ظلت ذراع الرجل العارية مرفوعة فى مدخل المنزل العطن، والناس تتمعن فى كل شرخ أو تنميلة فى واجهة البيت علها تتبين تلك الحركة الثعبانية المتوقعة، كل العيون ظلت مشدودة تتفحص المداميك وخشب الواجهة وجريد السقف وشروخ الحيطان.
ــ آخذ جنيه..
ومد ذراعه الرفيعة الشرسة إلى أعلى، إلى آخر الأعلى حتى كادت تلامس السقف.. ثم أدار رأسه إلى القوم:
ــ آخذ جنيه...
ومصمصت شفتان وأصدرتا صوتا مستغربا، وانهمرت جملة مجهولة:
ــ أنت يعنى هتطلع عفريت..؟؟
تقلصت ذراع الرجل، اتسع محجرا العينين ثم انغلقا، أنزل ذراعه فتدلت كالحبل:
ــ ربع جنيه كفاية يا أبو البلديات...
ــ جنيه كامل وبينى وبينكم حد الله....
ثم انحنى فتناول خرقة وألقاها فى سلته ووضع عصاه تحت إبطه، فامتدت أيدى الناس تحول بينه وبين الرحيل.
وقال رجل مشهور بحضور مجالس الصلح:
ــ نتفاهم يا حاج..
سكن الرجل قليلا ثم طرفت عيناه، ألقى بحاجياته على الأرض وخلع قميصه فبدا جسده الرفيع الأسمر كجذع نخلة نجا من حريق:
ــ مدد يا رفاعى...
وخطا فى البيت خطوة، ثم لم يلبث أن مسح بكفه فى الظلام، انسحل السكون وتناثر:
ــ بحق جاه النبى وكلمة الإسلام، يا قوة الكرامة ونور الحبيب، مدد يا صاحب السطوة ومكمم الفواتك..
وبدأت خطوط الفحيح تسرى، والعيون لا تطرف قابضة على القلوب، وإذا بالرجل الرفيع العارى الأسمر يصرخ مرتجفا:
ــ بس.... بس يا ملعون... بس يا ديوث.....
وتراجع للخلف ثم استدار وهمس:
ــ آخذ جنيه...
تخلصت العيون من عتمة المدخل وبدأت تتشابك، قالت امرأة ترملت حديثا:
ــ جنيه منين....؟؟
ــ آخذ جنيه يا حاجة...!!
ردت المرأة متقدمة خطوة:
ــ بلاش ربع جنيه، ندى لك ربع قمح..
زام الناس وأمر أحدهم المرأة بعدم التدخل، كانت ذراع الرجل الرفيعة لا زالت متشبثة بالعصا، ظلت عيناه مختفيتين خلف حاجبيه الغليظين:
ــ جنيه كامل..
ــ هو احنا أول مرة نطلع حنوشة، ما طول عمر البلد مليانة مصايب، اشمعنى يعنى النهارده الحنش بجنيه... يا عم وحد الله....
ــ جنيه كامل...
ظل الحشد يلوك الكلام رافضا الإذعان، وقص طواب أنه استيقظ منذ أيام فوجد ثعبانا يلتف حول ساقه ولم يخف منه، وروى مجبر كسور أن زوجته قتلت ثلاثة ثعابين بمفردها، واستشاط رجل نظيف الملبس غضبا وطلب من الناس التوقف عن اللجاج، واقترب من الرجل الرفيع وهمس:
ــ ربع جنيه كفاية يا بو الخال...
عبثت أصابع الرجل العارى بعصاه، استدار مرة أخرى وبدأ يخطو داخل عتمة المنزل فى بطء ووجهه للسقف:
ــ مدد يا رفاعى... سقت علىك النبى تبلع سمك وتكسر نابك، سقت علىك الحسين تهدأ وتستكين، سقت علىك اللى البرية مدت له كفها ونعست، مدد يا رفاعى، مدد يا صاحب الجبروت...
وتقلص الفحيح الرفيع الحاد ثم خفت ..
ــ انزل يا ديوث.. انزل يا ملعون... انزل يا مفسد الحليب ومجتنز الحلل.. انزل يا قاتل...
وانهمر الفحيح شوكا يهز الأبدان، وتراجع الرجل الغريب للخلف فزعا، ثم قفز للأمام خطوة، وأمعن فى سقف المنزل الواطئ.. وعاد يواجه القوم:
ــ برضه هاخد جنيه..
