شبكت يدها بيدي، وطلبت إلي أن أضع يدي حول خصرها، كانت سمراء طويلة، ونظرت من علٍ بإشفاق إلى خجلي وتعثر خطواتي، ولكني التقطت الإيقاع فجأة بتأثير الموسيقى، مما أدهشها وسرّها، اختُتمت الرقصة وصفق الجميع.
لقد لبيت الدعوة التي قدمتها لي السيدة العجوز، مكافأة على مشاركتي كأجنبي في الحملة الإنتخابية لإنديرا غاندي، وسرّها أيضاً أنني أثنيت على الديمقراطية الهندية، لم يكن هناك ابتزاز ولا رشوة ولا أعمال عنف كما يحدث عندنا حتى في انتخابات البلدية، وفي تلك الأيام الجميلة، أو التي بدت لي كذلك، كانت إنديرا غاندي كأنها قدر الهند.
لقد استقبلت ياسر عرفات كبطل، وأشعرني ذلك بالكبرياء، رغم أنني لم أقدّر عرفات كثيراً، وبدت لي سياستها تجاه كشمير معقولة وودودة تجاه المسلمين، حتى أنها أشاعت جوّاً من الود تجاه المسلمين، وكان الهندوس مبهورين بعمران خان الباكستاني كبطل للكريكيت، ويقارنونه ببطلهم القومي في اللعبة ذاتها: كابل ديف، وأحياناً ينتصرون لعمران على ديف، وكانت مضيفتي تقول: يا الله كم هو وسيم!
لقد استمرت علاقتي بالعائلة طيلة فترة دراستي، وكان محزناً أن يتكدّر الجو فجأة، ويتلبّد بالغيوم، كان ذلك عقب تمرد السيخ في الولاية التي أقيم فيها: البنجاب، واقتحام إنديرا لمعبدهم الذهبي بالقوة، وتدميره عن آخره، كان ذلك قاسياً وثقيلاً على مشاعر الناس ، لقد شعر الجميع بالإهانة، فالعنف ليس من سمات الديمقراطية، والشعور الديني يجب أن يُحترم، فالديمقراطية مقدسة ما دامت تحترم مقدسات الناس، هذا ما شعر به الجميع، وقد عبّرت عنه مضيفتي بقولها: لقد تحولت إنديرا إلى ديكتاتورة وأنا أشعر بالصدمة ، وأردفت : الأمور لم تبدأ من هنا ولكنها أرادت توريث الحكم لولدها سانجاي، بتسليمه قيادة حزب المؤتمر، والتوريث يهدم الديمقراطية تماماً، نحن لسنا ملكية حتى يحدث ذلك.
اغتيلت إنديرا بعد ذلك على يد حراسها من السيخ، وكانت الصدمة كبيرة، عاد التاريخ إلى الوراء وارتكبت المذابح والتي حركتها الأحقاد والضغائن الدينية، كما حدث عشية الإنقسام بين الهند وباكستان، ولكن هذه المرة بين الهندوس والسيخ وليس بين الهندوس والمسلمين.
وحين سألتني مضيفتي عن رأيي، قلت أنني أشم رائحة مؤامرة، لقد فعلها الإنجليز إبان الإنقسام، والآن يفعلها الأمريكان، وأنا أملك الدليل على ذلك، ثم رويت لها ما حدث معي، وكان ما أقوله حقيقياً تماماً:
كنا سنتقدم للإمتحان النهائي، إبان حالة الطواريء، وكان هناك حواجز للتفتيش، استوقفنا أحد الحواجز، وكانت دورية مختلطة من رجال شرطة ورجال بالزي المدني، أحدهم يرتدي عمامة السيخ، وحين دققت في ملامحه، كان أشقر بعيون خضراء، وكلّمته بالهندية فردّ علي بالإنجليزية، وقلت في نفسي إما أنه عرف أنني أجنبي، فملامحي تشي بذلك كما لهجتي المتعثرة، أو أنه لا يعرف الهندية، وبيني وبين نفسي رجّحت الخيار الأخير، وأضفت: لقد فعلوا بعائلة نهرو ما فعلوه بعائلة كينيدي، اجتثوهم عن آخرهم، ورفعت مضيفتي حاجبيها دهشة بين مصدق ومكذب وتنهدت: الله يتولانا!
أنا غادرت الهند طبعاً، وبعد سنوات اغتيل راجيف غاندي، الابن الأكبر لإنديرا، مما أكّد شكوكي بعد كل تلك السنوات، وصعد حزب الجانتا إلى سدة الحكم محمولاً على موجة التعصب الديني، ولكن باسم الديمقراطية وأدواتها!
لقد أدركتُ بعدها أن عباءة الديمقراطية مليئة بالثقوب، وأنها ليست الحل المثالي، وحين وصل ترمب إلى سدة الرئاسة ضحكت كثيراً وقلت، لقد ارتكبت الديمقراطية خطيئتها الكبرى، الديمقراطية التي يشتريها المال، ويحركها التعصب، العنصري والديني، ولكنها ليست نهاية التاريخ يا فوكوياما، فلله في خلقه شؤون.
