يعانى القكر العربى المعاصر ازمة طاحنة, وذلك العدم استيعا به لتيارات العصر ومستجداته , ومايعتمل فى المجتمعات العربيةمن صراعات وتحولات نؤكد عدم ملاءمة الفكر السلفى صاحب اليد الطولى فى هذه المجتمعات – وعجزه عن استيعاب التيارت المعاصرة فى الفكر , التواؤم معها .بل وموقفه المواجه لكل تغيير اوتطور,والعجز عن المشاركة فى حل المشكلات الكائنة فى هذه المجتمعات,خاصة التى وصلت الىدرجة من التقد م وتحتاج الى المضى قدما حتى تستطيع القيام بدور فعال على مستوى العالم وانجاز بعض المهام الضرورية على المستوى المحلى .
ويمثل انتشار القكر السلفى عموما ,والاتجاهات المتعصبة والمتزمتة منه خاصة فى الفترة الراهنة, ظاهرة تعبر عن ازمة حقيقية فى الفكر السا ئد بين الاغلبية السا حقة من المواطنين
خاصة بعد فشل المشروع البرجوازى الوطنى خلال القرنين السابقين نتيجة لاسباب متعلقة بالبورجوازية المصرية نفسها من حيث الاصل والمنشأ ,حيث نشأت من بطن كبار الملاك .والذى كان يفترض ان يكون التناقض بين الطبقتين ( كبار الملاك والبورجوازية )الجوهرى هو الاساس فى تكوين الفكر المناهض للفكر الاقطاعى (او فكر كبار الملاك ). ولاسباب اخرى تتعلق بالحقبة الاستعمارية ,ثم حقبة النفط ( اخيرا ) وتصدير التدين الصحراوى الى مصر التى تعد اكثر البلاد العربية تقدما وقد قطعت شوطا كبيرا فى محاولة الخروج من العصور الوسطى , وهى الان تتعرض لانتكاسة نتيجة لهذا السبب الاخير .
والمأزق يأنى من ان الفكر السلفى يقوم على اساس الاتباع , ونفى الابد اع ورفضه رفضا مطلقا .
والاتباع يقوم اما على التقليدالحرفى لكل ما كان فى الماضى مما يعيدنا الى نوع من التدين الشكلى يقوم على محاكاة السلف مع ان التطور المذهل وثورة العلم والتكنولوجيا وثورة المعلومات ...الخ لاتدع مجالا للتشابه اطلاقا بين مشكلاتنا الان , ومشكلات العصور الوسطى . والاتجاه السلفى لايقدم حلا بهذا الهروب من مواجهة العصر ومشكلاته , ومواجهة تقدم القوى الكبرى فى الغرب ,بل هو يزيد الازمة تعقيدا ويكرس التخلف بوضعه العربة امام الحصان .
اما اصحاب الاتجاه الاخر الذىيمثله القلة ممن يتبعون السلف فانهم لايقومون بالتقليد الحرفى ولا يعملون على تطبيق الماضى بحذافيره على الحاضر ,بل يلجأون الى الاجتهاد ومحاولة تأويل النص حتى يتلاءم مع المشكلات المعاصرة ولا يضعون فى اذهانهم القفزة التىحدثت فى البنى الاجتماعية وما نتج عنها من قطيعة معرفية مع الفكر الماضوى .
ويحاول السلفيون الادعاء بأن الاجتهاد منهج خاص بالمجتمعات الاسلامية , ولكن الصحيح ان هذا المنهج خاص بالعصور الوسطى عموما – خاصة فى فترات الازدهار - , وقد كان سائدا ايضا قى اوروبا فى تلك العصور وذلك لان الربط بين الدين والسلطة الدنيوية كان موجودا ايضا بها . ولم يتم التخلص من ذلك الا باتهاء العصور الوسطى وفيما بعد عصر النهضة – اى بداية العصر الحديث –حيث تم رفض التقيد بالنصوص , وصارت حرية الفكر هى الاساس والمطلق الوحيد .
