أحضر لُعبَهُ، وجلس قُبالتي، ونثرها على الأرض، وبدأ يعيد جمعَها وترتيبها. ناديته بصوتٍ خفيض. فلم يُجبْ. وناديته، مرةً أخرى، بصوت مسموعٍ واضحٍ. فلم يُجبْ. كان مستغرقاً وغارقاً في عالمه الخاص. ولم يكنْ بمقدور صوتي أن يصل إليه، أو أنْ يقطع عليه خلوتَهُ بنفسه وبعالمه…
تركته في عالمه البريء الخاص، ينثر ما بين يديه ثم يُعيد الجمعَ والترتيب والتركيب. كرّر ذلك، عدةَ مراتٍ. وعلى حين غرةٍ، رأيته يقوم، مسرعاً، وينثر بغضبٍ، كلَّ لُعبه، وهو ينطق كلاماً غير مفهوم، ولا يدل إلا على أنه غاضبٌ إلى أقصى درجات الغصب. نهضتُ إليه واحْتضنْتُهُ، وحاولتُ مواساته وتهدئته. ولاعبته، ودغدغتُ إبطيه وبطنَه حتى يتبسم ويضحكَ، وينسى ما كان.
ناديته، وهو مستغرقٌ، باسمه الصريح. ولم يجبْ. والآن، هو بين يديّ، يبتسم ويضحك...وددتُ أن أناديه باسمه. وخطر ببالي أنّ ذلك ربما يثير غضبه. وناديته، وأنا ألاعبه:«ياسوناري! ياسوناري». توقف، فجأةً، عن الضحك، وظهر لي أنه يعود إلى عالمه الخاص. استغرب ولم يُبْدِ أية علامة لا بالرضى ولا بالغضب. فكررتُ ندائي: «ياسوناري! ياسوناري!» لأدفعه إلى فعلِ شيءٍ واضحٍ معلوم. وقابل ذلك بالصمت.وتركني في حيرةٍ وأنا أفسر وقعَ هذا النداء عليه. يبدو لي أنه لم يعجبْهُ، ويبدو لي أنه لم يفهمْهُ، ويبدو لي أنه يتمعنُهُ، ويبدو لي أنه أدخله في وجدانه، وأنه بدأ يتفحصُهُ.…
عصرَ اليوم التالي، حين رجعتُ من العمل لاقاني، واحتضنته، وتذكرتُ يومَ الأمس. فناديته بصوت خفيض: يا يا سو ناري!. رفع بصره إليّ ولم يبدِ أيةَ علامة واضحة. وجدت ذلك مسليّاً. ووجدتُ فيه جِدّاً. أتذكر فأناديه. وحين أنسى أشعر أنه يريد مني ذلك النداء: ياسوناري!ياسوناري!.
يوماً بعد يومٍ حتى بدأ يتقبلُ النداءَ، شيئاً فشيئا. حتى ابتسم. حتى استجاب... حتى كاد ينسى اسمَهُ الحقيقيَّ...
- ما اسمُكَ؟
- سوناري!
ثم صار هو يدعو نفسَهُ بهذا الاسم. «يابا أنا سوناري!». ويضحك… مضى أسبوعٌ...أسبوعان... أو ثلاثة، وهو بهذا الاسم الجديد جدُّ سعيد. ويوماً ما ناديته « سوناري» كما يريد. فلم يستجبْ. كررتُ، ولم يجبْ، ولم يبدِ أية علامة...ظل غارقاً في عالمه الخاص...وتركته وغادرتُ…
في يومٍ آخر تقدّم وجلس قربي. وأحسستُ أنه سيقول شيئاً ما. ولكنه التزم الصمتَ. وبدأ يتململ، وهو يُظْهر الخجل والقلقَ...وضعتُ يدي على رأسه: « سوناري! شو بِدّكْ سوناري؟!». ألقى يدي، جانباً، ونهض: أنا مِشْ سوناري!. بدأ غاضباً وتوارى الصمتُ، وطوى معه الخجلَ السابقَ، وأثبت الحدةَ والحزم. وجدت ذلك مسلياً ووجدت فيه جِدّا.
أذكر آخر مرةٍ ناديتهُ:
- سو سوناري!
- أنا مشْ سوناري ي ي ي!
- مينْ إنت؟
- أنا ...أنا ...راحْ!...
- مينْ إللي راح؟
- سوناري!
- وينْ راح؟
- راحْ بعيد...وقعْ في الجورةْ ... وَكَلِنّو لِكْلاب…
يا إلهي! من أين لهذا الطفل الذي وُلِدَ، وهو لم يتم شهره السادسَ، ولم يبلغْ، بعد، سنته الرابعة- من أين له كل هذا الخيال وكل هذا الوصف؟ وهل عرف حقاً ياسوناري كاواباتا؟ فلم يردْ أن يرتبط به بأي شكل، وأنه يريد أن يصوغَ حياتَهُ بشكلٍ مختلفٍ وكما يريد، هو نفسه؟.
