جيسلين ساثو Ghislaine Sathoud - همسات الجدران.. قصة قصيرة - ت: مها محمد حسن

بسبب أمر لا قيمة له, نجح (كيني) في إقناعي بالاعتراف بأن علاقتي به كانت تتخذ منحى آخر.

فما زلت أتذكر صوته وهو يدوي في أذني: "تعلمين, لم يعد ما يقرب الناس بعضهم إلى بعض, سوى الرؤية المشتركة لبعض الأشياء في الحياة... فمع الاختلاط يتأكد شيء ما دون أن نتمكن من معرفته... ولكنه, بالتأكيد شيء ما!".

ثمة الكثير من نقاط التلاقِي بيننا. ولكن يبدو أن شيئاً واحداً يجعل ارتباطنا مستحيلاً... فلقد كان الاختلاف العرقي بيننا هو العقبة الكأداء. فهل تعتقد أنه لأجل أن يحب المرء أو يعيش سعيداً, عليه التحدث باللغة نفسها, والقدوم من المنطقة والمدينة ذاتها؟ ولكن لِمَ لا نستفيد من ثراء الاختلاف؟

أجدني منقسمة بين حبي العنيف لهذا الرجل, والأحكام المسبقة التي تحول دون إتمام زواجنا. فكلما جابه هذا الحب العوائق, أجدني أكثر تعلقا به, وأكثر رغبة في القول أنني لا أكترث لما يُقال, وفي التسلح بالشجاعة لمجابهة كل هذه الثرثرة لأعيش بسلام, وأتفادى الإحساس غير المجدي بالألم أو بالكذب على نفسي أيضا...

اجتاحني هذا الحب مثل إعصار. حاولت مقاومته لفترة, ولكن, عبثاً. فكيف لي أن أخوض غمار تجربة حب عنيفة دون أن أقدر على تفسيرها؟ وكيف لي أن أبوح بحبٍ محكوم عليه بالفشل؟ ولم لا يسعى إله الحب لحمايتي؟ كيف أقدر على الخروج من هذه المتاهة؟ أعني كيف سأخرج منها وأواصل الحياة؟ كم بي حاجة لامتلاك عصا سحرية والتحكم بالزمن والعودة تماماً إلى ما قبل الزمن الذي التقيت فيه بـ(كيني), لأتوقف هناك, وأجنب نفسي رعب عاطفة تعذبني.

ماذا أفعل لأتفادى الإصابة بالحب؟ كلا, كلا, رجاءً لا تقل لي أن ذلك أبسط شيء في العالم. وأنا أدرك أن لي بعض المناصرين.. أناساً يدركون أن الحب يمكن

أن يمضي بعيداً عن الحواجز

القبلية والعنصرية.

ولكن كيف لي الإعلان عن هذا الحب على الملأ في وضح النهار، مع يقيني بأن زواجي سيرفضه الطرفان؟

حاولت أن أحيط نفسي بحماية جدتي (ماميني), إلا أن ردة فعلها زادت من اضطرابي، حيث قالت: "ما الذي تقولينه؟". ثم أردفت: "من هو سعيد الحظ؟ ومن هما أبواه؟ وما هو أصله؟ وهل ثمة تعارف بين أسرتينا؟".

لم يُثر دهشتي هذا الوابل من الأسئلة لأنني كنت أتوقعها نوعا ما. لكنها أثارت حيرتي, وعندما سألتها: "أتعتقدين حقا أن لهذه الأسئلة علاقة مع ما أبوح به لك؟". أجابتني بلهجة مستاءة:

- "كيف تجرؤين على طرح مثل هذا السؤال؟ بالتأكيد, عليك أن تأخذي تساؤلاتي على محمل الجد لأنها مهمة ومسوغة, وأكثر أهمية مما تتوقعين يا حفيدتي".

ثم تنحنحت قليلاً, وأشارت بيدها لأقترب..

كنت أعرف أن الأمر مهم, فصوتها كان يخبرني بذلك. كما أن لجدتي طريقة متميزة في التعبير, ولاسيما عندما يتعلق الأمر بالحديث عن موضوع مهم بالنسبة لها...