وجدير بالذكر ان الفكر الذى يصل اليه الانسان عبر الاجتهاد يضع فى حسبانه - بالدرجة الاولى – عدم مخالفة النص , وبالتلى فان الاجتهاد محكوم بدائرة ضيقة هى دائرة النص وامكانانت التأويل . وهذا معناه ان مايقوم به المجتهد انما ينهض على اساس من قاعدة سابقة ,او قول او فعل تم فىعصر سابق يختلف فعليا عن العصر الذى نعيشه , وبالتالى فان المسافة البعيدة بين العصرين من حيث الزمن ودرجة التقدم الفكرى والعلمى والاجتماعى ...الخ تجعل القيا س مشوشا ومغلوطا ,بالاضافة الى ان اى موقف لايقع تحت طائلة الاجتهاد يعد كفرا وضلالا .. وهذا هو الموقف من الابداع الذى يراه المجتهد السلفى هدما للدين وتقويضا للعقيدة ,ولذا فانه يحاربه متضامنا مع السلفى المقلد الحرفى والنصى ويتهمه بابشع الاتهامات التى تلقى هوى لدى العامة وتؤثر فيهم وتجعلهم يتخذون مواقف ضد المبدع سواء كان فنانا اوعالما او مفكرا .. وهذا ماتؤكده الشواهد التاريخية بل والمعاصرة .
واذا كان فكر المواطن المصرى المعاصريقع تحت طائلة التسلط السلفى الاتباعى ,فانه اما يقع ضمن دائرة التقليد الاعمى للماضى اوفى احسن الاحوال يكون ضمن دائرة الاجنهاد . والاسوأ من ذلك ان باب الاجتهاد قد قفل . وبذلك ينحصر التفكير الاتباعىفى معظمه فى باب التقليد الحرفى والعودة االى عصور الانحطاط وتسلط الخرافات والتزمت والتعصب .
واذا كان البقاء ضمن حدود النص سواء بالمعنى الحرفى او التأويل ظل عائقا امام النهوض والتقدم , فان تدخل الدين والفكر الغيبى فيما يتعلق بالعلم والفلسفة وعدم السماح بالتعا رض مع هذا الفكراو تجاوزه من قبل القائمين عليه والمنتفعين من سيطرته ,ادى الىوضع الحواجز سواء من العرف او التقاليد او باسم الدين ضد العقبات التى تقف امام المنهج العلمىوالذى لن ينهض الا بالابداع .
وا لابداع يخص جميع مجالات الفكر والعلم والفن والسلوك الاجتماعى . وهو ينهض على غير مثال , فلا سند له من ماض ولايتقيد بنص وانما هو اتيان بالجديد و ابتكار و واختراع . يحطم كل الحواجز سواء كانت ذهنية اومادية ويخترق الحجب ، يخرج عن المألوف ويفتح باب التحديث .
واذا كان الفاصل بين الفكر السابق على العلم والفكر العلمى يكمن فى المنهج . فالاول يستخدم الاتباع فى حين يقوم الثانى على الابداع .وبالتالى فان الفكر العلمى دائم التجدد نظرا لان الابداع مستمر ولاحدود له .
واذا كانت العصور القد يمة والوسيطة قد نهجت منهج الاتباع , فان العصر الحديث –خاصة بعد الثورة الصناعية وحلول الرأسمالية –قد نهض على اساس من الابداع والمنهج العلمى .فدخول العصر الحديث والتخلص من العلاقات الريفية والرعوية, واستخدام العلوم الحديثة والتكنولوجيا الحديثة لايكون الا بالمشاركة فى ابداع وسائل التقدم والافكار المصاحبة لها .
واذا كان العصر الحديث قد اتخم بالمذاهب والتيارات الفلسفية التى تعبر بدرجة او اخرى عن الافعال وردود الافعال تجاه هذا العصر .فان المشكلة الاساسية لاتكمن فىاختيار هذا التيار او ذاك , فكثيرا ماتكون ردود الافعال ارتدادا الى الماضى ونكوصا .. بل تكمن المشكلة فى الاختيار بين الابداع والاتباع ومدى تحقق ذلك فى المذهب او التيار الذى يتبناه هذا الفرد او تلك الجماعة من الافراد .
واذا كان الابداع يأتى بالجديد وهذا الجديد يواجه القديم وسدنته والمسنفيدين منه والذين يضعون العوائق امام الجديد, ولذا فان الابداع لايكون الا مع الحرية .فحرية الفكر هى المجال الذى يقدم فيه الابداع منجزاته, وهو بمنجزاته يوسع دائرة الحرية ويجعلها ارحب واعمق .
