحن مازلنا نعرف أنها زهرة وليست شجرة أو حصانا .
ونعرف أن زهرة عباد الشمس ليست وردة أو زهرة خشخاش . وبذلك ، يرى " كانط " ان عالم النبات بوسعه أن يضع علمه جانبا عندما يحكم على الجمال الحر للزهرة . هل يجب على غير علماء النبات أن يضعوا معارفهم – جانبا – بأن زهرة عباد الشمس ليست وردة أو زهرة خشخاش ؟ . زهرة ؟ وعلاوة على ذلك مثال " كانط " على أن الحصان جمال تابع يتطلب أن نحكم على الحصان ضمن مفهوم كماله ، لكن أى كمال ؟ انه اداة لجر المحاريث ؟ والعربات التى تجرها الخيول ؟ أو من اجل ولادة خيول أخرى ؟ وللسباق فى الحلبة ؟ ولحمل فارس بدرعه ؟ ولشطيرة لحم ؟ .
وبالتالى فان المشكلة الأصلية تكرر نفسها : اما أننا لا نستطيع معرفة شىء عن الموضوع عندما نحكم على الجمال الحر ( أو نتجرد من كل مانعرفه عنه عندما نقوم بذلك ، مثلما تجرد عالم النبات من معرفته - عندما حكم على الجمال الحر لزهرة عباد الشمس ) ، أو ان كل شىء حقيقى يمكن أن يسمح فحسب بأحكام الجمال التابع . فى هذه الحالة يكون اللعب الحر ملزما بمفهوم حاسم . اما أن لاشىء جميل أو ان كل شىء يمكن أن يكون جميلا –كل شىء يمكن أن يكون بحرية أكثر أو أقل جمالا ، اعتمادا على – فيما يبدو – مدى فهمنا لما نستطيع التجرد منه .
يقدم الجمال الحر لنا مع امكانية معرفة لا شىء عن الموضوع الجميل ، جانبا من المعضلة الأصلية ، فى حين أن الجمال التابع يشير الى أن اللعب الحر مقيد ، اللعب المثار من خلال الأشياء التى تجيب على الكمال الغائى او الموضوعى ، وبقدر مايتم التعرف على الشىء باعتباره شيئا خاصا ، فان الحكم فيما يتعلق به ليس حكما خالصا تماما للذوق ، بل يجب ان يكون حكما فكريا بشكل جزئى محكوما بمفاهيم حاسمة .
يبدو " كانط " – فى الواقع – مناقضا لنفسه بشكل صريح فيما يتعلق بصلة الفهم بالجمال الحر ؛ فهو يرى أن أنواوع الجمال الحر على حد سواء تكون ( ذاتية الوجود ) ومحاسن هذا الشىء أو ذاك تمثل لا شىء ، ولا يوجد موضوع ضمن المفهوم الحاسم . ولكن من الواضح أن الأحكام الصادرة على الجميل وعلى التمثيلات الخاصة تعنى القول بشىء عن ذاتيتها الخاصة ( على الرغم من نسبتها بشكل شامل ) المفتونة بالملكات الانسانية ؛ فهذه الزهرة جميلة او التراجيديا جميلة ، وان هذه ليست جميلة ، أو ان تلك أقل جمالا ، وهكذا .
3- محاولة الاجابة الكانطية
كانت هناك محاولات عديدة لحل هذه الصعوبة . احداها كانت قد اقترحت ( بين قوسين ) اعلاه . تحمل هذه استجابة لأنه فى اللعب الحر كان " كانط " يتطلب من الكل ما يتطلبه من حكم عالم النبات على الزهرة باعتبارها جمالا حرا ، أى أن حكمه الجمالى مجرد من توظيف أى قاعدة حاسمة لتوحيد ما يعد متشعبا ( متعددا ) ، وليس لدينا أى اهتمام بنص الحكم على امر متشعب ، وندرك ذلك . فى هذه الحالات ، فان الموضوع المناب لملكات الادراك يكون مؤكدا منذ عملت الملكات معا لمعرفتنا بالموضوع – وربما حتى فى التفاصيل العلمية ( الموجهة غائيا ) مثل عالم النبات ، لكن أى متعة نستحوذ عليها فى مثل هذا الانسجام يجب ان تؤخذ ( او نكون قادرين على اخذها بشكل مجرد ) فى كل مانعرف .
لذا اما ربما كل شىء يكون ( عن طريق التجرد من معرفتنا ) جميلا ؛ - لكن ماذا يعنى هذا التجرد ، بما أن مفترض ليكون فعالا فى هذا الحكم ؟ . وماذا يعنى الجميل اذا كان من الممكن تجريد كل شىء ؟. او اذا لم يكن الفهم يقدم الحكم الحاسم - لزهرة عباد الشمس . لكن يبدو أن هذا بمثابة تقييد للعبنا الحر ، بغض النظر عن عدم الاكتراث ، وليس بوسعنا الحكم على الزهرة الجميلة الموجودة أمامنا بانها اما ان تكون جملا أو ضفدعة أو حوتا .
الحل التجريدى كما يشرحه " كينيث روجرسون " ، وبالتالى يبطل حجج " كانط " ضد الكمال والمنفعة باعتبارهما قاعدتى الحكم الجمالى . ومن جهة أخرى ، اختيار حل غير تجريدى يبدو لدفع "كانط "نحو الاعتراف بأن جميع الأحكام الصادرة عن جمال الموضوعات – سواء كانت طبيعية أو فنية – هى – فى الواقع – أحكام عن الجمال التابع . الأحكام التى ذكر " كانط " نفسه انها تفترض تصور كمال الموضوع .
لذا فى حين أننا قد لا نكون مهتمين بالحكم الذى يقدم هدف ادراكنا ، فان الفهم يعمل بشكل واضح – مع أو ضمن – مثل هذا التصور . وبالتالى فان حكم الجميل يجب أن يعمل ضمن هذا التقرير – زهرة عباد الشمس أو التراجيديا أو الحصان . يدرك " كانط " أن " اتصال الجمال بالخير( أى بشأن الكيفية ، من حيث غرض الشىء يعد المتشعب خيرا بالنسبة للشىء نفسه ) يضعف نقاء حكم الذوق " ولكن يبدو أنه دون عائق متفرد بهذه الحقيقة . ماذايمكن أن يكون تفكيره ؟ .
4- خطوةالى الخلف الى فن الشعر لأرسطو : التراجيديا والتحريم وحتمية العقل والاحساس
الأمل فى أننا لن ننتهى الى شرح الغامض عن طريق قابليته للنفاش ربما كان الشىء الذى يجب أن يتخلى عنه الفلاسفة عند البدء ، ومع ذلك ، يجوز أن نحقق بعض الوضوح فى دراستنا ل " كانط " ،ونشير – على الاقل – الى بعض التشابهات الملفتة للنظر فى الفلسفة بالرجوع الى فن الشعر ل " أرسطو " . ففى فن الشعر ( 13 & 14 ) يدافع " أرسطو " عن نظام ترتيب درجة الجمال أو دقة التراجيديا .
والكلمة الموضوعة على المحك هى الفائقة ، والأجمل ، لنفس كلمة ( kalon ) عن ما كان يقوله " ديوتيما Diotima - Διοτίμα " فى حوارات " افلاطون " ، وفى حين كانت الكلمة اليونانية قد تقال فى مجال مختلف عن الجميل او الجمال Schönheit فى ثقافتها الخاصة ، فمن المؤكد أن الكلمة اليونانية المستخدمة كانت تشمل الخبرة والحكم اللذين نهتم بهما ، والاحكام والخبرات التى نظر اليها كل من " أرسطو " و " كانط " بنوع من الشمولية المتضمنة لنوع معين من المتعة لكل البشر .
يوجد اعتقاد خاطىء بان ( فن الشعر ) أعطى قيمة عظيمة ل ( أوديب ركس Oedipus Rex )على أنها أفضل أنواع التراجيديا . والحجة لصالح نموذج اوديب ظهرت فى الفصل 13 ويتم تكرارها على الفور من قبل " ايفيجينيا" (فى تاوريس باعتبارها الأفضل Iphigenia at Tauris as kallistos ) . كما تنتهى " ايفيجينيا " بالسعادة ، وحجة " أرسطو " قد تسببت فى بعض الذعر .
ولكن بدلا من ان اجادل لصالح خيار " ارسطو " سوف أشير الى كيف كانت حجته لصالح "ايفيجينيا " موازية لعدد من نقاط " كانط " المقدمة عن حرية الحكم الجمالى . يشير " ارسطو " فى سياق حجته باستمرار الى أن الأشكال الاقل جودة تفشل المشروع الخاص بالتراجيديا ، الذى يمثل نوعا من المتعة المرتبطة بالتطهر من الشفقة والخوف .
بالتعبيرات الكانطية هذا يعنى أن " ارسطو " قال بأن جمال اللتراجيديا يعد جمالا تابعا ، ولكن سمح " كانط " لمثل هذا الجمال بامكانية حكم الذوق فحسب اذا كان الشخص الذى يحكم اما ليس لديه تصورا عن هذا الغرض، او اذا كان متجردا منه عند قيامه بمباشرة الحكم . هذا من شأنه ان الحكم الصادر على صفاء أو جمال التراجيديا على قدم المساواة ونحن – رأينا " كانط " بالفعل – يقدم مثالا لحكم الجمال عن زهرة الأوركيد من قبل عالم النبات . يبدو أن اللعب الحر ممكنا فى كلتا الحالتين فحسب اذا تجردنا من معرفتنا للغرض وقمنا بالشىء باعتباره لعبا أو زهرة .
