إسماعيل ابراهيم عبد - ولادة المجاز من عمليات التغيير اللفظي.. في التصوّر الحدثي للرواية

في دراسات الصورة الكتابية يعاد النظر بمفهوم التصور بحالتيه البصرية والشعورية .مثلا بيرس يقارب هذه العملية بالحالة الإنطباعية وما تفرزه من تصورات , ويراها فعالية للنشاط الذهني

” صور ـ تصورات ـ فائضة عن الإنطباعات , وأخرى أواليات تجريد , وثالثة صور تخيل الجواهر , ورابعة صور أوهام الفكر.

ويلخص عملها في معقولية المنطق الآتي

” تكون وظيفة التصورات هي رد فعل كثرة الإنطباعات المحسوسة الى وحدة محتوى الوعي ” .

لم يتطرق بيرس ولاطائع الحداوي , الذي ينقل عن بيرس , الى الصور الكتابية الفنية , على وضوح أهميتها وإنتشار تداولها , خاصة صورالتماثل بين المعاني الحقيقية والذهنية, أو صور التماسك والتفكك الزمني , أوصور الفضاء اللغوي والفضاء الوجودي , تلك كلها ستكون مجال عملنا , أي توليد الصور الحدثية .

أ ـ صور مجاز تمثيل المعنى

لأن جميع التصورات السابقة تجد مثائلها في كتابة الكثافة الفنية للرواية فأننا سنحاول الإمساك بالصور الحاوية كثافة فعائلية خاصة كجزء من البناء النحوي والدلالي المحيل الى إشتغال الروي الحدثي .

لنبين ألوان بعض تلك التصورات كنماذج لمجازات المعاني , فـلا توجد معان دون صور مسبقة متخيلة لها يُتَعامَل ذهنياً معها بـدقة أو دونما تركيز , فالألفاظ قد تكون ـ أثناء نطقها ـ دون معان , أي دون صور , لكن المعنى الإستعمالي المقصود , التداولي المتأصل فنياً, لابد وأن يكون موصولاً بهدف , لذا فهو معني بالقصد اللاحق للنطق أو الكتابة .

في البحث النقدي يكون المعنى محدداً بمسيرة التلاحق التركيبي للصور , الكلمات في الذهن , والتركيب في الخطاب , عّبْرَ نيّة ومثول التداول .

المهم أن الصور لايمكن تقديرها في الذهن تماماً , لذا فأن المظهر الصوتي والكتابي سيصيرانها وصيلة لتقدير المعنى , هذه الوصيلة في تنافرها وإنسجامها تؤلف لغة لها خاصية الكاتب وخاصية المجتمع المنتج للقراءة . ينقل الكاتب عمارة ناصر رأي الرازي في مجال اللغة بالقول :

[ مجال اللغة كفعل لتمثيل ذاتي , تعريف ما فـي الضمير , وضع اللغة للتعريف هو للتعريف بعالم الذات إعتماداً على تعريف المعنى بما هو صورة ذهنية لا صورة خارجية] .

يتفق الكاتب عمارة مع الرازي على إفتراضات بيرس المنوّه عنها سابقاً ..

والخلاصة : أن الصور المتولدة عن ردود أفعال الأبصار أو الأحاسيس أو مظاهر الشعور , ستقيم موضعها وتركيبها عند هدفها المفترض , ثم يدخل الهدف في التجربة الإتصالية لتعليم الدربة بصورة المعنى الأولي , ثم يستلهم المعنى التركيبي من المعنى الإيجازي , فتتوالد النُظم الإشارية المتعددة بدلالاتها التأويلية .

يقر الاستاذ ناصر عمارة في أنه حيثما يوجد نظام الاشارات , يتولد النص الأدبي.

للدلالة مستويان من المعاني /

[(السطحية ـ المكوّن السردي المنظم لمجازات الخطاب .

و(العمقية ـ التي تؤلف عنصر , شبكة علاقات وقيم المعنى , ونظام العمليات التي تنظّم العبور من قيمة الى أخرى ] .