ولكى تكون هناك حرية فكر, لابد من توافر المناخ الملائم لهذه الحرية . وهذا لن يكون الا بسيادة الديمقراطية – الديمقراطية الحقيقية –لانها –اى الديمقراطية –القائمة على اعطاء مسئولية القرار للمواطن دون حجر اوقيد انما تنهض على اساس من تحرير العقل من كل اراء او نصوص مسبقة ,او خرافات او اساطير . والحرية تشمل جميع ميادين الفكر والعلم والفن والسلوك الاجتماعى .
والديمقراطية وحرية الفكر والابداع جميعها لاتقوم فى مجتمع مرجعيته سلفية باى حال ,ولابد من فصل الدين عن شئون الدنيا حتى يكون الابداع ممكنا فى جميع شئون الحياة ,والا فان القيود الدينية والتسلط الاتباعى والحجر الذى يمارسه رجال الدين , كل هذا لن ينتج الا مجتمعا متكلسا وجامدا وفكرا متحجرا لاحياة فيه واناسا فقدوا روح المبادرة والرغبة فى التغيير والتطور .
واذا كان االمنهج العلمى هو المنهج الملائم للعصر الحديث وللدخول الى عالم الحداثة وكانت الديمقراطية والعلمانية من الركائز التىتهىء المناخ للتطور والتقدم فى المنهج والابداع , وكانت العصور الوسطى تقوم على ايديولوجية ميتافيزيقية فى مجتمع لم يفصل بين الدين والدولة . بل ان هذا الفصل لم يكن ممكنا الامع حلول الراسمالية .فقد اتاحت اليمقراطية والعلمانية الفرصة للتقدم العلمى والصناعى كما رسخ هذا التقدم اسس الديمقراطية والعلمانية
ولذا فان القول بان الشورى يمكن ان تكون المبدا الذى يقوم مقام الديمقراطية انما هو قول لايضع فى جوهره حدود الشورى ومنشأها واستنادها الى الماضى فى مواجهة الابداع والحرية .
والشورى هى نتاج مجتمع قائم على علاقا ت انتاج ماقبل الرأسمالية وتنبع من ايديولوجية ميتافيزقية دينية , وهى – اى الشورى –مبدأ يستبعد الابداع من قاموسه بل ويجرمه ويقرنه بالضلال . وبالتا لى فانه يحكم على الانسان بالخروج من العصر الحديث وينأى به بعيدا عن الديمقراطية .كما ان الشورى ترتبظ بحدود معينة لاتعترف بحكم الشعب نفسه بنفسه ,بل تؤكد على نخبة من الناس لها الحق فى الانتماء لهذا المجلس . كما ان قرارات هذا المجلس ليست لها قوة الالزام .كما ان هؤلاء الناس يدلون بارائهم وفقالنص مسبق او قياسا علىمواقف مسبقة . فليس فى عملهم اى درحة من درجات الابداع , كما ان الحرية هنا لاتكاد تكون موجودة او فى احسن الظروف مقيدة بقيود صارمة .واذا ظهرت بعض الاراء التى قد توحى بالتعدد ,فان هذا التعدد لا يخرج عن نطاق النص السابق الحاكم لكل الاراء , وفى احسن الحالات قد تصل الى درجة الاجتهاد ولكن من المستحيل ان تصل الى مستوى الابداع . لان الابداع معناه الخروج على النص والضلال ( فى منظور السلفيين ) كما ان مثل هذا المناخ لا يسمح بان يكون للابداع اية مهمة او دور .