فى سياق حجة " ارسطو " يستثنى بعض انواع فعل المحاكاة عدة مرات لأنها بغيضة أو مثيرة للاشمئزاز . من الأمثلة التى قدمها عن هذه الظاهرة : النزول من الرفاهية للمحنة ، ومحاولة الابن قتل أبيه عن عمد . فى حين انه عندما تم الانجاز( خاصة خارج المسرحية ) ، أو تمت المحاولة عن جهل حينئذ لا وجود لشىء بغيض . يبدو واضحا ان البغيض أو الدنس يعد بمثابة حكم أخلاقى ، أو شعور متعلق بمثل هذا الحكم .
استخدام هذه الكلمة فى سياقات أخرى يشير بشكل شامل تقريبا الى الدنس الدينى أو الاخلاقى . مثل هذه المسرحيات تفشل ، حتى لو كانت المسرحية تثير الشفقة والخوف ، فلا يمكننا أن نفشل فى جعل الحكم أخلاقيا ، أو يعانى الشعور بالدنس أو الموت او كليهما ، عندما نشاهد أو نقرا المسرحية . والآن لم ينتقد " ارسطو " الجمهور للقيام بمثل هذه الأحكام ،ولا بشكل مباشر من أجل الاستمتاع بهذه المسرحيات ، بل ينتقد الكاتب المسرحى ، لانه ليست أى متعة يجب أن نسعى اوراءها من التراجيديا ، بل النوع الملائم من المتعة .
هذا – على الأقل – أحد الأسباب التى من أجلها يتم استبعاد هذا النوع من المسرحيات من المنافسة من أجل الجمال من قبل " أرسطو " لان فعل محاكاتها يستدعى السلطة الأخلاقية مما يجعل الحكم الحاسم ينتج عن شعور مختلف تماما عن ما يهدف اليه الفن .
يفترض " ارسطو " مثل " كانط " أن مثل هذه الأفعال والأحكام الاخلاقية التى تنطوى عليها " تطالب بحق بان تكون صالحة للجميع .. كموضوع اعجاب أو بغض شامل " . ولكن – على وجه التحديد – بالاثارة يوجد الكثير ، فمثل هذه المسرحيات لا تسمح بالمتعة الملائمة للتراجيديا . يتطلب " كانط " أيضا ، ان يكون حكم الجميل حرا من التقرير بواسطة السلطة الاخلاقية . ويشير " أرسطو " الى أن بعض أنواع الفعل الدرامى تجعل هذه الحرية مستحيلة ولهذا السبب فانها ليست أفضل التراجيديات ؛ فتركيب حبكتها وشخصياتها يجعلها تفشل كموضوعات جمالية .
انها تنتج ( بشكل شامل ، ويمكننا أن نتوقع ) النوع الخاطىء من الشعور . أى مصاحبة الشعور بالحكم الأخلاقى . ويبدو أن " أرسطو " يفكر فى احداث هذه الحبكات بشكل شامل ( ان لم تكن بالضرورة ) تثير الشعور بالدنس ، فان طبيعة محاكاتنا تستجيب بالتالى الى هذه المحاكيات . ولا تستطيع أن تكون ، بالتالى ، افضل الحبكات .
لايحتاج " ارسطو " ولا " كانط " الى القيام بحكم أخلاقى هنا . وأعنى بذلك أنه لا يلزم أن يكون قوله ( ربما مثل أفلاطون ) بأنه بسبب أنها تثير مشاعر الدنس الأخلاقى ، فتعد مسرحية لا أخلاقية . مثل هذه الحبكات بالأحرى التى تثير شعور الدنس الأخلاقى ، يعوق الحكم عليها المرء عن القيام بالحكم الجمالى الحر عن الجمال .
بما أن الاحكام الجمالية مستندة الى متعة اللعب الحر ، فيجب عليها أن تشمل عمل السلطة العقلية ، التى حددت الصلة بالبغض . لذا فان تصنيف " أرسطو " للحبكات ولبعض أحكامنا ، يظهر لنا نقطة كانطية : يجب ان يكون الحكم الجمالى حرا من التقرير بواسطة السلطة الأخلاقية للعقل ، هذه الحرية ، فى حين أنها ضرورية الا أنها ليست كافية بالنسبة للعب الحر الكانطى ، فيجب أن يميز حكم الجميل عن الحكم الغائى ، بالاضافة الى أنه حر من أى تقرير يستند الى الشعور الخاص للحس أو الميل .
يمكننا أن نرى " أرسطو " مستبعدا هذا الأخير ( أى عدم الاستناد الى الشعور الخاص للحس أو الميل ) كاساس للحكم على الجميل عندما يقول بأن ابداع شىء من خلال مشهد فى مسرحية يقع خارج ما يعد مشتركا مع التراجيديا ، والذى يأتى من الشفقة والخوف من خلال المحاكاة ، مجرد سماع القصة يجب أن يكون كافيا للتأثير التراجيدى.
انتاج الارتعاد خوفا من مشهد مثير ( فى حين أنه ممتع بشكل واضح لبعض الجمهور ) لا يقدم حكما صحيحا عن صفاء اللعب ، بينما التأثيرات المثيرة تعد بشكل واضح عنصرا من عناصر الأداء التراجيدى ويمكن أن تزيد خبرة الخوف وبالتالى تساعد فى عمل المسرحية ، مجرد الاثارة لا يمكن أن تكون أساسا لحكم الصفاء أو الجمال للمسرحية ، ولا الحكم الغائى عن كيف يكون الخير نوعا لشىء موجود فى المسرحية .
باعتبار أن حكم صفاء أو جمال التراجيديا لا يمكن أن يستند الى مثل هذه الأحاسيس ، فان الحكم الصحيح يجب أن يكون حرا من التقرير بواسطة مثل هذه المحفزات المرضية - ومن ثم بالرغم من أنه- كما هو الحال - فان بعض الناس على حد سواء يميلون الى الحكم على الموضوعات استنادا الى هذه القواعد . مثل هذا الحكم لا يعد حكما جماليا خالصا . ولذا فان " ارسطو " و "كانط " اتفقا على أنه يجب علينا أن نكون قادرين على اقامة حكمنا دون أى افتتان بالاحساس المختلط بالميل للموضوع .
لكن حتى لو كان حكم جمال التراجيديا يجب أن يكون حرا من التقرير من مبادىء العقل ، ومن التقرير من قبل المتعة أو الاستياء فى الاحساس ( بما فى ذلك المتعة الناتجة عن أحاسيس الخوف المفاجئة ) ، فاننا حتى الآن لم نحصل على نقطة رؤية كيف أن تأمل الموضوع الجميل ليس " على هذا النحو " موجها للمفاهيم وبالتالى يسمح بذلك . حكم الذوق ليس حكما معرفيا ( سواء كان نظريا أو عمليا )، وبالتالى لا يقوم على تصورات وليس موجها اليه كأهداف .
فى الواقع عندما زعمنا بأن الوردة ، ومجال زهرة عباد الشمس والحصان والمبولة السيئة المعلقة أو التراجيديا تعد موضوعات جميلة ونحن نعرف ماذا تكون . المتشعب أمامنا ليس مجرد عرض للانتظام دون أمر حاسم أوفاعدة تحكم دون حكم حاسم ، أو لغاية دون هدف أو مجرد ادراك شكل موضوع الحدس ، ونحن لانشير الى ادراك للتصور بحيث يؤدى الى المعرفة الحاسمة . ويقع ضمن المفهوم الامبريقى للوردة ولزهرة عباد الشمس والحصان والمبولة والتراجيديا .
لذا حتى لو كان " ارسطو " و " كانط " قد اتفقا على اننا يجب أن نتجرد من الاحساس بالأحكام الحاسمة للسلطة الاخلاقية عند القول بأن شيئا ما جميلا ، الا أنه لا يزال من غير الواضح أن " كانط " استطاع أن يفكر فى أن الفهم يكون فى لعب حر مع الخيال عندما يعطى لنا الحكم المحدد أو المفهوم المتعلق بتقديم :هذه الوردة والحصان والمبولة والتراجيديا .
5- اللعب الحر وادراك الموضوع المسمى جميلا
يقول " كانط " بأن اللعب الحر هو " الحالة الذهنية ( النفسية ) التى نجدها فى العلاقة بين قوى العرض بقدر ما يشير العرض الى الادراك بشكل عام " ،وهذا النشاط غير محدد ولكنه .. مع ذلك منسجم : والنشاط مطلوب للادراك بشكل عام .
قاد هذا الوصف العديد من الباحثين لمحاولة " بول جاير " التفسير الاستبصارى للتناغم الحر ، وعلى كل فانهم يبداون من فكرة أن الشعور بالمتعة فى تسارع والنشاط التوافقى لادراك المتشعب المنظم يجب أن يسبق ( منطقيا وزمانيا ) تعلمنا المفاهيم الامبريقية . كذلك اعتبار هذه الخبرة ممتعة وهذا النشاط ممتعا ، وهما أصل معرفتنا ، ويجب أن يكونا قابلين للانتقال الى (عدوى ) الآخرين ، او لا يكون هناك اتصال بالمرة .
من ثم لذلك – على سبيل المثال – التلاعب والقدرة على الافصاح ، والقدرة على المص ( الرضاعة ) والقدرة على الابتلاع ، ليست مفاهيم للرضيع ، بل هى عرض لكل أحاسيس الرضيع الخاضع لهذه السلوكيات – كل شىء يحصل على كل ما يذهب لفهمه الرضيع مثل هذه السلوكيات ينبغى النظر فيها باعتبارها أنشطة واضحة للخيال تتوسط بين الحساسية والفهم . ماهى قواعد جميع الارتباك المنظم للمفاهيم الطفولية غير الواضحة ، ولكن الرضيع ( يجب علينا أن نفكر ) ينعم بمتعة السيطرة على حكم الحساسية فى مثل هذا الاستكشاف بدون التعرف على قاعدة معينة .