نزار حسين راشد
لقد لبيت الدعوة التي قدمتها لي السيدة العجوز، مكافأة على مشاركتي كأجنبي في الحملة الإنتخابية لإنديرا غاندي، وسرّها أيضاً أنني أثنيت على الديمقراطية الهندية، لم يكن هناك ابتزاز ولا رشوة ولا أعمال عنف كما يحدث عندنا حتى في انتخابات البلدية، وفي تلك الأيام الجميلة، أو التي بدت لي كذلك، كانت إنديرا غاندي كأنها قدر الهند.
لقد استقبلت ياسر عرفات كبطل، وأشعرني ذلك بالكبرياء، رغم أنني لم أقدّر عرفات كثيراً، وبدت لي سياستها تجاه كشمير معقولة وودودة تجاه المسلمين، حتى أنها أشاعت جوّاً من الود تجاه المسلمين، وكان الهندوس مبهورين بعمران خان الباكستاني كبطل للكريكيت، ويقارنونه ببطلهم القومي في اللعبة ذاتها: كابل ديف، وأحياناً ينتصرون لعمران على ديف، وكانت مضيفتي تقول: يا الله كم هو وسيم!
لقد استمرت علاقتي بالعائلة طيلة فترة دراستي، وكان محزناً أن يتكدّر الجو فجأة، ويتلبّد بالغيوم، كان ذلك عقب تمرد السيخ في الولاية التي أقيم فيها: البنجاب، واقتحام إنديرا لمعبدهم الذهبي بالقوة، وتدميره عن آخره، كان ذلك قاسياً وثقيلاً على مشاعر الناس ، لقد شعر الجميع بالإهانة، فالعنف ليس من سمات الديمقراطية، والشعور الديني يجب أن يُحترم، فالديمقراطية مقدسة ما دامت تحترم مقدسات الناس، هذا ما شعر به الجميع، وقد عبّرت عنه مضيفتي بقولها: لقد تحولت إنديرا إلى ديكتاتورة وأنا أشعر بالصدمة ، وأردفت : الأمور لم تبدأ من هنا ولكنها أرادت توريث الحكم لولدها سانجاي، بتسليمه قيادة حزب المؤتمر، والتوريث يهدم الديمقراطية تماماً، نحن لسنا ملكية حتى يحدث ذلك.
اغتيلت إنديرا بعد ذلك على يد حراسها من السيخ، وكانت الصدمة كبيرة، عاد التاريخ إلى الوراء وارتكبت المذابح والتي حركتها الأحقاد والضغائن الدينية، كما حدث عشية الإنقسام بين الهند وباكستان، ولكن هذه المرة بين الهندوس والسيخ وليس بين الهندوس والمسلمين.
وحين سألتني مضيفتي عن رأيي، قلت أنني أشم رائحة مؤامرة، لقد فعلها الإنجليز إبان الإنقسام، والآن يفعلها الأمريكان، وأنا أملك الدليل على ذلك، ثم رويت لها ما حدث معي، وكان ما أقوله حقيقياً تماماً:
كنا سنتقدم للإمتحان النهائي، إبان حالة الطواريء، وكان هناك حواجز للتفتيش، استوقفنا أحد الحواجز، وكانت دورية مختلطة من رجال شرطة ورجال بالزي المدني، أحدهم يرتدي عمامة السيخ، وحين دققت في ملامحه، كان أشقر بعيون خضراء، وكلّمته بالهندية فردّ علي بالإنجليزية، وقلت في نفسي إما أنه عرف أنني أجنبي، فملامحي تشي بذلك كما لهجتي المتعثرة، أو أنه لا يعرف الهندية، وبيني وبين نفسي رجّحت الخيار الأخير، وأضفت: لقد فعلوا بعائلة نهرو ما فعلوه بعائلة كينيدي، اجتثوهم عن آخرهم، ورفعت مضيفتي حاجبيها دهشة بين مصدق ومكذب وتنهدت: الله يتولانا!
أنا غادرت الهند طبعاً، وبعد سنوات اغتيل راجيف غاندي، الابن الأكبر لإنديرا، مما أكّد شكوكي بعد كل تلك السنوات، وصعد حزب الجانتا إلى سدة الحكم محمولاً على موجة التعصب الديني، ولكن باسم الديمقراطية وأدواتها!
لقد أدركتُ بعدها أن عباءة الديمقراطية مليئة بالثقوب، وأنها ليست الحل المثالي، وحين وصل ترمب إلى سدة الرئاسة ضحكت كثيراً وقلت، لقد ارتكبت الديمقراطية خطيئتها الكبرى، الديمقراطية التي يشتريها المال، ويحركها التعصب، العنصري والديني، ولكنها ليست نهاية التاريخ يا فوكوياما، فلله في خلقه شؤون.
نزار حسين راشد