بناء على ماسبق فان القول بان الازمة يمكن حلها بالعودة الى الماضى,سواء كان هذا الماضى يعنى به فترة الازدهار – والتى ساد فيها الاجتهاد وهى فترة قصيرة جدا بالقياس الى فترات الانحطاط –او كان الماضى الذى ساد فيه التقليد الحرفى والجمود وقفل باب االاجتهاد والذى تمثل فى عصور التدهور والتخلف وسيطرة الفكر المتحجر . ان القول بمثل هذه العودة ليس الا خرافة يراد بها الهروب من حلبة الصراع ,و الابقاءعلى بعض المزايا والمراكز الاجتماعية لبعض الفئات . وتكريسا للتخلف والانحطاط وتدميرا للابداع واعاقة التقدم وقتل روح المبادرة لدى الانسان
* شكرا للاستاذة سمر الصباغ كريمة أ د.رمضان الصباغ على تشجيعها ودعمها المعنوي للنعريف
ويمثل انتشار القكر السلفى عموما ,والاتجاهات المتعصبة والمتزمتة منه خاصة فى الفترة الراهنة, ظاهرة تعبر عن ازمة حقيقية فى الفكر السا ئد بين الاغلبية السا حقة من المواطنين
خاصة بعد فشل المشروع البرجوازى الوطنى خلال القرنين السابقين نتيجة لاسباب متعلقة بالبورجوازية المصرية نفسها من حيث الاصل والمنشأ ,حيث نشأت من بطن كبار الملاك .والذى كان يفترض ان يكون التناقض بين الطبقتين ( كبار الملاك والبورجوازية )الجوهرى هو الاساس فى تكوين الفكر المناهض للفكر الاقطاعى (او فكر كبار الملاك ). ولاسباب اخرى تتعلق بالحقبة الاستعمارية ,ثم حقبة النفط ( اخيرا ) وتصدير التدين الصحراوى الى مصر التى تعد اكثر البلاد العربية تقدما وقد قطعت شوطا كبيرا فى محاولة الخروج من العصور الوسطى , وهى الان تتعرض لانتكاسة نتيجة لهذا السبب الاخير .
والمأزق يأنى من ان الفكر السلفى يقوم على اساس الاتباع , ونفى الابد اع ورفضه رفضا مطلقا .
والاتباع يقوم اما على التقليدالحرفى لكل ما كان فى الماضى مما يعيدنا الى نوع من التدين الشكلى يقوم على محاكاة السلف مع ان التطور المذهل وثورة العلم والتكنولوجيا وثورة المعلومات ...الخ لاتدع مجالا للتشابه اطلاقا بين مشكلاتنا الان , ومشكلات العصور الوسطى . والاتجاه السلفى لايقدم حلا بهذا الهروب من مواجهة العصر ومشكلاته , ومواجهة تقدم القوى الكبرى فى الغرب ,بل هو يزيد الازمة تعقيدا ويكرس التخلف بوضعه العربة امام الحصان .
اما اصحاب الاتجاه الاخر الذىيمثله القلة ممن يتبعون السلف فانهم لايقومون بالتقليد الحرفى ولا يعملون على تطبيق الماضى بحذافيره على الحاضر ,بل يلجأون الى الاجتهاد ومحاولة تأويل النص حتى يتلاءم مع المشكلات المعاصرة ولا يضعون فى اذهانهم القفزة التىحدثت فى البنى الاجتماعية وما نتج عنها من قطيعة معرفية مع الفكر الماضوى .
ويحاول السلفيون الادعاء بأن الاجتهاد منهج خاص بالمجتمعات الاسلامية , ولكن الصحيح ان هذا المنهج خاص بالعصور الوسطى عموما – خاصة فى فترات الازدهار - , وقد كان سائدا ايضا قى اوروبا فى تلك العصور وذلك لان الربط بين الدين والسلطة الدنيوية كان موجودا ايضا بها . ولم يتم التخلص من ذلك الا باتهاء العصور الوسطى وفيما بعد عصر النهضة – اى بداية العصر الحديث –حيث تم رفض التقيد بالنصوص , وصارت حرية الفكر هى الاساس والمطلق الوحيد .
وجدير بالذكر ان الفكر الذى يصل اليه الانسان عبر الاجتهاد يضع فى حسبانه - بالدرجة الاولى – عدم مخالفة النص , وبالتلى فان الاجتهاد محكوم بدائرة ضيقة هى دائرة النص وامكانانت التأويل . وهذا معناه ان مايقوم به المجتهد انما ينهض على اساس من قاعدة سابقة ,او قول او فعل تم فىعصر سابق يختلف فعليا عن العصر الذى نعيشه , وبالتالى فان المسافة البعيدة بين العصرين من حيث الزمن ودرجة التقدم الفكرى والعلمى والاجتماعى ...الخ تجعل القيا س مشوشا ومغلوطا ,بالاضافة الى ان اى موقف لايقع تحت طائلة الاجتهاد يعد كفرا وضلالا .. وهذا هو الموقف من الابداع الذى يراه المجتهد السلفى هدما للدين وتقويضا للعقيدة ,ولذا فانه يحاربه متضامنا مع السلفى المقلد الحرفى والنصى ويتهمه بابشع الاتهامات التى تلقى هوى لدى العامة وتؤثر فيهم وتجعلهم يتخذون مواقف ضد المبدع سواء كان فنانا اوعالما او مفكرا .. وهذا ماتؤكده الشواهد التاريخية بل والمعاصرة .