ــ علىّ النعمة الراجل ده حرامى..
أخلت كلمة حرامى بكل الخطوط وصنعت اعوجاجا شرسا، وأغلق الرجل الغريب فمه وعينيه وظل ثابتا، وانتفشت الأهداب وفرشت ظلاما على مقلتيه.
وتوقف فحيح الحنش وظل النخيل سامقا عفريتا، واستمر الحشد حائطا بدنيّا صامتا..
وخلع الرجل الغريب سرواله ليصبح عاريا تماما، غير أن إدراك الحشد ظل متشبثا بالصمت، لم يحس أحد أن ثمة ما يخجل يحدث، لم تنزلق نظرة واحدة إلى جسده المحروق الفحمى، وامتدت أصابعه إلى عصاه فكسرها وألقاها بجوار ملابسه، وتحرك فى هدوء فاردا ذراعيه، ولم يلبث أن توغل فى ظلمة المدخل وصرخ .
ــ انزل.... انزل يا مجرم... وحياة أبو القاسم لتنزل... سقت عليك أم هاشم.... انزل يا ملعون.
واستمر الرجل ينحنى وذراعاه تغوصان فى عمق العتمة وتخلعان من القلوب أمنا واطمئنانا...
انزل... انزل..... مدد يا رفاعى.... مدد يا ناصر الضعفاء... مدد يا قادر...
وببطء شديد متوجس: انزل... انزل... وزحف على الأرض ذلك الالتفاف المذهل الأسود يتلوى، قادما من أعماق غويطة، ودرقته السوداء كبرياء منتصبة.... تنحدف للخلف وتعود فتسحب الجسد الثعبانى الشرس...
ــ أعوذ بالله....
وظل الحنش يتهادى والرجل العارى يهوم ناحيته بكفه منحنيا متوسلا، والفحيح يخترق الجلد والنخيل والبهائم والحشد والعظام والقلب والإدراك...
ثم تراجع الرجل ببطء، وانتصب فوق العتبة ونظر الناس فى همس:
ــ شفتوه؟؟
وتناول عصاه المكسورة، لف حولها ملابسه وألقاها فى سلته، ثم علقها فى كتفه.
وألقى نظرة صغيرة على الحشد...
ثم عاريا مضى....
ــ آخذ جنيه..
ومد ذراعه الرفيعة الشرسة إلى أعلى، إلى آخر الأعلى حتى كادت تلامس السقف.. ثم أدار رأسه إلى القوم:
ــ آخذ جنيه...
ومصمصت شفتان وأصدرتا صوتا مستغربا، وانهمرت جملة مجهولة:
ــ أنت يعنى هتطلع عفريت..؟؟
تقلصت ذراع الرجل، اتسع محجرا العينين ثم انغلقا، أنزل ذراعه فتدلت كالحبل:
ــ ربع جنيه كفاية يا أبو البلديات...
ــ جنيه كامل وبينى وبينكم حد الله....
ثم انحنى فتناول خرقة وألقاها فى سلته ووضع عصاه تحت إبطه، فامتدت أيدى الناس تحول بينه وبين الرحيل.
وقال رجل مشهور بحضور مجالس الصلح:
ــ نتفاهم يا حاج..
سكن الرجل قليلا ثم طرفت عيناه، ألقى بحاجياته على الأرض وخلع قميصه فبدا جسده الرفيع الأسمر كجذع نخلة نجا من حريق:
ــ مدد يا رفاعى...
وخطا فى البيت خطوة، ثم لم يلبث أن مسح بكفه فى الظلام، انسحل السكون وتناثر:
ــ بحق جاه النبى وكلمة الإسلام، يا قوة الكرامة ونور الحبيب، مدد يا صاحب السطوة ومكمم الفواتك..
وبدأت خطوط الفحيح تسرى، والعيون لا تطرف قابضة على القلوب، وإذا بالرجل الرفيع العارى الأسمر يصرخ مرتجفا:
ــ بس.... بس يا ملعون... بس يا ديوث.....
وتراجع للخلف ثم استدار وهمس:
ــ آخذ جنيه...
تخلصت العيون من عتمة المدخل وبدأت تتشابك، قالت امرأة ترملت حديثا:
ــ جنيه منين....؟؟
ــ آخذ جنيه يا حاجة...!!