وفي مثل هذه الحالة فإن صوتها كان يوحي بخطورة ما ينبغي أن تقوله، وكذلك حركة يدها التي كانت تطلب مني الاقتراب, وكلا الأمرين يؤكدان الأهمية التي توليها لحديثنا. لقد كانت جدتي إحدى الشخصيات النادرة, إن لم تكن الوحيدة, التي يمكنها إقناع أبي. وكان عمرها المتقدم يؤكد الأهمية التي تتمتع بها... إضافة إلى أنها, على نقيض المسنين أقرانها, كانت متفهمة ومتسامحة. وكانت موضع اهتمام الناس, وذات كلمة مسموعة أيضاً.

قالت لي: "اسمعي, وأدركي ما علي قوله لك. قلت لي أن حبيبك يكنُّ لك حباً حقيقياً يخلو من المصلحة, وقد أخبرك هو بذلك, والرجال جميعاً يقولون الأمر ذاته.. إنه منحدر من المنطقة التي كانت تسكنها جارتنا ولكن, ألا تعلمين أن الناس هناك يولون الآخرين احتقاراً كبيراً؟ وأنهم لا يتزوجون إلا في ما بينهم.. كما أن أباك لن يتقبل هذا الزواج البتة.. وهذا لمصلحتك".

وأنا أتساءل: أهو أمر صحيح أن يختار الآباء أزواجاً لبناتهم مثلما كان يحدث من قبل؟ أجد أن الكبت يكمن داخل كل امرأة متمردة, وأتساءل أيضاً: كيف لي ألاّ أتمرد في مثل هذه الظروف؟ لا بد من وجود أسباب للتمرد, أليس كذلك؟ وأجد أن أسبابي تنبثق من اليقين بإمكانية دوام الحب بعيداً عن الاختلافات. أجل! يمكن أن يحدث ذلك في هذا العالم حيث يكون فيه الاختلاف أصل عدد من المآسي.

إن خوض غمار الحب مع عدم إيلاء أية أهمية للاعتبارات العنصرية والمحلية وغيرها... يمكن أن يحدث. ولم لا؟ أن نحب ونهمل الفوارق! أجل! أجل! بالطبع يمكن ذلك!

لم لا نستعين بالفوارق لتحقيق الإثراء المتبادل؟ وكيف يمكننا الحيلولة دون نمو الحب باسم المعتقدات الباطلة والغريبة؟ ألا ينبغي جمع الفوارق لتحقيق القوة؟ وهل بالإمكان الحيلولة دون أن يقع شخصان في سَوْرة الحب؟

صدقوني, يمكن أن ينمو الحب بعيداً عن الفوارق! وآمنوا بأن الحب يمكن أن ينمو بعيداً عن الفوارق! واعلموا أن الحب يمكن أن ينمو بعيداً عن الفوارق!

بالطبع, يمكن أن يكبر الحب بعيداً عن الفوارق, ذلك لأننا جميعاً, بشر، كأن التخلي عن الآخرين بسبب الاختلافات لا يلحق الأذى بالإنسان, وكأن نجاح الزواج ينبغي أن يرتبط بتنفيذ تلك الاعتبارات! كلا, كلا, لندع الحب يُزهر...

لا يمكنني أن أفعل شيئاً لذلك! لقد سقطت كل تلك الحواجز, وأنا رهينة حُبي.. بلا مقاومة.. رهينة وبلا مقاومة...

من خلال جدران منزلي, راودني إحساس برؤية شكل هذا الرجل الذي كان ينتظرني. بدا لي أنني أستمع لصدى صوته يرن في أذني.. كانت الجدران تهمس وتتغنى بحبنا. كانت الجدران تشدو بانتصار حبنا. كانت الجدران تترنم بصلوات الحب. وتظل تهمس... تهمس.. على الدوم




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1711135995214.png

(ولدت في 8 نيسان 1969 في بوانت-نواغ (الكونغو). كان أبوها وزيراً وعمدة مدينة دوليسي. نالت الماجستير في العلوم السياسية من جامعة كيبك في مونتريال في كندا. قارئة نهمة منذ صغرها، وشغفت بالمسرح خلال مراهقتها ومثلت مع (جماعة ماريغو) و(بوانت نواغ) في نهاية الثمانينات. تعيش في كندا منذ عام 1996)

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
في الأدب الإفريقي - ملف
المشاهدات
911
آخر تحديث
أعلى