ويرى أ.د.سعيد حسن بحيري :

[ أن المجاز يتولد عن عمليات التغيير اللفظي التي تمس التنظيم الصوتي والنحوي للدوال وعمليات تنظيم الوحدات الدلالية الصغرى ] .

إذاً بعد مرور الصور الصغرى (تخيل صورة الكلمات في الذهن عبر العقل تخضع لعملية فرز وإنتقاء وتقعيد ثم تخرج منطوقة أو مكتوبة (صور كبرى ضمن قاعدتين , النحو والمماثلة , ومن ثم تقيم علائق التراصف الموائم لنظام التآلف الدلالي .

هكذا تتوالد الصور المتصلة بالمظاهر النصية الكبرى (موضوعة الخطاب .

ما مرَّ تصور مبسط قد لايعطي فهماً مناسباً للمناول التي يُتوقع وصفها في توليد الصور الفنية تحديداً .

فما المقصود بالصور الفنية ؟

كيف تتوالد ؟

الصورة الفنية وحدة صغرى من وحدات المشهد الروائي يشارك في تأليفها (النحو , البلاغة , الدلالة , الغاية الإستعمالية , وهي قد تكون كلمة واحدة أو جملة واحدة , أوعدة جمل ,وفي جميع الحالات تعطي معناً مقيّداً لايكتمل إلّا بعلائق سابقة ورديفة .

هذه الصور لا تتوالد ولا تتوسع إلّا بنسيج يجمع نقائض ومؤالفات القول ـ القول السردي منه يخص موضوعنا ـ بالتأكيد هو ما يُغني صياغات لغوية تؤلف موضوعاً , يتصل بنوع نموذج من التصانيف الأدبية , كل موضوع يتصل بنوع من إشتغالات مميزة بالمفارقة والمقاربة والتأويلات المتخالفة.

ما المواصفات التي تنماز بها الصورة الفنية على وفق الطبيعة المولدة لها الخاصة بالفن الروائي ؟

يرى أ.د.سعيد حسن بحيري , كذلك :

“أن العمليات البلاغية المولدة للصور ـ المعاني ,البلاغة , الإضافة , الحذف , إعادة الترتيب , الإستبدال , يمكن إرجاعها الى النحو التحويلي لدى تشومسكي وبتأولين , أبنية بعلاقات تبادلية , وإجراءات معرفيتة لإنتاج أقـوال نصّية “

أريد أن أدلل على وجود الصور الفنية الأدبية ـ الروائية مثلا ـ بكونها الأعمق في إعتمادها على النحو الدلالي على الرغم من أن هناك صورأخرى تعتمد على

البلاغة المعززة لنظام التشفير الإشاري بعلاقاته الصوتية والضمرية .

يتعمّق تركيب العمل السردي الروائي في صوغ بُنى العالم من الموجودات الذهنية (الصور والمادية (المحفزة عليها والتي توّلد بإنتظامها وإستمرار تعالقاتها , عـالـمـا روائيا بمواصفات خاصة , خصوصيات صفاتها تقضي بالإتجاه نحو صب الجمل ـ الصور الفنية ـ متكاملة الأداء , في نمط لغوي يتواشج مع تصاعد السرد الحدثي للروي .

لنهتدي بقول د.أحمد الملاخ عن التمثيل الذهني كنظرية , حيث إن التمثيل الذهني كنظرية يهتم بزمن الصورة في الذهن وليس بالصورة كحركة دلالة متنقلة ..

[تستند نظرية التمثلات الذهنية الى فرضية معرفية مفادها,أن التمثيل الذهني المعرفي سيرورة مركبة تعتمد خلق وتعديل ودمج وتجميع تمثلات ذهنية لتأويل الملفوظات .

ويفترض أن هذه التمثلات ذات طبيعة تصورية وليست لسانية محظة] .

سأتقيد بما قيل في البدء ثم أتجاوزه قليلاً .

