قررت أخيرا بعد تردد طويل ، أن أرحل بعيدا عن هذا الوطن غير الأمين ، دون أوبة ، فلم يبق فيه ما يجعلني أتشبت به كقرادة ، عند مغرب الشمس عبرت الغابة الصغيرة بصعوبة إلى الشاطئ الواسع و المقفر ، كان البحر هادئا ، مشيت على رمال الشاطئ ، كانت قدماي تغوصان في الرمل فترسم خلفي أثر خطوات حذائي الرياضي ، كنت آخر من وصل إلى عين المكان ، كان عدد الحرّاكة حوالي ثلاثين نفرا من الرجال والنساء ، صاح صاحب القارب : هيا بنا ،على بركة الرب ، لقد حان وقت إبحارنا ، الجميع حاضر وكل شيء جاهز ، دفعنا القارب إلى الماء وقفزنا إليه ، أخذت مكاني بجانب فتاة إفريقية ، ثبت صاحب القارب ومساعده المحرك في مؤخر ة القارب وبدآ يجذفان بقوة ، كان القارب يشق طريقه في الظلام والمجهول حين تذكرت أمي وأختي اللتين تركتهما ، رنت كلمات أمي في أذنيّ كرنين منبه يوقظ نائما وهي تقول لي منتحبة ومستعطفة : أمازيغ لاترحل ، لا تترك أمك وأختك وحيدتين بين أنياب الضباع التي لا ترحم ، مستقبلك ياولدي في بلدك ، لا تنهزم ، قاوم ، لا تفر ، لا تكن جبانا ، لا تكن جبانا ، لا تكن جبانا ، نهضت حتى استويت واقفا في وسط القارب ، صحت بأعلى صوتي : لن أكون غطاسا في مطعم ، لن أكون خماسا في ضيعة ، لن أشتغل عند الرومي ، لن أهرب ، لن أهرب ، لن أهرب ، أمام دهشة رفاق البحر قفزت في الماء وسبحت إلى الشاطئ الذي ينيره مصباح باهت ، عائدا إلى بر بلدي.