اتساقا مع هذا الرأى دعونا نتذكر أن " أرسطو " يشير الى أن " كل الارشاداات انبثقت من معرفة سابقة على الوجود " ، وان البشر يجب أن يمتلكوا بعض القدرات الادنى من المعرفة العلمية والفنية ، ولكنها أعلى من ادراك المعنى ، والذاكرة التى يمكنها تطوير المسلمات المستقرة للخبرة التى نحددها بدقة ومن ثم العمل ( كما فى التقنية ) والتوصل الى معرفة الأشياء .
يجب أن يكون هناك بعض الانتظام فى الطريقة التى نختبر بها الموضوعات ونحن نطور مفاهيمنا وقواعدنا ، وهذا لن يكون معرفة بمعنى الكلمة الدقيق ، بل هو نوع من الفهم ، هذا النوع الغريب للفهم مقبل الوجود تردد صداه فى صياغة متكررة ل " كانط " . فالادراك متناقض بشكل عام مع المعرفة المحددة للمفاهيم . انه من خلال – وخارج – وبسبب – هذا النشاط الاساسى والاصلى تأتى كل معرفتنا ، التقنية والمعرفة الحاسمة الابستمية ، وخلال هذا النشاط الطبيعى – بتعبيرات " كانط " وتفعيل تبادل التلقى والفهم – يحصل على ما يكون له بشكل خاص ، وعلى نوع النشاط والمتعة اللذين نراهما عند الرضيع .
غاية المعرفة الحاسمة ليست معلومة ولا مقصودة على هذا النحو ( كيف يمكن أن تكون ؟ ) فى هذا النوع من الفهم على الرغم من ذلك ، بعيدا عن المعرفة الطفولية ونشأتها المحددة لنمو الادراك
من ثم يبدوأن " ارسطو " يشير فى اتجاه سيرتفسيرات المستبصرين ل " كانط " . ربما كان فى هذا التناغم الاستبصارى كل شىء جميل للرضيع – حتى قيام الطفل بمص الماء أو التلاعب بالموقد ؛ وفجأة يهتم أو يميل الى أن يصبح بشكل مثير جدا محددا ويتطلب اتخاذ اجراءات حاسمة . تسمى القوى المعرفية والانشطة قبل هذه الأحداث كل ما يصل فى نفس الوقت ، وهذا النشاط السار للعقل يعد نشاطا حرا – حتى ادراك اللدغ والحروق ، يصرخ أو بطريقة أخرى يقطع ا للعب مع اهتمام متميز ( بالمعنى الكانطى ) بالاحساس .
من ثم كل شىء بناءا على ذلك الحين – يكون جميلا بالنسبة لنا . هذا اللعب الحر الطبيعى يصبح أقل وأقل حتى تصبح الخبرة محكومة بمفاهيم حاسمة ، هذه المفاهيم الحاسمة هى القواعد التى نستخدمها للتأثير فى العالم ، والتساؤل الصبيانى – كما كان – يتم استبداله بقرارات الاستخدام والمتعة الحسية والمخاطر ، أو اننا نهدف الى انجاز بعض المهام والتفاهم يقسم الاشياء بداية على طول المحور فى صلة أو دون صلة لانجاز المهام .
حتى ذلك الحين هل يمكن ألا يكون هناك اللعب الحر ، بالنسبة لنا نحن العارفين والعاملين بهذا العالم ؟ هل خنرة الجميل صبيانية أو طفولية فحسب ؟ ( هل هذا الصوت مثل صوت فرويد ؟) . هل نحن جميعا واقعيين بقدر مانحن كبارا ( بالغين ) ، وهل يعرف الواقعيون بشكل أفضل ؟ .
بشير " أرسطو " الى عدد قليل من الاشياء التى يستخدمها الكانطيون للهروب من من الضغط لاستخلاص هذه الاستنتاجات . " جميع الناس يرغبون فى المعرفة " ، الرؤية والمعرفة هما من بين أنواع النشاط الذى ننخرط فيه من أجلهم بشكل خاص – دون أى غرض آخر . فى الواقع ترجمة كلمة ( لمعرفة To Know ) من الميتافيزيقا ( انا أعرف شيئا واحدا Oida- οίδα ) أبعد واقل تحديدا مما قد كنا نعتقد ( مع الاخذ بعين الاعتبار – على سبيل المثال – النظرية ) وعلينا اولا الانخراط بطبيعتها ، والتأمل النظرى يعد انجازا يجوز لنا الوصول اليه .
بالتالى فان خبرة الاستبصار للتفاعل بين التلقى والفهم تكون حيث تبدأ الميتافيزيقا ، وتعمل دائما ، واذا تجردنا من فهم الاهتمامات (بالنسبة للعقل البيولوجى الرشيد ) أو العقل ( المنتج للمسلمات الاخلاقية ) يصبح نشطا لتحديد واقتراح ، متعة العملية المتناغمة الكامنة وراء كل مزيد من المعرفة ، ومازال من الممكن أن تكون على حد سواء مدركة وممتعة .
عالم محاكاة الفن ليس عالما واقعيا ، يبدع فضاءا للمسرحية الأصلية ، وما يثرى الراشدين من خلال المفاهيم الأخلاقية والعلمية . فى العالم الواقعى ، يكون التجرد من الاهتمامات يسيرا فى حالة الوردة عنه فى حالة البعوض ، لأن وجود البعوض يصطدم بنا بطريقة تجعل التأمل المنزه عن الغرض أكثر صعوبة . لكن اذا أمكننا تجريد أنفسنا فاننا بالضرورة نجده جمبلا .
التجرد الكامل من مثل هذه الاصطلاحات ليس حالة واقعية للرضيع (لأنها سوف تكتشف قريبا ) ، ولكن قد تكون قابلة للتحقيق فيما يتعلق بالآلهة . جمال الآلهة اليونانية ، من ثم ، لأنها فى ذاتها كانت ذات خبرة باعتبارها جميلة : كل اله كان ممثلا ، ليس لشىء ، بل لخبرة شىء باعتباره جميلا – وحتى الاعتقاد . فى المسرحية نصبح مثلهم . فعالم الفن هو العالم الذى لا يمكن أن نتعرض فيه للأذى ولا يجوز لنا القيام بأى فعل .
يرى " أرسطو " أن المحاكاة تعد نشاطا طبيعيا ، مثل المعرفة والرؤية ، ويشارك فيها الانسان لذاتها . لذا فى حين أننا نعرف اكثر مما نسعى – ونحن لا نستمتع – بمعاناة الأشياء الجديرة بالشفقة والخوف ، والشفقة والخوف من خلال المحاكاة ، كما هو الحال فى التراجيديا ، ونحن نسعى الى التمتع بها . نحن نجرد أنفسنا بالنسبة لمحاكاة مثل هذه الأمور من اهتماماتنا بالأحكام المعرفية والاصطدامات الوجودية التى تأتى لتربطنا بها ، ونحن نستمتع بتحريض العرض ل " الانسجام المتبادل بين ملكاتنا المعرفية " لذاتها – نحن نعيد تأسيس اللعب الأصلى قبل المعرفى للتساؤل الطفولى ، وداخل دائرة سحرية من الحاكاة نصبح مثل الآلهة .
يفسر " أرسطو " ايضا أن فهمنا يتم عبر المحاكاة ، وبناء تلك الجملة يعد فى المبنى للمجهول الوسيط غير القابل للترجمة ، وفى هذا يكون المفعول نائب فاعل وفاعل على حد سواء . هذا النشاط الانسانى الطبيعى للمحاكاة ( الكامن وراء كل الفنون ) حينئذ يجب أن يكون مصدرا رئيسيا لتلك الذكريات المتكررة فى كثير من الأحيان لنفس الشىء التى يتطور منها ما هو شامل ، الذى سوف يسميه " كانط " بالمفاهيم .
تعد أنشطة محاكاتنا الطبيعية أيضا مصدرا للمتعة البشرية الخاصة ( التى تتطور فى الفنون ) . لاتنجم المتعة عن الأحاسيس مباشرة ، ولكن تكون المتعة لذاتها وتؤدى الى الادراك . لذا عندما نتأمل شيئا – فى الطبيعة والفن – فاننا ننسخ بشكل مطابق الشىء الفعلى ، وليس – فى الواقع – خضوعا للازعاجات والانشطة الوجودية بما فى ذلك المعرفية وتلك الحقائق التى لم تنشأ بعد .
فى المهرجان التراجيدى نوضع فى مكان الآلهة . وتبدو المحاكاة فى الأصل منزهة عن الغرض – بمكننا القول – انها مرآة للعالم الوجودى والعالم غير الوجودى . يسمح الفن – حينئذ- بازدهار فرحنا الأصلى فى العالم ويهدف الى اعادتنا الى العالم .
لقد قدم فى الواقع ما يعد أكثر فعالية من خبرة العالم الطبيعى ، الذى يعتبر مثال " كانط " على خبرة الجميل ، وتحديدا بسبب محاكاته ، او نسخ صورة مطابقة ( بدلا من النقل الوجودى ) للطبيعة . لقد ركز " كانط " على عدم الاكتراث فى الحكم الجمالى يعد طريقة لاستئصال هذا الا لغاء للنقل الوجودى .