ردت المرأة متقدمة خطوة:
ــ بلاش ربع جنيه، ندى لك ربع قمح..
زام الناس وأمر أحدهم المرأة بعدم التدخل، كانت ذراع الرجل الرفيعة لا زالت متشبثة بالعصا، ظلت عيناه مختفيتين خلف حاجبيه الغليظين:
ــ جنيه كامل..
ــ هو احنا أول مرة نطلع حنوشة، ما طول عمر البلد مليانة مصايب، اشمعنى يعنى النهارده الحنش بجنيه... يا عم وحد الله....
ــ جنيه كامل...
ظل الحشد يلوك الكلام رافضا الإذعان، وقص طواب أنه استيقظ منذ أيام فوجد ثعبانا يلتف حول ساقه ولم يخف منه، وروى مجبر كسور أن زوجته قتلت ثلاثة ثعابين بمفردها، واستشاط رجل نظيف الملبس غضبا وطلب من الناس التوقف عن اللجاج، واقترب من الرجل الرفيع وهمس:
ــ ربع جنيه كفاية يا بو الخال...
عبثت أصابع الرجل العارى بعصاه، استدار مرة أخرى وبدأ يخطو داخل عتمة المنزل فى بطء ووجهه للسقف:
ــ مدد يا رفاعى... سقت علىك النبى تبلع سمك وتكسر نابك، سقت علىك الحسين تهدأ وتستكين، سقت علىك اللى البرية مدت له كفها ونعست، مدد يا رفاعى، مدد يا صاحب الجبروت...
وتقلص الفحيح الرفيع الحاد ثم خفت ..
ــ انزل يا ديوث.. انزل يا ملعون... انزل يا مفسد الحليب ومجتنز الحلل.. انزل يا قاتل...
وانهمر الفحيح شوكا يهز الأبدان، وتراجع الرجل الغريب للخلف فزعا، ثم قفز للأمام خطوة، وأمعن فى سقف المنزل الواطئ.. وعاد يواجه القوم:
ــ برضه هاخد جنيه..
ــ علىّ النعمة الراجل ده حرامى..
أخلت كلمة حرامى بكل الخطوط وصنعت اعوجاجا شرسا، وأغلق الرجل الغريب فمه وعينيه وظل ثابتا، وانتفشت الأهداب وفرشت ظلاما على مقلتيه.
وتوقف فحيح الحنش وظل النخيل سامقا عفريتا، واستمر الحشد حائطا بدنيّا صامتا..
وخلع الرجل الغريب سرواله ليصبح عاريا تماما، غير أن إدراك الحشد ظل متشبثا بالصمت، لم يحس أحد أن ثمة ما يخجل يحدث، لم تنزلق نظرة واحدة إلى جسده المحروق الفحمى، وامتدت أصابعه إلى عصاه فكسرها وألقاها بجوار ملابسه، وتحرك فى هدوء فاردا ذراعيه، ولم يلبث أن توغل فى ظلمة المدخل وصرخ .
ــ انزل.... انزل يا مجرم... وحياة أبو القاسم لتنزل... سقت عليك أم هاشم.... انزل يا ملعون.
واستمر الرجل ينحنى وذراعاه تغوصان فى عمق العتمة وتخلعان من القلوب أمنا واطمئنانا...
انزل... انزل..... مدد يا رفاعى.... مدد يا ناصر الضعفاء... مدد يا قادر...
وببطء شديد متوجس: انزل... انزل... وزحف على الأرض ذلك الالتفاف المذهل الأسود يتلوى، قادما من أعماق غويطة، ودرقته السوداء كبرياء منتصبة.... تنحدف للخلف وتعود فتسحب الجسد الثعبانى الشرس...
ــ أعوذ بالله....
وظل الحنش يتهادى والرجل العارى يهوم ناحيته بكفه منحنيا متوسلا، والفحيح يخترق الجلد والنخيل والبهائم والحشد والعظام والقلب والإدراك...
ثم تراجع الرجل ببطء، وانتصب فوق العتبة ونظر الناس فى همس:
ــ شفتوه؟؟
وتناول عصاه المكسورة، لف حولها ملابسه وألقاها فى سلته، ثم علقها فى كتفه.
وألقى نظرة صغيرة على الحشد...
ثم عاريا مضى....