الملفوظات , الصور الذهنية , المماثلات بين الحركة الفعلية لحدود التراكم الدلالي , هذه, قد تنزوي نحو نموذج يربط بين فعلين لتركيب صورة سردية , وصورتين سرديتين أُخريين لتركيب صورة قصصية واحدة , وصورتين قصصيتين دراميتين لتكوين صورة روائية .. ضمن التركيب الأخير هذا تجتمع الصورة الذهنية مع الصورة الشعورية مع الصورة الصوتية مع الصورة الفنية , لتكوين الإحالة الروائية الهادفة الى تمثيل حركة أفقية روائية , وأخرى عمودية .

يمكنني إستثمار بعض النصوص من رواية مصابيح أورشليم لعلي بدر لنفيد منها في تمثيل العالم الروائي المرئي ضمن متجهنا , الصورة الفنية الروائية .

قبل ذلك , لنستبين الآتي / أن الروائي علي بدر أفشى لنا بعدة مضامير في الرواية أعلاه, منها :

تسويغ وتسويق فكرة مد الجسور بين بغداد وأورشليم من ناحية الفعل الجنسي .

ـ لم يستفد كثيرا من مذكرات أدورد سعيد .

ـ لم يتمكن من تبرير مظلومية تهويد القدس عن طريق الوثيقة التأريخية , لعله أراد إكمال صورة الحق الإنساني في الشرق عموماً .

من الملاحظ أن الرواية أقامت جملة تشييدات فنية تواصلية منها /

ــ إرساء جغرافية سياسية إجتماعية ثقافية أدبية فنية لمجتمع إسرائيل .

ــ توطين الدلالة برسو الأبطال عند علاقة رسمهم الفني والفكري من قبل الكاتب .

عودة الى الصورة الروائية نقول كل صورة روائية هي جزء ضروري من المشهد الروائي .

سأحدد بعض النصوص لإسناد عملنا بالحقائق الإستعمالية للغة القص الروائي, وسأوضح ما في الرواية من مستويات لصور فنية تفيد درسنا في هذه المرحلة .

في نص يوصي أب يهودي إبنته التي أحبت الشــــــاب العربي نعيم جاء الآتي

[ ــ العربي آلة جنس …. بالتأكيد , فهو يصلح لهذا … ولكن إياك أن تنجبي منه , حتى لو كان إبنك , غير أنه سيغدر يوما بأُمه إسرائيل , عربي , لاتأمني منه , هذا نعيم تحت تصرفك نامي معه , إستغليه جنسياً , وأنا سأستغله في دكاني … ولكن إياك أن تنجــــــــــبي منه] .

الفحص الإبتدائي للنص يعيدنا الى الصور اللغوية الأولية , التوزيعية للدلالات الكبرى كالآيدلوجيا , ويوضّح العقلية المكوّنة للسكان في فلسطين المحتلة , وعقلية التآخي المزعوم بين العرب الفلسطينيين واليهود الإسرائليين .

هذا النموذج لا يفيض كثيراً بفنية المجاز الإختزالي ولا يوّلد كثيراً من الصور الصور الفعائل الحدثية كونه لغة موجهة لخدمة حالة مباشرة في الروي , لكنه من زاوية أخرى يضمر إختزالات تخص تأشير المثال الصوري المركب في العمل الروائي .

لنلاحق النص من خلال الوظيفة الذهنية / تقوم على المشاهد قياسات مسبقة تمثل السياق الفكري المخزون في ذاكرة الذهن القرائي , تلك هي (قسوة اليهودي , حبه لنفسه , إنغلاقه , والتي تتحول الى صورة شعورية , هي , الكره المتعاظم في نفس اليهودي الإسرائيلي لضحاياه العرب , ثم تبرز الى السطح المماثلة الدلالية في تقابل العنصرية والإستعلاء .. بالمقابل / تبرز صورة الحب والتسامح العربي .

إما المضمر الموازي فهو : لاقيمة للأخلاق , لا للعـربي المندمج بالمجتمع الإسرائيلي , ولا للإسرائيلي الهادف الى تهويد كل شيء حتى الرغبات والغرائز .