أخيرا دعونا نتذكر أن " ارسطو " قال بأن الموسيقى ( والتى كان يعنى بها كل الفنون ) تقدم التطهر الذى يعد متعة مميزة ، والتطهير يعد أيضا مصطلحا للطهارة الدينية . بطريقة محددة يمكن رؤية الفن باعتباره مطهرا ، ومن ثم يرقى بنا ، ويحررنا من اهتماماتنا المعرفية المألوفة المدفوعة بشكل وجودى ويرقى بنا الى المتعة المتحررة من الجذور المعرفية .
تكون الأعمال الفنية أقل جمالا عندما – وبسبب – كونها أقل قدرة على اعادة ابداع الحالة الحرة بالنسبة لنا . لذلك فان الممسرحية التى يحكم العقل على فعل فيها – حتى فى حالة التأمل – بأنه دنس يعد أقل روعة من الفعل الذى يجعلنا أحرارا من – أو يحررنا من – مثل هذه المشاعر والأحكام . وبالمثل ، مع الاثارة السابق ذكرها للعروض التراجيدية ، التى رأى " أرسطو " انها لم تكن الأساس الصحيح للحكم بجاذبية المسرحية .
هذه الحرية التى تعيد ابداع الفن لنا هى نوع من التخلى عن العمل العادى للفهم ، وفى هذه الطريقة يمكن أن يكون الجميل " رمزا للأخلاقية " على وجه التحديد .
قياسا على ذلك يمكننا أن نرى ارتباطا بين القواعد والانشطة . على سبيل المثال – مثل حدس الموضوع المدعو جميلا يمنعنا من تحديد حكمنا الجمالى من أى تأثير ( مامول أو فعلى ) ولكن يولى اهتماما مجردا للقدرة على التواصل الشامل واتفاق القوى التى تبدو مماثالة فينا ، وهكذا فى الحكم الأخلاقى نكف عن تحديد حكمنا من قبل أى تأثير ( مأمول أو فعلى ) ، ولكن نولى اهتماما مجردا للقدرة على التواصل الشامل والتوافق مع القول المأثور المطابق . وهكذا تعمل خبرة الجميل بشكل غير مباشر مماثل لما يقوم به الحكم الأخلاقى ، فالجميل يعد رمزا للأخلاقية .
فى هذا الاستطراد القصير ضمن الفلسفة القديمة ، آمل أن أكون قد أوضحت " شيئا عن فكرة " كانط " عن اللعب الحر وحكم الجميل ، ولكن – على الأقل – قد كررهذا البحث عن طريق شحذه للملكات ، والاتفاق على أن اختراع هذا المفهوم كان عملا من اعمال العبقرية .
*******
ايضاحات
1- ديوتيما (Diotima / باليونانية Διοτίμα ) : هى الفيلسوفة الأنثى والكاهنة التي تلعب دورا هاما في محاورة أفلاطون. أفكارها هي أصل مفهوم الحب الأفلاطوني. والمصدر الوحيد لها هو أفلاطون، فمن غير المؤكد ما إذا كانت شخصية تاريخية حقيقية أو مجرد شخصية وهمية. ومع ذلك، كل الشخصيات الواردة أسماؤهم في حوارات أفلاطون تقريبا وجد أنها تتوافق مع أناس حقيقيين يعيشون في أثينا القديمة.
2- أوديب الملك (Oedipus the King ) : المعروف أيضا باللقب اللاتيني أوديب ريكس Oedipus Rex، هى التراجيا الأثينية التي كتبها سوفوكليس الذي تم تنفيذه لأول مرة عام 429 قبل الميلاد
أوديب الملك يحكي قصة أوديب، وهو الرجل الذي يصبح ملك طيبة، في حين تقول نبوءة بأنه قتل والده، لايوس، ويتزوج أمه، جوكاستا.
3- إيفيجينيا (Iphigenia / باليونانية Ἰφιγένεια ) : كانت ابنة الملك أجاممنون ، وبالتالي أميرة أرغوس - بعد الإساءة الى أرتميس، أمر اجاممنون بقتل إيفيجينيا كضحية ( ذبيحة ) للسماح لسفنه للإبحار إلى طروادة. في بعض الإصدارات، ضحى بإيفيجينيا في أوليس، ولكن في حالات أخرى تم انقاذها من قبل أرتميس . ، في النسخة التي يتم فيها بقاءها ، تذهب إلى Taurians فى شبه جزيرة القرم وتلتقي بشقيقها أوريستيس .
****
ترجمة : د. رمضان الصباغ
" لقد رتبت الآلهة التغيير فى الأعياد وأوقات الراحة من العمل . لقد قدموا لنا كرفقاء مختلفين ربة الفنون . لذا فان الآلهة قد حددوا حق البشر مرة أخرى . وبالتالى فان الناس يواصلون الأعياد فى رفقة الآلهة " ( القوانين -2: 653 –d )
كان هنلك العمل الهام المنجز فى الاخلاق الذى عمل على اظهار الكراهية التقليدية بين " كانط " والقدماء ، وبصفة خاصة " ارسطو طاليس " ، وقد بولغ فى ذلك الى حد كبير . فى هذا البحث سوف نبدأ بدراسة كيف يمكن أن يقدم فن الشعر الأرسطى رؤية مفيدة فى النظر فى بعض النقاط البحثية الأساسية فى كتاب " كانط " نقد ملكة الحكم . أحد أسباب النظر فى هذا التقارب يجب أن يكون معقولا هو أن كلاهما اراد الدفاع عن الموقف الشمولى لعلم الجمال .
لقد زعم " كانط " بأن الحكم على الجميل له " صلاحية ذاتية شاملة " واضحة تماما فى هذه الشأن ؛ على الرغم من مايعنيه هذا ، وما قام به بقدر كاف ، تعد مسألة الصلاحية الشاملة مسالة لا يوجد اتفاق شامل حولها . من جهة أخرى ، يعد أرسطو اقل مباشرة بالنسبة لهذا الزعم على الرغم من تشابك الادعاءات بأن (1) المحاكاة تعد طبيعية للانسان وأن ( 2 )الانواع المتباينة للمحاكاة ذات طبائع مختلفة وتخضع لتطور شبه طبيعى مميز من أجل تحقيق أفضل غاية لكل شكل والذى يعد ( 3 ) نوعا معينا من المتعة – المتعة التى بشأنها يرتكب الكثير من الجماهير الأخطاء – تقود " أرسطو " الى استنتاج أنه فى حين أنه ليس هناك اى اتفاق فعلى على صفاء أو جمال أعمال معينة من الفن ، ينبغى أن تكون هناك المتعة .
وهكذا فى فن الشعر ( 13 & 14 ) – على سبيل المثال – نجد أن " ارسطو " يقرر بأنه عندما تكون التراجيديات مثيرة للاهتمام فانها تكون أجمل وأكثر روعة . وعلاوة على ذلك – مثل " كانط " – بوسعنا أن نرى أن " ارسطو " قد وحد هذا الحكم بوضوح على أن يكون حكما شاملا فيما يتعلق بأعمال خاصة جدا من الفن مع نوع معين من المتعة – والأنواع الأخرى من المتعة أوالمشاعر تعد غير مناسبة للفن . هكذا كان حكم أرسطو على العمل الفنى ، مثل حكم " كانط " يعنى الشمولية ويقوم على نوع معين من – او يتعلق بالمتعة ,
هذه الملاحظات التمهيدية تلمس بالفعل مشكلة أى حجة تقترح أن هذا النوع من التقارب سوف يتعامل مع ، انقسام الباحثين الشائع بين " كانط " باعتباره غير واقعى و" أرسطو " كواقعى . وهذا الفرق يبدو انه يقسم اتفاقهما على وجه التحديد بالأحرى حول الأحكام الجمالية والمتعة بشكل قوى . بالنسبة ل " كانط " يرجع الحكم والمتعة الى مايسمى بالشىء الجميل أو العمل الفنى المثير لنا ، فى حين ان " أرسطو " أشار بشكل واضح الى حد ما الى الأشياء فى العمل الجميل .
ربما كانت هذه المشكلة بين الواقعية وغير الواقعية غير صحيحة ، أو على الاقل مبالغا فيها . سوف نرى أن حجة " أرسطو " تعتمد على كيفية وماهية هذه الأشياء فى العمل الذى يشير الى الاثارة والتأثير على المشاعر . وتوجد مجموعة من العلاقات المتبادلة بين العمل وما يثيره فينا يمكن الاعتماد عليها . هذه المجموعة يمكن أن تعتمد على الارتباط بين العمل والانفعالات السائدة للحبكات التراجيدية ، والتى تجعل بعضها أفضل من غيرها فى الشاعرية .
وسوف نواجه حقيقة أن أمثلة " كانط " المفضلة عن الاحكام الجمالية والطبيعية ، ونقاشه للفن واستخدام الأمثلة الفنية المحدودة للغاية ، فى حين أ " ارسطو " قد ناقش صراحة الأشياء المصنوعة ونا قش باختصار صلة العمل الفنى بما هو طبيعى – لأن المحاكى ينشأ بعيدا عن الطبيعة .
دعونا تنعامل مع هذه المسألة الثانية باختصار . يعنى " كانط " بأن نظريته عن الحكم تنطبق بوضوح على الأعمال الفنية ، ولكن بالتركيز على الموضوعات الطبيعية يسمح له – لبعض الوقت على أية حال – الى الابتعاد عن صعوبة القول بأن الأعمال الفنية ( اذا حكم عليها بأنها جميلة ) فقد صنفت بالتاكيد لغرض بعين الاعتبار ( تقديم عمل فنى جميل ، من نوع معين من الفن ، قصيدة بدلا من لوحة ، تراجيديا بدلا من كوميديا – على سبيل المثال ) فما يبدو على الفور هو استبعاد اللعب الحر للحكم التأملى لصالح الحكم الحاسم أو الغائى .
