كان خفيف الحركة، يتنقل من هنا إلى هناك كانه مهموم ، حتى عندما يتجول في المدينة يكون قد زار كل قماماتها المنتشرة في الشارع، وعندما يعتزم احدنا الذهاب إلى التبضع من اسواق المدينة ويكون هو يريد مصاحبته، كان يجب أن ننبهه: "معي دع القمامة، ياصديقي شوهت سمعتنا" ، وكان هو دائما يجيب بالطاعة مصحوبة بابتسامة صفراء ويتمتم قولته الشهيرة: "عسا أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"، هذا الجهاز الذي تتخاصمون حول قنواته أنا من اتى به من القمامة المجيدة التي أشوهكم بها، حتى جهاز الطبخ الكهربائي الذي تطبخون اكلكهم عليه أنا من أتيت به، بدوني، رغم انكم تكرهون مصاحبتي لن تكفلوا بأنفسكم، أنا من جعل "التشابولا التي نسكنها تنضب بالحياة". كنا غالبا نصاحبه إلى المدينة وكانت تنتهي صحبتنا بمجرد الدخول إلى اول أزقتها، تنظر إليه وتقول له : انتهى مسارنا!
نسميه "اماحول" وتعني أمازيغيا الكائن الضعيف البنية، وهي من فعل "إيوحل" وتعني العياء وغالبا تقال للخراف والدواب وليس للإنسان، اما ولوعه بقارورات الزبل فمرده حسب حكايات البعض أنه حين كان يبيت تحت قناطر برشلونة عندما كان بدون اوراق الإقامة الشرعية والتي تمنحه الحق في الشغل أيضا، كانت كل قارورات الزبل الكتلانية تفيض بالخير وكانت هذه القارورات تنعم بالخير ليس فقط على "أماحول" بل ايضا على جاليات دول بعينها ومن الدول المتقدمة ولن أبالغ إذا قلت بأن حتى الالمانيون وهم من دولة متقدمة كانوا يلجأون إليها في مقتنياتهم الخاصة وبطريقتهم المتطورة طبعا والتي تشبه إلى حد ما طريقة "أماحول": بقليل من الذكاء وقليل من البديهة يمكن إصلاح الكثير من الأشياء المرمية والتي عند أصحابها المتشبعون بثقافة الاستهلاك يرمونها لأبسط الأمور، يقول "أماحول": عندما تلتقط جهازا ما، مالذي ستخصره إذا حاولت إصلاحه، في كل الاحوال، تلك الأجهزة فيها اشياء نافعة حتى إذا لم تستطع إصلاحها، فيها مواد صالحة للبيع، فيها أسلاك نحاسية، ألومينيوم، حديد، الفرق بيني وبين الألماني هو أني أفتقر إلى أدوات العمل، أستعمل أي شيء متاح لتفكيكها بما فيها استعمال الحجر على الطريقة المثلى في العصر الحجري.. أي الضرب لتفكيكها حين تعجز عن إصلاحها.. (1)
عندما حصل على أوراق الإقامة والشغل، حصلت له معجزة في برشلونة، معجزة جعلته يسافر إلى المغرب بدون حصاد، يعني بدون ان ينتظر أشهرا للعمل وجمع المال ثم السفر لزيارة الأهل الذين يعتقدون بسذاجة ان المهاجر، بمجرد ما يقطع البحر إلى الجهة الشمالية، سبدا مباشرة في التقاط المال الذي يرميه مجتمع الرفاه. كان أماحول يتجول مع صديق له في برشلونة وحدث أن تراءت له علبة قديمةفي القمامة، حركها برجله فبدت شيئا مليئا، تفحصها مليا فوجدها مليئة بالفعل، وفيما صديقه كان ينتظره بعيدا عن "الشوهة"، عندما التحق به "أماحول" أخبره بانه سيسافر اليوم إلى المغرب وتعجب صديقه من انقلابه المفاجيء: كيف تسافر وأنت لم تجني أي مال
ــ معزة والدتي اكثر، رؤية وجهها أحسن من المال!
ــ لكن هل لديك ثمن تسعيرة السفر؟
ــ لدي بعض المال الذي لا يكفي، لكن علي أولا الذهاب إلى المغرب لأني مشتاق، أنا هنا أكثر من ثلاث سنوات دون رؤية أهلي ، بعد رؤيتهم سأعود للحصاد في العمل بمزارع ألميريا..