يحيل المشهد الآتي الى التوليد الإيجازي للمعاني حيث أن :

” المجاز طريق واسع للتطور الدلالي … ينقل معنى الكلمة من محيط الى آخر بطرائق عدة منها الإستعارة (المجاز القائم على المشابهة والمجاز المرسل القائم على غير المشابهة كالسببيّة والزمانية , والمحلية ـ الموضعية ـ والآلية , والمجاورة , وبإعتبار ما كان وما سيكون وغير ذلك , ومن ضمن المجاز الكتابة ” .

ان العصر الحديث يميل الى الإستعارة بالفهم الجملي الجمالي وليس بالكلام العادي او الكلمات المفردة , ما يحيل الى المغايرة والرمز والمفارقة والتناقض .

إن طرق المجاز المرسل هي الأخرى تحيل الى إستخدامات حدثية يؤشرها الاستعمال السردي لبلاغة السرد , وهي متنوعة منها , الإحتمالية والتخيل والتوزيع الهرموني الأوركسترالي , تلك نابعة من ذات النص وهناك ما هو محفز عليه من خارج النص كموقف المؤلف وموقف الشخوص ونوعية القرّاء , والتنغيم والموسيقى .

في عملنا هنا إنحياز الى نمطين هما : بلاغة القص الإحتمالي وبلاغة التوزيع الاوركسترالي .

لنتابع الحوار الآتي من رواية مصابيح أورشليم */

[ ــ حوار ــ

إيستر إيستر منذ ربع قرن نحن في إسرائيل .. نحن نعيش في كابوس .

ــ دافيد شاحر هناك … جعل بطله متمرداً على تراثنا الديني التقليدي .. جعله ينغمس في عالم الفن … الفن بديل عن الدين ..

تجيب إيستر متسائلة :

ــ هل تنتمي أنت للقيم الجديدة …؟ ]

ــ تعليق ــ

[ الخشونة المتناسقة للأرض تتسرب تحت أقدام الفلسطينيين في أورشـليم…

أفواههم تتلذذ بالراحة المتجددة للكلام … والأقدام الحافية ترفرف في العتمة , تداعبهم في صباحات أورشـليم أو هي النسمات , ووجوههم تلبس ورق الربيع الخالد , ومع كل كلمة يكتشف يائيل وإيستر أفكارهما … تنكشف السماء مع خفقة الجناح المأخوذ بالفجر , الأيدي تـخـفـق بالوداع مع كل نسمة فجر ] . إن بلاغة الدلالات الإحتمالية تكاد تنحصر ـ كونها نموذجاً إيجازيا ـ في المفارقة , المجاورة , النقائضية , اذ ان مجمل القول يؤدي لتبيان موضوعة مفادها ,أن طريقة الحياة في إسرائيل نموذج للكوابيس , وهذا عكس ما يشاع , بأن إسرائيل أرض الأحلام الكبرى ليهود العالم .

أما المفارقة الثانية فهي إستبدال الدين بالفن .

المفارقة الثالثة هي دعوة المجنسين الإسرائيلين للفلسطينيين أن ينتظروا الفجر القادم حتماً, على الرغم من أقدام الفلسطينيين الحافية وسمائهم التي تخفق بالوداع .

إن دلالة المجاورة تقتضي تحديدها بالتوازي :

1 ـ شاحر / بطل ــ رواية / تمرد .

2 ـ الفن / الدين ــ يائيل / غواية إيستر.

3 ـ يائيل / إيستر ــ إسرائيل / غربة فلسطين .

فيما تبين قيمة الـتناقض في متون التصور الإستعاري للمفارقة كنتيجة ثالثة , هي تبرير التوزيع الأوركسترالي.

في المشهد القادم حوار داخلي بين ذوات , الكاتب الإسرائيلي رديف لهرتزل ـ لاحدين هاعام ـ إسرائيلي حالم بالمستقبل .