من ثم فاننا قد نرى أن تفضيل " كانط " للطبيعة فى أمثلته ومناقشته لأحكام الجميل لأغراض تمثيلية استكشافية بدقة لتجنب الاشارة الى المشكلة الغائية التى تتصدر صناعة الشعر أو تكنيكه الفنى ، بينما كان يحاول توضيح مسألة اتساع الأحكام الصادرة عن الجميل بشكل عام . وما ينطبق على الأحكام الصادرة على الجميل فى الطبيعة ينطبق على الاحكام الصادرة على الجميل فى الفن بعد اجراء التعديلات اللازمة؛ فى حين أنه فى الفن تكون المسألة المحددة لصنع غاية للأشياء المصممة قد تكون فى اتجاه واحد يصطدم بتفكيرنا ، وليس من الضرورى جعل الحكم الجمالى للجميل عن الشىء مستحيلا .
من جهة أخرى ، فان " أرسطو " فى كتابته لفن الشعر – وهو على وجه التحديد كتاب عن التكنيك الفنى ، وينطلق بالكامل من الطرف الاخر للمشكلة . ويبدا بمعلومات عن الشعر فى حد ذاته . ذلك أنه يناقش تاريخ تطوره ، وطرق التمييز بين هذه الأعمال ، وقضاياها واجزائها ، وكيفية عمل كل جزء . وعندما يسأل عن عمل نوع معين من الحبكة بشكل افضل ، وكيف يعمل بالشكل الأمثل . ويبتعد عما يتعلق بالشعر فى حد ذاته ليشير الى اكثر من الايجابيات المتعلقة بالمسرح لاهتمامه بالاشارة الى التراجيديا الأكثر فعالية وتأثيرا للحصول على شعور مناسب من الجمهور .
بالمثل بالنسبة ل " كانط " ، الحكم على جمال الشىء هو النظر للكشف عن العلاقة بين العمل ومشاعر الجمهور ، وليس عمل الحكم فى حد ذاته . ويجب أن نتذكر هنا أيضا أنه بالنسبة ل " أرسطو" ، هذا الشعور المناسب بالفن يهدف الى اقصاء الشعور الذى نشأ فى الطبيعة البشرية أصلا ، والعمل قد طور وانتج من أجل تعزيز واتقان هذا الحدث الطبيعى الناشى ء وغير المكتمل ، والذى يأتى عن طريق نوبات ويبدأ بشكل مختلف بأنواع متباينة من الشخصيات .
2-اللعب الحر : كل شىء أو لا شىء
احدى المشاكل مع فهم متعة الانسجام الحر للخيال والفهم هى أن الفهم يعد بالتحديد ملكة اصدار الأحكام على تشعب الاحساس ، لذا عندما يقول " كانط " بأن حكم الجميل لا يمكن أن يكون حكما حاسما ( الحكم المستوعب ضمن قاعدة أو مفهوم ) وليس – مع ذلك – حكما تامليا غائيا ( بالنسبة للموضوع الجميل تكون الغائية بدون غاية ) . وقد يتساءل المرء كيف أن ملكة الحكم المعطاة تكون عاملة على الاطلاق .
تفسير " كانط " هو أن هذه المتعة ، على اتصال مع ادراك شكل موضوع الحدس .. ولاتعبر عن أى شىء ، ولكن تأثير الموضوع متناسب مع الملكات المعرفية التى تعد فى لعب – بقدر ما . ولكن يبدو أن اللعب الحر اما قليل جدا أو كثير جدا . لذلك يبدو هذا للعب الحر للملكات يعنى أن الفهم لا يمكنه التعرف على الموضوع الجميل مثل اى نوع لشىء على الاطلاق ، من شأنه ان يكون مستوعبا ضمن الحكم : زهرة عباد الشمس – على سبيل المثال – أو مايجب أ ن يكون عليه حال كل شىء خبرناه بشكل مطلق ( باستثناء الجليل ) يضع ملكاتنا المعرفية فيما يتناسب مع اللعب المتناغم وبالتالى يكون الجميل ؛ – على سبيل المثال – مبالة ، وعتيقة ، ومنزعجة بشكل سىء .
جانبا المعضلة عادا الى الظهور . فى نغمة ذات صلة بمحاولة "كانط " التمييز بين الجمال الحر والجمال التابع عندما يقول : لا يفترض الجمال الحر المفهوم الذى يكون عليه الموضوع . بينما يفترض الجمال التابع مثل هذا المفهوم ، بالاضافة الى كمال الموضوع فى شروط هذا المفهوم . بمزيد من توضيح " كانط " ، لايكاد أى شخص باستثناء عالم النبات ان يعرف ان الزهرة هى الجهاز التناسلى للنبات محررا بوضوح حكم جمال الزهرة من حكم الكمال باعتبارها من أجزاء النبات الخاصة بالتوالد ، ولكن ذلك يبدو بالأحرى مقيدا التحرير ومحددا بشكل لافت للنظر للحكم الحاسم ، ونحن مازلنا نعرف أنها زهرة وليست شجرة أو حصانا .
ونعرف أن زهرة عباد الشمس ليست وردة أو زهرة خشخاش . وبذلك ، يرى " كانط " ان عالم النبات بوسعه أن يضع علمه جانبا عندما يحكم على الجمال الحر للزهرة . هل يجب على غير علماء النبات أن يضعوا معارفهم – جانبا – بأن زهرة عباد الشمس ليست وردة أو زهرة خشخاش ؟ . زهرة ؟ وعلاوة على ذلك مثال " كانط " على أن الحصان جمال تابع يتطلب أن نحكم على الحصان ضمن مفهوم كماله ، لكن أى كمال ؟ انه اداة لجر المحاريث ؟ والعربات التى تجرها الخيول ؟ أو من اجل ولادة خيول أخرى ؟ وللسباق فى الحلبة ؟ ولحمل فارس بدرعه ؟ ولشطيرة لحم ؟ .
وبالتالى فان المشكلة الأصلية تكرر نفسها : اما أننا لا نستطيع معرفة شىء عن الموضوع عندما نحكم على الجمال الحر ( أو نتجرد من كل مانعرفه عنه عندما نقوم بذلك ، مثلما تجرد عالم النبات من معرفته - عندما حكم على الجمال الحر لزهرة عباد الشمس ) ، أو ان كل شىء حقيقى يمكن أن يسمح فحسب بأحكام الجمال التابع . فى هذه الحالة يكون اللعب الحر ملزما بمفهوم حاسم . اما أن لاشىء جميل أو ان كل شىء يمكن أن يكون جميلا –كل شىء يمكن أن يكون بحرية أكثر أو أقل جمالا ، اعتمادا على – فيما يبدو – مدى فهمنا لما نستطيع التجرد منه .
يقدم الجمال الحر لنا مع امكانية معرفة لا شىء عن الموضوع الجميل ، جانبا من المعضلة الأصلية ، فى حين أن الجمال التابع يشير الى أن اللعب الحر مقيد ، اللعب المثار من خلال الأشياء التى تجيب على الكمال الغائى او الموضوعى ، وبقدر مايتم التعرف على الشىء باعتباره شيئا خاصا ، فان الحكم فيما يتعلق به ليس حكما خالصا تماما للذوق ، بل يجب ان يكون حكما فكريا بشكل جزئى محكوما بمفاهيم حاسمة .
يبدو " كانط " – فى الواقع – مناقضا لنفسه بشكل صريح فيما يتعلق بصلة الفهم بالجمال الحر ؛ فهو يرى أن أنواوع الجمال الحر على حد سواء تكون ( ذاتية الوجود ) ومحاسن هذا الشىء أو ذاك تمثل لا شىء ، ولا يوجد موضوع ضمن المفهوم الحاسم . ولكن من الواضح أن الأحكام الصادرة على الجميل وعلى التمثيلات الخاصة تعنى القول بشىء عن ذاتيتها الخاصة ( على الرغم من نسبتها بشكل شامل ) المفتونة بالملكات الانسانية ؛ فهذه الزهرة جميلة او التراجيديا جميلة ، وان هذه ليست جميلة ، أو ان تلك أقل جمالا ، وهكذا .
3- محاولة الاجابة الكانطية
كانت هناك محاولات عديدة لحل هذه الصعوبة . احداها كانت قد اقترحت ( بين قوسين ) اعلاه . تحمل هذه استجابة لأنه فى اللعب الحر كان " كانط " يتطلب من الكل ما يتطلبه من حكم عالم النبات على الزهرة باعتبارها جمالا حرا ، أى أن حكمه الجمالى مجرد من توظيف أى قاعدة حاسمة لتوحيد ما يعد متشعبا ( متعددا ) ، وليس لدينا أى اهتمام بنص الحكم على امر متشعب ، وندرك ذلك . فى هذه الحالات ، فان الموضوع المناب لملكات الادراك يكون مؤكدا منذ عملت الملكات معا لمعرفتنا بالموضوع – وربما حتى فى التفاصيل العلمية ( الموجهة غائيا ) مثل عالم النبات ، لكن أى متعة نستحوذ عليها فى مثل هذا الانسجام يجب ان تؤخذ ( او نكون قادرين على اخذها بشكل مجرد ) فى كل مانعرف .