تركته في عالمه البريء الخاص، ينثر ما بين يديه ثم يُعيد الجمعَ والترتيب والتركيب. كرّر ذلك، عدةَ مراتٍ. وعلى حين غرةٍ، رأيته يقوم، مسرعاً، وينثر بغضبٍ، كلَّ لُعبه، وهو ينطق كلاماً غير مفهوم، ولا يدل إلا على أنه غاضبٌ إلى أقصى درجات الغصب. نهضتُ إليه واحْتضنْتُهُ، وحاولتُ مواساته وتهدئته. ولاعبته، ودغدغتُ إبطيه وبطنَه حتى يتبسم ويضحكَ، وينسى ما كان.
ناديته، وهو مستغرقٌ، باسمه الصريح. ولم يجبْ. والآن، هو بين يديّ، يبتسم ويضحك...وددتُ أن أناديه باسمه. وخطر ببالي أنّ ذلك ربما يثير غضبه. وناديته، وأنا ألاعبه:«ياسوناري! ياسوناري». توقف، فجأةً، عن الضحك، وظهر لي أنه يعود إلى عالمه الخاص. استغرب ولم يُبْدِ أية علامة لا بالرضى ولا بالغضب. فكررتُ ندائي: «ياسوناري! ياسوناري!» لأدفعه إلى فعلِ شيءٍ واضحٍ معلوم. وقابل ذلك بالصمت.وتركني في حيرةٍ وأنا أفسر وقعَ هذا النداء عليه. يبدو لي أنه لم يعجبْهُ، ويبدو لي أنه لم يفهمْهُ، ويبدو لي أنه يتمعنُهُ، ويبدو لي أنه أدخله في وجدانه، وأنه بدأ يتفحصُهُ.…
عصرَ اليوم التالي، حين رجعتُ من العمل لاقاني، واحتضنته، وتذكرتُ يومَ الأمس. فناديته بصوت خفيض: يا يا سو ناري!. رفع بصره إليّ ولم يبدِ أيةَ علامة واضحة. وجدت ذلك مسليّاً. ووجدتُ فيه جِدّاً. أتذكر فأناديه. وحين أنسى أشعر أنه يريد مني ذلك النداء: ياسوناري!ياسوناري!.
يوماً بعد يومٍ حتى بدأ يتقبلُ النداءَ، شيئاً فشيئا. حتى ابتسم. حتى استجاب... حتى كاد ينسى اسمَهُ الحقيقيَّ...
- ما اسمُكَ؟
- سوناري!
ثم صار هو يدعو نفسَهُ بهذا الاسم. «يابا أنا سوناري!». ويضحك… مضى أسبوعٌ...أسبوعان... أو ثلاثة، وهو بهذا الاسم الجديد جدُّ سعيد. ويوماً ما ناديته « سوناري» كما يريد. فلم يستجبْ. كررتُ، ولم يجبْ، ولم يبدِ أية علامة...ظل غارقاً في عالمه الخاص...وتركته وغادرتُ…
في يومٍ آخر تقدّم وجلس قربي. وأحسستُ أنه سيقول شيئاً ما. ولكنه التزم الصمتَ. وبدأ يتململ، وهو يُظْهر الخجل والقلقَ...وضعتُ يدي على رأسه: « سوناري! شو بِدّكْ سوناري؟!». ألقى يدي، جانباً، ونهض: أنا مِشْ سوناري!. بدأ غاضباً وتوارى الصمتُ، وطوى معه الخجلَ السابقَ، وأثبت الحدةَ والحزم. وجدت ذلك مسلياً ووجدت فيه جِدّا.
أذكر آخر مرةٍ ناديتهُ:
- سو سوناري!
- أنا مشْ سوناري ي ي ي!
- مينْ إنت؟
- أنا ...أنا ...راحْ!...
- مينْ إللي راح؟
- سوناري!
- وينْ راح؟
- راحْ بعيد...وقعْ في الجورةْ ... وَكَلِنّو لِكْلاب…
يا إلهي! من أين لهذا الطفل الذي وُلِدَ، وهو لم يتم شهره السادسَ، ولم يبلغْ، بعد، سنته الرابعة- من أين له كل هذا الخيال وكل هذا الوصف؟ وهل عرف حقاً ياسوناري كاواباتا؟ فلم يردْ أن يرتبط به بأي شكل، وأنه يريد أن يصوغَ حياتَهُ بشكلٍ مختلفٍ وكما يريد، هو نفسه؟.