لقد جعل الراوي الحوار توزيعاً متناغماً أوركسترالياً كأنه أحد أناشيد الإنشاد اليهودية التوراتية مما قسّم البلاغة القولية الى متجهات فكرية ووجدانية تعاضد الفكر الطفيلي في إسرائيل .. لِنَرَ/

[ ــ هل زارهرتزل أوآحادين هاعام هذا المكان في القرن التاسع عشر؟ سيرى أنواعاً غريبة من الحيوانات , فيحلم بجزيرة صغيرة يطلق عليها حديقة الحيوانات التوراتية , … حلت بالأرض السمراء من النيل الى الفرات , ولتكن القاعدة في أورشليم , سيكون هناك منحدر للسكك الحديدية التي ستندفع نحو الشرق , ستكون هناك غابات زيتون وأرز وصنوبر, سيكون هناك أنهاراً ومستنقعات, سيكون هناك مكاناً للطحلب وشعيرات السرو والـعـفـص والصفصاف, ستكون أشجار النخيل غنية بالمراعي والأعشاب القديمة اللزجة الملتفة … ستكون هنالك المستعمرات المشيدة جدرانها من أحجار يهودا والسامرة , سيكون هناك نملاً أحمر وخفاش سمين ينطلق في الليل , وجِمال , وجبال شبه شفافة حمراء , وعيون تسبح فيها النساء اليهوديات , وطرق جبلية تمر بمحاذاة صخرة شديدة الإنحدار , طرق جديدة , وحواجز , وهـوّة تتألق مياهها القوية بالزبد .

سيكون لدينا رجال ونساء يسيرون في الطرق المبلطة بالحصباء , وسنطرد العرب , سنطردهم وننساهم ] .

يلجأ الروائي علي بدر الى توزيع متنام متكاثر لمجموعة ناطقة تحوله الى إنشائية متعالية يصير قولها تناغماً حركياً على وفق أوبرالية ضامنة لأوركسترا التوزيع الدلالي .

المرجح أن علي بدر قد شيّد مشهده هذا , بحسب ما نفهمه , الى مجموعات /

المجموعة الاولى : مـجـموعة هرتزل , عناصرها :ـ الراوي وآحادين هاعام وبشراً متخيلين يصغون .

المجموعة الثانية : مجموعة حيوانات توراتية عناصرها :ـ حيوانات , جزيرة , أرض سمراء , النيل , الفرات .

المجموعة الثالثة : مجموعة أورشليم , عناصرها :ـ سكة حديد الشرق , غابات , أنهار , مستنقعات , شعيرات , نخيل , مراعي , أعشاب .

المجموعة الرابعة : مجموعة المستعمرات , عناصرها :ـ مستعمرات , نمل أحمر , خفاش , جِمال , جبال .

المجموعة الخامسة : مجموعة المثقوبات , عناصرها :ـ عيون , نساء , طرق , صخرة, حاجز , هوّة .

المجموعة السادسة : مجموعة البشر , عناصرها :ـ الرجال , ساكنو الحصباء , العرب .

لكل مجموعة صوت تأويلي ينشد شيئا مختلفا موجزه /

أ ـ المجموعة الأولى تنشد لصوت الماضي المستحضر لأرث الأجداد اليهود .

ب ـ المجموعة الثانية تشيد بالفني المتصور لثروات هائلة موعود بها التوراتي المحظوظ.

ج ـ المجموعة الثالثة تؤشر جلال الطبيعة ونموذجها من كائنات الجمال الموهوب الى التوراتي القادم من العصورالقديمة نحو قدره المحتوم بالسيطرة والعلو والغنى .

د ـ المجموعة الرابعة تتوق الى عالم ملهم غريب آخذ بالضمور والغموض ينتظر اليهودي المسافر إليه , العارف بالطريق , الصائغ الوحيد لجماله .

هـ ـ المجموعة الخامسة توميء الى أرضية الفراغ التي ستتهيأ لأجل القادم القدير ليضع فيها متعه بما فيها من قدرية وسرية ومعرفة .

و ـ المجموعة السادسة تنحو جهة الحمل التأريخي لأنواع المسرودات القصصية المتعلقة بإصول وأحوال ونتائج النبوءة القائلة :

(العالم مطية مطيعة لليهود سادة المخلوقات الأزليين .