لذا اما ربما كل شىء يكون ( عن طريق التجرد من معرفتنا ) جميلا ؛ - لكن ماذا يعنى هذا التجرد ، بما أن مفترض ليكون فعالا فى هذا الحكم ؟ . وماذا يعنى الجميل اذا كان من الممكن تجريد كل شىء ؟. او اذا لم يكن الفهم يقدم الحكم الحاسم - لزهرة عباد الشمس . لكن يبدو أن هذا بمثابة تقييد للعبنا الحر ، بغض النظر عن عدم الاكتراث ، وليس بوسعنا الحكم على الزهرة الجميلة الموجودة أمامنا بانها اما ان تكون جملا أو ضفدعة أو حوتا .
الحل التجريدى كما يشرحه " كينيث روجرسون " ، وبالتالى يبطل حجج " كانط " ضد الكمال والمنفعة باعتبارهما قاعدتى الحكم الجمالى . ومن جهة أخرى ، اختيار حل غير تجريدى يبدو لدفع "كانط "نحو الاعتراف بأن جميع الأحكام الصادرة عن جمال الموضوعات – سواء كانت طبيعية أو فنية – هى – فى الواقع – أحكام عن الجمال التابع . الأحكام التى ذكر " كانط " نفسه انها تفترض تصور كمال الموضوع .
لذا فى حين أننا قد لا نكون مهتمين بالحكم الذى يقدم هدف ادراكنا ، فان الفهم يعمل بشكل واضح – مع أو ضمن – مثل هذا التصور . وبالتالى فان حكم الجميل يجب أن يعمل ضمن هذا التقرير – زهرة عباد الشمس أو التراجيديا أو الحصان . يدرك " كانط " أن " اتصال الجمال بالخير( أى بشأن الكيفية ، من حيث غرض الشىء يعد المتشعب خيرا بالنسبة للشىء نفسه ) يضعف نقاء حكم الذوق " ولكن يبدو أنه دون عائق متفرد بهذه الحقيقة . ماذايمكن أن يكون تفكيره ؟ .
4- خطوةالى الخلف الى فن الشعر لأرسطو : التراجيديا والتحريم وحتمية العقل والاحساس
الأمل فى أننا لن ننتهى الى شرح الغامض عن طريق قابليته للنفاش ربما كان الشىء الذى يجب أن يتخلى عنه الفلاسفة عند البدء ، ومع ذلك ، يجوز أن نحقق بعض الوضوح فى دراستنا ل " كانط " ،ونشير – على الاقل – الى بعض التشابهات الملفتة للنظر فى الفلسفة بالرجوع الى فن الشعر ل " أرسطو " . ففى فن الشعر ( 13 & 14 ) يدافع " أرسطو " عن نظام ترتيب درجة الجمال أو دقة التراجيديا .
والكلمة الموضوعة على المحك هى الفائقة ، والأجمل ، لنفس كلمة ( kalon ) عن ما كان يقوله " ديوتيما Diotima - Διοτίμα " فى حوارات " افلاطون " ، وفى حين كانت الكلمة اليونانية قد تقال فى مجال مختلف عن الجميل او الجمال Schönheit فى ثقافتها الخاصة ، فمن المؤكد أن الكلمة اليونانية المستخدمة كانت تشمل الخبرة والحكم اللذين نهتم بهما ، والاحكام والخبرات التى نظر اليها كل من " أرسطو " و " كانط " بنوع من الشمولية المتضمنة لنوع معين من المتعة لكل البشر .
يوجد اعتقاد خاطىء بان ( فن الشعر ) أعطى قيمة عظيمة ل ( أوديب ركس Oedipus Rex )على أنها أفضل أنواع التراجيديا . والحجة لصالح نموذج اوديب ظهرت فى الفصل 13 ويتم تكرارها على الفور من قبل " ايفيجينيا" (فى تاوريس باعتبارها الأفضل Iphigenia at Tauris as kallistos ) . كما تنتهى " ايفيجينيا " بالسعادة ، وحجة " أرسطو " قد تسببت فى بعض الذعر .
ولكن بدلا من ان اجادل لصالح خيار " ارسطو " سوف أشير الى كيف كانت حجته لصالح "ايفيجينيا " موازية لعدد من نقاط " كانط " المقدمة عن حرية الحكم الجمالى . يشير " ارسطو " فى سياق حجته باستمرار الى أن الأشكال الاقل جودة تفشل المشروع الخاص بالتراجيديا ، الذى يمثل نوعا من المتعة المرتبطة بالتطهر من الشفقة والخوف .
بالتعبيرات الكانطية هذا يعنى أن " ارسطو " قال بأن جمال اللتراجيديا يعد جمالا تابعا ، ولكن سمح " كانط " لمثل هذا الجمال بامكانية حكم الذوق فحسب اذا كان الشخص الذى يحكم اما ليس لديه تصورا عن هذا الغرض، او اذا كان متجردا منه عند قيامه بمباشرة الحكم . هذا من شأنه ان الحكم الصادر على صفاء أو جمال التراجيديا على قدم المساواة ونحن – رأينا " كانط " بالفعل – يقدم مثالا لحكم الجمال عن زهرة الأوركيد من قبل عالم النبات . يبدو أن اللعب الحر ممكنا فى كلتا الحالتين فحسب اذا تجردنا من معرفتنا للغرض وقمنا بالشىء باعتباره لعبا أو زهرة .
فى سياق حجة " ارسطو " يستثنى بعض انواع فعل المحاكاة عدة مرات لأنها بغيضة أو مثيرة للاشمئزاز . من الأمثلة التى قدمها عن هذه الظاهرة : النزول من الرفاهية للمحنة ، ومحاولة الابن قتل أبيه عن عمد . فى حين انه عندما تم الانجاز( خاصة خارج المسرحية ) ، أو تمت المحاولة عن جهل حينئذ لا وجود لشىء بغيض . يبدو واضحا ان البغيض أو الدنس يعد بمثابة حكم أخلاقى ، أو شعور متعلق بمثل هذا الحكم .
استخدام هذه الكلمة فى سياقات أخرى يشير بشكل شامل تقريبا الى الدنس الدينى أو الاخلاقى . مثل هذه المسرحيات تفشل ، حتى لو كانت المسرحية تثير الشفقة والخوف ، فلا يمكننا أن نفشل فى جعل الحكم أخلاقيا ، أو يعانى الشعور بالدنس أو الموت او كليهما ، عندما نشاهد أو نقرا المسرحية . والآن لم ينتقد " ارسطو " الجمهور للقيام بمثل هذه الأحكام ،ولا بشكل مباشر من أجل الاستمتاع بهذه المسرحيات ، بل ينتقد الكاتب المسرحى ، لانه ليست أى متعة يجب أن نسعى اوراءها من التراجيديا ، بل النوع الملائم من المتعة .
هذا – على الأقل – أحد الأسباب التى من أجلها يتم استبعاد هذا النوع من المسرحيات من المنافسة من أجل الجمال من قبل " أرسطو " لان فعل محاكاتها يستدعى السلطة الأخلاقية مما يجعل الحكم الحاسم ينتج عن شعور مختلف تماما عن ما يهدف اليه الفن .
يفترض " ارسطو " مثل " كانط " أن مثل هذه الأفعال والأحكام الاخلاقية التى تنطوى عليها " تطالب بحق بان تكون صالحة للجميع .. كموضوع اعجاب أو بغض شامل " . ولكن – على وجه التحديد – بالاثارة يوجد الكثير ، فمثل هذه المسرحيات لا تسمح بالمتعة الملائمة للتراجيديا . يتطلب " كانط " أيضا ، ان يكون حكم الجميل حرا من التقرير بواسطة السلطة الاخلاقية . ويشير " أرسطو " الى أن بعض أنواع الفعل الدرامى تجعل هذه الحرية مستحيلة ولهذا السبب فانها ليست أفضل التراجيديات ؛ فتركيب حبكتها وشخصياتها يجعلها تفشل كموضوعات جمالية .
انها تنتج ( بشكل شامل ، ويمكننا أن نتوقع ) النوع الخاطىء من الشعور . أى مصاحبة الشعور بالحكم الأخلاقى . ويبدو أن " أرسطو " يفكر فى احداث هذه الحبكات بشكل شامل ( ان لم تكن بالضرورة ) تثير الشعور بالدنس ، فان طبيعة محاكاتنا تستجيب بالتالى الى هذه المحاكيات . ولا تستطيع أن تكون ، بالتالى ، افضل الحبكات .
لايحتاج " ارسطو " ولا " كانط " الى القيام بحكم أخلاقى هنا . وأعنى بذلك أنه لا يلزم أن يكون قوله ( ربما مثل أفلاطون ) بأنه بسبب أنها تثير مشاعر الدنس الأخلاقى ، فتعد مسرحية لا أخلاقية . مثل هذه الحبكات بالأحرى التى تثير شعور الدنس الأخلاقى ، يعوق الحكم عليها المرء عن القيام بالحكم الجمالى الحر عن الجمال .
بما أن الاحكام الجمالية مستندة الى متعة اللعب الحر ، فيجب عليها أن تشمل عمل السلطة العقلية ، التى حددت الصلة بالبغض . لذا فان تصنيف " أرسطو " للحبكات ولبعض أحكامنا ، يظهر لنا نقطة كانطية : يجب ان يكون الحكم الجمالى حرا من التقرير بواسطة السلطة الأخلاقية للعقل ، هذه الحرية ، فى حين أنها ضرورية الا أنها ليست كافية بالنسبة للعب الحر الكانطى ، فيجب أن يميز حكم الجميل عن الحكم الغائى ، بالاضافة الى أنه حر من أى تقرير يستند الى الشعور الخاص للحس أو الميل .
