الشك ليس هو الدافع ليقتل البطل زوجته ليلة الدخلة كما دفع عطيل شكسبير لقتل ديدمونة، وديك الجن الحمصي لقتل زوجته.
لكن بطل رواية "الغصن اليتيم" لناصر الجاسم كما لو أنه مصاب بمرض "العقلانية" المهووسة بالشك. فالبطل أو الراوي يقوم بتعنيف نفسه من أوَّل زمن الرواية وحتى آخره وكأنه ينصب لنفسه شركاً تدميرياً فيقتل نفسه ولا يقتلها، لأنَّ شكَّه ليس نابعاً أو مؤسَّساً على واقعة مادية، بل على تخييل يتحوَّل إلى كابوسٍ إلى شركٍ لا يتخلص منه، فهو البطل والمخلِّص، وهو الجاني القاتل الذي تزوَّج من امرأة أحبها حين كان يقوم بنقد قصائد الشعر التي كانت تكتبها في الصفحة الثقافية في إحدى الجرائد المحلية، ثم تحوَّل الحب بعد (المعلمية) التي مارسها عليها كناقد إلى زواج. وفي ليلة الدخلة (الزفاف) يقوم باغتصاب زوجته، وهذا ما شكَّل عنده ذاك (الورم) الذنب؛ الصدمة؛ العقدة.
ناصر الجاسم يقدم في روايته شخصية أقل واقعية وأكثر خيالية. لكن الخيالي من كثرة ما يتحوَّل إلى كوابيس يعيشها البطل، كأنه يصير واقعاً حياتياً، فنراه يشرِّع ويفتي في العنف الذي يمارسه على ذاته، أو من قبل على زوجته الشاعرة المثقفة التي قام بتدمير جسدها تدميراً مادياً كما يزعم ليلة الدخلة.
والبطل هنا وهو سليل علاقات قروية بدوية قبلية قاسية، فإنه في سلوكه هذا القتل – قتل المرأة، كمن يبيح لنفسه حق ممارسة العنف ضد النساء باعتباره أمراً طبيعياً. وهنا يطرح ناصر الجاسم فلسفته (العنف ضد الجمال - قتل الجمال) إذ يقوم بطله بقتل الجمال حين قتل المرأة زوجته، إذ يراها – ولا يزال - أجمل النساء فيما هو أقبح الرجال.
طبعاً ناصر الجاسم لا يثمِّن العنف لكنه يثمِّن الجمال، وكأنه كمن يعطي العنف هنا مشروعية ثقافية حين يصير البطل معذِباً لذاته انتقاماً من نفسه التي قامت بقتل النفس الأخرى: المرأة؛ الزوجة؛ الشاعرة؛ المعشوقة؛ الجمال.
وهنا نسأل: هل يمكن شرعنة العنف من جديد ضد المرأة سواء كانت جميلة أو قبيحة في الرواية - أي في التخييل أو في الواقع؟ هذا سؤال مركزي تطرحه رواية "الغصن اليتيم" لناصر الجاسم، فبطله يمارس العنف بأقسى أشكاله على المرأة التي هي هنا الزوجة، وهو عنف مُشْرَعَنْ من الناحية القبلية يحوِّل المرأة إلى ضحية. لكن البطل بوصفه مثقفاً يقوم بجلد ذاته وتعذيبها. كيف أفلت من أثر وتأثير الثقافة؛ من تأثير فعل المعرفة والحضارة؛ فعل الخير، ووقع تحت تأثير الجهالة والتوحش وقام بقتل المرأة - زوجته؟ إذ يرى نفسه: كوطواط لا يرى، صادف شيئاً جميلاً فأكله مبتدئاً بقلبه ثم عزقه وسلمه للتراب ص56 فيصير كلاهما البطل والضحية، الجلاد والضحية من ضحايا الثقافة الصامتين.
طبعاً عنف البطل سواء تجاه ذاته أو تجاه ضحيته ليس عنفاً فطرياً، وكما ذكرنا هو عنف يصدر عن مثقَّف، عن ذكورة. لنلاحظ في سير السرد الروائي والذي هو على جانب كبير من الذهنية/السرد الذهني- أن البطل يتحرك بوصفه ذكراً بطلاً جانياً. وهذه مأثرة ناصر الجاسم فهو يؤكد على بخس وتحقير البطل لجسد المرأة ودون - وهنا اللعنة - أن يقبل أحد ويحاسبه على فعلته، فهو يعرف أو على يقين بأنه قاتل زوجته ويطلب من أخيه أحمد ومن الطبيب ومن المحقِّق أن يصدِّقوا بذلك بأنه القاتل، ويريدهم أن ينزلوا به عقاب الموت. لكن من يقنعهم وهم الذين يعتبرونه قد أضحى مجنوناً وها هو حرٌّ طليق قد برَّأته العدالة.
طبعا ناصر الجاسم لا يكتب روايته بوصفه محللاً أو طبيباً نفسانياً، لكنه يريد أن يصوِّر سمَّ الصدمة الثقافية لتلك الممارسات؛ فترفض قبول أو الترويج للبطل الجاني من خلال مسكه بمفاتيح العادات والتقاليد التي يقرها الموروث الاجتماعي، عبر تكرارها وتداولها وتوريثها وتحديها لكل القيم والمعارف والعلوم الإنسانية، وكأن الروائي ضد التسليم بقبول هذه الوقائع باعتبارها وقائع وحشية، وهذه من أهم القضايا التي طرحها الجاسم في الرواية السعودية، لأنها وقائع لا يمكن إخفاؤها، فالبطل في روايته هو عدو البطل - وأي بطل؟ المثقف. أي أن الثقافة يمكن أن تقوم بتهديد الواقع أو حتى إزالة الجمال من على وجه الواقع/الحياة بدل أن تحميها.