من جانب آخر تتصل صورة الدلائل بمواضع متعاضدة . لننظر /

الصورة النشيد الدلالة الصنف الحركي

دعوة هرتزل

لزيارة أرض الميعاد تمكن حَمَلَة التأريخ

من توجيهه لصالحهم كشف رؤيوي رؤية متحركة

حديقة حيوان توراتية الحضوة والثراء حلم مستنسخ تأملية مستمرة

مدن الجمال والفطرة الجمال التورتي الموهوب هوس العظمة توالد إسطوري

طبيعة تضاريس غريبة الغموض الملهم للعبقرية تتويج سلوك الغرائز إرتقاء تراكمي

ثقافية الخلود إفتراضي التهليل لنموذج متع مصاغة فروضات الإبصار حدوسات متتالية

قضية إحياء توراتية التغني بمسرودة إسرائيل الكبرى تجسيد الرواية بالعمل مصاغات بانورامية

لعلنا بفهم تصنيفي مقارب للجمال البلاغي يمكننا الإهتداء الى / صورة (دعوة هرتزل التي أعطت دلالة كشف رؤيوي إنتقل الى حديقة الحيوانات التوراتية التي غطت دلالة حلم يستنسخ نفسه بإعتباره إنتقالاً دلالياً وإنعكاساً إيقونياً مستمراً لتوليد العلائق الفنية الآتية :

(صورة 1 ـ تبادل ـ الدلالة المنعكسة في

(صورة 2 ـ تبادل ـ دلالة جديدة تنعكس الى علاقة دينامية ـ تبادل ـ (الصورة1 … وهكذا ..

ب ـ المعنى وتمثيل الحدث

ان تمثيل المفاجأة الحدثية للتراكم الصوري يعدّ نمطاً من التداعي الفعائلي الآخذ بالتمدد حد صياغة روائية لتكتيك متشعب الطرائق بأصناف متعددة منها:

* الاخبار الحدثي بصورة وصف ذهني.

* امتداد حركة الصورة حتى تشكيل الحكاية .

* تضافر صوري حكائي يسهم في تشكيل الحدث .

* تواشج فعائلي يتضخم ليصير حدثاًّ متجدداًّ صائغاً ما يشبه الدراما .

ومن طرائف السرد الاقتباس ، والتضمين ، والاحداث الموازية ــ المحايثة – ضمن إطار المؤالفة بين الدراما والروي المركب .

وهناك أنماط أُخرى تكتفي (بالتداعي النصي الحر .

لنر الروائي حمزة الحسن في معالجته الروائية الآتية :

[كنت أرى الغابة عبر النهر كـ (سر من أسرار كثيرة تدور ولا أفـهمها ، لكن وفي هذا الصباح لامست قدماي أرض الغابة .. يا للفرح !

وقفت مبهوراً وخائفاً : فماذا يـ

ستطيع ان يفعل طفل في مواجهة غابة محمّلة بالنهار والضوء والأسرار .

أول خطوة على أرض الغابة جعلتني أشعر بشيء غريب.هذه هي الأشجار العملاقة التي يقولون أنها تتكلم في الليل مع مخلوقات غريبة ..]

مثلما قيل يوماً – وجدتها وجدتها – وهذه أولى الإحالات الذهنية للتمثيل الحدثي في هذه الأرض (الغابة التي وجدها مثل فكرة ضائعة , ثم تأتي الإحالة الثانية الأكثرتجريدية وذهنية هي (الغابة سرمن أسراركثيرة .

وهنا يفتح الذهن للباصرة تصورات وتخمينات لاحصر لها من الأسرار . تلك التصورات تعيد التركيب الصوري لاجل ان يصنع معاني مختزلة للأحداث , أو تصورات أحداث مماثلة لقيم وألغاز وأماني محتملة لفعل ذهن طفولي فطري , فيما ينبعث تصور ذهني آخر لإحالة عن (الفرح والإنهيار والخوف وهي جميعها مواجهات نفسية ذاتية ــ ربما دفينة ــ لا سلوكاً علنياً , او مظهرياً يبرر بها صورة أُخرى تشكلت فوق طبقات الصور السابقة , تتضمن /

(غابة محملة بالنهار والضوء والأسرار.