يمكننا أن نرى " أرسطو " مستبعدا هذا الأخير ( أى عدم الاستناد الى الشعور الخاص للحس أو الميل ) كاساس للحكم على الجميل عندما يقول بأن ابداع شىء من خلال مشهد فى مسرحية يقع خارج ما يعد مشتركا مع التراجيديا ، والذى يأتى من الشفقة والخوف من خلال المحاكاة ، مجرد سماع القصة يجب أن يكون كافيا للتأثير التراجيدى.
انتاج الارتعاد خوفا من مشهد مثير ( فى حين أنه ممتع بشكل واضح لبعض الجمهور ) لا يقدم حكما صحيحا عن صفاء اللعب ، بينما التأثيرات المثيرة تعد بشكل واضح عنصرا من عناصر الأداء التراجيدى ويمكن أن تزيد خبرة الخوف وبالتالى تساعد فى عمل المسرحية ، مجرد الاثارة لا يمكن أن تكون أساسا لحكم الصفاء أو الجمال للمسرحية ، ولا الحكم الغائى عن كيف يكون الخير نوعا لشىء موجود فى المسرحية .
باعتبار أن حكم صفاء أو جمال التراجيديا لا يمكن أن يستند الى مثل هذه الأحاسيس ، فان الحكم الصحيح يجب أن يكون حرا من التقرير بواسطة مثل هذه المحفزات المرضية - ومن ثم بالرغم من أنه- كما هو الحال - فان بعض الناس على حد سواء يميلون الى الحكم على الموضوعات استنادا الى هذه القواعد . مثل هذا الحكم لا يعد حكما جماليا خالصا . ولذا فان " ارسطو " و "كانط " اتفقا على أنه يجب علينا أن نكون قادرين على اقامة حكمنا دون أى افتتان بالاحساس المختلط بالميل للموضوع .
لكن حتى لو كان حكم جمال التراجيديا يجب أن يكون حرا من التقرير من مبادىء العقل ، ومن التقرير من قبل المتعة أو الاستياء فى الاحساس ( بما فى ذلك المتعة الناتجة عن أحاسيس الخوف المفاجئة ) ، فاننا حتى الآن لم نحصل على نقطة رؤية كيف أن تأمل الموضوع الجميل ليس " على هذا النحو " موجها للمفاهيم وبالتالى يسمح بذلك . حكم الذوق ليس حكما معرفيا ( سواء كان نظريا أو عمليا )، وبالتالى لا يقوم على تصورات وليس موجها اليه كأهداف .
فى الواقع عندما زعمنا بأن الوردة ، ومجال زهرة عباد الشمس والحصان والمبولة السيئة المعلقة أو التراجيديا تعد موضوعات جميلة ونحن نعرف ماذا تكون . المتشعب أمامنا ليس مجرد عرض للانتظام دون أمر حاسم أوفاعدة تحكم دون حكم حاسم ، أو لغاية دون هدف أو مجرد ادراك شكل موضوع الحدس ، ونحن لانشير الى ادراك للتصور بحيث يؤدى الى المعرفة الحاسمة . ويقع ضمن المفهوم الامبريقى للوردة ولزهرة عباد الشمس والحصان والمبولة والتراجيديا .
لذا حتى لو كان " ارسطو " و " كانط " قد اتفقا على اننا يجب أن نتجرد من الاحساس بالأحكام الحاسمة للسلطة الاخلاقية عند القول بأن شيئا ما جميلا ، الا أنه لا يزال من غير الواضح أن " كانط " استطاع أن يفكر فى أن الفهم يكون فى لعب حر مع الخيال عندما يعطى لنا الحكم المحدد أو المفهوم المتعلق بتقديم :هذه الوردة والحصان والمبولة والتراجيديا .
5- اللعب الحر وادراك الموضوع المسمى جميلا
يقول " كانط " بأن اللعب الحر هو " الحالة الذهنية ( النفسية ) التى نجدها فى العلاقة بين قوى العرض بقدر ما يشير العرض الى الادراك بشكل عام " ،وهذا النشاط غير محدد ولكنه .. مع ذلك منسجم : والنشاط مطلوب للادراك بشكل عام .
قاد هذا الوصف العديد من الباحثين لمحاولة " بول جاير " التفسير الاستبصارى للتناغم الحر ، وعلى كل فانهم يبداون من فكرة أن الشعور بالمتعة فى تسارع والنشاط التوافقى لادراك المتشعب المنظم يجب أن يسبق ( منطقيا وزمانيا ) تعلمنا المفاهيم الامبريقية . كذلك اعتبار هذه الخبرة ممتعة وهذا النشاط ممتعا ، وهما أصل معرفتنا ، ويجب أن يكونا قابلين للانتقال الى (عدوى ) الآخرين ، او لا يكون هناك اتصال بالمرة .
من ثم لذلك – على سبيل المثال – التلاعب والقدرة على الافصاح ، والقدرة على المص ( الرضاعة ) والقدرة على الابتلاع ، ليست مفاهيم للرضيع ، بل هى عرض لكل أحاسيس الرضيع الخاضع لهذه السلوكيات – كل شىء يحصل على كل ما يذهب لفهمه الرضيع مثل هذه السلوكيات ينبغى النظر فيها باعتبارها أنشطة واضحة للخيال تتوسط بين الحساسية والفهم . ماهى قواعد جميع الارتباك المنظم للمفاهيم الطفولية غير الواضحة ، ولكن الرضيع ( يجب علينا أن نفكر ) ينعم بمتعة السيطرة على حكم الحساسية فى مثل هذا الاستكشاف بدون التعرف على قاعدة معينة .
اتساقا مع هذا الرأى دعونا نتذكر أن " أرسطو " يشير الى أن " كل الارشاداات انبثقت من معرفة سابقة على الوجود " ، وان البشر يجب أن يمتلكوا بعض القدرات الادنى من المعرفة العلمية والفنية ، ولكنها أعلى من ادراك المعنى ، والذاكرة التى يمكنها تطوير المسلمات المستقرة للخبرة التى نحددها بدقة ومن ثم العمل ( كما فى التقنية ) والتوصل الى معرفة الأشياء .
يجب أن يكون هناك بعض الانتظام فى الطريقة التى نختبر بها الموضوعات ونحن نطور مفاهيمنا وقواعدنا ، وهذا لن يكون معرفة بمعنى الكلمة الدقيق ، بل هو نوع من الفهم ، هذا النوع الغريب للفهم مقبل الوجود تردد صداه فى صياغة متكررة ل " كانط " . فالادراك متناقض بشكل عام مع المعرفة المحددة للمفاهيم . انه من خلال – وخارج – وبسبب – هذا النشاط الاساسى والاصلى تأتى كل معرفتنا ، التقنية والمعرفة الحاسمة الابستمية ، وخلال هذا النشاط الطبيعى – بتعبيرات " كانط " وتفعيل تبادل التلقى والفهم – يحصل على ما يكون له بشكل خاص ، وعلى نوع النشاط والمتعة اللذين نراهما عند الرضيع .
غاية المعرفة الحاسمة ليست معلومة ولا مقصودة على هذا النحو ( كيف يمكن أن تكون ؟ ) فى هذا النوع من الفهم على الرغم من ذلك ، بعيدا عن المعرفة الطفولية ونشأتها المحددة لنمو الادراك
من ثم يبدوأن " ارسطو " يشير فى اتجاه سيرتفسيرات المستبصرين ل " كانط " . ربما كان فى هذا التناغم الاستبصارى كل شىء جميل للرضيع – حتى قيام الطفل بمص الماء أو التلاعب بالموقد ؛ وفجأة يهتم أو يميل الى أن يصبح بشكل مثير جدا محددا ويتطلب اتخاذ اجراءات حاسمة . تسمى القوى المعرفية والانشطة قبل هذه الأحداث كل ما يصل فى نفس الوقت ، وهذا النشاط السار للعقل يعد نشاطا حرا – حتى ادراك اللدغ والحروق ، يصرخ أو بطريقة أخرى يقطع ا للعب مع اهتمام متميز ( بالمعنى الكانطى ) بالاحساس .
من ثم كل شىء بناءا على ذلك الحين – يكون جميلا بالنسبة لنا . هذا اللعب الحر الطبيعى يصبح أقل وأقل حتى تصبح الخبرة محكومة بمفاهيم حاسمة ، هذه المفاهيم الحاسمة هى القواعد التى نستخدمها للتأثير فى العالم ، والتساؤل الصبيانى – كما كان – يتم استبداله بقرارات الاستخدام والمتعة الحسية والمخاطر ، أو اننا نهدف الى انجاز بعض المهام والتفاهم يقسم الاشياء بداية على طول المحور فى صلة أو دون صلة لانجاز المهام .
حتى ذلك الحين هل يمكن ألا يكون هناك اللعب الحر ، بالنسبة لنا نحن العارفين والعاملين بهذا العالم ؟ هل خنرة الجميل صبيانية أو طفولية فحسب ؟ ( هل هذا الصوت مثل صوت فرويد ؟) . هل نحن جميعا واقعيين بقدر مانحن كبارا ( بالغين ) ، وهل يعرف الواقعيون بشكل أفضل ؟ .
بشير " أرسطو " الى عدد قليل من الاشياء التى يستخدمها الكانطيون للهروب من من الضغط لاستخلاص هذه الاستنتاجات . " جميع الناس يرغبون فى المعرفة " ، الرؤية والمعرفة هما من بين أنواع النشاط الذى ننخرط فيه من أجلهم بشكل خاص – دون أى غرض آخر . فى الواقع ترجمة كلمة ( لمعرفة To Know ) من الميتافيزيقا ( انا أعرف شيئا واحدا Oida- οίδα ) أبعد واقل تحديدا مما قد كنا نعتقد ( مع الاخذ بعين الاعتبار – على سبيل المثال – النظرية ) وعلينا اولا الانخراط بطبيعتها ، والتأمل النظرى يعد انجازا يجوز لنا الوصول اليه .