واذا كان فكر المواطن المصرى المعاصريقع تحت طائلة التسلط السلفى الاتباعى ,فانه اما يقع ضمن دائرة التقليد الاعمى للماضى اوفى احسن الاحوال يكون ضمن دائرة الاجنهاد . والاسوأ من ذلك ان باب الاجتهاد قد قفل . وبذلك ينحصر التفكير الاتباعىفى معظمه فى باب التقليد الحرفى والعودة االى عصور الانحطاط وتسلط الخرافات والتزمت والتعصب .
واذا كان البقاء ضمن حدود النص سواء بالمعنى الحرفى او التأويل ظل عائقا امام النهوض والتقدم , فان تدخل الدين والفكر الغيبى فيما يتعلق بالعلم والفلسفة وعدم السماح بالتعا رض مع هذا الفكراو تجاوزه من قبل القائمين عليه والمنتفعين من سيطرته ,ادى الىوضع الحواجز سواء من العرف او التقاليد او باسم الدين ضد العقبات التى تقف امام المنهج العلمىوالذى لن ينهض الا بالابداع .
وا لابداع يخص جميع مجالات الفكر والعلم والفن والسلوك الاجتماعى . وهو ينهض على غير مثال , فلا سند له من ماض ولايتقيد بنص وانما هو اتيان بالجديد و ابتكار و واختراع . يحطم كل الحواجز سواء كانت ذهنية اومادية ويخترق الحجب ، يخرج عن المألوف ويفتح باب التحديث .
واذا كان الفاصل بين الفكر السابق على العلم والفكر العلمى يكمن فى المنهج . فالاول يستخدم الاتباع فى حين يقوم الثانى على الابداع .وبالتالى فان الفكر العلمى دائم التجدد نظرا لان الابداع مستمر ولاحدود له .
واذا كانت العصور القد يمة والوسيطة قد نهجت منهج الاتباع , فان العصر الحديث –خاصة بعد الثورة الصناعية وحلول الرأسمالية –قد نهض على اساس من الابداع والمنهج العلمى .فدخول العصر الحديث والتخلص من العلاقات الريفية والرعوية, واستخدام العلوم الحديثة والتكنولوجيا الحديثة لايكون الا بالمشاركة فى ابداع وسائل التقدم والافكار المصاحبة لها .
واذا كان العصر الحديث قد اتخم بالمذاهب والتيارات الفلسفية التى تعبر بدرجة او اخرى عن الافعال وردود الافعال تجاه هذا العصر .فان المشكلة الاساسية لاتكمن فىاختيار هذا التيار او ذاك , فكثيرا ماتكون ردود الافعال ارتدادا الى الماضى ونكوصا .. بل تكمن المشكلة فى الاختيار بين الابداع والاتباع ومدى تحقق ذلك فى المذهب او التيار الذى يتبناه هذا الفرد او تلك الجماعة من الافراد .
واذا كان الابداع يأتى بالجديد وهذا الجديد يواجه القديم وسدنته والمسنفيدين منه والذين يضعون العوائق امام الجديد, ولذا فان الابداع لايكون الا مع الحرية .فحرية الفكر هى المجال الذى يقدم فيه الابداع منجزاته, وهو بمنجزاته يوسع دائرة الحرية ويجعلها ارحب واعمق .
ولكى تكون هناك حرية فكر, لابد من توافر المناخ الملائم لهذه الحرية . وهذا لن يكون الا بسيادة الديمقراطية – الديمقراطية الحقيقية –لانها –اى الديمقراطية –القائمة على اعطاء مسئولية القرار للمواطن دون حجر اوقيد انما تنهض على اساس من تحرير العقل من كل اراء او نصوص مسبقة ,او خرافات او اساطير . والحرية تشمل جميع ميادين الفكر والعلم والفن والسلوك الاجتماعى .