في هذه الصور تخليق جديد للصورة الذهنية يجعل الغابة , فوق كونها وجوداً فطرياً جمالياً , نموذجاً تخيلياً , فهي نهار وضوء وأسرار !!..

ترى أية غابة هذه ؟!

أليست هي نموذجاً ذهنياً يحيل الموجودات الى خلائق من معادلات رؤى متماثلة , فيها صور جرى تعديلها كثيراً عبر ذاكرة سريعة الإنشطار ، نشطة في ردم فجوات التذكر .

المهم فيها أنها مستعدة بأستمرار الى اللَّم والتمديد , من ثم الفرز من جديد . في جزء آخر من النص تتلاصق قطرة أولية في تكوينها مع قطرته النهائية في أول خطوة ، أول شعور , أول وجود لأشجار عملاقة , أول نطق لكائن (يقولون , أول ثيمة لمثيولوجيا الأقوام البدائية (الأشجار تتكلم .

ثم يصل الى الصورة الأخيرة (المخلوقات الغريبة .

المتكونات الصورية تؤلف حدثاً وصفياً مُدّت بموجبه أركان الروي /

(المكان . الفعل . الفاعل . المرحلة .

وبصيغة اخرى /

المكان = غابة

الفعل = وجود غابة

الفاعل = طفل

الحالة = بكارة أرض

ويشير لما قبل التاريخ , وكأن ذلك التاريخ تشكيل ماثل بين صورة حقيقية للغابة , وصورة ذهنية شكّلها الروائي متصاعداً بالمتخيًل من الموجودات المادية الى المكنونات الحدثية , من ثم الى الهجرة نحو الماضي عَبْرَ تداعٍ حرٍ كلي الإخبار بأدوات لغوية تناسب حرية تمثيل المعنى للحدث الروائي .

لنتابع حركة التصورات :

[المطر وحده في شوارع بيرغن

المطر وحده في شوارع طهران

المطر وحده في شوارع اسلام اباد

المطر وحده في شوارع بوادبست ، الدار البيضاء ، مالمو ، اوسلو , زاهدان ، يزد ، امستردام , وحده المطر، يهطل داخل قلبي ] .

لو أعدتُ القــــــــولَ بأن البطل قد زار المدن .

بيرغن و …و … و… كان المطر يهطل في هذه المدن , ستبدو أول صورة ذهنية لفعل البطل , زياراته لتلك المدن في الشتاء دون الفصول الاخرى .

والصورة الثانية , أن تلك المدن جميعها تزدهر بالحياة والحيوية .

الصورة الثالثة , ان البطل يهوى أجواء الغيم والرذاذ .

والصورة الرابعة , أن تلك المدن مهيأة لسائح غريب مهووس بالسفر .

وتتوالى صور أخرى بالمقارنة مع النص المتقدم , أي صورة الغابة , بما يعني أن رطوبة الغابة في الطفولة صارت قدراً يستحث البطل على السفر تحت هذه الأجواء . لعل المقارنة القاسية هنا ليست موفقة , فالغابة على دجلة ودجلة في أرض وشمس وجفاف دائم , وهنا , يمكن ان نبرر القول الجديد للروائي حين يجعل كل الأمطار تدخل قلبه لأن قلبة ظمآن مثل غابات دجلة ضحلة المياه دوما.

الصورة الأُخرى أنها مدن بيضاء ربما لا شتاء فيها بل ما فيها ربيع دائم .

وفي هذه النقطة يمكن ان نجرّب تقنية (التداعي الحر في التأويل الآتي :

(الطفل الذي لفظته الغابة ظلَّ يبكي .. ظلَّ يبكي .. ظلَّ يبكي قلبا جافاً.. ظلَّ خارج رطوبة الحنان البشري .

على الرغم من كل امطار المدن التي مر بها..