بالتالى فان خبرة الاستبصار للتفاعل بين التلقى والفهم تكون حيث تبدأ الميتافيزيقا ، وتعمل دائما ، واذا تجردنا من فهم الاهتمامات (بالنسبة للعقل البيولوجى الرشيد ) أو العقل ( المنتج للمسلمات الاخلاقية ) يصبح نشطا لتحديد واقتراح ، متعة العملية المتناغمة الكامنة وراء كل مزيد من المعرفة ، ومازال من الممكن أن تكون على حد سواء مدركة وممتعة .
عالم محاكاة الفن ليس عالما واقعيا ، يبدع فضاءا للمسرحية الأصلية ، وما يثرى الراشدين من خلال المفاهيم الأخلاقية والعلمية . فى العالم الواقعى ، يكون التجرد من الاهتمامات يسيرا فى حالة الوردة عنه فى حالة البعوض ، لأن وجود البعوض يصطدم بنا بطريقة تجعل التأمل المنزه عن الغرض أكثر صعوبة . لكن اذا أمكننا تجريد أنفسنا فاننا بالضرورة نجده جمبلا .
التجرد الكامل من مثل هذه الاصطلاحات ليس حالة واقعية للرضيع (لأنها سوف تكتشف قريبا ) ، ولكن قد تكون قابلة للتحقيق فيما يتعلق بالآلهة . جمال الآلهة اليونانية ، من ثم ، لأنها فى ذاتها كانت ذات خبرة باعتبارها جميلة : كل اله كان ممثلا ، ليس لشىء ، بل لخبرة شىء باعتباره جميلا – وحتى الاعتقاد . فى المسرحية نصبح مثلهم . فعالم الفن هو العالم الذى لا يمكن أن نتعرض فيه للأذى ولا يجوز لنا القيام بأى فعل .
يرى " أرسطو " أن المحاكاة تعد نشاطا طبيعيا ، مثل المعرفة والرؤية ، ويشارك فيها الانسان لذاتها . لذا فى حين أننا نعرف اكثر مما نسعى – ونحن لا نستمتع – بمعاناة الأشياء الجديرة بالشفقة والخوف ، والشفقة والخوف من خلال المحاكاة ، كما هو الحال فى التراجيديا ، ونحن نسعى الى التمتع بها . نحن نجرد أنفسنا بالنسبة لمحاكاة مثل هذه الأمور من اهتماماتنا بالأحكام المعرفية والاصطدامات الوجودية التى تأتى لتربطنا بها ، ونحن نستمتع بتحريض العرض ل " الانسجام المتبادل بين ملكاتنا المعرفية " لذاتها – نحن نعيد تأسيس اللعب الأصلى قبل المعرفى للتساؤل الطفولى ، وداخل دائرة سحرية من الحاكاة نصبح مثل الآلهة .
يفسر " أرسطو " ايضا أن فهمنا يتم عبر المحاكاة ، وبناء تلك الجملة يعد فى المبنى للمجهول الوسيط غير القابل للترجمة ، وفى هذا يكون المفعول نائب فاعل وفاعل على حد سواء . هذا النشاط الانسانى الطبيعى للمحاكاة ( الكامن وراء كل الفنون ) حينئذ يجب أن يكون مصدرا رئيسيا لتلك الذكريات المتكررة فى كثير من الأحيان لنفس الشىء التى يتطور منها ما هو شامل ، الذى سوف يسميه " كانط " بالمفاهيم .
تعد أنشطة محاكاتنا الطبيعية أيضا مصدرا للمتعة البشرية الخاصة ( التى تتطور فى الفنون ) . لاتنجم المتعة عن الأحاسيس مباشرة ، ولكن تكون المتعة لذاتها وتؤدى الى الادراك . لذا عندما نتأمل شيئا – فى الطبيعة والفن – فاننا ننسخ بشكل مطابق الشىء الفعلى ، وليس – فى الواقع – خضوعا للازعاجات والانشطة الوجودية بما فى ذلك المعرفية وتلك الحقائق التى لم تنشأ بعد .
فى المهرجان التراجيدى نوضع فى مكان الآلهة . وتبدو المحاكاة فى الأصل منزهة عن الغرض – بمكننا القول – انها مرآة للعالم الوجودى والعالم غير الوجودى . يسمح الفن – حينئذ- بازدهار فرحنا الأصلى فى العالم ويهدف الى اعادتنا الى العالم .
لقد قدم فى الواقع ما يعد أكثر فعالية من خبرة العالم الطبيعى ، الذى يعتبر مثال " كانط " على خبرة الجميل ، وتحديدا بسبب محاكاته ، او نسخ صورة مطابقة ( بدلا من النقل الوجودى ) للطبيعة . لقد ركز " كانط " على عدم الاكتراث فى الحكم الجمالى يعد طريقة لاستئصال هذا الا لغاء للنقل الوجودى .
أخيرا دعونا نتذكر أن " ارسطو " قال بأن الموسيقى ( والتى كان يعنى بها كل الفنون ) تقدم التطهر الذى يعد متعة مميزة ، والتطهير يعد أيضا مصطلحا للطهارة الدينية . بطريقة محددة يمكن رؤية الفن باعتباره مطهرا ، ومن ثم يرقى بنا ، ويحررنا من اهتماماتنا المعرفية المألوفة المدفوعة بشكل وجودى ويرقى بنا الى المتعة المتحررة من الجذور المعرفية .
تكون الأعمال الفنية أقل جمالا عندما – وبسبب – كونها أقل قدرة على اعادة ابداع الحالة الحرة بالنسبة لنا . لذلك فان الممسرحية التى يحكم العقل على فعل فيها – حتى فى حالة التأمل – بأنه دنس يعد أقل روعة من الفعل الذى يجعلنا أحرارا من – أو يحررنا من – مثل هذه المشاعر والأحكام . وبالمثل ، مع الاثارة السابق ذكرها للعروض التراجيدية ، التى رأى " أرسطو " انها لم تكن الأساس الصحيح للحكم بجاذبية المسرحية .
هذه الحرية التى تعيد ابداع الفن لنا هى نوع من التخلى عن العمل العادى للفهم ، وفى هذه الطريقة يمكن أن يكون الجميل " رمزا للأخلاقية " على وجه التحديد .
قياسا على ذلك يمكننا أن نرى ارتباطا بين القواعد والانشطة . على سبيل المثال – مثل حدس الموضوع المدعو جميلا يمنعنا من تحديد حكمنا الجمالى من أى تأثير ( مامول أو فعلى ) ولكن يولى اهتماما مجردا للقدرة على التواصل الشامل واتفاق القوى التى تبدو مماثالة فينا ، وهكذا فى الحكم الأخلاقى نكف عن تحديد حكمنا من قبل أى تأثير ( مأمول أو فعلى ) ، ولكن نولى اهتماما مجردا للقدرة على التواصل الشامل والتوافق مع القول المأثور المطابق . وهكذا تعمل خبرة الجميل بشكل غير مباشر مماثل لما يقوم به الحكم الأخلاقى ، فالجميل يعد رمزا للأخلاقية .
فى هذا الاستطراد القصير ضمن الفلسفة القديمة ، آمل أن أكون قد أوضحت " شيئا عن فكرة " كانط " عن اللعب الحر وحكم الجميل ، ولكن – على الأقل – قد كررهذا البحث عن طريق شحذه للملكات ، والاتفاق على أن اختراع هذا المفهوم كان عملا من اعمال العبقرية .
*******
ايضاحات
1- ديوتيما (Diotima / باليونانية Διοτίμα ) : هى الفيلسوفة الأنثى والكاهنة التي تلعب دورا هاما في محاورة أفلاطون. أفكارها هي أصل مفهوم الحب الأفلاطوني. والمصدر الوحيد لها هو أفلاطون، فمن غير المؤكد ما إذا كانت شخصية تاريخية حقيقية أو مجرد شخصية وهمية. ومع ذلك، كل الشخصيات الواردة أسماؤهم في حوارات أفلاطون تقريبا وجد أنها تتوافق مع أناس حقيقيين يعيشون في أثينا القديمة.
2- أوديب الملك (Oedipus the King ) : المعروف أيضا باللقب اللاتيني أوديب ريكس Oedipus Rex، هى التراجيا الأثينية التي كتبها سوفوكليس الذي تم تنفيذه لأول مرة عام 429 قبل الميلاد
أوديب الملك يحكي قصة أوديب، وهو الرجل الذي يصبح ملك طيبة، في حين تقول نبوءة بأنه قتل والده، لايوس، ويتزوج أمه، جوكاستا.
3- إيفيجينيا (Iphigenia / باليونانية Ἰφιγένεια ) : كانت ابنة الملك أجاممنون ، وبالتالي أميرة أرغوس - بعد الإساءة الى أرتميس، أمر اجاممنون بقتل إيفيجينيا كضحية ( ذبيحة ) للسماح لسفنه للإبحار إلى طروادة. في بعض الإصدارات، ضحى بإيفيجينيا في أوليس، ولكن في حالات أخرى تم انقاذها من قبل أرتميس . ، في النسخة التي يتم فيها بقاءها ، تذهب إلى Taurians فى شبه جزيرة القرم وتلتقي بشقيقها أوريستيس .
****
ترجمة : د. رمضان الصباغ