ــ هل أنت متأكد من قرارك؟
ــ انا الآن حصلت على الإقامة ورخصة الشغل وهما كفيلتان لي بالعمل براحة بال ، المهم الآن هو زيارة أهلي وبعد ذلك "مولانا" كريم
بعد عودته إلى ألميرية بعد زيارة أهله، حكى من حيث لا يدري قصة سفره إلى المغرب وفي حضور صديقه الذي كان مصاحبا له في جولات برشلونة: لقد كانت العلبة التي لامس ملأها تحتوي على 3000 يورو، وحسب تفسيره هو لوجودها بقارورة الزبل يعود إلى إرث حضاري، هكذا شرح الأمر: "ربما كانت العلبة لشيخ أو امراة هرمة كانت تجمع المال ، مات او ماتت فرمى أبناؤه (ها) كل أشيائه (ها) القديمة دون ان يعرفوا أن بالعلبة 3000 يورو
ضحك صديقه فأخذه من أذنه: "أيها اللعين! كنت اعتقد انك بالفعل تريد زيارة أمك، لقد انكرت أن لديك مال، أكثر من ذلك تسولت لحالك وساعدناك بشراء تذاكر سفرك..!، انت لعين ولا تستحق ثقتي!
ــ العفو صديقي! أنا بالنسبة لكم إنسان حقير، نقار مزابل، الذي أخذني على ان لا أخبرك هو انك اختفيت عندما بدأت أنقر في القارورات، لكن، ولأنك مدخن، سأمنح لك الآن علبة مارلبورو هدية ! قالها وهو يضحك...
ــ يا ابن القحبة! لو وجدت الآن 3000 يورو وانت بصحبتي سأمنحك على الأقل ما يمنح للدولة حالة الفوز باليانصيب كقاعدة قانونية يعمل بها، سأمنحك 20% مما وجدت ..!
كانت حرفة "أماحول" الأصلية هي أنه ميكانيكي، مغربي بامتياز، بإمكانه أن يجعل سيارتك العصرية تتحرك بطرق اعتيادية كأنك تلجم بغلك، وأذكر أنه ذات يوم اتاه إسباني أخبروه أن مشكلة سيارته لن يحلها غير المغاربة ، تقدم "أماحول" يتفحص السيارة ثم أخبره بأنه يستطيع إصلاحها، سأله الإسباني كيف يكافئه فأخبره بأن ليس عليه أي تكليف، احب أن ابدا فيها وبجانبي برميل نبيذ
ــ بنيتك الجسمية لا تحتمل برميل!
ــ لا يهم، أحب وأنا اعمل أن يكون بجانبي ، احب ان يكون كل هؤلاء المحيطين بي مستمرحين، أحب أن تمنحني نبيذ وبعض النقوذ لحاجاتي الأخرى وهي أمور ليست مكلفة
ــ "إنه الراي ديل بينو" (يقصد أنه ملك النبيذ) قالها ياسين (مهاجر مغربي مراهق بلغ لتوه سن 18 سنة)
ذهب العم خوسي ليحضر البينو (النبيذ) وعندما عاد وجد ان الذين نصحوه بان مشكلة سيارته لها حل عند المغاربة هي صحيحة.
كانت ل"أماحول" قصص جميلة اخرى، ذات يوم أكل وجبة عدس كان هو من أجهزها، عبارة عن خامون مقطع، فلافل، وتوابل شرقية- وورقة سيدنا موسى (لا اعرف شخصيا كيف تسمى باللغة العربية)، عندما تذوقها ووجدها عذبة، لقد اعطاها الخامون نكهة الشحم المعتق في المغرب، تذكر فجاة أن يكتب شيئا بصدده: " الذين يحتقرون العدس لا يعرفون شيئا بصدده!"
ــ " تختلف أكلة العدس باختلاف ثقفات الشعوب.." ليخرج بقناعة رائدة: لا اعرف لماذا الناس تكره العدس، ربما لرؤيته، لكن بالنسبة لي هو من اشهى الأكلات على الإطلاق، أعرف أنه في أوكرانيا مثلا يعتبرونه اكلة البقر، لكن الأوكرانيون استلهمتهم اكلة البطاطس التي لقرون لا يعرفونها
أحيانا يتساءل: لماذا أوكرانيا تكره العدس؟
عندما كان بدون اوراق شرعية ببرشلونة، كتب رسالة لرئيس الحكومة الإسبانية يحثه فيها على أنه ليس مهاجر سلبي ويذكره بالتاريخ المنسي بين شعبين عريقين فرقت بينهما فقط الإيديولوجية التي اعتبرها هي الدين، لكن، وهو لم ينتهي من كتابة رسالته، خرج له في الحلم أثنار بشعر مكعث وموستاج حيوان خارق يخبره بان الهجرة هي ما تبقى من التجارة القديمة: هي مقايضة !