ثم أنها دموعه ، ودموع أصدقائه ، ودموع رفاقه ، دموع موتاه ، دموع أهله وأحبته ، دموع منفاه , دموع تعمي بصر العينين .

يمكنني ان اقرر تكنيك القص بالقول الاتي :

أن الصور المارُّ ذكرها هي صور لأحداث عصفت بتاريخ ، ووجدان الكاتب ، ولكل واحدة حكاية ضمن تبكيت الضمير الذي صنع له كل أحداث الهزائم والنوائح والفراق !.

بهذه التدفقات النصية ، يستطيع كاتبها أن يحكي عبرها مئات الحكايا دون أن ينتهي الحدث الأكبر ، ما يرشّح السرد أن يكون تداعياً حراً ، ولكن بصيغة تصورات متحركة وحكايا مستمرة في الزمن حتى يكتمل نسيـج (المروي , وينفتح الحدث على مطلق تخميني لأحداث لاحقة من توصيف ووصف التخيل القرائي .

ملحق

علي بدر

علي بدر كاتب وروائي عراقي، حصل على شهرة واسعة النطاق بسبب رواياته وأعماله الأدبية. ولد في بغداد، وعاش فيها حتى انتقاله إلى أوروبا في بلجيكا، بعد ترجمة أعماله إلى لغات عديدة، دشن تيار ما بعد الحداثة في الرواية العربية، وأعماله وثيقة الصلة بحياته من جهة، ومن جهة أخرى هي مرآة عاكسة للحياة الاحتماعية والثقافية والسياسية في العراق. تدور جميع رواياته في بغداد وتتخذ من الطبقة الوسطى موضوعا لها، فقد حاولت رواياته رسم صورا مهمة عن التاريخ الثقافي والاجتماعي والسياسي للعراق عن طريق الرواية

حمزة الحسن

السيرة

تعرض للاعتقال والسجن في العراق بسبب نشاطه السياسي. عمل في الصحافة فترة قصيرة في العراق، ثم هرب إلى الخارج عام 1988 وسجن في كل من إيران وباكستان لعبوره الحدود بشكل (غير الشرعي على الأقدام، وحررته الأمم المتحدة عام 1991 من سجن كويتة الباكستاني، ورُحّل الى النرويج حيث يعيش هناك. نشر عدة مقالات في صحف ومواقع عراقية وعربية.

النتاج الروائي:

“سنوات الحريق” 2000
“المختفي” 2000
“الأعزل” 2000
“عزلة أورستا” 2001
“حفرة فيراب” 2008
“حقول الخاتون” 2009
“حارس السلالة” 2010
“طريق الكراكي” 2012
“الحكاية المضادة” 2014

اسماعيل ابراهيم عبد

سيرة

مواليد بابل 1952 .. بكالوريوس آداب

أحب القراءة والانشاء المدرسي منذ مرحلة الثاني المتوسط .

في عام 1983 نشر أول قصة قصيرة في مجلة الطليعة الأدبية فمّثل ذلك مرحلة وعي جديدة

أنجز

* ذر التماثل ـ نصوص ـ 2001

* ألواح نيكار ـ نصوص ـ 2007

* منشئيات مأوى القص ـ ط1ـ نقد ـ 2007

* القص الموجز ـ آليات متقدمة ط 1 ـ نقد ـ 2008

* قمة من النشوى ـ قصص ـ 2009

* القص وحدة نصية ـ نقد ـ 2010

* الحداثات الاربع للشعرية في العراق ـ نقد ـ 2011

* القص الموجز ـ آليات متقدمة ـ نقد ـ ط2 ـ2013

* القصص نصيات تداولية – نقد – 2012

* منشئيات مأوى القص ط2 2014

* الأدنى والأقصى , طفولة وثقافة ـ نقد ـ 2014

* الرواية العراقية الـ مابعد إنشائية ,تقانات وتداول ـ نقد ـ 2014

* تماثل ألواح النشوى ـ نصوص في القص ـ 2015

غبارهم ـ قصص ـ 2015

*الفضاءات الخمسة في الرواية العراقية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...