من آثار إدمان القراءة في الطّفولة الشّحنُ القويّ للخيال وشَحذه،
بحيثُ يُصبِح وارداً عند الطفل القارئ بشغف أن يخرج ناسٌ من الكتب
ليتجسّدوا في الواقع، وأن يدخل آخرون من الواقع ليلتحقوا بمواقعهم
كأبطال في روايات مثلاً... وفي هذا الصّدد، لا أنْسى أنّي، في زمن
الصِّبا - وقدكنتُ من محبّي الشعر والرواية- قرأتُ أنّ شاعراً عبّاسيّاً
اسمُهُ سَلْم، لُقّب ب"سَلْم الخاسِر" لأنّهُ باعَ مُصْحَفاً واشترى بثمنه
طنبوراً، فكان من تأثير ذلك أنّ شخصاً كان يُدْعى لهويشْمي، وكان
يأتي حامِلا طنبوره ويُغَنّي ويرقص أمام أبواب منازل الحيّ، أضْحى
عندي هو سَلْم الخاسر نفسه. ولم أكن أجد تناقضًا بين إدراكي أنّ
لهويشمي هو، في وجه من الحقيقة، شخص مختلف عن سَلْم، وفي
وجه آخر منها، هو سَلْم... وكنتُ أقيمُ نفس النّوع من التّماهي
بين عُمارة اليَمنيّ – الشّاعر الذي قتله صلاح الدّين الأيّوبي – وبين
شخص رائع، كان يشتغل كاتِباً عُموميّاً ويسكن في حيّنا، من دون
عائلة، وكان مُحِبّاً للخمر، وكان يُسَمّى أيضاً عمارة (ننطقها بتسكين
العين)، ومن غريب المفارقات أنّه كان يَعود من الحانة، مترنّحاً بشكل
بَيّن، مُردِّداً بصوتٍ جهوريّ: «عمارة مسكينْ، صاحَبْ الصَّلا والدّينْ»
(عمارة المسكين، المتشبّث بالصّلاة وبالدّين!). وهكذا فقد كان شاعراً
بدوره، وعلى الأقلّ فهو صاحب البيت المذكور. ومن غريب الصّدف
أنّه، هو أيضاً، لم يَمُتْ ميتة طبيعيّة، وإنّما اشتعلت النّار في إحدى
غُرْفتي بيته، فمات في الغرفة الأخرى مختنقاً بالدُّخَان...
بحيثُ يُصبِح وارداً عند الطفل القارئ بشغف أن يخرج ناسٌ من الكتب
ليتجسّدوا في الواقع، وأن يدخل آخرون من الواقع ليلتحقوا بمواقعهم
كأبطال في روايات مثلاً... وفي هذا الصّدد، لا أنْسى أنّي، في زمن
الصِّبا - وقدكنتُ من محبّي الشعر والرواية- قرأتُ أنّ شاعراً عبّاسيّاً
اسمُهُ سَلْم، لُقّب ب"سَلْم الخاسِر" لأنّهُ باعَ مُصْحَفاً واشترى بثمنه
طنبوراً، فكان من تأثير ذلك أنّ شخصاً كان يُدْعى لهويشْمي، وكان
يأتي حامِلا طنبوره ويُغَنّي ويرقص أمام أبواب منازل الحيّ، أضْحى
عندي هو سَلْم الخاسر نفسه. ولم أكن أجد تناقضًا بين إدراكي أنّ
لهويشمي هو، في وجه من الحقيقة، شخص مختلف عن سَلْم، وفي
وجه آخر منها، هو سَلْم... وكنتُ أقيمُ نفس النّوع من التّماهي
بين عُمارة اليَمنيّ – الشّاعر الذي قتله صلاح الدّين الأيّوبي – وبين
شخص رائع، كان يشتغل كاتِباً عُموميّاً ويسكن في حيّنا، من دون
عائلة، وكان مُحِبّاً للخمر، وكان يُسَمّى أيضاً عمارة (ننطقها بتسكين
العين)، ومن غريب المفارقات أنّه كان يَعود من الحانة، مترنّحاً بشكل
بَيّن، مُردِّداً بصوتٍ جهوريّ: «عمارة مسكينْ، صاحَبْ الصَّلا والدّينْ»
(عمارة المسكين، المتشبّث بالصّلاة وبالدّين!). وهكذا فقد كان شاعراً
بدوره، وعلى الأقلّ فهو صاحب البيت المذكور. ومن غريب الصّدف
أنّه، هو أيضاً، لم يَمُتْ ميتة طبيعيّة، وإنّما اشتعلت النّار في إحدى
غُرْفتي بيته، فمات في الغرفة الأخرى مختنقاً بالدُّخَان...