نسميه "اماحول" وتعني أمازيغيا الكائن الضعيف البنية، وهي من فعل "إيوحل" وتعني العياء وغالبا تقال للخراف والدواب وليس للإنسان، اما ولوعه بقارورات الزبل فمرده حسب حكايات البعض أنه حين كان يبيت تحت قناطر برشلونة عندما كان بدون اوراق الإقامة الشرعية والتي تمنحه الحق في الشغل أيضا، كانت كل قارورات الزبل الكتلانية تفيض بالخير وكانت هذه القارورات تنعم بالخير ليس فقط على "أماحول" بل ايضا على جاليات دول بعينها ومن الدول المتقدمة ولن أبالغ إذا قلت بأن حتى الالمانيون وهم من دولة متقدمة كانوا يلجأون إليها في مقتنياتهم الخاصة وبطريقتهم المتطورة طبعا والتي تشبه إلى حد ما طريقة "أماحول": بقليل من الذكاء وقليل من البديهة يمكن إصلاح الكثير من الأشياء المرمية والتي عند أصحابها المتشبعون بثقافة الاستهلاك يرمونها لأبسط الأمور، يقول "أماحول": عندما تلتقط جهازا ما، مالذي ستخصره إذا حاولت إصلاحه، في كل الاحوال، تلك الأجهزة فيها اشياء نافعة حتى إذا لم تستطع إصلاحها، فيها مواد صالحة للبيع، فيها أسلاك نحاسية، ألومينيوم، حديد، الفرق بيني وبين الألماني هو أني أفتقر إلى أدوات العمل، أستعمل أي شيء متاح لتفكيكها بما فيها استعمال الحجر على الطريقة المثلى في العصر الحجري.. أي الضرب لتفكيكها حين تعجز عن إصلاحها.. (1)
عندما حصل على أوراق الإقامة والشغل، حصلت له معجزة في برشلونة، معجزة جعلته يسافر إلى المغرب بدون حصاد، يعني بدون ان ينتظر أشهرا للعمل وجمع المال ثم السفر لزيارة الأهل الذين يعتقدون بسذاجة ان المهاجر، بمجرد ما يقطع البحر إلى الجهة الشمالية، سبدا مباشرة في التقاط المال الذي يرميه مجتمع الرفاه. كان أماحول يتجول مع صديق له في برشلونة وحدث أن تراءت له علبة قديمةفي القمامة، حركها برجله فبدت شيئا مليئا، تفحصها مليا فوجدها مليئة بالفعل، وفيما صديقه كان ينتظره بعيدا عن "الشوهة"، عندما التحق به "أماحول" أخبره بانه سيسافر اليوم إلى المغرب وتعجب صديقه من انقلابه المفاجيء: كيف تسافر وأنت لم تجني أي مال
ــ معزة والدتي اكثر، رؤية وجهها أحسن من المال!
ــ لكن هل لديك ثمن تسعيرة السفر؟
ــ لدي بعض المال الذي لا يكفي، لكن علي أولا الذهاب إلى المغرب لأني مشتاق، أنا هنا أكثر من ثلاث سنوات دون رؤية أهلي ، بعد رؤيتهم سأعود للحصاد في العمل بمزارع ألميريا..
ــ هل أنت متأكد من قرارك؟
ــ انا الآن حصلت على الإقامة ورخصة الشغل وهما كفيلتان لي بالعمل براحة بال ، المهم الآن هو زيارة أهلي وبعد ذلك "مولانا" كريم
بعد عودته إلى ألميرية بعد زيارة أهله، حكى من حيث لا يدري قصة سفره إلى المغرب وفي حضور صديقه الذي كان مصاحبا له في جولات برشلونة: لقد كانت العلبة التي لامس ملأها تحتوي على 3000 يورو، وحسب تفسيره هو لوجودها بقارورة الزبل يعود إلى إرث حضاري، هكذا شرح الأمر: "ربما كانت العلبة لشيخ أو امراة هرمة كانت تجمع المال ، مات او ماتت فرمى أبناؤه (ها) كل أشيائه (ها) القديمة دون ان يعرفوا أن بالعلبة 3000 يورو
ضحك صديقه فأخذه من أذنه: "أيها اللعين! كنت اعتقد انك بالفعل تريد زيارة أمك، لقد انكرت أن لديك مال، أكثر من ذلك تسولت لحالك وساعدناك بشراء تذاكر سفرك..!، انت لعين ولا تستحق ثقتي!