د. محمد طيارة
لكن بطل رواية "الغصن اليتيم" لناصر الجاسم كما لو أنه مصاب بمرض "العقلانية" المهووسة بالشك. فالبطل أو الراوي يقوم بتعنيف نفسه من أوَّل زمن الرواية وحتى آخره وكأنه ينصب لنفسه شركاً تدميرياً فيقتل نفسه ولا يقتلها، لأنَّ شكَّه ليس نابعاً أو مؤسَّساً على واقعة مادية، بل على تخييل يتحوَّل إلى كابوسٍ إلى شركٍ لا يتخلص منه، فهو البطل والمخلِّص، وهو الجاني القاتل الذي تزوَّج من امرأة أحبها حين كان يقوم بنقد قصائد الشعر التي كانت تكتبها في الصفحة الثقافية في إحدى الجرائد المحلية، ثم تحوَّل الحب بعد (المعلمية) التي مارسها عليها كناقد إلى زواج. وفي ليلة الدخلة (الزفاف) يقوم باغتصاب زوجته، وهذا ما شكَّل عنده ذاك (الورم) الذنب؛ الصدمة؛ العقدة.
ناصر الجاسم يقدم في روايته شخصية أقل واقعية وأكثر خيالية. لكن الخيالي من كثرة ما يتحوَّل إلى كوابيس يعيشها البطل، كأنه يصير واقعاً حياتياً، فنراه يشرِّع ويفتي في العنف الذي يمارسه على ذاته، أو من قبل على زوجته الشاعرة المثقفة التي قام بتدمير جسدها تدميراً مادياً كما يزعم ليلة الدخلة.
والبطل هنا وهو سليل علاقات قروية بدوية قبلية قاسية، فإنه في سلوكه هذا القتل – قتل المرأة، كمن يبيح لنفسه حق ممارسة العنف ضد النساء باعتباره أمراً طبيعياً. وهنا يطرح ناصر الجاسم فلسفته (العنف ضد الجمال - قتل الجمال) إذ يقوم بطله بقتل الجمال حين قتل المرأة زوجته، إذ يراها – ولا يزال - أجمل النساء فيما هو أقبح الرجال.
طبعاً ناصر الجاسم لا يثمِّن العنف لكنه يثمِّن الجمال، وكأنه كمن يعطي العنف هنا مشروعية ثقافية حين يصير البطل معذِباً لذاته انتقاماً من نفسه التي قامت بقتل النفس الأخرى: المرأة؛ الزوجة؛ الشاعرة؛ المعشوقة؛ الجمال.
وهنا نسأل: هل يمكن شرعنة العنف من جديد ضد المرأة سواء كانت جميلة أو قبيحة في الرواية - أي في التخييل أو في الواقع؟ هذا سؤال مركزي تطرحه رواية "الغصن اليتيم" لناصر الجاسم، فبطله يمارس العنف بأقسى أشكاله على المرأة التي هي هنا الزوجة، وهو عنف مُشْرَعَنْ من الناحية القبلية يحوِّل المرأة إلى ضحية. لكن البطل بوصفه مثقفاً يقوم بجلد ذاته وتعذيبها. كيف أفلت من أثر وتأثير الثقافة؛ من تأثير فعل المعرفة والحضارة؛ فعل الخير، ووقع تحت تأثير الجهالة والتوحش وقام بقتل المرأة - زوجته؟ إذ يرى نفسه: كوطواط لا يرى، صادف شيئاً جميلاً فأكله مبتدئاً بقلبه ثم عزقه وسلمه للتراب ص56 فيصير كلاهما البطل والضحية، الجلاد والضحية من ضحايا الثقافة الصامتين.
طبعاً عنف البطل سواء تجاه ذاته أو تجاه ضحيته ليس عنفاً فطرياً، وكما ذكرنا هو عنف يصدر عن مثقَّف، عن ذكورة. لنلاحظ في سير السرد الروائي والذي هو على جانب كبير من الذهنية/السرد الذهني- أن البطل يتحرك بوصفه ذكراً بطلاً جانياً. وهذه مأثرة ناصر الجاسم فهو يؤكد على بخس وتحقير البطل لجسد المرأة ودون - وهنا اللعنة - أن يقبل أحد ويحاسبه على فعلته، فهو يعرف أو على يقين بأنه قاتل زوجته ويطلب من أخيه أحمد ومن الطبيب ومن المحقِّق أن يصدِّقوا بذلك بأنه القاتل، ويريدهم أن ينزلوا به عقاب الموت. لكن من يقنعهم وهم الذين يعتبرونه قد أضحى مجنوناً وها هو حرٌّ طليق قد برَّأته العدالة.
طبعا ناصر الجاسم لا يكتب روايته بوصفه محللاً أو طبيباً نفسانياً، لكنه يريد أن يصوِّر سمَّ الصدمة الثقافية لتلك الممارسات؛ فترفض قبول أو الترويج للبطل الجاني من خلال مسكه بمفاتيح العادات والتقاليد التي يقرها الموروث الاجتماعي، عبر تكرارها وتداولها وتوريثها وتحديها لكل القيم والمعارف والعلوم الإنسانية، وكأن الروائي ضد التسليم بقبول هذه الوقائع باعتبارها وقائع وحشية، وهذه من أهم القضايا التي طرحها الجاسم في الرواية السعودية، لأنها وقائع لا يمكن إخفاؤها، فالبطل في روايته هو عدو البطل - وأي بطل؟ المثقف. أي أن الثقافة يمكن أن تقوم بتهديد الواقع أو حتى إزالة الجمال من على وجه الواقع/الحياة بدل أن تحميها.
د. محمد طيارة