والديمقراطية وحرية الفكر والابداع جميعها لاتقوم فى مجتمع مرجعيته سلفية باى حال ,ولابد من فصل الدين عن شئون الدنيا حتى يكون الابداع ممكنا فى جميع شئون الحياة ,والا فان القيود الدينية والتسلط الاتباعى والحجر الذى يمارسه رجال الدين , كل هذا لن ينتج الا مجتمعا متكلسا وجامدا وفكرا متحجرا لاحياة فيه واناسا فقدوا روح المبادرة والرغبة فى التغيير والتطور .
واذا كان االمنهج العلمى هو المنهج الملائم للعصر الحديث وللدخول الى عالم الحداثة وكانت الديمقراطية والعلمانية من الركائز التىتهىء المناخ للتطور والتقدم فى المنهج والابداع , وكانت العصور الوسطى تقوم على ايديولوجية ميتافيزيقية فى مجتمع لم يفصل بين الدين والدولة . بل ان هذا الفصل لم يكن ممكنا الامع حلول الراسمالية .فقد اتاحت اليمقراطية والعلمانية الفرصة للتقدم العلمى والصناعى كما رسخ هذا التقدم اسس الديمقراطية والعلمانية
ولذا فان القول بان الشورى يمكن ان تكون المبدا الذى يقوم مقام الديمقراطية انما هو قول لايضع فى جوهره حدود الشورى ومنشأها واستنادها الى الماضى فى مواجهة الابداع والحرية .
والشورى هى نتاج مجتمع قائم على علاقا ت انتاج ماقبل الرأسمالية وتنبع من ايديولوجية ميتافيزقية دينية , وهى – اى الشورى –مبدأ يستبعد الابداع من قاموسه بل ويجرمه ويقرنه بالضلال . وبالتا لى فانه يحكم على الانسان بالخروج من العصر الحديث وينأى به بعيدا عن الديمقراطية .كما ان الشورى ترتبظ بحدود معينة لاتعترف بحكم الشعب نفسه بنفسه ,بل تؤكد على نخبة من الناس لها الحق فى الانتماء لهذا المجلس . كما ان قرارات هذا المجلس ليست لها قوة الالزام .كما ان هؤلاء الناس يدلون بارائهم وفقالنص مسبق او قياسا علىمواقف مسبقة . فليس فى عملهم اى درحة من درجات الابداع , كما ان الحرية هنا لاتكاد تكون موجودة او فى احسن الظروف مقيدة بقيود صارمة .واذا ظهرت بعض الاراء التى قد توحى بالتعدد ,فان هذا التعدد لا يخرج عن نطاق النص السابق الحاكم لكل الاراء , وفى احسن الحالات قد تصل الى درجة الاجتهاد ولكن من المستحيل ان تصل الى مستوى الابداع . لان الابداع معناه الخروج على النص والضلال ( فى منظور السلفيين ) كما ان مثل هذا المناخ لا يسمح بان يكون للابداع اية مهمة او دور .
بناء على ماسبق فان القول بان الازمة يمكن حلها بالعودة الى الماضى,سواء كان هذا الماضى يعنى به فترة الازدهار – والتى ساد فيها الاجتهاد وهى فترة قصيرة جدا بالقياس الى فترات الانحطاط –او كان الماضى الذى ساد فيه التقليد الحرفى والجمود وقفل باب االاجتهاد والذى تمثل فى عصور التدهور والتخلف وسيطرة الفكر المتحجر . ان القول بمثل هذه العودة ليس الا خرافة يراد بها الهروب من حلبة الصراع ,و الابقاءعلى بعض المزايا والمراكز الاجتماعية لبعض الفئات . وتكريسا للتخلف والانحطاط وتدميرا للابداع واعاقة التقدم وقتل روح المبادرة لدى الانسان
* شكرا للاستاذة سمر الصباغ كريمة أ د.رمضان الصباغ على تشجيعها ودعمها المعنوي للنعريف
عُشّاق المفكر والأديب الفنان أ.د/ رمضان الصبّاغ
تهدف هذه المجموعة إلى إلقاء الضوء على أحد أهم المفكرين المعاصرين في مصر والعالم العربي, إنه الأستاذ الدكتور/ رمضان الصباغ "أستاذ علم الجمال بآداب سوهاج مصر".
www.facebook.com