ــ العفو صديقي! أنا بالنسبة لكم إنسان حقير، نقار مزابل، الذي أخذني على ان لا أخبرك هو انك اختفيت عندما بدأت أنقر في القارورات، لكن، ولأنك مدخن، سأمنح لك الآن علبة مارلبورو هدية ! قالها وهو يضحك...
ــ يا ابن القحبة! لو وجدت الآن 3000 يورو وانت بصحبتي سأمنحك على الأقل ما يمنح للدولة حالة الفوز باليانصيب كقاعدة قانونية يعمل بها، سأمنحك 20% مما وجدت ..!
كانت حرفة "أماحول" الأصلية هي أنه ميكانيكي، مغربي بامتياز، بإمكانه أن يجعل سيارتك العصرية تتحرك بطرق اعتيادية كأنك تلجم بغلك، وأذكر أنه ذات يوم اتاه إسباني أخبروه أن مشكلة سيارته لن يحلها غير المغاربة ، تقدم "أماحول" يتفحص السيارة ثم أخبره بأنه يستطيع إصلاحها، سأله الإسباني كيف يكافئه فأخبره بأن ليس عليه أي تكليف، احب أن ابدا فيها وبجانبي برميل نبيذ
ــ بنيتك الجسمية لا تحتمل برميل!
ــ لا يهم، أحب وأنا اعمل أن يكون بجانبي ، احب ان يكون كل هؤلاء المحيطين بي مستمرحين، أحب أن تمنحني نبيذ وبعض النقوذ لحاجاتي الأخرى وهي أمور ليست مكلفة
ــ "إنه الراي ديل بينو" (يقصد أنه ملك النبيذ) قالها ياسين (مهاجر مغربي مراهق بلغ لتوه سن 18 سنة)
ذهب العم خوسي ليحضر البينو (النبيذ) وعندما عاد وجد ان الذين نصحوه بان مشكلة سيارته لها حل عند المغاربة هي صحيحة.
كانت ل"أماحول" قصص جميلة اخرى، ذات يوم أكل وجبة عدس كان هو من أجهزها، عبارة عن خامون مقطع، فلافل، وتوابل شرقية- وورقة سيدنا موسى (لا اعرف شخصيا كيف تسمى باللغة العربية)، عندما تذوقها ووجدها عذبة، لقد اعطاها الخامون نكهة الشحم المعتق في المغرب، تذكر فجاة أن يكتب شيئا بصدده: " الذين يحتقرون العدس لا يعرفون شيئا بصدده!"
ــ " تختلف أكلة العدس باختلاف ثقفات الشعوب.." ليخرج بقناعة رائدة: لا اعرف لماذا الناس تكره العدس، ربما لرؤيته، لكن بالنسبة لي هو من اشهى الأكلات على الإطلاق، أعرف أنه في أوكرانيا مثلا يعتبرونه اكلة البقر، لكن الأوكرانيون استلهمتهم اكلة البطاطس التي لقرون لا يعرفونها
أحيانا يتساءل: لماذا أوكرانيا تكره العدس؟
عندما كان بدون اوراق شرعية ببرشلونة، كتب رسالة لرئيس الحكومة الإسبانية يحثه فيها على أنه ليس مهاجر سلبي ويذكره بالتاريخ المنسي بين شعبين عريقين فرقت بينهما فقط الإيديولوجية التي اعتبرها هي الدين، لكن، وهو لم ينتهي من كتابة رسالته، خرج له في الحلم أثنار بشعر مكعث وموستاج حيوان خارق يخبره بان الهجرة هي ما تبقى من التجارة القديمة: هي مقايضة !
- في ألمانيا هناك عادة لا اعرف اسمها الآن هي، حين يبلغ الشاب 18 سنة وله تقنيات معينة، يتجول في البلاد إلى أن يجد حيث يرتاح، يتجول مجهزا بخبرته وبأدواتها التي يحملها معه، إذا كان مثلا نجارا يمكنه أن يتقدم إلى عائلة معينة يخبرها أنه يستطيع إصلاح نوافذ منزلهم (مثلا) مقابل أكل وشرب أو إذا تعذر الأمر مقابل مال يستعين به في رحلته، ومن الأمور التي فاجاتني شخصيا في صحبة الألمان هي اني أكتشف عندهم في استضافتي كل الأدوات الملازمة لفعل ذلك، لديهم ادوات البناء، ادوات تفكيك الاجهزة، لديهم حتى آليات المطبخ العالمي